– التأسّي بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم:
يقول الله تعالى في هذا المجال: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾[1].
وهذا أمر واضح وصريح من الحقّ تعالى بأن نتّخذ النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أسوة لنا، ولذا فإنّ من يريد أن يتخلّق بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأن يمتلك إيماناً واقعيّاً بالله تبارك وتعالى لا بدّ له أن يتّخذ النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم مثالاً وقدوةً له.
ويحدّثنا التاريخ والروايات أنّ النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كان كثيراً ما يظهر محبّته وعلاقته القويّة بسيّد الشهداء عليه السلاموعندما كان يذكرُ أيّ شيء يتعلّق بمقتل الإمام الحسين عليه السلاميتغيّر حاله وكيانه ويصيبه الغمّ والحزن ويبكي بشدّة.
وممّا ينبغي الالتفات إليه هنا أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كان يقوم بذلك قبل خمسين ونيّف من السنين قبل استشهاد سيّد الشهداء سلام الله عليه.
وفي هذا المجال يروى لنا عبد الله بن محمّد الصنعانيّ نقلاً عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل الحسين عليه السلام جذبه إليه وقال لأمير المؤمنين عليه السلام: أمسكه، ثمّ يقع عليه فيقبّله ويبكي فيلتفت إليه (الحسين) ويقول: يا أبه لم تبكي؟ فيقول: يا بنيّ, أُقبِّل موضع السيوف منك وأبكي“[2].
وفي رواية أخرى عن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: “إنّ جبرائيل أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والحسين يلعب بين يديه فأخبره أنّ أمّته ستقتله، قال فجزع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم”[3].
وروي أيضاً عن صفيّة بنت عبد المطلب أنّها قالت: “لمّا سقط الحسين عليه السلام من بطن أمّه دفعته إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم… فقبّل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بين عينيه، ثمّ دفعه إليّ وهو يبكي ويقول لعن الله قوماً هم قاتلوك يا بنيّ قالها ثلاثاً…”[4].
وكذلك في أواخر لحظات عمر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وقد كان يحتضر أخذ الحسين عليه السلام ليودّعه فضمّه إلى صدره وراح يقبّله وهو يقول: “ما لي وليزيد لا بارك الله في يزيد”[5].
وينقل سعيد بن يسار عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: “لمّا أن هبط جبرائيل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخبره بقتل الحسين عليه السلام، أخذ بيد عليّ عليه السلام فخلا به مليّاً من النهار فغلبتهما العبرة، فلم يتفرّقا حتّى هبط عليهما جبرائيل عليه السلام فقال لهما: ربّكما يقرؤكما السلام ويقول: قد عزمت عليكما لما صبرتما، قال فصبرا“[6].
وقد أحصى العلّامة الأمينيّ رحمه الله في كتابه سيرتنا وسنّتنا, ما يقرب من عشرين مأتماً, روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه أقامها على الإمام الحسين عليه السلام, أخرجها من كتب وروايات أهل السنّة: فمأتم أقامه عند الميلاد في أوّل ساعة من ميلاده, ومأتم الرضوعة, ومأتم في رأس السنة, أي بعدما أتى على الحسين عليه السلام سنة كاملة, سبعة مآتم في بيت السيّدة أمّ سلمة أمّ المؤمنين, وثلاثة مآتم في بيت السيّدة عائشة, ومأتم في بيت السيّدة زينب بنت جحش أمّ المؤمنين, ومأتم في دار أمير المؤمنين عليه السلام, ومأتم في حشد من الصحابة, ومأتم في دار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, ومأتم يوم عاشوراء, ومأتم في كربلاء أقامه أمير المؤمنين عليه السلام.
[1] سورة الأحزاب، الآية: 21.
[2] كامل الزيارات، باب 22، رقم 4، ص146, الخصائص الحسينيّة ص75 (نقلاً عن بحار الأنوار، ج44، ص261).
[3] نفس المصدر، باب 17، رقم1، ص128.
[4] بحار الأنوار، ج43، ص243, الخصائص الحسينيّة، ص36, الأمالي للصدوق، ص83.
[5] الخصائص الحسينيّة، ص37, بحار الأنوار، ج44، ص266.
[6] كامل الزيارات، باب 16، رقم 1، ص121, بحار الأنوار، ج44، ص231.
شبكة المعارف الإسلامية