العـلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
ـ 3 ـ
ـ الاسلام وعنايته بالمجتمع ـ
لا ريب أن الاسلام هو الدين الوحيد الذي أسس بنيانه على الاجتماع صريحاً ، ولم يهمل أمر المجتمع في أقل شأن من شؤونه ، فانظر : إن أردت زيادة التبصر في ذلك إلى سعة الأعمال الانسانية التي تعجز عن إحصائها الفكرة ، وإلى تشعبها إلى أجناسها ، وأنواعها ، وأصنافها ، ثم انظر إلى احصاء هذه الشريعة الإلهية لها وإحاطتها بها وبسط أحكامها عليها ، ترى عجباً ، ثم أنظر إلى تقليبه ذلك كله في قالب المجتمع ترى أنه أنفذ روح الاجتماع فيها غاية ما يمكن من الانفاذ. ثم خذ في مقايسة ما وجدته بسائر الشرائع الحقة التي يعتني بها القرآن وهي شرائع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى حتى تعاين النسبة وتعرف المنزلة .
وأما ما لا يعتني به القرآن الكريم من الشرائع كأديان الوثنية والصابئية والمانوية والثنوية ، وغيرها ، فالأمر فيها أظهر وأجلى . وأما الأمم المتمدنة وغيرها فالتاريخ لا يذكر من أمرها إلا أنها كانت تتبع ما ورثته من أقدم عهود الإنسانية من استتباع الاجتماع بالاستخدام ،
( 11 )
واجتماع الافراد تحت جامع حكومة الاستبداد والسلطة الملوكية ، فكان الاجتماع القومي ، والوطني والإقليمي يعيش تحت راية الملك والرئاسة ، ويهتدي بهداية عوامل الوراثة والمكان وغيرهما من غير أن يعتني أمة من هذه الأمم عناية مستقلة بأمره ، وتجعله مورداً للبحث والعمل ، حتى الأمم المعظمة التي كانت لها سيادة الدنيا حينما شرقت شارقة الدين وأخذت في إشراقها وإنارتها أغنى إمبراطورية الروم والفرس فإنها لم تكن إلا قيصرية و كسروية تجتمع أممها تحت لواء الملك والسلطنة ويتبعها الاجتماع في رشده ونموه ويمكث بمكثها .
نعم ، يوجد فيما ورثوه أبحاث إجتماعية في مسفورات حكمائهم من أمثال سقراط وأفلاطون وأرسطو وغيرهم إلا انها كانت أوراقاً وصحائف لا ترد مورد العمل ، ومثلاً ذهنية لا تنزل مرحلة العين والخارج ، والتاريخ الموروث أعدل شاهد على صدق ما ذكرناه . فأول نداء قرع سمع النوع الإنساني ، ودعى به هذا النوع الى الاعتناء بأمر المجتمع بجعله موضوعاً مستقلاً خارجاً عن زاوية الاهمال وحكم التبعية هو الذي نادى به صادع الاسلام عليه أفضل الصلاة والسلام ، فدعى الناس بما نزل عليه من آيات ربه إلى سعادة الحياة وطيب العيش مجتمعين ، وقد قال تعالى :
( وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم ) (1) . وقال تعالى : ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ـ إلى أن قال تعالى ـ * ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ( يشير إلى حفظ المجتمع عن التفرق والانشعاب ) وأولئك هم المفلحون * ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم
____________
(1) سورة الانعام ، الآية : 153 .
( 12 )
البينات ) (1) .
وقال : ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء ) (2) إلى غير ذلك من الآيات المطلقة الداعية إلى أصل الاجتماع والاتحاد .
قال تعالى : ( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم ) (3) .
وقال : ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) (4) .
وقال : ( وتعاونوا على البر والتقوى ) (5) .
وقال أيضاً : ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) (6) .
إلى غير ذلك من الآيات الآمرة ببناء المجتمع الاسلامي على الاتفاق والاتحاد في حيازة منافعها ومزاياها المعنوية والمادية والدفاع عنه على ما سنتحدث فيه إن شاء الله تعالى .
الولاية الاخبارية