أسباب اختيار الإنسان للوسائل المحرّمة
لكي نتعرّف إلى السبب في ذلك ندعو للتأمُّل في المثال التالي:
من المقاصد والغايات التي يسعى إليها الإنسان في هذه الحياة, الغنى، مع قطع النّظر عن قيمة هذا الهدف وصحته.
9- البقرة، 229.
10- آل عمران، 178.
وفي الحسابات الدنيوية المادية يعتقد الإنسان أنَّه كُلّما كانت الوسيلة الموصلة إِلَى الهدف تتميّز بالسُّرعة والسُّهولة تكون أربح وأنفع. والطُّرق المحرّمة والملتوية كثيراً ما تكون كذلك.
فالوصول إِلَى الغنى عن طريق الكدّ والجهد بالسفر والسهر، وسلوك المعاملات التي أحلّها الله تعالى تتميّز بالصُّعوبة وتأخذ وقتها الكافي والطويل للوصول بصاحبها إِلَى مصافّ الأغنياء.
بينما في مقابل ذلك قد يكون الغشّ والاحتيال والمكر والخديعة أكثر ربحاً وأسرع نفعاً.
والإنسان بطبعه ميّال نحو الدعة والراحة والربح السريع، قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: “حُفَّتِ الجّنَّةُ بِالْمَكَارِه، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَات“11.
نماذج لاتّخاذ المعصية ذريعة لقضاء الحوائج
في حياتنا اليومية يمرُّ معنا الكثير من النماذج التي تجعل المعصية وسيلةً لقضاء الحوائج والوصول إِلَى الغايات، أُشير إِلَى جملةٍ منها, لكي يكون الإنسان على بصيرةٍ من أمره، ثمّ نتعرّض بعد ذلك إِلَى الأُسلوب الناجع لعلاج هذه المشكلة التي عمّ الابتلاء بها في المجتمعات المختلفة.
النّموذج الأوَّل: الاستعانة بالرشوة:
الحياة الاجتماعية في تشعّباتها المختلفة لا تخلو من وقوع المنازعات والاختلافات. والأنظمة الوضعية والشريعة الإسلامية على حدٍّ سواء نصّبت مرجعاً للناس يرجعون إليه في فضّ نزاعاتهم ورفع اختلافاتهم، يطلق عليه اسم القاضي والحاكم بين الناس.
11- المجلسي، محّمَّد باقر، بحار الأنوار، ج 67، ص 78، الطَّبعة الثَّالثة 1403، دار إحياء التُّراث، بيروت.
وكثيراً ما يكون مقام الإثبات غير مكتملٍ عند صاحب الدعوى، كما لو انتقل إليه ملكٌ بشراء، ولكن ضاعت الوثيقة أو فُقِد الشُّهود، أو يكون في الواقع كاذباً في ادّعائه، فيحاول أنْ يجبر هذا النّقص ويعوّضه عن طريق الاستعانة بما يسمّى في الاصطلاح بالرشوة التي هي في المقام عبارة عن: ما يعطيه أحد المتخاصمين لإحقاق حقٍّ أو تمشية باطل.
والرشوة في حكمها الأوّلي مِمّا حرّمته الشريعة، سواء من ناحية الآخذ أم المعطي على تفصيل مذكورٍ في الكتب الفقهية، قال تعالى: ﴿وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾12. وفي الخبر عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام، قَالَ: “السُّحْتُ ثَمَنُ الْمَيْتَة. وَالرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ”13.
وعليه فصاحب الحقّ أو الباطل يستعين بأمر محرّم, لتحصيل حقّه أو باطله. وإذا أردنا أن نحسب بموازين ربّ العالمين التي لا ينظر فيها بميزان الربح والخسارة إِلَى البعد المادي فحسب، فسوف تكون النتيجة الخسارة الكبرى, لأنّه كثيراً ما لا تحصِّل الرّشوة ما يبتغيه الراشي، بل توقعه في الخسائرة المادية الكبيرة فيما لو فُضِح أمره أو كان القاضي نزيهاً، يضاف إِلَى ذلك الغضب الربّاني والعقوبة الأُخروية. ولو أوصلته الرّشوة إِلَى ما يبتغيه فلا يكون شيئاً يذكر أمام الغضب الإلهيّ، والطرد من رحمة الله، وسلب التوفيق الَّذِي يكون نتيجة حتمية لارتكاب المعاصي.
الولاية الاخبارية