الرئيسية / بحوث اسلامية / البدعة مفهومها وحدودها

البدعة مفهومها وحدودها

ثانياً: اتّباع الهوى

إنَّ استعراض تاريخ حياة المتنبئين كذباً والكثير من المبتدعين يكشف بوضوح عن الدور الكبير للاهواء وحبّ الظهور والرئاسة أو السمعة في

____________

(1) الحديد 57: 27.

(2) مجمع البيان، للطبرسي 9: 308.


الصفحة 58


دفع هؤلاء إلى الابتداع.

إنَّ المبتدع وإنْ لم يكن متنبئاً أو مُدّعياً للنبوّة إلاّ أنَّ عمله يُعدُّ نوعاً من أنواع التنبؤ، لاَنه يأتي بدين جديد، أو بشيء لم تفرضه الشريعة جزءاً من الدين، أو يحذف شيئاً جعلته الشريعة جزءاً من الدين، وقد دلّت روايات كثيرة على هذا المعنى.

إنَّ بعض البدع تنشأ من الهوى، فقد خطب أمير المؤمنين علي عليه السلام الناس، فقال: «أيُّها الناس إنّما بدء وقوع الفتن: أهواءٌ تُتبع، وأحكام تبتدع، يخالَف فيها كتاب الله، يتولى فيها رجالٌ رجالاً..»(1).

إنَّ رغبة الظهور تلعبُ دوراً كبيراً في حياة الانسان، وإذا ما انفلتت هذه الرغبة من القيود الشرعية، وتُركت تنمو وتتصاعد حتى تسيطر على مشاعر الانسان وتتدخل في رسم سلوكه العام فإنّها في نهاية المطاف ستدفع بصاحبها إلى ادعاء المقامات الرفيعة التي تختص بالانبياء.

روى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة أنَّ أمير المؤمنين عليّاً عليه السلام مرَّ بقتلى الخوارج بعد معركة النهروان فقال: «بؤساً لكم لقد ضرّكم من غرّكم، فقيل له: من غرّهم يا أمير المؤمنين ؟ فقال عليه السلام: الشيطان المُضلّ، والنفس الاَمارة بالسوء، غرتهم بالاَماني وفسحت لهم في المعاصي ووعدتهم الاظهار فاقتحمت بهم النار»(2).

قال تعالى:(… ومَن أضَلُّ مَمَّن اتَّبعَ هَوَاهُ بِغيرِ هُدىً مِّن اللهِ…)(3).

____________

(1) الكافي، للكليني 1: 54 | 1 باب البدع.

(2) شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد 19: 235.

(3) القصص 28: 50.


الصفحة 59


وقال عزَّ من قائل:(… ولا تتَّبعِ الهَوى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللهِ إنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ لَهم عَذَابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الحِسَابِ)(1).

وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «ما تحت ظِلِّ السماء من إلهٍ يُعبد من دون الله أعظم عند الله من هوىً مُتّبع»(2).

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «إنّما أخافُ عليكم أثنتين: اتبّاع الهوى، وطول الاَمل، أما اتّباع الهوى فإنّه يصدُّ عن الحق، وأما طول الاَمل فيُنسي الآخرة»(3).

وعن الاِمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «احذروا أهواءكم كما تحذرون أعداءكم، فليس شيءٌ أعدى للرجال من اتّباع أهوائهم وحصائد ألسنتهم»(4).

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «يقول الله عزَّ وجل، وعزّتي وجلالي وعظمتي وكبريائي، ونوري، وعلوّي، وارتفاع مكاني، لا يؤثر عبد هواه على هواي، إلاّ شتّتُ عليه أمره، ولبّستُ عليه دنياه، وشغلتُ قلبه بها، ولم أوته منها إلاّ ما قدّرت له…»(5).

لقد شهد تاريخ الاسلام منذ قرون معارك وحروباً وانحرافات ومذاهب وفرقاً وبدعاً جاءت كلها بسبب اتّباع الاَهواء والابتعاد عن جادة الصواب..

____________

(1) صَ 38: 26.

(2) مجمع الزوائد، لنور الدين الهيثمي 1: 188 باب في البدع والاهواء.

(3) اصول الكافي، للكليني 2: 335 | 3 باب اتباع الهوى.

(4) اصول الكافي، للكليني 2: 335 | 1 باب اتباع الهوى.

(5) اُصول الكافي، للكليني 2: 335 | 2 باب اتّباع الهوى.


الصفحة 60


ولذلك كلّه كانت التأكيدات النبوية على محاربة هوى النفس، لاَنّ من تمكن من نفسه وسيطر على هواه يكون في منجاة من كل أنواع الضلالة والهلكة.

 

 

https://t.me/wilayahinfo

[email protected]

الولاية الاخبارية

شاهد أيضاً

اليمن – رمز الشرف والتضامن العربي مع غزة فتحي الذاري

  ان الحشد المليوني للشعب اليمني بكافة قواه الفاعلة والاصطفاف الرشيد بقيادة السيد القائد عبدالملك ...