ليالي بيشاور – 82 لسلطان الواعظين
15 أبريل,2019
الاسلام والحياة, صوتي ومرئي متنوع
988 زيارة
خلفاء النبي (ص) إثنا عشر
ذكر الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودة مجموعة أحاديث عن النبي (ص) بهذا المعنى وفتح لها بابا عنوانه :
الباب السابع والسبعون : في تحقيق حديث بعدي إثنى عشر خليفة .
قال ذكر يحيى بن الحسن في كتاب العمدة ، من عشرين طريقا في أن الخلفاء بعد النبي (ص) إثنا عشر خليفة كلهم من قريش : في البخاري من ثلاثة طرق وفي الترمذي من طريق واحد في الحميدي من ثلاثة طرق .
وذكر هذه الأحاديث الشريفة كثير من علمائكم الأعلام غير الذين ذكرهم القندوزي ، منهم : الحمويني في فرائد السمطين ، والخوارزمي في المناقب ، وابن المغازلي في المناقب ، والثعلبي في التفسير ، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ، والمير سيد علي الهمداني الشافعي في المودة العاشرة من كتابه مودة القربى ، نقل اثنا عشر خبرا وحديثا في هذا الأمر ، من عبد الله بن مسعود وجابر بن سمرة وسلمان الفارسي وعبد الله بن عباس وعباية بن ربعي وزيد بن حارثة وأبي هريرة ، وعن الإمام علي (ع) ، كلهم يروون عن رسول الله (ص) أنه قال : الأئمة بعدي أو خلفائي بعدي إثنا عشر كلهم من قريش ،وفي بعض الروايات كلهم من بني هاشم ، وحتى في بعضها عينهم بذكر أسماءهم .
ولا نجد حتى حديثا واحدا عن النبي (ص) حول الأئمة الأربعة الذين تمسكتم بهم . ثم إن الفرق بين الأئمة الإثني عشر الذين نتمسك بهم نحن ونأخذ بأقوالهم وبين أئمتكم الأربعة فرق كبير.
وكما أشرنا في الليالي السالفة أن الأئمة الإثني عشر عليهم السلام هم أوصياء رسول الله (ص ) وقد نص عليهم بأمر من الله سبحانه فلا يقاس بهم أي فرد من الخلفاء والأئمة الذين تمسكتم بهم ، فإن أئمة المذاهب الأربعة شأنهم شأن غيرهم من فقهاء المسلمين وعلماء الدين ، والمسلمون في خيار تام في تقليدهم وتقليد غيرهم من فقهاء الإسلام الذين يملكون قدرة الاستنباط واستخراج الأحكام الدينية من القرآن الحكيم والسنة النبوية الشريفة .
وعلى هذا فنحن الشيعة نقلد مراجع الدين وهم الفقهاء الذين درسوا وحققوا الأخبار والأحاديث المروية عن النبي وأهل بيته الطيبين الراسخين في العلم .
فيحققوا ويتقنوا أسنادها وطرقها ويميزوا بين صحيحها وسقيمها ويستخرجوا منها حكم المسائل المستحدثة والفروع الطارئة في زماننا هذا ، ويبينوا تكليفنا الشرعي على أساس أصول الفقه والقواعد الإلهية ، يردون الفرع على الأصل ويستخرجوا حكمه ويبينوه لمقلديهم ، وهؤلاء الفقهاء يتواجدون في كل زمان وهم متعددون ولا ينحصر التقليد في واحد منهم ، لأن الكل يأخذون من منهل العترة الهادية ومنبع أهل البيت الطاهرين عليهم السلام .
ولكن الأئمة وإن تتلمذوا عند بعض أئمة أهل البيت عليهم السلام إلا أنهم خرجوا من إطارهم وتركوا الأصول الفقهية والقواعد المقبولة لديهم ، فعملوا بالقياسات العقلية والإستحسانات النظرية حتى أنهم ربما اجتهدوا في بعض المسائل وخالفوا النصوص الجلية فيها ، فضلوا وأضلوا(17).
والعجب أنكم تركتم تقليد العترة وأهل بيت الوحي والرسالة الذين عينهم النبي (ص) وتابعتم التلامذة الذين لم يبلغوا عشر معشار علوم أهل البيت عليهم السلام ولم يقترفوا إلا غرفة أو رشحة من بحارهم المتلاطمة بشتى العلوم التي آتاهم الله عز وجل من لدنه وجعلهم أئمة يهدون بأمره .
فالأئمة الأربعة استندوا إلى عقولهم الناقصة في بيان حكم الله عز وجل ولم يستندوا إلى الكتاب المبين وسنة سيد المرسلين .
وقد قال سبحانه وتعالى : ( أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فمالكم كيف تحكمون )(18).
السيد عبد الحي : وهل عندكم دليل على أن الأئمة الأربعة تتلمذوا عند أئمتكم ؟
الإمام الصادق عليه السلام وموقعه العلمي
قلت : دليلنا هو التاريخ الذي كتبه أعلامكم ، فقد ذكر الصباغ المالكي في كتابه الفصول المهمة في معرفة الأئمة عليهم السلام ـ فصل حياة الإمام الصادق عليه السلام ـ قال :
كان جعفر الصادق عليه السلام من بين أخوته خليفة أبيه ووصيه والقائم بالإمامة من بعده ، برز على جماعة بالفضل وكان أنبههم ذكرا وأجلهم قدرا نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر صيته وذكره في ساير البلدان ولم ينقل العلماء عن أحد من أهل بيته ما نقل عنه من الحديث ، وروى عنه جماعة من أعيان الأمة مثل يحيى بن سعيد وابن جريح ومالك بن أنس والثوري وأبو عيينة وأبو حنيفة وشعبة وأبو أيوب السجستاني وغيرهم … الخ .
وقال كمال الدين محمد بن طلحة العدوي القرشي الشافعي ، في كتابه مطالب السؤول في مناقب آل الرسول ـ الباب السادس في أبي عبد الله جعفر بن الصادق عليه السلام : هو من عظماء أهل البيت و ساداتهم (ع) ذو علوم جمة ، و عبادة موفورة ، و أوراد متواصلة ، و زهادة بينة ، و تلاوة كثيرة ، يتتبع معاني القرآن الكريم و يستخرج من بحره جواهره و يستنتج عجائبه ، و يقسم أوقاته على أنواع الطاعات بحيث يحاسب عليها نفسه . رؤيته تذكر بالآخرة ، و استماع كلامه يزهد في الدنيا ، و الاقتداء بهداه يورث الجنة ، نور قسماته شاهد أنه من سلالة النبوة ، و طهارة أفعاله تصدع أنه من ذرية الرسالة .
نقل عنه الحديث و استفاد منه العلم جماعة من الأئمة و أعلامهم مثل يحيى بن سعيد الأنصاري و ابن جريح و مالك بن أنس و الثوري و ابن عيينة و أبي حنيفة و شعبة و أيوب السختياني و غيرهم (رض) و عدوا أخذهم عنه منقبة شرفوا بها و فضيلة اكتسبوها… الخ .
وقال الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي وهو من أعلامكم في كتابه طبقات المشايخ : إن الإمام جعفر الصادق فاق جميع أقرانه ، وهو ذو علم غزير في الدين وزهد بالغ في الدنيا ، وورع تام عن الشهوات ، وأدب كامل في الحكمة … الخ(19).
ولو نقلت لكم ما ذكره علماؤكم وأعلامكم عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) ومقامه العلمي ، وصفاته الحميدة وأخلاقه المحمودة لطال بنا المقام ، ولتقاصر البيان عن أداء حقه وتعريفه بما يستحقه ، وكل ما يقال في علمه وخلقه وصفاته الحسنة لا يبلغ به معشار وما هو حقه .
النواب : هل تأذن لي بالسؤال ؟
قلت : أرجو أن يكون سؤالك فيما نحن فيه ، وأن لا تخرجنا بسؤالك عن الموضوع .
قال النواب : إن مذهبكم يعرف بالمذهب الاثني عشري لأنكم تتبعون إثني عشر إماما . فلماذا اشتهر هذا المذهب باسم الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه فيطلق عليكم الجعفرية نسبة إليه ؟
ظهور المذهب الجعفري
قلت : لقد جرت السنة الإلهية على أن كل نبي يعين رجلا وصيا لنفسه ليقوم بالأمر من بعده ولكي لا تكون أمته حائرة من بعده ، فيضلوا عن سبيل الله سبحانه ، فقد قال عز وجل : ( إنما أنت منذر ولكل قوم هاد )(20). وبينا لكم في المجالس السابقة أن النبي محمد (ص) عين الإمام علي (ع) وصيا وأوصى إليه بأمر من الله سبحانه وعينه خليفة من بعده ليهدي أمته إلى الحق وإلى الصراط المستقيم ، ولكن السياسة اقتضت أن يخالفوا وصية رسول الله (ص) فعدلوا عنه إلى أبي بكر وعمر وعثمان وقد كانوا يستشيرونه في أكثر الأمور ، فكان يشير عليهم بالحق والصواب ، وهو الذي كان يواجه علماء الأديان المناوئون للإسلام فيرد شبهاتهم ويجيب مسائلهم .
ولما آل الأمر إلى بني أمية واغتصب معاوية عرش الخلافة ، عاملوه وعاملوا أئمة أهل البيت والعترة الهادية (ع) بكل قساوة ، فما شاورهم في أي أمر من الأمور بل خالفوهم وما أذنوا لهم بنشر علومهم وبيان ما أخذوه من رسول الله (ص) ، فطاردوا شيعتهم ومحبيهم وقتلوهم وسجنوهم وأبعدوهم إلى أن انتهت هذه السياسة الظالمة والسيرة الجائرة الغاشمة بقيام عام من المسلمين ضد بني أمية فأبادوهم ، وانتقل الحكم إلى بني العباس وكان ذلك في عصر الإمام الصادق (ع) الذي اغتنم هذه الفرصة التي أتيحت له بانشغال الدولتين ففتح باب بيته على مصراعيه ليستقبل من رواد العلم وطلابه ، فوفد نحوه العلماء من كل صوب ومن كل مكان ليرتووا من منهله ويستقوا من منبعه العذب الصافي ، وقد عد بعض المحققين والمؤرخين تلاميذه فتجاوز الأربعة آلاف ، فالتف حوله طلاب الحق فكشف لهم الحقائق العلمية ، وأوضح لهم المسائل الاعتقادية ، وبين لهم المسائل الدينية مستندا فيها على الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي وصلته عن طريق آبائه الطيبين والأئمة المعصومين من أهل البيت (ع) .
وهكذا انتشرت عن طريقه أصول مذهب الشيعة وعقائدهم الحقة ، وقد ألف بعض أصحابه وتلامذته المقربين رسائل في هذا الأمر اشتهرت بالأصول الأربعمائة .
ولم ينحصر علمه في المسائل الدينية والأحكام الشرعية بل كان بحرا زاخرا في شتى العلوم حتى أن جابر بن حيان أخذ منه علم الكيمياء وألف في ذلك رسائل عديدة تدرس بعضها إلى يومنا هذا في الجامعات العلمية .
وبعدما تسلط بنو العباس على الحكم وقويت شوكتهم ، منعوه من نشر العلم وتدريسه ، ودام المنع على أبنائه الأئمة الطاهرين (ع) من بعده ، فالفرصة التي أتيحت له في فترة قصيرة ما أتيحت لأحد من آبائه ولا لأحد من أبنائه الهداة الطيبين .
فلذلك اشتهر هذا المذهب باسمه وانتسب إليه ، فيقال : مذهب جعفر بن محمد أو المذهب الجعفري .
فالإمام الصادق (ع) كما يعترف أعلامكم وكبار علمائكم هو الله وأعلم أهل زمانه ، وكما أشرنا بأن الأئمة وغيرهم من أئمة الفقه أخذوا عنه وتتلمذوا عنده ، وكل واحد استفاد من محضره حسب استعداده . وكان (ع) أفضلهم وأزهدهم و أورعهم ومع ذلك ترك أسلافكم تقليده ومتابعته ، حتى أنهم أبوا أن يجعلوه في عداد الأئمة الأربعة ! لماذا هذا الجفاء والبغضاء ؟ هل لأنه من آل محمد (ص) ومن عترته الطاهرة (ع) ؟!
وقد بالغ بعض محدثيكم وأعلامكم في البعض والجفاء لأهل البيت إلى حد العناد ، بحيث أبوا أن ينقلوا عنهم الحديث الذي يروونه عن جدهم رسول الله (ص) ( مع ما أوصى به النبي (ص) بهم ، وتحريضه الأمة على إكرامهم واحترامهم ومتابعتهم ) .
فهذا البخاري ومسلم لم ينقلا روايات الإمام جعفر الصادق (ع) في صحيحهما ، بل لم ينقلا عن أبي واحد من علماء أهل البيت وفقهائهم ، مثل زيد بن علي الشهيد والمدفون في ” فخ ” ويحيى ابن عبدالله بن الحسن وأخيه إدريس ، ومحمد بن الإمام الصادق ومحمد بن إبراهيم المعروف بابن طباطبا ومحمد بن محمد بن زيد وعبد الله بن الحسن وعلي بن جعفر العريضي وغيرهم من أكابر وسادات بني هاشم من المحدثين والفقهاء ، فلم ينقلا عنهم . والعجيب أن البخاري ينقل ويروي عن أناس ضعفاء في الإيمان والعقيدة ، بل ينقل عن عدة من الخوارج والذين نصبوا العداء لآل محمد (ص) أمثال أبي هريرة وعكرمة وعمران بن حطان الذي يمدح ابن ملجم المرادي قاتل الإمام علي بن أبي طالب (ع) .
وقد كتب ابن البيع أن البخاري روى في صحيحه عن ألف ومئتين خارجي وناصبي من قبيل عمران بن حطان(21).
وإني أتعجب وأتأسف من رأي بعض أعلامكم إذ يرون بأن أتباع الأئمة الأربعة مسلمين مؤمنين ، ولكن شيعة آل محمد وأتباع الإمام جعفر الصادق (ص) كفرة ومشركين ، فيفترون على طائفة كبيرة من المسلمين وعددا كثيرا بالكفر والشرك . فلو قسنا الشيعة بأتباع كل مذهب من المذاهب الأربعة من أهل السنة لوحدهم فالشيعة هم الأكثر ، فإن أتباع الإمام الصادق (ع) ، أكثر من أتباع محمد بن إدريس وهكذا لو قسناهم مع أتباع أبي حنيفة لوحدهم وأتباع أحمد بن حنبل لوحدهم ، لوجدنا شيعة الإمام الصادق (ع) أكثر عددا ، وإني أعلن بأننا نحن الشيعة ندعوا إخواننا السنة إلى التقارب والوحدة ونبرأ إلى الله تعالى من التنافر والتفرقة .
الحافظ : إني أؤيد كثيرا من كلامك وأعترف بأن هناك بعض التعصبات حاكمة على كثير من أهل السنة ، ولكن لو تحققنا عن الأسباب لعرفناها ترجع إليكم ، لأنكم أنتم ـ علماء الشيعة ومبلغيهم ـ لا ترشدون عوام الشيعة إلى الحق ولا تنهونهم عن الباطل ، فهم يتكلمون بكلمات تنتهي إلى الكفر والشرك .
قلت : أرجوك أن توضح لي كلامك وتبين لي أمثالا من كلام عوام الشيعة الذي ينتهي إلى الكفر !!
#ليالي_ بيشاور 2019-04-15