تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة البقرة الى 274
30 ديسمبر,2017
القرآن الكريم
1,047 زيارة
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
267
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ)) طيباً واقعياً بكونه حلالاً وظاهرياً بكونه جيداً ((وَمِن)) طيبات ((مَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ))، أي طيب مكسبكم وطيب ثماركم، فلا تنفقوا من الرباء ولا من الماء الآجن ولا من حشف الثمر -مثلاً- ((وَلاَ تَيَمَّمُواْ))، أي لا تقصدوا ((الْخَبِيثَ)) الحرام الرديء ((مِنْهُ تُنفِقُونَ)) للناس ((وَ)) الحال أنكم ((لَسْتُم بِآخِذِيهِ)) فإن أراد أحد إعطائكم من ذلك ما كنتم تأخذونه ((إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ))، أي تغمضوا عيونكم كراهة له، فإنّ الإنسان إذا إستبشع شيئاً غمض عينه حتى لا يراه، فكيف تنفقون مثل هذا الشيء الذي إذا أردتم أخذه غمضتم عينكم إستبشاعاً له ((وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ)) عن صدقاتكم فلا يأخذ إلا الطيب ولا يقبل إلا الحسن ((حَمِيدٌ))، أي مستحق للحمد على نعمه ومن حمده أن يعطي الإنسان الشيء الطيب في سبيله، فإن الإنسان إذا أرادتقدير شخص دفع إليه أحسن ما يتمكن لا أن يدفع إليه الرديء الخبيث.
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
268
((الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ)) إذا أردتم الإنفاق في سبيل الله ((وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء)) إذا أردتم الإنفاق يقول لكم أنفقوا من الرديء الخبيث، وهو قسم من الفحشاء، أو المراد به الأعمال القبيحة مطلقاً ((وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ)) فإنه يغفر ذنوبكم بسبب الصدقة وسائر المبرّات ((وَفَضْلاً)) فيخلف ما أنفقتموه ((وَاللّهُ وَاسِعٌ)) ليس ضيّق المقدرة حتى لا يتمكن من التعويض ((عَلِيمٌ)) بما تعطون فيُجازيكم بالحسن حُسناً وبالسيّء سيئاً.
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
269
إن الإنفاق في سبيل الله من الطيب بلا رياء ولا منّ ولا أذى من الحكمة التي هي وضع الأشياء موضعها اللائق به والله سبحانه ((يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء)) ممن اه قابلية بما سبق أن أخذ الشريعة ((وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا)) وأيّ خير أعظم من أن يعمر الإنسان دنياه وعقباه بأخذه بأوامر الله سبحانه وانتهاجه المنهاج المستقيم الموجب لسعادة النشأتين ((وَمَا يَذَّكَّرُ))، أي ما يتذكّر ولا يفهم ذلك ((إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ)) أصحاب العقول فإنّ صاحب العقل هو الذي يتّبع ما ينفعه ويذر ما يضرّه.
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
270
((وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ)) قليلة أو كثيرة، أي أية صدقة تصدّقتم بها ((أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ))، أي ما أوجبتموه على أنفسكم لله بسبب النذر ((فَإِنَّ اللّهَ يَعْلَمُهُ)) فيُجازيكم عليه ويكون ذلك سبباً للإحسان الى النفس ((وَمَا لِلظَّالِمِينَ)) الذين يظلمون أنفسهم بالشُح ومنع الصدقات الواجبة وحنث النذر والمنّ والأذى والرياء في الصدقة ((مِنْ أَنصَارٍ)) ينصرونهم ويخلّصونهم من عقاب الله.
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
271
((إِن تُبْدُواْ))، أي تُظهروا ((الصَّدَقَاتِ)) حين إعطائها، بأن تُعطوها جهراً -بقصد القُربة لا قصد الرياء- ((فَنِعِمَّا هِيَ))، أي فنعم الشيء الصدقة الظاهرة فإنها توجب دفع التهمة وإقتداء الناس ((وَإِن تُخْفُوهَا))، أي الصدقات ((وَتُؤْتُوهَا))، أي تُعطوها سراً ((الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ)) لأنه أقرب الى القُربة وأبعد من الرياء وأحفظ لصون ماء وجه الآخذ ((وَيُكَفِّرُ))، أي يغفر ((عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ))، أي بعض ذنوبكم بواسطة إعطاء الصدقة فإنّ صدقة السر تُطفئ غضب الرب ((وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)) فيُجازيكم على أعمالكم، فليس التصدّق سراً غائباً عن الله سبحانه بل هو بكل شيء عليم.
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
272
إمتنع بعض المسلمون عن التصدّق الى غير المسلم فنزلت ((لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ)) فإنك لست مُجبوراً بأن تهديهم وإنما عليك الإرشاد والبلاغ ((وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء)) الى الصراط المستقيم، بإرائته الطريق، أو بإيصاله المطلوب ((وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ)) فإنه يعود نفعه الدنيوي والأخروي إليكم ((وَمَا تُنفِقُونَ))، أي ليس إنفاقكم ((إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ))، أي لأجله سبحانه، وأيّ شيء أحسن من أن يُنفق الإنسان في سبيل خالقه ومنعمه والمتفضّل عليه ((وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ))، أي يوفّر عليكم جزائه وثوابه ((وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ)) فتُعطون جزاء إنفاقكم كاملاً غير منقوص، فالإنفاق لأنفسكم، وثوابه يعود عليكم، وهو في سبيل الله وما أجمل أن يُعطي الإنسان شيئاً يعود نفعه إليه ثم يُثاب به في الآخرة، ويرضى الله سبحانه عنه بذلك.
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
273
ولما بيّن سبحانه فضل الصدقة عقبه بأحسن مصارفها بقوله سبحانه ((لِلْفُقَرَاء))، أي أن النفقة لهؤلاء ((الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ))، أي مُنعوا والذي منعهم هو أنفسهم، لأجل سبيل الله وطاعته، فقد نزلت الآية في أصحاب الصُفّة الذين تركوا كل شيء لأجل الإسلام وأَحصروا أنفسهم للعبادة والجهاد بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ))، أي ذهاباً فيها وعدم الإستطاعة إختيارية لا إضطرارية ((يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ))، أي يظنّهم الذي يجهل حالهم وباطن أمرهم ((أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ)) الإمتناع من السؤال فإنّ الناس إذا رأوا تعفّفهم ظنّوهم أغنياء لما عهدوا من سؤال الفقراء ((تَعْرِفُهُم))، أي تعرف أنهم فقراء ((بِسِيمَاهُمْ))، أي من وجوههم وأحوالهم الفقر عليها باد ((لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا))، أي كما هو شأن كثير من الفقراء، بمعنى أنه ليس منهم سؤال فيكون إلحافاً لا أنهم يسألون من غير إلحاف ((وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ)) كل شيء يُطلق عليه الخير من دار أو عقار أو درهم أو دينار أو غيرها ((فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ)) لا يفوته شيء فيُجازيكم جزاءً حسناً.
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
274
((الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً)) بالليل سرّاً وعلانية وبالنهار سرّاً وعلانية ((فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)) إن الآية وإن كانت عامة إلا أنها نزلت في علي (عليه السلام) حيث كانت له أربعو دراهم فتصدّق باثنين منها نهاراً وسراً وعلانية وباثنتين ليلاً سراً وعلانية، وقد تقدم معنى (لا خوف عليهم ولا هم يحزنون).
2017-12-30