الرئيسية / القرآن الكريم / تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة آل عمران

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة آل عمران

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

158

ثم أن الموت والقتل لا يسبّبان إنقطاع الحياة حتى يخشاهما الإنسان ويرفع اليد عن مقاصده العالية من خشيتهما ((وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى الله تُحْشَرُونَ)) فيجازيكم على أعمالكم فخير لكم أن تطيعوه حتى تكونوا مردّاً لثوابه وفضله.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

159

وهنا يلتفت السياق ليثير في النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عاطفته الكامنة نحو المؤمنين حتى يعفو عن عملهم في أُحُد، حيث أخلوا الشِعب حتى سيطر المشركون على المعركة، وفعلوا تلك الأفاعيل بالنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأصحابه من جرح وقتل وتمثيل ((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ)) “ما” زائدة، أي بسبب رحمة الله من الله سبحانه على المؤمنين ((لِنتَ لَهُمْ))، أي كنت ليّناً رحيماً بهم فقد جعله الله سبحانه رحيماً بهم ليّناً عليهم ((وَلَوْ كُنتَ)) يارسول الله ((فَظًّا)) الجافي اللسان القاسي القلب ((غَلِيظَ الْقَلْبِ)) غلظاً معنوياً وهو الذي لا يلين ولا يحنو ((لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ))، أي تفرقوا عنك ((فَاعْفُ عَنْهُمْ)) إذا أخطأوا ((وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ))، أي أطلب لهم من الله الغفران لما صدر من ذنوبهم، والله سبحانه وإن كان أرحم بهم لكن ذلك لزيادة عطف النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فإنّ من يطلب المغفرة لأحد لابد وأن يزول من قلبه ما علقت به من الكراهية، ولتكثير محبة المؤمنين له (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حيث يعلمون بأنه يستغفر لهم ((وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ)) لتأليف قلوبهم ولتعليمهم المشورة في أمورهم، فإنّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)كان في غِنى عنهم بما كان يسدّده الله سبحانه بالوحي ((فَإِذَا عَزَمْتَ)) بعد المشورة على فعل ((فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ)) ولا تهتم بمن خالف رأيه رأيك يارسول الله ((إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)) الواثقين به المعتمدين عليه الذين يكِلون أمورهم إليه.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

160

((إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ)) أيها المؤمنون، وذلك إذا إستحققتم ذلك بإيجاد أسباب النصر وإطاعة أوامره سبحانه ((فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ))، أي لا يقدر أحد على أن يغلبكم ((وَإِن يَخْذُلْكُمْ)) وخذلان الله سبحانه أن لا يكلهم الى أنفسهم ولا يعينهم في أمورهم ((فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ)) إستفهام إنكاري، أي لا يكون ناصر لكم ينصركم من بعده سبحانه ((وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ)) يثقون به ويعتمدون عليه.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

161

لقد كان من أسباب تخلّي المسلمين مكانهم من الجبل -يوم أُحُد- خوفهم ألا يُقسّم لهم الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من الغنائم، وقد تكلّم بعض المنافقين في وقعة بدر حول قطيفة حمراء فُقدت فقالوا بأن الرسول أخذها، ولذا نزلت الآية نافية أن يغلّ الأنبياء ويخونوا ((وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ))، أي لا يجوز للأنبياء الغلول أي الخيانة، والخيانة محرّمة مطلقاً لكن المورد خاصاً حيث أن الكلام كان حوله ((وَمَن يَغْلُلْ)) شريفاً كان أو وضيعاً قليلاً كان غلاله أو كثيراً ((يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) وفي الحديث يأتي به على ظهره ((ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ))، أي يُعطى جزاء كسبه كاملاً غير منقوص ((وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)) فلا ينقص من أجورهم شيء ولا يعذّبون فوق إستحقاقهم.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

162

((أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ)) باتباع أوامره واجتناب نواهيه ((كَمَن بَاء))، أي رجع ((بِسَخْطٍ مِّنَ اللّهِ)) فكأنه رجع الى أعماله الدنيئة بعد أن ذهب الى الله سبحانه فعلم ماذا يريد، فقد رجع مع السخط بينما رجع غيره مع الرضوان ((وَمَأْوَاهُ))، أي مرجعه ومصيره ((جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ))، أي أن المحل الذي صار إليه محل سيء، فعلى الإنسان أن لا يفر من الحرب ولا يتخلّف عن أمر الله والرسول حتى يبوء بالغضب والسخط ويكون مصيره النار.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

163

((هُمْ))، أي هؤلاء الذين بائوا بالسخط والذين اتبعوا رضوان الله، ذوو ((دَرَجَاتٌ عِندَ اللّهِ)) فللمؤمنين درجات رفيعة ولغيرهم درجات بذيئة، أو أن لكل فريق درجات من حيث القُرب والبُعد، وحذف كلمة “ذووا” لما تعارف من المجاز في هذه التعبيرات بعلاقة الحال والمحل فيُقال عند العد : زيد الدرجة الأولى، عمرو الدرجة الثانية، وهكذا ((واللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ)) فيجازيهم حسب أعمالهم فلا يزهد الإنسان في الإحسان لأنه لا يُقدِّر ولا يجزي العاصي في المعصية لأنه لا يرى.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة آل عمران

164

إن النعمة التي أنعم الله على المسلمين مما يوجب شكرها والتضحية في سبيلها فهي نعمة كبيرة جداً لا تماثلها نعمة ولا يبلغ شأنها إحسان ومنّة ((لَقَدْ مَنَّ اللّهُ))، أي أنعم الله، فإن المنّ القطع، وتسمى النعمة منّة لأنها تقطع الإنسان عن البليّة والفاقة ((عَلَى الْمُؤمِنِينَ)) إنما خُصّوا بالذكر مع أن المنّة عامة لأنهم هم الذين إستفادوا منها دون سواهم ((إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً)) فإنه أعظم النعم، ولذا لم يمنّ الله على الإنسان بأية نعمة سواها، فإنّ في الإرسال صلاح الدين والدنيا والآخرة وإكمال البشر حسب قابلياته ((مِّنْ أَنفُسِهِمْ)) تذكير بنعمة أخرى، إذ كون الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من جنس البشر -لا الملائكة والجن- تشريف لهم وإظهار لفضل هذا النوع، وحيث أن السياق حول مؤمن الإنس لا يستشكل بأن المؤمنين أعم من الجن وليس الرسول من أنفسهم ((يَتْلُو)) الرسول ((عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ)) تلاوة كما يتلو المعلم الدرس على التلميذ ((وَيُزَكِّيهِمْ)) يطهّرهم من الأدناس الظاهرية بأوامر النظافة وما أشبه والأقذار الخلقية والإعتقادية بإرشادهم الى الحق والفضيلة ((وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ)) يفهّمهم معانيه وهو غير التلاوة ((وَالْحِكْمَةَ)) وهو علم الشريعة أو مطلقاً بمعنى أنه يعلّمهم مواضع الأشياء خيرها وشرها فإنّ الحكمة كما قالوا : وضع الشيء موضعه ((وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ))، أي قبل أن يأتيهم الرسول ((لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ))، أي إنحراف واضح في عقائدهم وأخلاقهم وأعمالهم فعلى المؤمنين أن يضحّوا في سبيل هذه النعمة بكل غالِ ورخيص، فما فعلوا يوم أُحُد كان خلاف الشكر، وما ضحّوا فيه لم يكن كثيراً مقابل هذه النعمة العظمى.

شاهد أيضاً

ألف سؤال وإشكال (المجلد الأول) / الصفحات: ٢٢١ – ٢٤٠

ألف سؤال وإشكال (المجلد الأول) / الصفحات: ٢٢١ – ٢٤٠ *  *  * ٢٢١ الأسئلة ...