الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / ١٠ ذي الحجة عيد الاضحى المبارك

١٠ ذي الحجة عيد الاضحى المبارك

2) استشهاد عبدالله المحض بن الحسن المثنى مع ثلّة من أبناء الحسن المجتبى.

 

1ـ عيد الاضحى المبارك:

في يوم العاشر من ذي الحجّة تقع مناسبة عيدالاضحى المبارك. فراقب بدخول يوم العيد جميع ما يرض به ربّك، و يعطف عليك مولاك، و كن كعبد متملّق لمالكه، كيف يجدّ أن ينشأ خدمة لمولاه، و هو مالكه في بعض وجوه الطاعة، و اللّه تعالى مالك وجودك، و مالك دنياك و آخرتك، و محياك و مماتك، لا يجوز الغفلة عن هذا الربّ الودود، و الملك العطوف، و الغافل في خطر المنع.

و استحي مع فقرك و غناه، و ذلّك و عزّته، أن تكون معرضا عنه حين إقباله عليك بوجهه الكريم، و تكون في موائد ضيافته مع حضوره و إنعامه عليك مشغولا عن ذكره بذكر عدوّه، و مشغوفا بحبّ من يبعّدك عن محبّته و جواره، فيا للّه من هذا الخطب الجسيم، و الجهل العظيم، و العقل السقيم، و ما يورثه من العذاب الأليم و قد بعث إلى دعوتك لهذه الضيافة سيّد خلقه، و أعزّ مخلوقه عليه.

و إن عقلت مكان هذا اللطف الجليل، و التشريف و التجليل، لفديت بروحك لمقدم هذا الداعي العظيم، و الرسول الكريم الّذي، (عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بالمُؤمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيم) (التوبه: 128).

و اعقل أنّه تعالى قد خصّ بأنوار هذا العبد العزيز هذه الأمّة من بين سائر الأمم، هل لهذا التخصيص حقّ واجب عند ذوي الألباب، فاشكر بما يليق، لاختصاص هذه النعمة، و عطاء هذه الكرامة.

و اغتسل في أوّل اليوم، و اقصد به تطهير قلبك عن الاشتغال بغير اللّه، و كبّره بحقيقة التكبير، و استصغر بتكبيره ما بين العلى و الثرى دون كبريائه، و البس أنظف ثيابك، و اقصد به التستر و التحلّي بلباس التقوى، و الأخلاق الحسنة الجميلة.

ثمّ تخرج إلى مصلّاك و تقول و أنت في الطريق: بسم اللّه و باللّه اللّه أكبر إلى آخر ما روي، و إذا وصلت إلى المصلّى، و جلست في موضع صلاتك، تقول: اللّه أكبر اللّه أكبر إلى آخر ما ذكر في ذلك.

وتفهّم معاني ما تدعوه في هذا الدعاء فإنّ مواقعه صعبة عظيمة، لا تنال بالهوينا، لأنّ فيها دعاوي حالات فاخرة، و صفات حسنة داخرة، من الهيبة و الاستجارة، و الحياء الشديد و الاستغاثة، و الفقر و الاعتراف، و الهرب إلى اللّه، و الانقطاع إليه فكلّ واحد من هذه الصفات ملكة سنيّة تستدعي حالا يصدّقها، ألا فأنت في خطر الكذب و النفاق، و العياذ باللّه من هذا الشقاق.

فإن صلّيت على التراب لعلّه يكون أنسب للخضوع بين يدي ربّ الأرباب.

و أمّا كيفيّة الصلاة فما رواه المشايخ عن كتاب فضل الدعاء باثنتي عشرة تكبيرة:

سبع تكبيرات في الأولى، و خمس تكبيرات في الثانية. و ذكر في وصفها ما يظهر منه أن لا تكبير فيها بعد رفع الرأس من الركوع و السجدتين، و يستحبّ أن يدعو بعدها بدعوات واردة ذكرها في «الإقبال»، و منها دعاء الندبة، و هو يهديك إلى ما يناسب هذه الأيّام من ذكر إمامك، و سلطان زمانك، و من هو أولى بك من نفسك، ومن كلّ أحد، و ما يجب عليك من الوجد و الحزن و البكاء بفقده.

ثمّ إن قدرت أن لا يشغلك مراسم العيد عن ذكر مولاك طول يومك فهنيئا لك، و إن لم تقدر على أن تجمع حضور الناس مع حضور قلبك لذكر اللّه جلّ جلاله فجدّ أن لا تغفل رأسا عن ذكره و حضوره في هذا الوقت السعيد، و ليكن سرّك لا محالة مشغولا به، و شغلك بغيره أيضا، بإذنه و رضاه.

و من المهمّات في هذا اليوم الأضحيّة و هي واجبة كما في الأخبار و إن كان المراد بوجوبه تأكيد استحبابه، فليراع العبد فيه أدب العبوديّة، و ليعتبر فيه من عمل ابني آدم عليه السّلام حيث (قَرَّبا قُرْبَانا فَتُقُبِّلَ مِنْ أحَدِهِما وَ لَم يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَر)[1] و ما روي من علّة ردّ قربان قابيل، لأنّه عمد في قربانه برديّ متاعه، و أعقبه ذلك مع ردّ قربانه الهلاك الدائم، و الخزي الخالد، و قبول قربان هابيل حيث إنّه عمد إلى أجود متاعه و أنفسها، فتقبّل قربانه، و أعقبه ذلك بالشهادة في سبيل اللّه، و الفوز بالكرامة الخالدة حتّى ذكره [اللّه‏] بالثناء في كتابه الكريم، فإنّ من لؤم النفس أن يزهد المرء في مثل هذا المقام، عن فداء يسير من المال، في خدمة مولاه، و مالك دنياه و أخراه، و قد وهبه وجوده، و كلّ شي‏ء يملكه من النعم الّتي لا تحصى، و هو يحتاج إليه فيما يأتي في جميع حوائجه.

و يقول عند الذّبح ما روي من قول أمير المؤمنين عليه السّلام: «بسم اللّه، وجّهت وجهي للّذي فطر السماوات و الأرض حنيفا مسلما و ما أنا من المشركين إنّ صلاتي و نسكي و محياي و مماتي للّه ربّ العالمين، اللّهمّ منك و لك» و لا تغفل أنّ هذا القول قول من لا يرى في الوجود مؤثّرا إلا اللّه، و هو غائب عن نفسه، باق بربّه، إن لم يكن هو الذابح، يضع يده على يد الذّابح عند الذّبح، و يقرأ الدعاء و يسمّي هو أيضاً.

فليكن إفطاره بلحم الأضحية فليقسّم لحمه ثلاثة فليتصدّق بثلثه على الجيران و ثلثه على السؤال، و يمسك ثلثه لأهل البيت، و يتصدّق بجلده و يعطي أجرة الذابح من غير الأضحيّة.

و إذا كان آخر النهار فليلاحظ حالات يومه، فلا محالة يجد نفسه مقصّرا في خدمة مولاه، فليراجع خفيره و مضيفه من المعصومين عليهم السّلام، و بتوسّل بهم إلى اللّه، و الاستشفاع منهم عنده، بتبديل سيّئاته بأضعافها من الحسنات، فإنّه وليّ ذلك لمن يشفعون في حقّه، و يرغبون إلى اللّه في قبوله و قبول أعماله[2].

2ـ استشهاد عبدالله المحض بن الحسن المثنى مع ثلّة من أبناء الحسن المجتبى:

في اليوم العاشر من ذي الحجّة استشهد عبدالله المحض و سمّي المحض لمكانه من الحسنين؛ لأنَّ أباه الحسن بن الحسن، واُمّه فاطمة بنت الحسين، وكان يشبّه برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو شيخ بني هاشم في زمانه[3].

ومات عبدالله المحض في حبس أبي جعفر الدوانيقي مخنوقاً[4] وهو ابن خمس وسبعين سنة[5].

وقد سجن عبدالله هو وأخوانه وأبناءه وثلّة من بني الحسن المجتبى(عليه السلام).

ومضت عليهم في سجنهم ثلاث سنوات، حتى إذا حلت سنة أربع وأربعين ومئة حج المنصور ثانية، لكنه لم يجعل عودته عن طريق المدينة بل أخذ طريقة إلى الربذة، فوافاه رياح بن عثمان إلى هناك لرؤيته، فأمره بأن يعود إلى المدينة وأن يعود إليه مع مسجونيه من بني الحسن، فتوجه رياح إلى  المدينة يرافقه أبو الأزهر سجّان المنصور، وكان رجلاً خبيثاً سيّىء الطوية والخلق، وهناك وضع بني الحسن بالقيود والأغلال والسلاسل، وخرجوا بهم ومعهم محمد الديباج أخو عبدالله المحض لأمّه مغلولاً كذلك. ولما توجهوا بهم نحو الربذة على تلك الحال من الشدة والقسوة وقف الصادق (عليه السلام) ينظر إليهم من وراء ستر وقد هملت عيناه حتى جرت دموعه على لحيته وهو يقول: لعنكم الله يا معشر الأنصار، ما على هذا عاهدتم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ولا بايعتموه، فقد بايعتموه على أن تمنعوه وذريته مما تمنعون منه أنفسكم وذراريكم، وعلى رواية؛ أنه(عليه السلام) دخل بيته فحمّ عشرين ليلة لم يزل يبكي فيها الليل والنهار، حتى خيف عليه!.

قدم الحرس ببني الحسن الربذة، وتركوهم هناك تحت أشعة الشمس، ثم حضر رجل من قبل المنصور يقول: من هو محمد بن عبدالله بن عثمان؟ فلما أظهر محمد الديباج نفسه اقتاده الرجل إلى المنصور.

يقول الراوي: لم نلبث طويلاً حتى سمعنا أصوات السياط، ولما أعادوا محمداً عرفنا مبلغ ما عذّبوه و أذوه به، كان وجهه ولونه الذي يشبه سبيكة الفضة قد غدا أشبه بلون زنجي، وكانت إحدى عينيه قد خرجت محجرها، ثم طرحوه إلى جانب أخيه عبدالله، وكان عبدالله يحب أخاه أشد الحب، وكان العطش قد بلغ من محمد مبلغه، وطلب شربة ماء، وكان الناس يحذرون الرحمة بهم خشية من المنصور، فصاح عبدالله، من يسقى ابن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) شربة ماء، فسقاه رجل خراساني شربة ماء كما روي، وقيل إن ثياب محمد قد التصقت بجسده من تأثير السياط والدماء التي سالت عليها حتى ليصعب نزعها عنه، ولما نزعوها بعد أن مرغوه بالزيت كانت قطع من جلده ملتصقة بها.

وإجمالاً فحالهم في السجن كانت على هذا المنوال: فبعضهم يموت، وبعضهم يقتل، وبقي عبدالله مع آخرين من أهل بيته أحياء حتى خرج ابناه محمد وإبراهيم وقتلا، وأرسل رأساهما إلى المنصور، فبعث المنصور برأس إبراهيم إلى عبدالله، ثم لحق بهم ما لحق بالآخرين من موت أو قتل[6].

 

——————————————————————————–

[1] – المائدة: آية 27.

[2] – المراقبات للشيخ جواد ملكي تبريزي: ص 289 – ص 301.

[3] ـ عمدة الطالب: ص 119.

[4] ـ المصدر السابق: ص 120.

[5] ـ المصدر السابق: ص 121.

[6] – تتمة المنتهي: ص192 – 193 و ص196.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...