المكاسب المحرمة
8 سبتمبر,2017
فقه الولاية
1,095 زيارة
المسألة الثانية
يحرم بيع العذرة النجسة (1) من كل حيوان على المشهور، بل في التذكرة – كما عن الخلاف -: الإجماع على تحريم بيع السرجين النجس (2).
ويدل عليه – مضافا إلى ما تقدم من الأخبار – رواية يعقوب ابن شعيب: ” ثمن العذرة من السحت (3) ” (4).
نعم، في رواية محمد بن المضارب (5): ” لا بأس ببيع العذرة ” (6).
وجمع الشيخ بينهما بحمل الأول على عذرة الإنسان، والثاني على عذرة البهائم (7).
ولعله لأن الأول نص في عذرة الإنسان ظاهر في غيرها، بعكس الخبر الثاني، فيطرح ظاهر كل منهما بنص الآخر.
ويقرب هذا الجمع رواية سماعة، قال: ” سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام – وأنا حاضر – عن بيع العذرة، فقال: إني رجل أبيع العذرة، فما تقول؟قال: حرام بيعها وثمنها، وقال: لا بأس ببيع العذرة ” (8).
فإن الجمع بين الحكمين في كلام واحد لمخاطب واحد يدل على أن تعارض الأولين ليس إلا من حيث الدلالة، فلا يرجع فيه إلى المرجحات السندية أو الخارجية.
وبه يدفع ما يقال: من أن العلاج في الخبرين المتنافيين على وجه التباين الكلي هو الرجوع إلى المرجحات الخارجية، ثم التخيير أو التوقف، لا إلغاء ظهور كل منهما، ولهذا طعن على من جمع بين الأمر والنهي بحمل الأمر على الإباحة والنهي على الكراهة.
واحتمل السبزواري حمل خبر المنع على الكراهة (9).
وفيه ما لا يخفى من البعد.
وأبعد منه ما عن المجلسي من احتمال حمل خبر المنع على بلاد لا ينتفع به، والجواز على غيرها (10).
ونحوه حمل خبر المنع (11) على التقية، لكونه مذهب أكثر العامة (12).
والأظهر ما ذكره الشيخ رحمه الله (13) – لو أريد التبرع بالحمل – لكونه أولى من الطرح، وإلا فرواية الجواز لا يجوز الأخذ بها من وجوه لا تخفى.
ثم إن لفظ ” العذرة ” في الروايات، إن قلنا: إنه ظاهر في ” عذرة الإنسان ” – كما حكي التصريح به عن بعض أهل اللغة(14) – فثبوت الحكم في غيرها بالأخبار العامة المتقدمة، وبالإجماع المتقدم (15) على السرجين النجس.
واستشكل في الكفاية (16) في الحكم تبعا للمقدس الأردبيلي رحمه الله (17) إن لم يثبت الإجماع، وهو حسن، إلا أن الإجماع المنقول هو الجابر لضعف سند الأخبار العامة السابقة.
وربما يستظهر من عبارة الاستبصار القول بجواز بيع عذرة ما عدا الإنسان، لحمله أخبار المنع على عذرة الإنسان(18). وفيه نظر.
” فرع “
الأقوى جواز بيع الأرواث الطاهرة التي ينتفع بها منفعة محللة مقصودة، وعن الخلاف: نفي الخلاف فيه (19)، وحكي أيضا عن المرتضى رحمه الله الإجماع عليه (20).
وعن المفيد: حرمة بيع العذرة والأبوال كلها إلا بول الإبل (21)، وحكي عن سلار أيضا (22).
ولا أعرف مستندا لذلك إلا دعوى أن تحريم الخبائث في قوله تعالى: * (ويحرم عليهم الخبائث) * (23) يشمل تحريم بيعها، وقوله عليه الصلاة والسلام: ” إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه ” (24)، وما تقدم من رواية دعائم الإسلام (25)، وغيرها.
ويرد على الأول: أن المراد – بقرينة مقابلته لقوله تعالى: * (يحل لهم الطيبات) * – الأكل، لا مطلق الانتفاع.
وفي النبوي وغيره ما عرفت من أن الموجب لحرمة الثمن حرمة عين الشئ، بحيث يدل على تحريم جميع منافعه أو المنافع المقصودة الغالبة، ومنفعة الروث ليست هي الأكل المحرم فهو كالطين المحرم، كما عرفت سابقا.
1– النجسة: ساقطة من ” ش “.
2– التذكرة 1: 464، الخلاف 3: 185، كتاب البيوع، المسألة 310.
3– كذا في ” ش ” والمصدر، وفي سائر النسخ: ثمن العذرة سحت.
4– الوسائل 12: 126، الباب 40 من أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول.
5– كذا في ” ف “، ” ش ” والمصدر، وفي سائر النسخ: المصادف.
6– الوسائل 12: 126، الباب 40 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 3.
7– الإستبصار 3: 56، ذيل الحديث 182.
8– الوسائل 12: 126، الباب 40 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2. وفي النسخ – عدا ” ش ” -: سئل أبو عبد الله.
9– كفاية الأحكام: 84.
10– حكاه العلامة المجلسي في ملاذ الأخيار 10: 379، ذيل الحديث 202، عن والده العلامة المجلسي الأول قدس سرهما.
11– في بعض النسخ: النهي.
12– هذا الحمل من المجلسي الأول أيضا، حسبما حكاه عنه في ملاذ الأخيار 10: 379.
13– تقدم عنه آنفا.
14– حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 21.
15– تقدم عن التذكرة والخلاف في أول المسألة.
16– لا يخفى أن المحقق السبزواري قدس سره استشكل في ثبوت الاتفاق واستوجه الجواز فيما ينتفع به، (انظر كفاية الأحكام: 84).
17– مجمع الفائدة 8: 40.
18– الإستبصار 3: 56، ذيل الحديث 182.
19– الخلاف 3: 185، كتاب البيوع، المسألة 310.
20– لم نقف عليه في كتب السيد، لكن حكاه عنه العلامة في المنتهى 2: 1008.
21– المقنعة: 587.
22– المراسم: 170.
23– الأعراف: 157.
24– عوالي اللآلي 2: 110، الحديث 301.
25– دعائم الإسلام 2: 18، الحديث 23.
2017-09-08