لم يتمالكم الجواهري نفسه حتى هوى
على يد الامام الخامنئي دامت بركاته
يقبلها , ثم يقبل تاتخرى وهو يقول:
( هذه أول يد وآخر يد أقبلها).
الحديث عن الشاعر العراقي «محمد مهدي الجواهري» (1899 – 1997) هو الحديث عن قرن من الزمان.. بكل مافي هذا القرن من أحداث مرّت على «مغاني» الجواهري، من صراع صاخب بين العزّة والذلّة. وبين الاستقلال والاستعباد، وبين التبعية والأصالة.. وبين بقايا الروح الإسلامية من جهة وبين عمليات الغزو العسكري والمسخ الثقافي والتحطيم المعنوي من جهة أخرى.
فهو شاعر عاصر وعايش وتفاعل مع كل الاحداث السياسية والثقافية والاجتماعية على صعيد بلده العراق، وعلى صعيد العالمين العربي والإسلامي.
والحديث عن «الجواهري في إيران» ذو شجون، يمتد إلى مساحات مختلفة من قضايا الأدب والسياسة والمجتمع يتناول في جزء منه تأثير إيران على الأدب والأدباء العرب، ولقد تناول الباحثون تأثير إيران على أبي تمام والمتنبي، والجواهري نفسه تحدث عن تأثير إيران على شعره.
والحديث عن الجواهري في إيران يكشف حقيقة ارتباط شعبين جارين شاء الله أن يكون بينهما صلات عميقة في النسب واللغة والدين والعادات والتقاليد، وشاءت القوى المتجبرة لهما أن ينفصلا ويقام بينهما جدار سميك من الحساسيات النفسية بل ومن الصراع الدموي المؤلم.
دراسة الجواهري نفسه ووجوده في إيران ـ إضافة لما فيها من متعة ـ تكشف حقائق أدبية وثقافية نحن بأمسّ الحاجة لأن نعرفها ونحن نسعى لاستعادة وجودنا على الساحة العالمية.
ربع ساعات في ضيافة الإمام الخامنئي- يحب الشعر العربي و يحفظ الجواهري
بقلم : شوقي بزيع
ترددت كثيراً قبل الموافقة على تلبية الدعوة التي تلقيتها لزيارة طهران قبل أيام عدة في إطار المؤتمر العالمي لنصرة الشعب الفلسطيني. ولم يكن مصدر التردد ناجماً عن نفض اليد من القضية التي ينعقد المؤتمر لنصرتها ولا عن انتفاء الرغبة في الاطلاع على ما يدور في العاصمة الايرانية من أحداث وتطورات بل لأن دعوتي في الاصل لم تتم لأسباب سياسية بحتة بل للمشاركة في الأمسية الشعرية التي أرادها المنظمون موازية للكلام السياسي ومعبّرة عن جدوى الشعر ووظيفته <النضالية> في زمن النكوص والتراجعات المتلاحقة. ولما كان الموقف يستدعي كتابة قصيدة في المناسبة، فقد فكرت بداية في الاعتذار لأنني هجرت هذا النوع من القصائد منذ زمن طويل، ولأن ما كتبته في السنين الاخيرة لا يصلح للوقوف على منبر التحريض والتعبير المباشر.
كان للكلام الذي سمعته من المستشار الثقافي في السفارة الايرانية في بيروت الشيخ نجف على ميرزائي الأثر الأهم في حضي على قبول الدعوة حيث وجدت لديه تفهماً عالياً لأسباب التردد والحذر لديّ، فضلاً عن معرفته العميقة بقضايا الشعر، وبالشعر اللبناني على وجه الخصوص. كما اكد الشيخ أن حرصه على دور الثقافة والشعر بوجه خاص في عملية المواجهة لا يعني في أي حال تغييباً لقيمته الفنية وبعده التغييري، وأنه بذل جهداً استثنائياً في اختيار الشعراء وفي حصر عددهم بما لا يحول الأمسية المرتقبة الى سوق عكاظ واسع وفضفاض. أما السبب الاضافي لإزالة الحذر فيعود إلى إمكانية لقاء الشعراء بمرشد الثورة الإمام علي الخامنئي الذي نقل المستشار حبه للشعر ونظمه له. على ان تصفح الوجوه المشاركة في مطار بيروت، الذي مكننا المسؤولون عنه من الظفر بالدخول الى صالون الشرف، جعل الحذر يعاودني مرة ثانية حيث لم اعثر بين الحاضرين على اي شاعر آخر، باستثناء جوزف الهاشم الموزع الولاء بين الشعر والسياسة، والمعتاد منذ زمن على هذا النوع من المناسبات الحاشدة. وإذا كنت بدوري غير بعيد عن المؤتمرات والندوات إلا انها كانت ذات طابع ثقافي وأدبي لا لبس في عنوانه وطروحاته.
مقام الشعر
يقع فندق أزادي الذي خصص مع فندق الاستقلال لاستقبال مئات المدعوين عند سفح الجبال العالية التي تفصل شمال طهران عن السواحل الجنوبية لبحر قزوين. لكن موقعه عند طرف المدينة جعلنا نحسب ألف حساب لزيارة الاماكن التي نود زيارتها للسياحة او للتسوق، حيث كان اي خروج من الفندق يستلزم ساعات طويلة للعودة إليه. ولأن برنامج المؤتمر كان غاية في الاكتظاظ فقد اقتصر برنامج الرحلة على زيارة مرقد الإمام الخميني. وفي باحة الفندق ترى نفسك وجهاً لوجه امام عشرات الاسماء التي سبق ان رأيت بعضها في مناسبات قديمة، فيما اقتصرت متابعة بعضها الآخر على التصريحات والمواقف وشاشات التلفزيون. كان هناك إسلاميون وقوميون وماركسيون سابقون ورؤساء احزاب ورسميون كبار وموفدو دول عديدة اضافة الى قادة التنظيمات والفصائل الفلسطينية. كان بين هؤلاء من لعبوا دوراً حاسماً في تاريخ لبنان وخاصة في الحقبة التي سبقت الاجتياح الاسرائيلي بداية الثمانينيات. وإذ كانوا يومها في ذروة شبابهم وحماستهم النضالية بدوا اليوم، كما معظم المشاركين، مكسوين بالشعر الأبيض ومثخنين بالانكسارات وتعب الكهولة. ومع ذلك فإن بعضهم ما يزال متشبثاً بأحلامه المزمنة وبقاموسه السياسي الذي بليت مفرداته من شدة الاستخدام.
لم يمر وقت طويل على افتتاح المؤتمر الذي شارك فيه مرشد الثورة السيد علي خامنئي ورئيس الجمهورية أحمدي نجاد وعدد كبير من رؤساء المجالس النيابية، بمن فيهم الرئيس نبيه بري، ومن رؤساء الوفود المشاركة حتى تأكد لي ان الشعر في مقام كهذا لن يكون سوى محطة <ترفيهية> بين الخطب والمداخلات المطولة وأنه سيخضع، بحكم الظروف الصعبة التي ينعقد المؤتمر في ظلها، لشروط السياسة ومقتضياتها. وقد بدا الشعراء القليلون المدعوون الى المؤتمر ضائعين بين أروقة الفندق وقاعة المؤتمرات وغير عارفين بالدور المنوط بهم في هذه الاحتفالية الضخمة التي تنعقد باسم فلسطين التي يحتل شعراؤها موقعاً متقدماً في خارطة الشعر العربي فيما لم نعثر هناك على احد منهم باستثناء شاعر مقيم في سوريا هو كمال سحيم. وقد زاد طين التساؤلات بلة كون المنظمين لم يخصصوا للشعر أمسية مستقلة ولم يحضروا للشعراء اي برنامج مستقل او انشطة خاصة او اي لقاء حواري مع الشعراء والمثقفين الايرانيين. وفي مناخ كهذا آثرت الاعتذار عن الإلقاء في قاعة المؤتمرات الكبرى التي لن يكون الشعر فوق منبرها سوى خطبة اضافية او نص خارج السياق. أما الشاعر اللبناني جوزف الهاشم فقد كان بوصفه الشاعر الوحيد الذي ارتقى المنبر، في وضع أقل حراجة وإرباكاً لأن هويته الموزعة بين السياسة والشعر جعلته اكثر تصالحاً مع نفسه من الآخرين.
حبس أنفاسكان علينا ان ننتظر مرور يومين على افتتاح المؤتمر حتى تتسرب الى مسامعنا أنباء غامضة عن إمكانية اللقاء بمرشد الثورة السيد علي خامنئي دون ان نتأكد من مكان اللقاء وطبيعته وعدد المشاركين فيه. وقبل ان يجيء من ينقل إلينا تفاصيل الزيارة وموعدها ومكانها الذي هو مكان اقامة <السيد> بالذات كان الشاعر الايراني موسى بيدج قد اكد لي في لقاء معه صحة النبأ وأخبرني عن شغف الإمام بالشعر ونظمه له وعن لقاءاته المتكررة بالشعراء والنقاد الايرانيين. ولم يكن الإمام، وفق بيدج، شغوفاً بالشعر الفارسي وحده بل هو معجب بالشعر العربي ايضا ويحفظ الكثير من نماذجه ونصوصه الكلاسيكية القديمة. أما بالنسبة للشعراء المعاصرين فهو يكن محبة خاصة لقصائد الشاعر العراقي المعروف محمد مهدي الجواهري (وقد سبق للشاعر مدين الموسوي ان روى في <السفير> فصولاً مشوّقة عن زيارة الجواهري الى طهران ولقائه بالإمام الخامنئي وامتداحه له في قصيدة خاصة).
بدأ الهمس في قاعة الفندق وأروقته يتصاعد شيئاً فشيئاً حول لقاء الإمام بالشعراء، دون ان يتأكد احد من إمكانية مشاركة السياسيين او بعضهم على الاقل في اللقاء المرتقب. وحين تأكد اقتصار الدعوة على الشعراء راح الحشد السياسي، الذي كان لساعات خلت ينظر الى هؤلاء نظرة الاستعلاء حيناً والتجاهل حيناً آخر، يعيد النظر في مواقفه السابقة ويتطلع الى الشعراء بعين الغبطة والإعجاب حيناً وبعين الحذر والريبة حيناً آخر. كان الباص الذي اقلنا بعد ظهر ذلك الاحد من شهر نيسان في اتجاه منزل السيد الخامنئي يشق طريقه بصعوبة في شوارع طهران المزدحمة فيما كان الشعراء يحبسون أنفاسهم في انتظار اللقاء المرتقب ويشعرون بأنهم إزاء لحظات استثنائية من حياتهم المثخنة بالرتابة والقلق والتهميش. وكلما اقترب الباص من هدفه متنقلاً وسط شوارع داخلية اكثر هدوءاً من سابقتها كان التوتر المشوب بالغموض والفضول يزداد اكثر فأكثر. ثمة حواجز كثيرة وعمليات تفتيش متلاحقة فصلت بيننا وبين المكان المنشود. وقبل ان نلج منزل الإمام كان الاعلامي المعروف غسان بن جدو متوقفاً في الباحة الخارجية ينتظر إذناً خاصا بالدخول لأنه، برغم تلقيه دعوة استثنائية للحضور، لم يكن يحمل البطاقة الخاصة التي وزعت على المدعوين قبل انطلاقهم. غير أن بن جدو ما لبث ان التحق بالوفد، وحظي في ما بعد بمقابلة خاصة مع الإمام هي على الارجح تقدير خاص للضيف ولمنبر <الجزيرة> التي ينظر إليها الايرانيون بعين الرضى والتعاطف.
كان هناك شعراء من لبنان وسوريا والعراق والكويت وفلسطين وأذربيجان، مع أرجحية سورية واضحة. وكان عدد الشعراء الضيوف يربو على خمسة عشر، فيما كان هناك عدد مماثل تقريبا من الايرانيين، مع ملاحظة وجود وفد خاص من شعراء خوزستان الايرانية التي تقطنها غالبية عربية وتعرف عند العرب بالأهواز. وفيما جلس كل شاعر على المقعد المخصص له بالاسم هبّ الجميع وقوفاً لدى دخول الإمام الذي استقبله العديدون بالتكبير والتعظيم بينما عمد هو بدوره الى تحية الحاضرين والابتسام لهم قبل احتلال مقعده الخاص في وسط القاعة الفسيحة. بدت ملامح الإمام وادعة ومطمئنة، ورغم انه يقود احدى اكبر دول الشرق الأوسط وأكثرها وقوعاً في دائرة الضوء والاهتمام العالميين، وبخاصة مع اقتراب انضمامها الى النادي النووي، فقد كان وجهه البشوش وتواضعه الجم كافيين تماما لطمأنة زائريه وإشاعة جوٍّ من الدعة والراحة في دواخلهم.
لا يستشعر الجالس في حضرة الخامنئي برهبة الحضور التي تتولد في العادة عن سطوة السلطة ومقامها.فطوله المتوسط وجسده الأقرب الى النحول والوداعة البادية في قسمات وجهه، كل ذلك يجعل المرء يشعر بحضوره الأبوي وطباعه السمحاء التي تمكن مجالسه من كسر حاجز الخوف والتطلع إليه من موقع البنوّة او الصداقة. ربما كانت ملامح الخامنئي أقل قسوة من ملامح سلفه الإمام الخميني، الذي سبق وقابلته ضمن وفد لبناني عشية قيام الثورة، ولكنني شعرت ان الكاميرا لم تكن عادلة في علاقتها بملامح المرشد السابق التي كانت تطفح هي الأخرى بالدفء والمحبة، على مهابة نادرة، في حين أنها لم تظلم الخامنئي بالقدر نفسه حتى لو لم تستطع التقاط ما يكفي من دماثته ورهافته الجسدية والروحية.
ما لفتنا أيضا في تلك الجلسة الطويلة التي امتد زمنها لساعات اربع هو قرار مرشد الثورة الايرانية التحدث باللغة العربية برغم حساسية المسؤولين الايرانيين المفرطة في هذا الشأن واختيارهم التحدث بلغتهم الأم في جميع المناسبات، حتى لو كان بعضهم يتقن العربية كأبنائها تماماً. الأمر الآخر اللافت في كلمته الموجزة كان تقديره الكبير لقضية فلسطين واعتبار نصرتها أولوية قصوى لدى النظام كما الشعب في إيران الثورة. وهو دعا الشعراء تبعا لذلك ان يحصروا قصائدهم الملقاة في الجلسة بهذه القضية مع لفت نظر الجميع إلى تجنب الاشادة به وامتداحه في هذه القصائد. وتنبغي الاشارة في هذا السياق الى ان منسقي اللقاء كانوا قد طلبوا، قبل يوم من حصوله، نسخاً عن القصائد التي ستقرأ في حضرة <السيد> لا من أجل مراقبتها السياسية والاخلاقية، كما اوضحوا، بل لرغبته في قراءتها قراءة معمقة ومناقشة الشعراء بشأنها، وهو امر لم يحدث بعد ذلك في اي حال. وقد يكون سبب ذلك عائدا لضيق الوقت ووفرة الشعراء الحاضرين أو لعدم رغبته في إحراج أحد من أصحاب المنظومات والقصائد المستهلكة. أشار الإمام ايضا الى تقديره للشعر العربي، بوصفه ديوان العرب والمعبّر عن وجدانهم وهمومهم وتطلعاتهم منذ القدم. أما مقدم الجلسة ومديرها فقد اسهب في مقدمته في الحديث عن حب مرشد الثورة للشعر وعن نظمه له فضلاً عن ذائقته المتميزة التي تمكنه من الحكم على ما يقرأه بشكل صحيح وعميق.
حضرة <المقدس>
تتابع الشعراء بعد ذلك على منصة الإلقاء. بعضهم اختار الوقوف وبعضهم الآخر آثر البقاء جالساً. ومنذ بدأ الشاعر السوري مصطفى عكرمة <بالإنشاد> حتى نهاية الأمسية الطويلة بدا ان الشعر العمودي والحماسي كان سيد الموقف. قرئت تلك الليلة معلقات ومطوّلات عصماء يستعيد معظمها تجارب سابقة ويتفيأ ظلال شعراء العربية السابقين بدءاً من أبي تمام والمتنبي ووصولا الى الجواهري وبدوي الجبل وعمر أبو ريشة وغيرهم. وإذ هتف الشاعر السوري محمد منذر لطفي <يا قدس يا قبلة هام الضياء بها/ يا من أغرت السنا والبدر والشهبا> اجابته مواطنته كوثر شاهين غير آبهة برغبة الإمام في ابتعاد الشعراء عن مديحه: <واليوم موتمر انتفاضة غزةٍ/ في ظلّ خامنئي يرشِّد منْ عمي>. وفي حين بدا الشاعر السوري ماجد خطاب في قصيدته العمودية أكثر ميلا الى الهدوء والترجيع الرومنسي صرخ شاعر من خوزستان: <يا قدس عادت خيبر/ جاء لها الغضنفر>. وحين لاحظ ان الجمع لم يخصّه باستحسان مميز <وهمهمة> مناسبة صاح متذمراً: <ما بكم؟ هل أنتم نائمون>. ثم ما لبث <السيد> ان هدأ من سورة غضبه وطيّب خاطره. وبعد ان قرأ الشاعر اللبناني جوزف الهاشم قصيدة في مديح الإمام علي،قال أنه اختارها بعدما قام بواجبه تجاه فلسطين في قاعة المؤتمر، فاجأ آية الله محمد التسخيري الحضور بمعرفته الوثيقة باللغة والشعر العربيين وقرأ بالعربية قصيدة عارض فيها الاخطل الصغير: <الحضارات استقت من نبعنا/ فيبابٌ أرضها لولا روانا/ بعث الاسلام فينا ثورة/ سائل العلياء عنها والزمانا>. ومن الشعراء الايرانيين قرأ كل من علي معلم وحسين اسرافيلي وعلي كارمارودي وحميد سبزواري وآخرين قصائد متفاوتة المستوى عن الاسلام وفلسطين وإيران، لكنها مع ذلك حافلة بالرموز والصور الاستعارية التي تتكئ على المخزون الكبير للشعر الفارسي الصوفي والعرفاني.
أما شعراء <التفعيلة> فقد كانوا قلة قليلة وسط جلجلة الأوزان والقوافي التي لم تتجاوز غالبية نصوصها رتبة النظم الحماسي الخالي من الصورة والتخييل والجدة التعبيرية. وقد اقتصرت نماذج الشعر الحر على اسماء قليلة من مثل الفلسطيني كمال سحيم والكويتية جنة القريني والسوريين ابراهيم النمر ومروة حلاوي، مع تفاوت واضح في مستوى هذه النماذج التي حاول بعض كتابها ان يغالب خوفه وتوجسه برفع الإلقاء الى أعلى مستوياته الصوتية. وإذ امتنع الإمام، خلافاً لعادته كما اشار البعض، عن التعليق على القصائد الملقاة، لم أتمالك نفسي عن استئذانه، قبل ان اقرأ مقاطع من قصيدة <الصوت> التي سبق وأهديتها للشهيد بلال فحص، في تقديم بعض الملاحظات النقدية حول وظيفة الشعر ومفهوم الالتزام والمقاومة بين اللغة والشعار داعياً إياه، وهو الحريص على تمتين العلاقة بين الشعبين العربي والايراني، الى رعاية مؤسسة خاصة بالترجمة تتم من خلالها ترجمة النماذج العالية من الشعر الفارسي الى العربية والنماذج المماثلة من العربية الى الفارسية، منوهاً بالدور الرائد الذي يقوم به المركز القومي للترجمة في مصر برئاسة جابر عصفور في هذا المضمار. وهذا المركز بالذات هو الذي أتاح لنا قراءة الكثير من نصوص الأدب والشعر الفارسيين وأن نتعرف الى الأبعاد العرفانية والشعرية العالية لديوان الإمام الخميني. وقد وعد مرشد الثورة بالاهتمام في هذا الشأن دون دخول في التفاصيل.
في العشاء الذي أقامه الإمام الخامنئي على شرف ضيوفه بعد صلاة المغرب بادر الى الاعتذار الى جلسائه حول تناوله للطعام جالسا على كرسي، وذلك بسبب معاناته المديدة من آلام في الظهر لا تمكنه من الجلوس على الأرض كالآخرين. وخلال العشاء انبرى بعض الشعراء الشعبيين من خوزستان، الذين كان مقدم الجلسة قد امتنع عن السماح لهم بالمشاركة في الأمسية لضيق الوقت، لترداد مدائحهم وأهازيجهم بالعربية بالمحكية للإمام القائد وشجاعته وحكمته.
بعد أربع ساعات كاملة بضيافة الإمام الخامنئي عاد الشعراء الى الفندق وهم يشعرون، بعد طول إهمال وتغييب، بأنهم حصلوا على اكثر مما كانوا يأملون بالحصول عليه وأنهم كسبوا هذه المرة على الأقل الجولة على السياسيين الذين كادوا لساعات قليلة مضت لا يعيرونهم اية التفاتة تذكر فيما هم يتلهفون الآن للتحدث إليهم وسؤالهم عما حدث. كان الشعراء يشعرون بالزهو وينظرون الى انفسهم كما لو انهم كائنات اخرى غير تلك التي كانت منبوذة ومهملة قبل ساعات، او كما لو ان جلوسهم في حضرة <المقدس> قد أتاح لهم حمل عدواه في دواخلهم لزمن غير قليل. أما الشعر نفسه فقد كان يتيماً ووحيداً اكثر من اي وقت آخر.
https://t.me/wilayahinfo