الامارات العربية :الحمد لله الولي الحميد، يخلق ما يشاء ويحكم ما يريد، سبحانه بيده المنع والعطاء، والمعافاة والابتلاء، نحمده تعالى في السراء والضراء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، ماض فينا حكمه، عدل فينا قضاؤه، وهو أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته، قال عز وجل:( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون)
أيها المسلمون: إن للشام مكانة في نفوس المسلمين، فهي الأرض التي باركها الله تعالى في القرآن الكريم، وزادت بركة وشرفا بزيارة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم الذي دعا لها بقوله:« اللهم بارك لنا في شامنا» فطوبى للشام وأهلها، فقد بسطت ملائكة الرحمن أجنحتها عليها، وعاش على أرضها من الصحابة الكرام آلاف، نشروا في ربوعها المحبة والإيلاف، مشوا على ترابها، وتنفسوا من هوائها، وغرسوا قيمهم في أهلها، ونعم من فيها برؤيتهم رضي الله عنهم، قال الوليد بن مسلم: دخلت الشام عشرة آلاف عين رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فتعاهدوها رضي الله عنهم بالفضل والإحسان، ورعوها بما يحقق الكرامة للإنسان، حتى بلغ من حالهم أنهم نثروا الحبوب على رؤوس الجبال، كي لا يقال جاع طير في بلاد المسلمين، فصارت الشام منطلق الحضارة الإسلامية، يشع من جنباتها النور للإنسانية.
عباد الله: وإنه لمما يدمي القلب، وتتفطر له النفس، وتدمع له العين، ما وقع لأهل الشام من النوائب، فقد اشتدت عليهم المصائب، وتوالت عليهم النكبات، وغشيتهم الملمات، وها هم اليوم يمرون بمحنة عصيبة، وأزمة رهيبة، فقد فيها الملايين بيوتهم، وشردوا عن بلادهم، فأصبحوا يعانون ظروفا قاسية، وأوضاعا إنسانية مأساوية، فكم من أسرة تفرق شملها، وكم من زوجة ترملت بفقد زوجها، وكم من طفل تيتم بوفاة أبيه، وكم من أم فجعت في أبنائها، وفلذات كبدها، وقد زادت المعاناة عليهم قسوة وشدة، بموجة برد قارسة، وعاصفة ثلجية شديدة، مات منها النساء والأطفال، وقاسى منها المسنون والرجال، فوجب على كل مسلم قادر مساعدتهم، ومد يد العون لهم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم 🙁 المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه) أي لا يتركه في مصيبته، بل عليه أن يواسيه، ويبذل له ما يستطيع لمساعدته، فلا يحل له أن يترك إعانته وهو قادر على ذلك.
فيا أيها المسلم، يا من آمنت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا؛ ها هي الصور تأتيك، والأخبار تنبيك، عن أحوال أهل الشام، وما يعايشونه من الآلام، فلا تسلم المنكوبين لمصيبتهم، وكن عونا لهم في محنتهم، وانظر إلى حال الطفل السوري الذي يرتعد من البرد القاتل، وتخيل أنه ابنك المدلل! كيف يكون شعورك حين تراه وقد تجمدت الدماء في عروقه، وأذهب البرد حيويته وبريقه، كيف تتركه على حاله، وقد ازرقت شفتاه، وانهمرت عيناه، وارتجفت يداه، وهو يستصرخك: يا أبتاه، أدفئ جسدي العاري بكساء، فقد قضى علي ثلج الشتاء، وأنت تتلفت ذات الشمال وذات اليمين، فلا تجد المأوى لقرة العين، ينظر إليك وقد علق عليك حياته، وأنت تراه قد قارب وفاته، أتسلمه لما داهمه؟ أم تتركه يتجرع ما يخنقه ويقتله؟
يا عبد الله تصور لبرهة من الزمن أن المرأة التي تراها عبر الشاشات في المخيمات هي إحدى قريباتك! ما هو موقفك حين تسمعها تنوح وتبكي، وتئن وتشتكي، وتستنجدك: استر عورتي، وآمن روعتي، وقني من غائلة البرد وجوعتي. وانظر إلى حال المسن المريض، والعجوز الكبير، وهو يستغيث بولده ليوفر له دواء يسكن به ألمه، ولقمة يسد بها جوعته، وكساء يستر به عورته، وصوفا يقيه من برده! وهو لا يجد ما يغذيه ويداويه، ولا يملك ما يدفئه ويؤويه! ألم تسمع أيها المؤمن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :« من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه».
فكونوا عونا لأشقائكم المنكوبين كان الله في عونكم، ارحموا غربتهم يرحمكم ربكم، فرجوا كربتهم فرج الله كربتكم.
عباد الله: إن الله تبارك وتعالى قد امتحن أولئك الأشقاء بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ليصبروا، وامتن عليكم بنعمه الكثيرة وآلائه الوفيرة لتشكروا، وفتح لكم أبوابا لفعل الخيرات لتزيدوا من حسناتكم، وتكثروا من صالحات أعمالكم، فبادروا بإعانتهم، وكونوا دفئا لهم من بردهم، وساهموا في سد احتياجاتهم، وإطعام جائعهم، فإن الذي يغيث الملهوفين، ويطعم الجائعين، يحظى بكرامة رب العالمين، ويجد ذلك في صحيفة أعماله يوم الدين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني. قال: يا رب وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني. قال: يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما إنك لو سقيته وجدت ذلك عندي».
نعم يا عباد الله ستجدون ذلك عند الله تعالى، فإنكم إذا أنفقتم ابتغاء مرضاة ربكم فإنه سبحانه سيخلف ما بذلتموه، ويضاعف لكم ما أنفقتموه، وسترونه في دنياكم بركة في أموالكم، وفي آخرتكم ثوابا في صحائفكم، قال الله تعالى:( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون).
أيها المؤمنون: لقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على التبرع لأصحاب الحاجات والنوازل، فقد جاء ناس من الأعراب إلى رسول اللهصلى الله عليه وسلم فرأى سوء حالهم، فحث الناس على الصدقة، فتتابعوا بالتصدق والإنفاق حتى عرف السرور في وجهه صلى الله عليه وسلم لاستجابة أصحابه المكرمين، ووقوفهم إلى جانب المنكوبين.
فنسألك اللهم أن تفرج عن أهل الشام، وتنفس كربتهم، وتقضي حاجاتهم، وتسد جوعتهم، وتؤوي شريدهم، وتعينهم في محنتهم، ونسألك اللهم أن توفقنا لمساعدتهم، وللوقوف إلى جانبهم، لنكون عونا لهم، وأن توفقنا لطاعتك وطاعة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وطاعة من أمرتنا بطاعته، عملا بقولك:( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.