المرأة والأسرة في فكر الإمام الخامنئي
28 سبتمبر,2019
الاسلام والحياة, صوتي ومرئي متنوع
1,915 زيارة
بين يوم المرأة وولادة السيّدة الزهراء[1]
بمناسبة يوم المرأة، قال الإمام الخمينيّ قدس سره في إحدى كلماته مخاطباً النساء: “إنكنّ حين رضيتنّ بأن يكون يوم ولادة فاطمة الزهراء عليها السلام يوماً للمرأة، فهذا يرتّب على عواتقكنّ مسؤوليّات وتكاليف”. يومكم، يوم المرأة ويوم الأم، وهو يوم فاطمة الزهراء عليها السلام، فما معنى هذا؟ إنّها خطوة رمزيّة وعمل
رمزيّ (شعائريّ). ومعناه أنّ المرأة يجب أن تسير على هذا الصراط، والعظمة والجلالة، وعلوّ المقام والقدر يتحقّق للمرأة في هذا الدرب، الدرب الذي تتوفّر فيه التقوى والعفاف، والعلم والخطابة، والصمود في مختلف الميادين التي تحتاج إلى الصمود، وتربية الأبناء، والحياة العائلية، وفيه الفضائل والجواهر المعنوية كلّها. على النساء السير في هذا الاتّجاه[2].
زينب عليها السلام، قدوة الرجال والنساء
هذه المرأة التي تُعدّ قدوة لكلّ الرجال العظماء والنساء العظيمات في العالم. فهي تبيّن أسباب الثورة النبوية والثورة العلوية، وتقول إنّكم لم تتمكّنوا من معرفة الحقّ في الفتنة، ولم تستطيعوا أن تعملوا بتكليفكم، وكانت النتيجة أن يُرفع رأس فلذة كبد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على الرماح.. من هنا يمكن فَهم عظمة زينب[3] عليها السلام.
زينب عليها السلام ودورها التاريخيّ في كربلاء[4]
زينب الكبرى أحد نماذج التاريخ البارزة التي تُظهر عظمة حضور امرأة في إحدى أهمّ قضايا التاريخ. عندما يُقال إنّ الدم انتصر على السيف في عاشوراء وفي واقعة كربلاء، وهو كذلك، فإنّ عامل هذا الانتصار هو زينب عليها السلام، وإلّا فإنّ الدم في كربلاء قد انتهى.
واقعة عسكرية تنتهي بهزيمة ظاهرية لقوى الحقّ في ميدان عاشوراء، أمّا ذلك الشيء الذي أدّى إلى تبديل هذه الهزيمة العسكرية الظاهرية إلى انتصار قطعيٍّ دائم فهو زينب الكبرى عليها السلام بمفردها، الدور الذي قامت به زينب عليها السلام، أمرٌ في غاية الأهمّية. وقد دلّت هذه الواقعة على أنّ المرأة ليست موجودة على هامش التاريخ، بل هي في صلب الأحداث التاريخية الهامة.
القرآن أيضاً نطق بهذه المسألة في موارد متعدّدة، لكنّ هذا متعلّق بالتاريخ القريب وليس مرتبطاً بالأمم الماضية، فحادثة حيّة ومحسوسة يشاهد فيها الإنسان زينب الكبرى تظهر بهذه العظمة المحيّرة والساطعة في الميدان، تقوم بعملٍ يذلّ ويحقّر العدوّ الذي بحسب الظاهر قد انتصر في المعركة العسكرية واقتلع المعارضين وقمعهم وجلس على عرش النصر في مقرّ قدرته وفي قصر رئاسته، فتسِم جبينه بوصمة عارٍ أبدية وتبدّل انتصاره إلى هزيمة، هذا هو
عمل زينب الكبرى. أظهرت زينب عليها السلام أنّها يمكنها أن تحوّل الحجاب وعفاف المرأة إلى العزّة الجهادية وإلى جهاد كبير.
السيدة زينب الكبرىعليها السلام وقوّة بيانها[5]
ما بقيَ من خطب زينب الكبرى، ممّا هو في متناول الأيدي، يظهر عظمة حركتها. فخطبتها التي لا تُنسى في أسواق الكوفة لم تكن كلاماً عادياً، ولم تكن موقفاً عادياً لشخصية كبرى، بل بيّنت بتحليل عظيم أوضاع المجتمع الإسلاميّ في ذلك العصر بأجمل الكلمات وأعمق وأغنى المفاهيم في مثل تلك الظروف. لاحظوا قوة الشخصيّة، كم هي قوية هذه الشخصيّة. فقدت في تلك الصحراء أخاها وقائدها وإمامها مع كلّ هؤلاء الأعزّاء والشباب والأبناء، وهذا الجمع المؤلّف من بضع عشرات من النساء والأطفال قد أُسروا وأُحضروا على مرأى من أعين الناس وحُملوا على نياق الأسْر، وجاء الناس ينظرون إليهم، وكان بعضهم يهلل وبعضهم كان يبكي، ففي مثل هذه المحنة، تسطع فجأة شمس العظمة، فتستعمل نفس اللهجة التي كان يستعملها أبوها أمير المؤمنين وهو على منبر الخلافة مخاطباً أمّته، تنطق بنفس الطريقة وبنفس اللهجة والفصاحة والبلاغة وبذلك السموّ في المضمون والمعنى: “يا أهل الكوفة، يا أهل (الختر و) الغدر
والختل”[6]، أيّها المخادعون، أيّها المتظاهرون! لعلّكم صدّقتكم أنّكم أتباع الإسلام وأهل البيت، لقد سقطتم في الامتحان وصرتم في الفتنة عمياً، “هل فيكم إلّا الصَّلف والعُّجب والشَّنِف والكذب ومَلَقُ الإماء، وغمز الأعداء“[7]؟ إنّ تصرّفكم وكلامكم لا ينسجم مع قلوبكم. لقد غرّتكم أنفسكم، وظننتم أنّكم مؤمنون، وتصوّرتم أنّكم لا زلتم ثوريين، ظننتم أنّكم لا زلتم أتباع أمير المؤمنين، في حين أنّ واقع الأمر لم يكن كذلك. لم تتمكّنوا من الصمود والنجاح في الفتنة، ولم تتمكّنوا من النجاة بأنفسكم ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا﴾[8], فقد أصبحتم كالتي بدّلت الحرير أو القطن إلى خيوط، ثم أرجعت تلك الخيوط ونقضتها إلى قطن أو حرير، فبدون بصيرة ووعيٍ للظروف وبدون تمييز بين الحقّ والباطل أبطلتم أعمالكم وأحبطتم سوابقكم. الظاهر ظاهر الإيمان واللسان مليء بالادّعاءات الجهادية، أما الباطن فهو باطنٌ أجوف خالٍ من المقاومة مقابل العواصف المخالفة. فهذا ما يُعدّ تحديداً آفّات تصيب المجتمع.
بهذا البيان القويّ والكلمات البليغة، وفي تلك الظروف الصعبة، تحدّثت زينب الكبرى. فلم يكن الأمر بحيث نرى مجموعة من المستمعين يجلسون أمام زينب ويستمعون إليها وهي تتحدّث
معهم كخطيب عاديّ، كلّا، فالجماعة هم من الأعداء، وحملة الرماح يحيطون بهم، وكان هناك جماعة في ناحية أخرى كهؤلاء الذين سلّموا مسلم إلى ابن زياد، وأولئك الذين كتبوا الرسائل وبعثوا بها إلى الإمام الحسين عليه السلام وتخلّفوا، ومنهم من كان ينبغي أن يواجه ابن زياد وقد اختبأوا في بيوتهم ـ هؤلاء كانوا في سوق الكوفة ـ وجماعة ظهر منهم ضعف النفوس وهم الآن يشاهدون ابنة أمير المؤمنين ويبكون. لقد كانت زينب الكبرى عليها السلام في مواجهة هذه الجماعات المختلفة التي لا يمكن الثقة بها، ولكنها كانت تتحدّث ببيان مُحكم ورائع. فهي امرأة تاريخية، هذه المرأة لم تعد ضعيفة، ولا يصح عدّها امرأة ضعيفة. فهذا جوهر المرأة المؤمنة حيث تُظهر نفسها في مثل هذه الظروف الصعبة[9].
[2] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء مدّاحي أهل البيت عليهم السلام، بمناسبة ولادة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران – حسينية الإمام الخميني قدس سره، بحضور جمعٌ من الشعراء والمدّاحين لأهل البيت عليهم السلام، بتاريخ 12/05/2012م.
[4] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ذكرى ولادة السيدة زينب عليها السلام ويوم الممرضة، في طهران، بحضور جمع غفير من الممرضات النموذجيات، بتاريخ 21/04/2010م.
[5] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ذكرى ولادة السيدة زينب عليها السلام ويوم الممرضة، في طهران، بحضور جمع غفير من الممرضات النموذجيات، بتاريخ 21/04/2010م.
[6] ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب عليهم السلام، ج4، ص115.
[7] ابن شهرآشوب المازندراني، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب عليهم السلام، قم، نشر علامة، 1421ه، ط1، ج4، ص115.
[8] سورة النحل، الآية 92.
[9] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ذكرى ولادة السيدة زينب عليها السلام ويوم الممرضة، في طهران، بحضور جمع غفير من الممرضات النموذجيات، بتاريخ 21/04/2010م.
2019-09-28