• رأی علماء الإجتماع
ویرى علماء الإجتماع الکبار فی العالم أن الحروب و سفك الدماء و قتل الأنفس و کل هذه المفاسد المتزایدة الیوم إنما هی ناتجة من عدم توفر التوازن بین متطلبات الجسم و الروح الإنسانیة . فالإنسان الیوم قد سحق الفضائل الأخلاقیة و المنابع المعنویة ، و إن کان قد سخر البحر و الفضاء و الصحراء لصالحه و صعد إلى القمر . و من البدیهی أنه لا یمکن إقرار العدالة و النظام الصحیح بالقوة و القدرة و لا یمکن أن تضمن سعادة البشریة بحصول التکنیك المتقدم و باقی العلوم المادیة و لیس للإنسانیة محیص من أن تقیم علاقاتها على أساس من الإیمان و الأخلاق و تنجی نفسها من دوامة الخطر بقیادة مصلح عالمی عظیم ، و تصل إلى إقرار الحکم القائم على أساس العدالة و الأمن و الصفاء و الأخوة . و على هذا نستنتج أن البشریة تسارع الیوم و تستعد لاستقبال قیادة الإمام المنتظر صاحب الزمان (ع) .
• طول عمر الإمام (ع)
أن طول عمر الإنسان لیس من الأمور المستحیلة و ذلك لأنا نقرأ فی القرآن الکریم أن نوحاً (ع) قد عمّر طویلاً إذ دامت فترة دعوته فقط 950 سنة. و على أساس التحقیقات العلمیة التی قام بها علماء الطبیعة فقد ثبت إمکان ان یکون عمر الإنسان طویلاً .
• غیبة الإمام المهدی (ع)
کان النبی الأکرم (ص) یذکر الإمام الثانی عشر للأمة بین الحین و الآخر و قد ذکر الأئمة الأطهار بهذه المسألة دائماً . و قد کان لکل ذلک التذکیر المتواصل بغیبة الإمام أثر فی جعل کل إنسان معتقدٌ بالإمام المهدی معتقداً بطول عمره (ع) و هذه نماذج من الروایات الکثیرة الواردة فی هذا المجال :
-1 قال رسول (ص) : ” و الذی بعثنی بالحق بشیراً لیغیبن القائم من ولدی بعد معهود له منی حتى یقول أکثر الناس : ما لله فی آل محمد حاجة و یشك آخرون فی ولادته فمن أدرک زمانه فلیتمسك بدینه و لا یجعل للشیطان علیه سبیلاً بشکه فیزیله عن ملتی و یخرجه من دینی فقد أخرج أبویکم من الجنة من قبل و أن الله عز وجل جعل الشیاطین أولیاء للذین لا یؤمنون “.
-2 قال أمیر المؤمنین (ع) : ” للقائم منا غیبة أمدها طویل کأنی بالشیعة یجولون جولان النعم فی غیبته یطلبون المرعى فلا یجدونه ، ألا فمن ثبت منهم على دینه ، و لم یقس قلبه بطول غیبته إمامه فهو معی فی درجتی یوم القیامة ثم قال : إن القائم منا إذا قام لم یکن لأحد فی عنقه بیعة فلذلک تخفى ولادته و یغیب شخصه ” .
-3 روى محمد بن مسلم قال : سمعت أبا عبد الله (ع) یقول : ” إن بلغکم عن صاحبکم غیبة فلا تنکروها “
-4 یقول العلامة الطبرسی صاحب تفسیر مجمع البیان متحدثاً عن أخبار الغیبة ” وخلدها المحدثون من الشیعة فی أصولهم المؤلفة فی أیام السیدین الباقر و الصادق (ع) . . ومن جملة ثقات المحدثین و المصنفین من الشیعة الحسن بن محبوب الزراو وقد صنف کتاب المشیخة . . . ذکر فیه بعض ما أوردناه من أخبار الغیبة و منها ما عن أبی بصیر عن أبی عبد الله (ع) قال : قلت له کان أبو جعفر یقول :” لقائم آل محمد غیبتان واحدة طویلة و الأخرى قصیرة ، قال : فقال لی : نعم یا أبا بصیر أحدهما أطول من الأخرى “
من هنا یتضح أن الرسول (ص) و الأئمة (ع) أخبروا بوجود الإمام المهدی (ع) أخبروا بأن الإعتقاد بوجوده یصحبه الإعتقاد بغیبته ، ینقل الشیخ الصدوق علیه الرحمة عن السید الحمیری قوله : ” کنت أقول بالغلو و أعتقد غیبة محمد بن علی -ابن حنیفة- قد ضللت فی ذلك زمانا فمن الله علی بالصادق جعفر بن محمد و أنقذنی به من النار و هدانی إلى سواء الصراط ، فسألته بعد ما صح عندی بالدلائل التی شاهدتها منه أنه حجة الله علىّ و على جمیع أهل زمانه و أنه الإمام الذی فرض الله طاعته و أوجب الإقتداء به فقلت له : یا بن رسول الله قد روى لنا أخبار عن آبائك علیهم السلام فی الغیبة و صحة کونها فأخبرنی بمن تقع ؟ فقال علیه السلام : ” إن الغیبة ستقع بالسادس من ولدی و هو الثانی عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله صلى الله علیه وآله ، أولهم أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب و آخرهم القائم بالحق بقیة الله فی الأرض و صاحب الزمان . . “
• لماذا کانت الغیبة ؟
إن وجود الإمام (ع) و وصی النبی (ص) أمر ضروری لجهات عدیدة منها رفع الاختلافات ، و تفسیر و توضیح القوانین الإلهیة و الهدایة المعنویة الباطنیة و غیر ذلک و أن الله تعالى برحمته جعل الإمام أمیر المؤمنین (ع) و بعده أحد عشر إماماً من أبنائه واحداً بعد الآخر أوصیاء للنبی (ص) و أئمة للأمة و من الواضح أن مهمة الإمام صاحب الزمان تشبه من حیث تمام جوانب الإمامة وظائف الأئمة الآخرین (ع) ، و أنه لو لم تکن هناك موانع فإن علیه أن یظهر للناس لکی یستفیدوا منه ، وإذا کان الأمر کذلك فلماذا کان غائباً منذ بدء حیاته ؟ . و عند الإجابة على هذا السؤال نقول :
إن الإعتقاد بحکمة الله تعالى یجعل من غیر اللازم أساساً نعرف فلسفة الغیبة بعد أن ثبتت ثبوتاً قاطعاً لا شك فیه ، فلا یضرنا مطلقاً إذن أن لا نعرف علة الغیبة و ذلك شبیه بتلک الموارد الکثیرة التی لا نعرف وجه الحکمة فیها ، و إنما یکفینا فقط أن یثبت لدینا بالروایات الصحیحة و البراهین القویة أن الله العظیم أرسل حجته إلى الأمة و لکن کانت هناك بعض المصالح التی استدعت أن یبقى وراء ستار الغیبة و یبدو من بعض الروایات أن السبب الأصلی للغیبة سیعرف بعد ظهوره (ع) یقول : ” إن لصاحب هذا الأمر غیبة لابد منها یرتاب منها کل مبطل فقلت له : و لم جعلت فداك ؟ قال : لأمر لم یؤذن لنا فی کشفه لکم قلت فما وجه الحکمة فی غیبته ، قال : وجه الحکمة فی غیبة وجه الحکمة فی غیاب من تقدم من حجج الله تعالى ذکره ، إن وجه الحکمة فی ذلك لا ینکشف إلا بعد ظهوره کما لم ینکشف وجه الحکمة فیما أتاة الخضر (ع) لموسى علیه السلام إلا بعد إفتراقهما ، یا بن الفضل إن هذا الأمر من أمر الله وسر من سر الله و غیب من غیب الله و متى علمنا أن الله عز وجل حکیم صدقنا بأن أفعاله کلها حکمة و إن کان وجهها غیر منکشف ” . على أنه یمکننا أن نعد للغیبة بعض الفوائد التی قد تکون بعض الأخبار قد أشارت إلیه و منها :
-1 امتحان الأمة : فإن إحدى فوائد غیبة صاحب الزمان هی امتحان الناس لیظهروا على واقعهم فتنکشف الفئة التی استبطنت السوء و عدم الإیمان ، و تبدو ظاهرة متمیزة عن الفئة التی تمکن الإیمان من أعماق قلوبها و راح یزداد و یتعمق بانتظارها للفرح و صبرها فی الشدائد و اعتقادها بالغیب ، و بازدیاد الإیمان ترتفع قدرها و تحصل على درجات عالیة من الثواب . و یقول الإمام موسى بن جعفر (ع) :” إذا فقد الخامس من ولد السابع من الأئمة فالله فی أدیانکم لا یزیلنکم عنها أحد یا بنی أنه لا بد لصاحب هذا الأمر من غیبة حتى یرجع عن هذا الأمر من کان یقول به إنما هی محنة من الله امتحن الله بها خلقه ” .
-2 حفظه (ع) من القتل : إن ملاحظة تاریخ الأئمة (ع) و الجور الذی توجه إلیهم من قبل خلفاء بنی أمیة و بنی العباس ، ترشدنا إلى أن الإمام الثانی عشر لو کان ظاهراً فإنه سیقتل لا محاله کما قتل آباؤه من قبل ، وذلك لأن الأعداء و السلطة الجائره کان قد انتهى إلى سمعها أنه سیظهر شخص من أهل بیت النبی (ص) من ولد علی و فاطمة سلام الله علیهما ، یحطم عروش الظالمین المستبدین و أنه ابن الإمام العسکری (ع) ، لذا فإن العباسیین لم یدخروا وسعاً فی تقصی أخبار هذا الإمام و لکن الله تعالى سلمه من کیدهم و خیب آمالهم .
ینقل زراره عن الإمام الصادق (ع) أنه قال : ” إن للقائم غیبة قبل ظهوره قلت لم قال یخاف القتل “) .
-3 لئلا تکون فی عنقه (ع) بیعة لأحد : فهناك بعض الروایات تؤکد هذا المعنى و أن غیبته (ع) حفظته من بیعة الظالمین و الحکام الغاصبین، و أن سیظهر حین یظهر و لیس لأحد بیعة فی عنقه ، فیظهر الحق عیاناً و بلا أی مداربه و یقر فی الأرض حکم القسط و العدل .
یقول الإمام الصادق (ع) : ” یقوم القائم و لیس لأحد فی عنقه بیعة “
إن الإمام المنتظر فی الحقیقة کالشمس التی یغطیها السحاب تستمد الخلائق منها النور و الحرارة کان الجهال و العمى ینکرونها . و هذا هو الإمام الصادق (ع) یجیب على سؤال عن کیفیة استفادة الناس من الإمام الغائب بأنهم ینتفعون ، ” کما ینتفعون بالشمس إذا سترها سحاب ” .
إن الاعتقاد بالإمام المهدی (ع) یعنی أن ارتباط الناس بعالم الغیب لم ینقطع و إن من یعتقدون بذلک یجب أن یتذکروا الإمام دائماً و ینتظروا ظهور ذلک المصلح الغیبی العظیم و طبیعی أن انتظار الإمام المهدی (ع) لا یعنی أن یتخلى المسلمون و الشیعة عن مسؤولیاتهم و لا یقوموا بأی خطوة فی سبیل تحقیق الأهداف الإسلامیة و یکتفوا .
بمجرد استظهاره (ع) بل الأمر على العکس من ذلک تماماً کما صرحوا به العلماء الکبار و باحثوا الشیعة منذ مئات السنین بأن المسلمین و الشیعة یجب علیهم -مهما کانت الظروف- أن یعملوا على نشر المعارف الإسلامیة وإقرار الأحکام الشرعیة و أن یصمدوا فی وجه الظلم و الذنب و الانحراف و یعارضوه بما یمکنهم .
وبعبارة أخرى فإن علیهم أن یعملوا على تهیئة الأرضیة المساعدة لقیام حکومة العدل فیربوا الأفراد و المجتمع حتى یکون بنفسه مجتمعاً یسعى نحو الحق و إذا کان الظلم هو الحاکم فی المجتمع فإن علیهم أن یعترضوا علیه و یعرضوا عنه ، إن على کل مسلم أن یضحی فی سبیل الإیمان و الإسلام و أن یکون مستعداً فی کل آن لاستقبال دعوة الإمام المهدی (ع) و ذلک بأن ینظم حیاته بشکل لا یتناقض مع دعوته (ع) لکی یکون مؤهلاً للانخراط فی سلک أتباعه و أنصاره و یقارع أعداءه بکل ثبات.