الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / روح العبادة الآداب المعنوية للعبادات

روح العبادة الآداب المعنوية للعبادات

الدرس السابع عشر

 

                                            الآداب المعنوية للصوم

 

 

أهداف الدرس

على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:

  1. يبيّن حقيقة الصوم وهدفه.

  2. يذكر فوائد تشريع الصوم الظاهرية والمعنوية.

  3. يبيّن أهم الآداب المعنوية للصوم.

 

 

حقيقة الصوم

عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: “بُني الإسلام على خمس على الصّلاة والزَكاة والصّوم والحجّ والولاية ولم يُناد بشي‏ء كما نُودِيَ بالولاية”[1]. فللصيام إذاً درجة بالغة الأهمية جعلته ركناً من أركان الدين. فما هي حقيقة الصيام التي تجعله ركناً من أركان الدين؟ وإلى أي سرٍّ ينبغي أن يلتفت الإنسان وهو يؤدّي عبادة الصيام العظيمة ليتمكّن من تحصيل ثماره المعنوية؟ نبحث عن هذه الحقيقة في الوحي الشريف وفي كلمات المعصومين عليهم السلام علّنا نهتدي سبيلاً.

في المروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: “قال الله عزَ وجلّ الصّوم لي وأنا أَجْزِي به”[2]. من المعلوم أن كلّ شيء هو لله تعالى، فهو مالك الملك وله ما في السماوات وما في الأرض: ﴿ أَلَم تَعلَم أَنَّ ٱللَّهَ لَهُۥ مُلكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيّ وَلَا نَصِيرٍ[3] وهو المثيب وهو المعاقب: ﴿ هُنَالِكَ ٱلوَلَٰيَةُ لِلَّهِ ٱلحَقِّ هُوَ خَير ثَوَابا وَخَيرٌ عُقبا [4]. ولكن نسبة بعض الأشياء إليه مباشرة من باب إيلاء الأهمية والتشريف لذلك الشيء، كما هي نسبة المسجد الحرام والكعبة المعظّمة إليه تعالى، وكما ذكر في ثواب بعض الأشخاص أنه هو الذي يثيبهم تعظيماً لهم كما في الآية: ﴿ وَسَقَىٰهُم رَبُّهُم شَرَابا طَهُورًا [5]. وكذلك الأمر

 

في نسبة الصيام إليه تعالى لما له من أهمّيةٍ وفضلٍ ولعِظَمِ قدره. وهذه ميزةٌ تميّز الصوم عن باقي العبادات.

ومؤدّى العبارة أن الصوم ملكٌ لله، وأنه تعالى بنفسه يجازي الصائمين، وهو لا غيره يعطيهم ثوابهم، بينما في ثوابٍ آخرٍ نجد مثلاً أن الملائكة هي التي تأتي لاستقبال المؤمنين فتقول: ﴿ سَلَٰمٌ عَلَيكُم طِبتُم فَٱدخُلُوهَا خَٰلِدِينَ[6]. فما معنى أن يصل الإنسان إلى مقامٍ يكون الله عز وجل فيه هو المجازي بالثواب؟ وما هو هذا المقام؟

 

غاية الصوم

يقول الله عز وجل في كتابه الكريم: ﴿ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ[7]. في الآية دلالةٌ واضحةٌ على أن الغاية من تشريع فريضة الصيام هي وصول المؤمنين إلى ملكة التقوى. ويقول الله تعالى في موضعٍ آخر في وصف المتّقين: ﴿ إِنَّ ٱلمُتَّقِينَ فِي جَنَّٰت وَنَهَر ٥٤ فِي مَقعَدِ صِدقٍ عِندَ مَلِيك مُّقتَدِرِ[8].

وطالما أنّ الغاية من الصيام هي تحصيل المؤمن الصائم لملكة التقوى فإنه عندما يصبح من المتّقين ينال ثوابهم تبعاً للدرجة التي حصّلها، فإن كمل صيامه ووصل إلى غايته كان ثوابه مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدرٍ، ونال لقاء الله الذي هو أعلى ثواب يصله الصائم، فيُروى عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: “للصائم فرحتان: فرحةٌ عند إفطاره، وفرحةٌ عند لقاء ربه[9] وهذا هو سرّ وباطن الصيام وهو لقاء الرب المتعال.

فإذاً المقام الذي يصله الإنسان بحيث ينال جزاءه من الله مباشرة هو مقام لقاء الله، وهو غاية العبودية، ومن أجل نيله شُرّعت جميع العبادات، وللصوم من بينها هذه الخصوصية حيث يرتبط باطنه وسرّه بمقام لقاء الله، فمن تحقّق بحقيقة الصوم نال اللقاء، ولكن بشرط الإخلاص كما نجد تأكيد هذا المعنى في قوله تعالى في سورة الكهف:

 

﴿ فَمَن كَانَ يَرجُواْ لِقَاءَ رَبِّهِۦ فَليَعمَل عَمَلا صَٰلِحا وَلَا يُشرِك بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَا[10] فشرطت لقاء الله بتحقق الإخلاص. ونقرأ في الخطبة المرويّة عن السيدة الزهراء عليها السلام: “فرض الله الإيمان تطهيراً من الشّرك والصّلاة تنزيهاً عن الكِبْر، والزّكاة زيادةً في الرِّزق، والصّيام تثبيتاً للإخلاص…”[11].

فتتّضح بذلك علاقة الصوم بلقاء الله عز وجل. فالصيام أفضل طريق لإيصال الروح إلى الله تعالى. فإذا كانت نيّة الصائم لقاء الله سبحانه، فإنه سينال الفرحة الثانية: “وفرحةٌ عند لقاء ربه” كما عبّر الإمام الصادق عليه السلام. فليس ثواب الصوم الحقيقي الكامل الحور والولدان، أو الثمار والفواكه، والجنات والأنهار، بل هو كمالٌ معنويٌّ وهو المقام اللائق بروح الإنسان.

إذاً، باطن الصيام سيظهر بشكل لقاء الله عز وجل، وليس هناك شيءٌ أعلى من لقاء الله، فإذا وصل الصائم إلى باطن الصيام سيكون في لقاء الله على الدوام، لأن الإنسان موجودٌ أبديٌّ لا يزول ولا يفنى، بل ينتقل من عالمٍ إلى آخر.

 

فوائد وآثار الصوم

من الأمور المهمّة التي تساهم في الاستعداد النفسيّ والروحيّ للدخول إلى شهر رمضان بروحٍ مقبلةٍ على الصوم، كعبادة سنوية استثنائية ينتظرها المؤمنون ليعيشوا أيامها ولياليها بخضوعٍ وتذلّلٍ في ضيافة الرحمان، هو استحضار آثار الصوم، فإن له آثاراً وفوائد كثيرة نستعرض بعضها هنا، ومن البديهي أن المقصود هو الصوم الحقيقي الذي لا تشوبه شائبة يمقتها الله عز وجلّ:

 

  1. خصالٌ سبعة للصائم:

قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “ما من مؤمن يصوم يوماً من شهر رمضان حاسباً محتسباً إلا أوجب الله تعالى له سبع خصال: أول الخصال: يذوب الحرام من جسده، والثاني: يتقرب إلى

 

رحمة الله، والثالث: يكفّر خطيئته، والرابع: يهوّن عليه سكرات الموت، والخامس: آمنه الله من الجوع والعطش يوم القيامة، والسادس: براءة من النار، والسابع: أطعمه الله من طيبات الجنة”[12].

 

  1. تحقّق ملكة التقوى:

ولا تتحقق التقوى إلا بمراعاة الآداب المعنوية والباطنية للصيام، حيث يمتنع الصائمُ عن الكذب والحسد والغيبة وكل ذنب وإثم كما يمتنع عن الطعام والشراب، ويطهّر قلبه من الوسواس والأحقاد كما يطهر جسمه عن الأوساخ والمفطرات، ويتنزه عن المعاصي والموبقات كما يتنزه عن النجاسات والقذارات، ويترفّع عن البطنة والشره كما يترفّع عن الطمع والتعلّق بالدنيا.

 

  1. تقوية إرادة الإنسان:

وقد ذكرنا سابقاً أن إحدى فوائد العبادات وتكرارها تقوية إرادة الإنسان وقوّة نفسه، والصوم منها.

روي أن شخصاً جاء إلى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وكان الإمام يتناول طعامه فرأى أن طعام الإمام في غاية البساطة، فقال علي عليه السلام: “وكأنّي بقائلكم يقول: إذا كان هذا قوت ابن أبي طالب فقد قعد به الضّعف عن قتال الأقران ومنازلة الشّجعان، ألا وإنّ الشّجرة البرّيّة أصلب عوداً والرَّواتِع الخَضِرَة أرقُّ جُلوداً والنّابِتات العِذْيَة أقوَى وقوداً وأبطأُ خُموداً، وأنا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كالصنو من الصنو والذراع من العضد. والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت عنها ولو أمكنت من رقابها لسارعت إليها….”[13]. إذاً فكثرة الطعام ليست علّةً للقوة والقدرة. وقال عليه السلام في حادثة قلع باب خيبر: “والله ما قلعت باب خيبر بقوّة جسدانيّة ولا بحركة غذائيّة ولكنّي أُيِّدتُ بقُوة مَلَكيّة ونفس بنور بارئها مضيئة[14].

 

إن الاعتدال في تناول الطعام يحفظ الإنسان قطعاً، ولكن يجب أن نحصل على القدرة المعنوية من طرقها الخاصة، يقول الإمام الصادق عليه السلام: “ما ضعف بدن عما قويت عليه النية”[15]، فإذا كانت إرادة الإنسان قوية، كان البدن قوياً، لأنه تابع للإرادة، وإذا كانت الإرادة ضعيفة فالبدن يكون ضعيفاً. إن لقوي الإيمان إرادة صلبة فلا يفكر ببدنه ولا يشعر بالمشقّة إن صام في وقت شديد الحر، أما ضعيف الإيمان فيشعر بالتعب والمشقّة، لأن كل حواسّه متّجهة إلى الطبيعة.

 

  1. إبعاد الشيطان وتسويد وجهه:

في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: “ألا أخبركم بشيءٍ إن أنتم فعلتموه تباعد الشيطان عنكم كما تباعد المشرق من المغرب؟ قالوا: بلى يا رسول الله، فقال: الصوم يسوّد وجهه”[16].

 

  1. الدعاء من الملائكة:

فالملائكة تستغفر للصائمين حتّى يفطروا. قال صلى الله عليه وآله وسلم: “إن الله تبارك وتعالى وكّل ملائكة بالدعاء للصائمين، أخبرني جبرائيل عليه السلام عن ربّه تعالى ذكره، أنه قال: ما أمرت ملائكتي بالدعاء لأحد من خلقي إلا استجبت لهم فيه”[17].

 

  1. البشرى والمغفرة:

قال الإمام الصادق عليه السلام: “من صام لله عزَ وجلّ يوماً في شدّة الحرِ فأصابه ظمأ وكَّل الله به ألف ملك يمسحون وجهه ويبشّرونه حتّى إذا أفطر، قال الله عزَ وجلّ: له ما أطيب ريحك وروحك ملائكتي اشهدوا أني قد غفرت له[18].

 

  1. جنة من النار:

قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “الصوم جنّة من النار”[19]، فالصوم حرزٌ من نار الآخرة.

  1. استجابة الدعاء:

عن الإمام الصادق عليه السلام: “نوم الصائم عبادة، وصمته تسبيح، وعمله متقبل، ودعاؤه مستجاب[20].

ولكل صائم دعوة مستجابة عند إفطاره كما في الحديث عَنْ إمامنا مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليه السلام: “أنّ لكلّ صائم عند فطوره دعوة مستجابة فإذا كان أوّل لقمة فقل بسم الله يا واسع المغفرة اغفر لي[21].

  1. الشعور بآلام الفقراء وجوعهم:

عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: “أما العلة في الصيام ليستوي به الغني والفقير، وذلك لأن الغني لم يكن ليجد مسّ الجوع، فيرحم الفقير لأن الغني كلما أراد شيئاً قدر عليه، فأراد الله عزّ وجلّ أن يسوّي بين خلقه وأن يذيق الغني مسّ الجوع والألم، ليرقّ على الضعيف ويرحم الجائع[22].

  1. الطمأنينة والخشوع:

عن الإمام الباقر عليه السلام: “…والصيام والحج تسكين القلوب…”[23]. وعن الإمام علي عليه السلام في إحدى خطبه: “…عن ذلك ما حرس الله عباده المؤمنين بالصّلَوات والزّكوات ومجاهدة الصّيام في الأيام المفروضات تسكيناً لأطرافهم وتخشيعاً لأبصارهم وتذلِيلًا لنفوسهم وتخفيضاً لقلوبهم وإذهاباً للخُيلاء عنه…”[24].

 

  1. تذكّر جوع يوم القيامة وعطشه:

عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في خطبة استقبال شهر رمضان: “… واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه…[25] ، فقد أراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في خطبته هذه كما هو ظاهر أن يربط المؤمن الصائم الذي يشعر بالجوع والعطش بأهوال يوم القيامة وجوعه وعطشه.

  1. صحّة للبدن:

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: “لكل شيء زكاة وزكاة الأبدان الصيام[26]، فالصيام زكاة البدن، فهو يزكّيها وينميها كما أن إخراج زكاة الأموال تزكيها وتنميها.

 

الآداب المعنوية للصوم

عن الإمام الصادقعليه السلام في رواية إلى أن قال في ختامها: “إنّ الصّوم ليس من الطّعام والشّراب إنّما جعل الله ذلك حجاباً ممَّا سواها من الفواحش من الفعل والقول يُفَطّر الصّائم، ما أقلّ الصُّوّام وأكثر الجُوَّاع[27]. فليس كلُّ من صام فهو صائم حقيقةً، وكم من صائمٍ ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش!

فإن للصوم ككلّ عبادة، أحكاماً شرعيةً لا بدّ من مراعاتها من أجل صحّة الصوم، وله آداب ظاهرية من قبيل الاستعداد له قبل دخوله وذلك باستغلال شهرَي رجبٍ وشعبانَ بالاستغفار والتوبة والإنابة إلى الله تعالى، وأيضاً من قبيل إفطار المؤمنين والإفطار على التمر وتقديم الصلاة على الإفطار، والإكثار من تلاوة القرآن الكريم وغيرها من المستحبات المعروفة. وله آدابٌ باطنيةٌ لا بدّ من أن يستحضرها الصائم ويلتزم بها من أجل أداء حقيقة الصوم التي لا تتحقّق إلاّ بتوجّه القلب إلى باطن هذه العبادة العظيمة، فيستحضر في قلبه حقيقة الصوم وغايته وفضله وعظمة شهر رمضان وينظر إلى كرم الله عزّ وجلّ باستضافته في هذا الشهر المبارك فيلتزم بآداب الضيف أمام عظمة المضيف.

 

وهنا أهم هذه الآداب التي أجملها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديثه، قال: “الصوم جنّة، أي ستر من آفات الدنيا وحجاب من عذاب الآخرة، فإذا صمت فانوِ بصومك كف النفس عن الشهوات، وقطع الهمّة عن خطرات الشياطين، وأنزل نفسك منزلة المرضى، ولا تشته طعاماً ولا شراباً، وتوقّع في كل لحظة شفاك من مرض الذنوب، وطهّر باطنك من كلّ كدرٍ وغفلةٍ وظلمةٍ تقطعك عن معنى الإخلاص لوجه الله”[28].

وفي حديث أخر بالغ الأهمية والدلالة عن الإمام الصادق عليه السلام يقول: “إذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم عن الكذب، وغضّوا أبصاركم، ولا تنازعوا ولا تحاسدوا ولا تغتابوا ولا تماروا ولا تكذبوا ولا تباشروا ولا تخالفوا ولا تغاضبوا ولا تسابّوا ولا تشاتموا ولا تنابزوا ولا تجادلوا ولا تبادروا ولا تظلموا ولا تسافهوا ولا تزاجروا ولا تغفلوا عن ذكر الله وعن الصلاة، والزموا الصمت والسكوت والحلم والصبر والصدق ومجانبة أهل الشرور، واجتنبوا القول من الزور والكذب والفراء والخصومة وظن السوء والغيبة والنميمة، وكونوا مشرفين على الآخرة منتظرين لأيامكم منتظرين لما وعدكم الله متزودين للقاء الله، وعليكم بالسكينة والوقار والخشوع والخضوع، قد طهرتم القلوب من العيوب، وتقدست سرائركم من الخبّ، ونظفتم الجسم من القاذورات وتبرّأت إلى الله من عداه وواليت الله في صومك وبالصّمت من جميع الجهات ممّا قد نهاك الله عنه في السّر والعلانية وخشيت الله حقّ خشيته في السّرّ والعلانية ووهبت نفسك لله في أيّام صومك وفرَّغت قلبك له ونصبت نفسك له فيما أمرك ودعاك إليه، فإذا فعلت ذلك كلّه فأنت صائم لله بحقيقة صومه صانع لما أمرك، وكلّما نقصت منها شيئاً ممّا بيّنت لك فقد نقص من صومك بمقدار ذلك[29].

من خلال الحديثين الشريفين يمكن أن نستخلص العديد من الأمور التي تخلّ بالصوم الحقيقي والتي ينبغي الكفّ عنها، وبتبعها نجد عدّة مراتب للصوم وهي تحمل في طيّاتها آداباً معنوية عدّة:

 

  1. صوم الجوارح:

أي كفّ البصر والسمع واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن المعاصي والمكروهات، فمن صام صامت جوارحه أيضاً. فمن استمع للغناء ومن استمع الغيبة ومن استمع اللغو فأولئك ممن لم تصم أسماعهم، ومن كذب ومن اغتاب ومن شتم أو سبَّ أو جادل أو نابز بالألقاب أو ما شابه فأولئك ممّن لم تصم ألسنتهم، ومن نظر لامرأة نظرةَ حرام فهو ممّن لم يصم بصره، ومن نظر إلى ما لا يجوز له أن ينظر إليه فاطّلع على بيتِ مؤمن، أو على عورة مؤمن، أو تجسَّس عليه، وما شابه فذلك فهو ممّن لم يصم بصره.

عن الإمام الصادق عليه السلام قال: “إنّ الصيام ليس من الطعام والشراب وحده، إنما للصوم شرط يحتاج أن يُحفظ حتى يتمَّ الصوم، وهو صمت الداخل أما تسمع ما قالت مريم بنت عمران: ﴿ إِنِّي نَذَرتُ لِلرَّحمَٰنِ صَوما فَلَن أُكَلِّمَ ٱليَومَ إِنسِيّا ﴾[30] يعني صمتاً. فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم وغضوا أبصاركم…”[31].

 

  1. الصوم عن الشهوات:

ويتمثّل في ترك اشتهاء الطعام والشراب، فينبغي ألا يستكثر من الطعام وقت الإفطار بحيث يمتلئ بطنه، إذ ما من وعاء أبغض إلى الله عز وجل من بطنٍ ممتلىء ولو من حلال، وسبب ذلك أن السرّ في شرع الصوم قهر عدو الله، وكسر الشهوة والهوى، لتتقوّى النفس على التقوى، وترتقي من حضيض حظوظ النفس البهيمية إلى ذروة التشبّه بالملائكة الروحانية، وكيف يحصل ذلك إذا تدارك الصائم عند الإفطار ما فاته من طعام في نهاره؟ لا سيّما إذا زيد عليه في ألوان الطعام، كما استقرّت العادات في زمننا هذا!!

رُوِيَ أنَّ النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم قال لأسامة: “… فإن استطعت أن يأتيك الموت وأنت جائع وكبدك ظمآن فافعل فإنّك تنال بذلك أشرف المنازل وتَحُلّ مع الأبرار والشّهداء والصّالحين[32].

 

فبالصيام يحصل صفاء العقل والفكر بسبب ضعف القوى الشهوية وحصول الإنسان على المعارف الإلهية وهذه أشرف أحوال النفس. والصيام موجبٌ للحدّ من الشهوات واللذات في الفرج والبطن ممّا يؤدّي إلى ارتقاء الإنسان عن الماديات إلى المعنويات والتشبّه بالملائكة الروحانيين.

 

  1. الصوم عن الأخلاق السيئة:

صوم الباطن عن الأخلاق السيئة أي الابتعاد عن الرذائل مثل الحسد والغضب وظن السوء والمراء، واستبدالها بالفضائل الأخلاقية مثل الحلم والصبر والصدق.

ولا يخفى ما للتحلي بالفضائل كالحلم من أهمية فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “ما من عبد صالح يُشتَمُ فيقول إنّي صائم سلام عليك لا أشتمك كما شتمتني، إلّا قال الرَبّ تبارك وتعالى: استجار عبدي بالصّوم من شرِّ عبدي فقد أجرته من النّار”[33].

 

التمارين

ضع إشارة û أو ü في المكان المناسب:

 

1 – ممّا يجعل الصوم ركناً أساسياً من أركان الدين الإسلامي هو كونه لله سبحانه وتعالى 

2 – الغاية من تشريع فريضة الصيام هي وصول الصائم السالك إلى ملكة التقوى 

3 – إذا صام العبد لله سبحانه وتعالى ارتقى في النفس إلى درجة التقوى 

4 – إنّ السرّ وباطن الصيام هو لقاء الربّ المتعال، الذي هو أعلى ثواب يصله الصائم ما دام صيامه حقيقياً ومقترناً بالإخلاص 

5 – فوائد وآثار الصوم مقتصرة على الجانب الظاهري كصحة البدن وخلوّه من الأمراض الجسدية 

6 – من غايات الصوم ربط المؤمن الصائم الذي يشعر بالجوع والعطش بأهوال يوم القيامة وجوعه وعطشه 

7 – صوم القلب والباطن يتحقّق في ترك اشتهاء الطعام والشراب فالصيام موجبٌ للحدّ من الشهوات واللذّات في الفرج والبطن 

8 – لتحقّق الغاية الأساسية من الصوم لا بد من توجّه القلب نحو حقيقة الصوم وعظمة الشهر الكريم والمستضيف 

9 – صوم الجوارح هو كفّ الجوارح عن المعاصي والمكروهات واجتناب كثرة الكلام 

10 – الصوم عن الشهوات يتمثّل في ترك الأخلاق السيئة أي الابتعاد عن الرذائل مثل الحسد والغضب وظن السوء والمراء 

 

ü1 – في الحديث القدسي: “الصّوم لي وأنا أَجْزِي به” فنسب الله تعالى الصيام إليه لما له من أهمّيةٍ وفضلٍ ولعِظَمِ قدره وهذه ميزةٌ تميّز الصوم عن باقي العبادات فالصوم ملكٌ لله، وهو لا غيره من يجازي الصائمين ويعطيهم ثوابهم.

2 – الغاية من تشريع فريضة الصيام هي وصول المؤمنين إلى ملكة التقوى.

3 – التقوى التي يحصّلها الصائم من صيامه هي على درجات تتناسب وما وصل إليه من حقيقة الصيام وباطنه.

4 – إن سرّ وباطن الصيام هو لقاء الرب المتعال، الذي هو أعلى ثواب يصله الصائم ما دام صيامه حقيقياً ومقترناً بالإخلاص.

5 – فوائد وآثار الصوم كثيرة منها: تحقّق ملكة التقوى، تقوية إرادة الانسان،إبعاد الشيطان وتسويد وجهه، الدعاء من الملائكة، البشرى والمغفرة،جنة من النار، استجابة الدعاء، الشعور بآلام الفقراء وجوعهم، الطمأنينة والخشوع، تذكر جوع يوم القيامة وعطشه، صحة للبدن.

6 – للصوم آدابٌ باطنيةٌ لا بدّ من أن يستحضرها الصائم ويلتزم بها من أجل أداء حقيقة الصوم التي لا تتحقّق إلاّ بتوجّه القلب إلى باطن هذه العبادة العظيمة، فيستحضر في قلبه حقيقة الصوم وغايته وفضله وعظمة شهر رمضان وينظر إلى كرم الله عزّ وجلّ باستضافته في هذا الشهر المبارك فيلتزم بآداب الضيف أمام عظمة المضيف.

7 – للصوم مراتب هي تحمل آداباً معنوية عدّة: صوم الجوارح أي كفّ الجوارح عن المعاصي والمكروهات واجتناب كثرة الكلام الصوم عن الشهوات ويتمثّل في ترك اشتهاء الطعام والشراب فالصيام صوم القلب والباطن عن الأخلاق السيئة أي الابتعاد عن الرذائل الأخلاقية.

 

للمطالعة

لا عبودية في ظل التكبّر

يقول أستاذنا الشيخ محمد علي الشاه آبادي دام ظلّه: “إن المعيار في الرياضة الباطلة والرياضة الشرعية الصحيحة هو خطى النفس وخطى الحق، فإذا كان تحرّك السالك بخطى النفس وكانت رياضته من أجل الحصول على قوى النفس وقدرتها وتسلّطها، كانت رياضته باطلة وأدّى سلوكه إلى سوء العاقبة. وتظهر الدعاوى الباطلة ـ عادة ـ من مثل هؤلاء الأشخاص”.

أما إذا كان تحرّك السالك بخطى الحق وكان باحثاً عن الله، فإن رياضته هذه حقّة وشرعيّة وسيأخذ الله تعالى بيده ويهديه كما تنصّ على ذلك الآية الشريفة التي تقول:

﴿ وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا[34]. وسيؤول عمله إلى السعادة. فتسقط عنه “الأنا” ويزول عنه الغرور. ومعلومٌ أن خطوات الشخص الذي يعرض أخلاقه الحسنة وملكاته الفاضلة على الناس ليلفت أنظارهم إليه هي خطوات النفس، وهو متكبّرٌ وأنانيٌّ ومعجبٌ بنفسه، وعابدٌ لها.

ومع التكبّر تكون العبودية لله وهماً ساذجاً، وأمراً باطلاً ومستحيلاً، وما دامت مملكة وجودكم مملوءةً بحب النفس وحب الجاه والجلال والشهرة والترؤس على عباد الله، فلا يمكن اعتبار ملكاتكم ملكات فاضلة، ولا أخلاقكم أخلاقاً إلهية. فالفاعل في مملكتكم هو الشيطان، وليس ملكوتكم وباطنكم على صورة إنسان. وعند فتح العيون البرزخية، ترون ملكوتكم على غير صورة الإنسان، وإنما هي صورة أحد الشياطين مثلاً. وحصول المعارف الإلهية والتوحيد الكامل أمرٌ مستحيلٌ بالنسبة إلى قلبٍ كهذا ما دام مسكناً للشيطان، وما دام ملكوتكم غير إنساني، وما دامت قلوبكم غير مطهرّة من هذه الانحرافات والأنانيات[35].

[1]  الشيخ الكلينين، الكافي، ج2، ص18.

[2]  الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام،ج4، ص152، تحقيق وتعليق: السيد حسن الموسوي الخرسان، دار الكتب الإسلامية – طهران، 1364 ش، ط 3.

[3]  سورة البقرة، الآية 107.

[4]  سورة الكهف، الآية 44.

[5]  سورة الإنسان، الآية 21.

[6]  سورة الزمر، الآية 73.

[7]  سورة البقرة، الآية 183.

[8]  سورة القمر، الآيتان 54-55.

[9]  الشيخ الكيلني، الكافي، ج4، ص65.

[10]  سورة الكهف، الآية 110.

[11]  الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج1، ص22.

[12]  الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج 7، ص 396.

[13]  العلامة الجلسي، بحار الأنوار، ج33، ص475.

[14]  م.ن، ج40، ص318.

[15]  الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج1، ص 53.

[16]  الشيخ الكليني، الكافي، ج4، ص62.

[17]  م. ن، ص64.

[18]  م.ن، ج4، ص64.

[19]  الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص18.

[20]  الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج10، ص7.

[21]  م. ن، ص149.

[22]  العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 93، ص 371.

[23]  م. ن، ج75، ص182.

[24]  م.ن، ج6، ص 114.

[25]  الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج10، ص313.

[26]  الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 62.

[27]  الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج10، ص166.

[28]  العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج93، ص254.

[29]  لحر العاملي، وسائل الشيعة، ج10، ص166.

[30]  سورة مريم، الآية 26.           

[31]  الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 10، ص166.

[32]  الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج7، ص499.

[33]  الشيخ الكليني، الكافي، ج4، ص88.

[34]  سورة العنكبوت، الآية 69.

[35]  الأربعون حديثاً، الإمام الخميني، الحديث الثاني: الرياء.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...