الرئيسية / بحوث اسلامية / أضواء على عقائد الشيعة الإمامية وتاريخهم 15

أضواء على عقائد الشيعة الإمامية وتاريخهم 15

هكذا نرى أن الموارد التي يستنتج منها كون ابن سبأ شخصية وهمية خلقها
خصوم الشيعة ترجع إلى الأمور التالية :
1 – إن المؤرخين الثقات لم يشيروا في مؤلفاتهم إلى قصة عبد الله بن سبأ ، كابن
سعد في طبقاته ، والبلاذري في فتوحاته .
2 – إن المصدر الوحيد عنه هو سيف بن عمر وهو رجل معلوم الكذب ،
ومقطوع بأنه وضاع .
3 – إن الأمور التي نسبت إلى عبد الله بن سبأ ، تستلزم معجزات خارقة
لا تتأتى لبشر ، كما تستلزم أن يكون المسلمون الذين خدعهم عبد الله بن سبأ ،
وسخرهم لمآربه – وهم ينفذون أهدافه بدون اعتراض – في منتهى البلاهة
والسخف .
4 – عدم وجود تفسير مقنع لسكوت عثمان وعماله عنه ، مع ضربهم لغيره
من المعارضين كمحمد بن أبي حذيفة ، ومحمد بن أبي بكر ، وغيرهم .
5 – قصة إحراق علي إياه وتعيين السنة التي عرض فيها ابن سبأ للإحراق تخلو
منها كتب التاريخ الصحيحة ، ولا يوجد لها في هذه الكتب أثر .
6 – عدم وجود أثر لابن سبأ وجماعته في وقعة صفين وفي حرب النهروان .
وقد انتهى الدكتور بهذه الأمور إلى القول : بأنه شخص ادخره خصوم الشيعة
للشيعة ولا وجود له في الخارج ( 1 ) .
وقد تبعه غير واحد من المستشرقين ، وقد نقل آراءهم الدكتور أحمد محمود
صبحي في نظرية الإمامة ( 2 ) .
إلى أن وصل الدور إلى المحقق البارع السيد مرتضى العسكري – دام ظله –
فألف كتابه ” عبد الله بن سبأ ” ودرس الموضوع دراسة عميقة ، وهو الكتاب الذي
يحلل التاريخ على أساس العلم ، وقد أدى المؤلف كما ذكر الشيخ محمد جواد مغنية :
إلى الدين والعلم وبخاصة إلى مبدأ التشيع خدمة لا يعادلها أي عمل في هذا العصر
الذي كثرت فيه التهجمات والافتراءات على الشيعة والتشيع ، وأقفل الباب في
وجوه السماسرة والدساسين الذين يتشبثون بالطحلب لتمزيق وحدة المسلمين
وإضعاف قوتهم ( 3 ) .
ونحن وإن افترضنا أن لهذا الرجل وجودا حقيقيا على أرض الواقع إلا أن
ذلك لا يعني الاقتناع بما نقل وروي عنه ، لأنه لا يعدو كونه سوى سراب ووهم
وخداع لا ينطلي على أحد . يقول الدكتور أحمد محمود صبحي : وليس ما يمنع أن
يستغل يهودي الأحداث التي جرت في عهد عثمان ليحدث فتنة وليزيدها اشتعالا ،
وليؤلب الناس على عثمان ، بل أن ينادي بأفكار غريبة ، ولكن السابق لأوانه أن
يكون لابن سبأ هذا الأثر الفكري العميق ، فيحدث هذا الانشقاق العقائدي بين
طائفة كبيرة من المسلمين ( 1 ) .
وهكذا ، فإن ما يبدو واضحا للعيان بطلان ما ذهب إليه بعض المنحرفين
والمنخدعين من اعتبار أن نشأة التشيع عن هذا الطريق ، بل ويزيد الحق وضوحا
أننا إذا راجعنا كتب الشيعة نرى أن أئمتهم وعلماءهم يتبرأون منه أشد التبرؤ .
1 – قال الكشي ، وهو من علماء القرن الرابع : عبد الله بن سبأ كان يدعي النبوة
وأن عليا هو الله ! ! فاستتابه ثلاثة أيام فلم يرجع ، فأحرقه بالنار في جملة سبعين
رجلا ( 2 ) .
2 – قال الشيخ الطوسي ( 385 – 460 ه‍ ) في رجاله في باب أصحاب أمير
المؤمنين : عبد الله بن سبأ الذي رجع إلى الكفر وأظهر الغلو ( 3 ) .
3 – وقال العلامة الحلي ( 648 – 726 ه‍ ) : غال ملعون ، حرقه أمير المؤمنين
بالنار ، كان يزعم أن عليا إله وأنه نبي ، لعنه الله ( 4 ) .
4 – وقال ابن داود ( 647 – 707 ه‍ ) : عبد الله بن سبأ رجع إلى الكفر وأظهر
الغلو ( 5 ) .
5 – وذكر الشيخ حسن بن زين الدين ( ت 1011 ه‍ ) في التحرير الطاووسي :
غال ملعون حرقه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بالنار ( 6 ) .
ومن أراد أن يقف على كلمات أئمة الشيعة في حق الرجل ، فعليه أن يرجع إلى
رجال الكشي ، فقد روى في حقه روايات كلها ترجع إلى غلوه في حق علي ، وأما
ما نقله عنه سيف بن عمر فليس منه أثر في تلك الروايات ، فأدنى ما يمكن
التصديق به أن الرجل ظهر غاليا فقتل أو أحرق ، والقول بذلك لا يضر بشئ ،
وأما ما ذكره الطبري عن الطريق المتقدم فلا يليق أن يؤمن ويعتقد به من يملك أدنى
إلمام بالتاريخ والسير .
وأخيرا فقد تبين وبدون شك بطلان وفساد هذه النظرية المختلقة حول نشأة
التشيع ، والتي لم تصمد أمام النقد والتمحيص ، بل وتحمل بذور سقوطها في ذاتها ،
وفي ذلك الدليل البين على أصالة مذهب التشيع والذي أسلفنا القول بأصالة
نشأته ، وأنه وليد العقيدة الإسلامية الأصيلة وامتدادها الحقيقي ، وأما ما قام به ابن
سبأ – على فرض صحة وقوعه – فإنه يعبر عن موقف فردي وتصرف شخصي خارج
عن إطار المذهب ، ومن تبعه فقد أدخل نفسه دار البوار ، وأين هذا الأفاك وزمرته
من أولئك الذين لا يخالفون الله ورسوله وأولي الأمر ولا يتخلفون عن أوامرهم قيد
أنملة ، كالمقداد وسلمان وحجر بن عدي ورشيد الهجري ومالك الأشتر وصعصعة
وأخيه وعمرو بن الحمق ، ممن يستدر بهم الغمام وتنزل بهم البركات .
إلى هنا تم تحليل النظرية الثانية في تكون الشيعة فلننتقل إلى مناقشة النظرية
الثالثة .

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...