هكذا نرى أن الموارد التي يستنتج منها كون ابن سبأ شخصية وهمية خلقها
خصوم الشيعة ترجع إلى الأمور التالية :
1 – إن المؤرخين الثقات لم يشيروا في مؤلفاتهم إلى قصة عبد الله بن سبأ ، كابن
سعد في طبقاته ، والبلاذري في فتوحاته .
2 – إن المصدر الوحيد عنه هو سيف بن عمر وهو رجل معلوم الكذب ،
ومقطوع بأنه وضاع .
3 – إن الأمور التي نسبت إلى عبد الله بن سبأ ، تستلزم معجزات خارقة
لا تتأتى لبشر ، كما تستلزم أن يكون المسلمون الذين خدعهم عبد الله بن سبأ ،
وسخرهم لمآربه – وهم ينفذون أهدافه بدون اعتراض – في منتهى البلاهة
والسخف .
4 – عدم وجود تفسير مقنع لسكوت عثمان وعماله عنه ، مع ضربهم لغيره
من المعارضين كمحمد بن أبي حذيفة ، ومحمد بن أبي بكر ، وغيرهم .
5 – قصة إحراق علي إياه وتعيين السنة التي عرض فيها ابن سبأ للإحراق تخلو
منها كتب التاريخ الصحيحة ، ولا يوجد لها في هذه الكتب أثر .
6 – عدم وجود أثر لابن سبأ وجماعته في وقعة صفين وفي حرب النهروان .
وقد انتهى الدكتور بهذه الأمور إلى القول : بأنه شخص ادخره خصوم الشيعة
للشيعة ولا وجود له في الخارج ( 1 ) .
وقد تبعه غير واحد من المستشرقين ، وقد نقل آراءهم الدكتور أحمد محمود
صبحي في نظرية الإمامة ( 2 ) .
إلى أن وصل الدور إلى المحقق البارع السيد مرتضى العسكري – دام ظله –
فألف كتابه ” عبد الله بن سبأ ” ودرس الموضوع دراسة عميقة ، وهو الكتاب الذي
يحلل التاريخ على أساس العلم ، وقد أدى المؤلف كما ذكر الشيخ محمد جواد مغنية :
إلى الدين والعلم وبخاصة إلى مبدأ التشيع خدمة لا يعادلها أي عمل في هذا العصر
الذي كثرت فيه التهجمات والافتراءات على الشيعة والتشيع ، وأقفل الباب في
وجوه السماسرة والدساسين الذين يتشبثون بالطحلب لتمزيق وحدة المسلمين
وإضعاف قوتهم ( 3 ) .
ونحن وإن افترضنا أن لهذا الرجل وجودا حقيقيا على أرض الواقع إلا أن
ذلك لا يعني الاقتناع بما نقل وروي عنه ، لأنه لا يعدو كونه سوى سراب ووهم
وخداع لا ينطلي على أحد . يقول الدكتور أحمد محمود صبحي : وليس ما يمنع أن
يستغل يهودي الأحداث التي جرت في عهد عثمان ليحدث فتنة وليزيدها اشتعالا ،
وليؤلب الناس على عثمان ، بل أن ينادي بأفكار غريبة ، ولكن السابق لأوانه أن
يكون لابن سبأ هذا الأثر الفكري العميق ، فيحدث هذا الانشقاق العقائدي بين
طائفة كبيرة من المسلمين ( 1 ) .
وهكذا ، فإن ما يبدو واضحا للعيان بطلان ما ذهب إليه بعض المنحرفين
والمنخدعين من اعتبار أن نشأة التشيع عن هذا الطريق ، بل ويزيد الحق وضوحا
أننا إذا راجعنا كتب الشيعة نرى أن أئمتهم وعلماءهم يتبرأون منه أشد التبرؤ .
1 – قال الكشي ، وهو من علماء القرن الرابع : عبد الله بن سبأ كان يدعي النبوة
وأن عليا هو الله ! ! فاستتابه ثلاثة أيام فلم يرجع ، فأحرقه بالنار في جملة سبعين
رجلا ( 2 ) .
2 – قال الشيخ الطوسي ( 385 – 460 ه ) في رجاله في باب أصحاب أمير
المؤمنين : عبد الله بن سبأ الذي رجع إلى الكفر وأظهر الغلو ( 3 ) .
3 – وقال العلامة الحلي ( 648 – 726 ه ) : غال ملعون ، حرقه أمير المؤمنين
بالنار ، كان يزعم أن عليا إله وأنه نبي ، لعنه الله ( 4 ) .
4 – وقال ابن داود ( 647 – 707 ه ) : عبد الله بن سبأ رجع إلى الكفر وأظهر
الغلو ( 5 ) .
5 – وذكر الشيخ حسن بن زين الدين ( ت 1011 ه ) في التحرير الطاووسي :
غال ملعون حرقه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بالنار ( 6 ) .
ومن أراد أن يقف على كلمات أئمة الشيعة في حق الرجل ، فعليه أن يرجع إلى
رجال الكشي ، فقد روى في حقه روايات كلها ترجع إلى غلوه في حق علي ، وأما
ما نقله عنه سيف بن عمر فليس منه أثر في تلك الروايات ، فأدنى ما يمكن
التصديق به أن الرجل ظهر غاليا فقتل أو أحرق ، والقول بذلك لا يضر بشئ ،
وأما ما ذكره الطبري عن الطريق المتقدم فلا يليق أن يؤمن ويعتقد به من يملك أدنى
إلمام بالتاريخ والسير .
وأخيرا فقد تبين وبدون شك بطلان وفساد هذه النظرية المختلقة حول نشأة
التشيع ، والتي لم تصمد أمام النقد والتمحيص ، بل وتحمل بذور سقوطها في ذاتها ،
وفي ذلك الدليل البين على أصالة مذهب التشيع والذي أسلفنا القول بأصالة
نشأته ، وأنه وليد العقيدة الإسلامية الأصيلة وامتدادها الحقيقي ، وأما ما قام به ابن
سبأ – على فرض صحة وقوعه – فإنه يعبر عن موقف فردي وتصرف شخصي خارج
عن إطار المذهب ، ومن تبعه فقد أدخل نفسه دار البوار ، وأين هذا الأفاك وزمرته
من أولئك الذين لا يخالفون الله ورسوله وأولي الأمر ولا يتخلفون عن أوامرهم قيد
أنملة ، كالمقداد وسلمان وحجر بن عدي ورشيد الهجري ومالك الأشتر وصعصعة
وأخيه وعمرو بن الحمق ، ممن يستدر بهم الغمام وتنزل بهم البركات .
إلى هنا تم تحليل النظرية الثانية في تكون الشيعة فلننتقل إلى مناقشة النظرية
الثالثة .
شاهد أيضاً
الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ
أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...