الرئيسية / شخصيات أسلامية / أنصار الحسين – دراسة عن شهداء ثورة الحسين

أنصار الحسين – دراسة عن شهداء ثورة الحسين

إن هذا هو الطريق الوحيد للخروج بالأمة مما هي فيه ، وهذا هو
الشرط التغييري الوحيد الذي يجب أن يتوفر في معظم أفراد الأمة لتستطيع
أن تغير ما يحيط بها ويحل فيها من بلاء ، بعد أن تغير ما بنفسها من عوامل
التخلف والضعف والهزيمة ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما
بأنفسهم ) الرعد / 11
وسيبقى الحسين ( ع ) وأنصاره معلمين كبارا ، وروادا عظاما في
عملية التغيير التي يمثل النبي وآل بيته الأطهار ( ع ) روادها في كل عصر
ولكل جيل .
والحمد لله رب العالمين .
محمد مهدي شمس الدين
21 جمادي الثانية 1401 ه‍
26 نيسان 1981 م
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين . وصلى الله على محمد رسوله وآله الطاهرين
تقديم
ثمة بعد من أبعاد الثورة الحسينية – وهو البعد البشري باتجاه العمق –
لم يدرس من قبل على الاطلاق .
وهو كما تكشف لي من خلال بحثي ، بعد عميق الاغوار ، واسع
الارجاء متراحب الآفاق .
ولا أستطيع أن أقول إن ما كتبته قد نفذ إلى جميع أعماقه ، وامتد
إلى أوسع آفاقه ، فطموح كهذا يقتضي دراسة متأنية صبورة تعتمد على
جميع ما يمكن الحصول عليه من مصادر ، ربما يكون بعضها غير تقليدي
لمثل هذه الدراسات ككتب الأنساب . وتقوم على تتبع علاقات القبائل في
مجموعتيها الكبيرتين : عرب الشمال ، وعرب الجنوب ، ثم تتبع علاقات
القبائل في داخل كل مجموعة من هاتين المجموعتين ، ثم تتبع الصلات
بين الافخاذ والبطون في كل قبيلة ، وعلاقاتها الداخلية ، ثم يأتي من بعد
ربط ذلك كله بالمواطن الجغرافية لهذه القبائل في العراق والحجاز
وسورية ، وربما تعدينا ، في الدائرة الكبرى ، إلى مصر وشمال أفريقيا .
كما يقتضي طموح كهذا دراسة أكثر اتساعا وشمولا لمواقف الموالي
في ذلك العهد المبكر . لقد كانت النتيجة التي توصلنا إليها هنا هي أن
الموالي لم يكن لهم دور في هذه الثورة ، وهي نتيجة نثق بصحتها ، ولكن
ما مدى مساهمة هذه الثورة في إيقاظ شعور الموالي بأهميتهم ، وبالظلم
النازل بهم ، وبقدرتهم على التغيير ؟
كما يقتضي إجابة عن كثير من المسائل الهامة ، والتي منها : درجة
تماسك البناء القبلي في المجتمع الاسلامي في ذلك الحين ؟ موقف
العباسيين الحقيقي الخفي من العلويين في غمرة النشاط السياسي والثوري
الذي احتدم في الثلث الأخير من القرن الهجري الأول وبدايات القرن
الثاني ؟ حقيقة علاقة العباسيين ودعاتهم بذوي النحل والأهواء من
الجماعات غير الاسلامية أو المتسترة بالاسلام في مراحل ما قبل القضاء
على الأمويين وبعد إقامة الدولة العباسية ؟ وغير ذلك .
إن الإجابات التي وردت في هذا البحث على بعض هذه المسائل .
وعلى غيرها من المسائل التي لم نذكرها في هذا التقديم ، غير كافية ،
وهذا لا يعني أنها غير صحيحة ، ولكنها مع ذلك تحتاج إلى تفصيل أكثر .
لقد بدأت بكتابة هذا البحث ليكون ملحقا للطبعة الثالثة من كتابي
( ثورة الحسين : ظروفها الاجتماعية وآثارها الانسانية ) ولكن المسائل
التي كان يثيرها كانت تستدرجني للتوسع فيها حتى تكونت هذه الفصول
التي هي أكبر من أن تكون ملحقا لكتاب ، فرأيت نشرها في كتاب
مستقل .
إن هذا البحث يتكون من ثلاثة أقسام :
1 – مقدمات : عن أبعاد الفكرة وأهدافها ، ومصادر البحث .
2 – كم هم ومن هم ؟ عن شهداء الثورة الحسينية من الهاشميين
وغيرهم في كربلاء والكوفة ، والتعريف بكل واحد منهم في حدود
المعلومات المتاحة عنه ، مع ملحق أثبتنا فيه نص الزيارة المنسوبة إلى
الناحية المقدسة والزيارة الرجبية . وفصل مهم في تحقيق حال الزيارتين
من حيث كونهما مصدرين لهذا البحث رجحنا فيه الاخذ بالزيارة المنسوبة
إلى الناحية ، واعتبرنا الزيارة الرجبية مصدرا ثانويا غير مهم .
3 – الدلالات التي تستفاد من المعلومات المتعلقة بأشخاص
لشهداء ، ووضع الدولة والمجتمع ، وظروف المعركة وما سبقها وما
تلاها .
يبدو لي أن هذا البحث يمثل طريقة جديدة في التعامل مع النص
التاريخي واستنطاقه ، خاصة فيما يعود إلى حقل دراسة الثورات
وجماهيرها في التاريخ الاسلامي ، فإن تاريخ الثورات ، كما نعلم قد
تعرض للتهشيم والتمزيق من قبل الرواة والمؤرخين الذين كانوا يتملقون
السلطة أو يخافون منها ، ولذا فإن مهمة المؤرخ بالغة الصعوبة في هذا
الحقل ، وربما كانت هذه الطريقة أفضل الطرق التي تمكن الباحث من
الوصول إلى قدر كبير من الحقيقة .
إذا استطاع هذا البحث بطريقته التي بني عليها ، والمسائل التي
أثارها وأجاب عليها أولم يوفق للإجابة عليها – إذا استطاع أن يثير الرغبة
في البحث عن مزيد من الحقيقة فإنه يكون قد أدى إلى أعظم أغراضه .
أسأل الله تعالى أن يجعله عملا مقبولا ، وأن ينفع به ، والحمد لله
رب العالمين .
محمد مهدي شمس الدين
21 جمادي الأول 1394 ه‍ .
11 حزيران 1974 م .
مقدمات
أغراض البحث ، المصادر ،
كتب المقاتل
– 1 –
من الابعاد التي لم تدرس في ثورة الحسين عليه السلام بعدها
البشري – إذا صح التعبير – نعني بذلك ما يعود إلى رجالها الذين أججوا
نارها ، واستشهدوا فيها – لا من حيث إخلاصهم لها ، وإيمانهم بها ، فقد
صدقوا ذلك بالموت – بل من حيث انتماؤهم القبلي ، وعنصرهم
البشري ، وموطنهم الجغرافي ، والحالة الاجتماعية ، والأعمار ، وغير
ذلك مما يتصل بالوضع الشخصي لكل واحد منهم .
ويدخل في حقل هذه الدراسة أيضا أولئك الذين كانوا من رجال
الثورة أو من جمهورها ، وفاتتهم لسبب أو لآخر فرصة المساهمة فيها حين
نشبت دون أن يتبدل ولاؤهم لها .
إن دراسة هذا البعد من أبعاد الثورة الحسينية ضرورية لتحقيق
هدفين :
الأول :
معرفة ( الدرجة ) التي بلغتها ( الحالة الثورية ) في المجتمع
الاسلامي آنذاك ، وذلك من حيث العمق والأصالة ، ومن حيث الانتشار .
الثاني :
معرفة مدى مساهمة استشهاد رجال الثورة في كربلاء وغيرها في
تأجيج نار الثورات التي تفجرت فيما بعد من حيث أن الانتماء القبلي أو
الإقليمي المعين – مثلا – لهذا الثائر أو ذاك قد سبب أن تحدث شهادته
تغييرا ما في ولاء بعض الرجال والجماعات للسلطة ، فنقلتهم إلى جو
الثورة أو حيدت مواقفهم على الأقل .
وقد درسنا في كتابنا ( ثورة الحسين : ظروفها الاجتماعية وآثارها
الانسانية ) تأثير الثورة الحسينية في تفجير ما تلاها من ثورات من حيث
تأثير الثورة في ذهنية الأمة بشكل عام كعنصر ثقافي جديد دخل في
تصورات الأمة ، ولم ندرس تأثير الثورة المباشر من خلال شخصيات
رجالها ، وانتمائهم ، ومواقعهم في حياة مجتمعاتهم القبلية ومواطنهم
الجغرافية .
إن هؤلاء الرجال ، حين يدرسون على هذا النحو ، سيكونون نوافذ
نطل منها على مجتمعهم فنعرف الكثير من خفاياه مما لا تسعفنا النصوص
المباشرة في معرفة شئ منه .
ولكن المادة الأساسية لهذه الدراسة تكاد أن تكون مفقودة . فإن
الأخباريين والمؤرخين لم يعنوا برواية وتسجيل أسماء الرجال والنساء
والجماعات ممن شارك في هذه الثورة بشكل أو بآخر . أو حاول أن يشارك
فيها وحالت الظروف بينه وبين ذلك – وقبائلهم ومواطنهم الجغرافية ،
وأعمارهم . ولا نكاد نعرف شيئا ذا قيمة عن الأوساط الاجتماعية التي
خرج منها كثير من هؤلاء الثوار أو غالبيتهم .
نعاني هذا الفقر في المعلومات بالنسبة إلى غير الهاشميين من
الشهداء ، أما الهاشميون فإن المؤرخين حفظوا لنا أسماء الشهداء منهم ،
والمؤرخون يختلفون فيما بينهم في بعض الأسماء ، ولكن الامر بالنسبة
إليهم ، على كل حال ، أفضل مما نواجهه بالنسبة إلى الشهداء من غير
الهاشميين .

ربما يكون الوهج الساطع الذي يشع من شخصية الإمام الحسين ،
والظل الكبير الذي تتركه هذه الشخصية العظيمة في نفس الباحث
مسؤولين إلى حد ما عن إهمال المؤرخين والاخباريين لتزويدنا بالمادة
الأساسية لهذه الدراسة على نحو أفضل .
ولذا فإن محاولة تجميع المادة الأساسية لهذه الدراسة تواجه
صعوبات جمة تنشأ من قلة المعلومات ، وتشتتها وغموضها أحيانا ،
وتناقضها في أحيان أخرى . ولذا فلا بد من كلمة نقولها عن المصادر .
– 2 –
إن المصادر التي من شأنها أن توفر مادة هذه الدراسة هي :
1 – كتب الرجال الموضوعة لمعرفة حال رواة الحديث من حيث
وثاقتهم ودرجتها ، أو عدمها . وقد عني علماء الرجال بذكر هؤلاء
الشهداء ، ربما بسبب ما يتمتعون به من مركز معنوي كبير في الذهنية
الاسلامية نشأ نتيجة لشهادتهم في سبيل الحق ، وإلا فلم يرد لأكثرهم ذكر
في سند أية رواية .
2 – كتب التاريخ ، لما تشتمل عليه من ذكر بعض الشهداء على نحو
مقصود ، بسبب ما يتمتع به المذكور من مركز خاص ، أو عرضا خلال
حكاية حادث أو تصوير موقف من المواقف . كما أنها مصدر رئيسي
للاحداث المتصلة بهؤلاء الشهداء وخصومهم .
3 – كتب المقاتل ، وهي كتب وضعها علماء أو متأدبون من الشيعة الإمامية
، وهي عادة مقصورة على رواية تاريخ الثورة الحسينية وملابساتها
منذ بدايتها حتى النهاية .
4 – كتب الأدب القديمة ، وهي ذات قيمة ثانوية فيما يبدو ، على
الأقل فيما يتعلق بهذه المرحلة من مراحل الدراسة .
من كتب الرجال سنعتمد على الكتب التالية :
1 – كتاب الرجال لمحمد بن عبد العزيز الكشي – توفي في
النصف الثاني من القرن الرابع الهجري – ( منشورات مؤسسة الأعلمي
للمطبوعات – كربلاء العراق / غير مؤرخة ) .
2 – كتاب الرجال – لأبي العباس أحمد بن علي بن أحمد بن العباس
النجاشي – توفي سنة 405 ه‍ ( مركز نشر كتاب – مطبعة مصطفوي
– طهران / غير مؤرخة ) .
3 – كتاب الرجال – للشيخ محمد بن الحسن الطوسي – توفي سنة
460 ه‍ تحقيق وتعليق السيد محمد صادق بحر العلوم – المطبعة
الحيدرية – النجف : 1381 = 1961 م ) .
4 – معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة لسيدنا الأستاذ
السيد أبو القاسم الخوئي ، وهو من أحدث الكتب المؤلفة في الرجال ومن
أكثرها شمولا ولدينا منه تسعة مجلدات . انتهى طبع الجزء التاسع منه في
اليوم التاسع عشر من شهر ربيع الثاني عام 1394 في مطبعة الآداب في
النجف الأشرف .
ومن كتب التاريخ سنعتمد بشكل أساسي على محمد بن جرير
الطبري في كتابه ( تاريخ الرسل والملوك ) – طبعة دار الكتب – تحقيق
محمد أبو الفضل إبراهيم ( الجزء الخامس المطبوع سنة 1963 م ) وقد
آثرناه على غيره من الموسوعات لأنه يتيح للباحث فرصة معرفة سند
الرواية ، والتأكد من أنها رواية شاهد عيان ، كما يتيح للباحث فرصة
المقارنة والترجيح لما يغلب فيه من نقل عدة روايات للحادث
الواحد .
ولا شك أن الحاجة ستقضي بالرجوع إلى مصادر أخرى لمقارنة
بعض المعلومات ، ولزيادة التوثيق . للمقارنة والتوثيق سنرجع إلى الكتب
التالية :
1 – الاخبار الطوال لأبي حنيفة الدينوري – توفي سنة 282 ه‍ –
تحقيق عبد المنعم عامر – سلسلة ( تراثنا ) نشر وزارة الثقافة والارشاد
القومي ، سنة 1960 م .
2 – تاريخ اليعقوبي ، لأحمد بن أبي يعقوب ، توفي سنة 292 ه‍
منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها في النجف سنة 1384 ه‍ = 1964 م
3 – مروج الذهب ومعادن الجوهر ، لأبي الحسن علي بن الحسين
المسعودي ، توفي سنة 364 ه‍ – تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد –
مطبعة السعادة بمصر – الطبعة الثانية ، سنة 1367 ه‍ = 1948 م
وربما رجعنا في حالات نادرة إلى تاريخ ابن الأثير الجزري ( الكامل
في التاريخ ) الجزء الثالث ، نشر دار الكتاب العربي – بيروت – الطبعة
الثانية ، سنة 1387 ه‍ = 1967 م . كذلك ربما دعت الحاجة أثناء
البحث إلى الاستعانة ببعض كتب الأدب في شأن بعض الرجال أو
الاحداث .
ومن كتب المقاتل سنعتمد على الكتب التالية :
1 – الارشاد – للشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان المتوفي
سنة 413 ه‍ – منشورات المطبعة الحيدرية ومكتبتها في النجف الأشرف ،
سنة 1381 ه‍ = 1962 م .
2 – مقتل الحسين – لأبي المؤيد الموفق بن أحمد المكي أخطب
خوارزم المتوفي سنة 568 ه‍ ( الجزءان الأول والثاني ) مطبعة الزهراء في
النجف سنة 1367 ه‍ = 1948 م .
والخوارزمي يروي أخباره في هذا الكتاب غالبا من عن تاريخ ابن
أعثم ، أبي محمد أحمد ، التوفي سنة 314 ه‍ ، وإذن فهي في مستوى
روايات الطبري وأخباره تتسم بالموضوعية واللغة الدقيقة غالبا ، كما أنها
ذات محتوى عاطفي معتدل .
3 – مقاتل الطالبيين – لأبي الفرج الأصفهاني ، علي بن الحسين بن
محمد القرشي الأموي المرواني ، المتوفي سنة 356 ه‍ ، شرح وتحقيق
السيد أحمد صقر – القاهرة – دار إحياء الكتب العربية .
4 – مناقب آل أبي طالب – لمحمد بن علي بن شهرآشوب السروي
المازندراني المتوفي سنة 588 ه‍ ، ( الجزء الرابع ) المطبعة العلمية –
بقم – إيران غير مؤرخة .
5 – مثير الأحزان – للشيخ نجم الدين محمد بن جعفر ( ابن نما )
الحلي المتوفي سنة 645 ه‍ – منشورات المطبعة الحيدرية في النجف –
1369 ه‍ = 1950 م .
6 – اللهوف في قتل الطفوف – لعلي بن موسى بن محمد بن
طاووس ، المتوفي سنة 664 ه‍ – منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها في
النجف / غير مؤرخة .
7 – بحار الأنوار – لشيخ الاسلام محمد باقر المجلسي ، توفي سنة
1111 ه‍ ( الجزءان : 44 ، 45 ) من الطبعة الجديدة – المطبعة الاسلامية
1385 منشورات المكتبة الاسلامية بطهران – إيران .
وقد اعتمدنا على هذا الكتاب لأنه ينقل نصوص مؤلفين في المقاتل
متقدمين عليه .
8 – زيارة للحسين عليه السلام منسوبة إلى الإمام الثاني عشر من
أئمة أهل البيت عليهم السلام تشتمل على أسماء كثير من الشهداء من
الهاشميين وغيرهم . رواها المجلسي في البحار . ( ج 45 ص 65 –
73 ) عن كتاب الاقبال للسيد ابن طاووس وذكر أنها صدرت ، سنة
252 ه‍ .
ونحن نشك في نسبتها إلى الإمام الثاني عشر عليه السلام ، ولكنها
مع ذلك نص تاريخي قديم يعتمد عليه من الناحية التاريخية ، وسنشير إليها
في ثنايا البحث بكلمة ( الزيارة ) .
10 – زيارة للحسين ذكر السيد ابن طاووس في كتابه ( الاقبال )
تضمنت زيارة للشهداء تشتمل على أسمائهم . وهي فيما يبدو من إنشاء
السيد ابن طاووس وقد ذكرها المجلسي في بحار الأنوار ( ج 101 ص )
( 340 341 ) .
وسنشير إليها في ثنايا البحث بكلمة ( الرجبية ) لأنها رويت ليزار بها
الحسين والشهداء في أول يوم من شهر رجب . وهي أقل قيمة . كوثيقة
تاريخية – من سابقتها لتأخير ابن طاووس عن عصر صدور الزيارة الأولى
( توفي ابن طاووس سنة 664 ه‍ ) فهي متأخرة عن الزيارة الأولى أربعة
قرون أو أكثر . وهما مختلفتان في بعض الأسماء ، وسنثبت الزيارتين في
آخر هذا الكتاب مع بيان موارد اختلافها ودراسة وافية عنهما .
11 – أعيان الشيعة ( الجزء الرابع ، القسم الأول ) للسيد محسن
الأمين – الطبعة الثالثة – مطبعة الانصاف ، بيروت ، سنة 1380 ه‍ –
1960 م .
وينبغي أن ننوه بأن السيد محسن الأمين هو الوحيد من بين المؤلفين
في الموضوع الذي استقصى أسماء الشهداء من الهاشميين وغيرهم ،
وأثبت أسماءهم في الصفحات ( 135 – 138 ) من الجزء المذكور
أعلاه ، وإن لم يسلم عمله ، في رأينا ، من مأخذ الوقوع في التصحيف ،
كما ذكر أسماء بعض من لم يقتل في المعركة . وسنثبت في هذا البحث ما
ذكره في أعيان الشيعة مع ملاحظاتنا عليه .

وثمة كتب أخرى في المقتل أطلعنا عليها من خلال كتاب ( بحار الأنوار
) المذكور أعلاه .
– 3 –
ولا بد لنا من أن نقول هنا كلمة عن كتب ( المقتل ) .
نحن نرى أن أكثر هذه الكتب أجدر بأن يكون مرجعا في شأن الثورة
الحسينية من كتب التاريخ العام .
فهي – من جهة – خاصة بحكاية وقائع هذه الثورة ، ولذا فهي أحفل
من كتب التاريخ العام بالاحداث وتفاصيلها ، فإن كتب التاريخ العام
تعطي ، غالبا ، أهمية متساوية لكل ما ترويه .
وهي ، من جهة ثانية ، من وضع رجال ينظرون إلى الثورة الحسينية
بعاطفة الحب والتقديس ، وهي جزء نابض بالحياة من تاريخهم ، وهم
يعتمدون في حكايتهم لاحداثها على مصادر ذات صلة حميمة بالثورة
( أئمة أهل البيت ، الرجال والنساء الذين رافقوا الثورة منذ بدايتها حتى
نهايتها في كربلا ) هؤلاء الذين لم يتصل بهم رواة التاريخ العام الذين
كانوا غالبا على اتصال وثيق بالسلطان يمنعهم من الاعتماد في رواياتهم
على هؤلاء . أو كان على الأقل يدفعهم إلى الحذر في نقل صورة
الاحداث كما يعكسها نساء الثوار وأبناؤهم وأصحابهم .
كما أن مؤلفي كتب التاريخ العام كانوا ، غالبا ، على اتصال
بالسلطان ، أو أنهم يؤيدون وضعا سياسيا يتعارض مع مضمون الثورة ،
وربما ينسجم بشكل أو بآخر مع وضع جلاديها ، فلم يكونوا ، بطبيعة
الحال قادرين ، أولم يكونوا يريدون تسجيل الاحداث من وجهة نظر
مصادر الثائرين أنفسهم – هذه المصادر قد اتصل بها رواة من الشيعة ،
رجال ونساء ، كان تشيعهم حافزا لهم على تقصي كل تفصيل دقيق وكل
حادث كبير يتصل بالثائرين وإنجازهم في كربلاء . على أننا نبادر ، مع
ذلك ، فنقول إنه حتى هؤلاء لم ينقلوا كل ما حدث ، فلقد ضاع الكثير ،
وطمس الكثير .
من نماذج ذلك رواية عمار الدهني ( 1 ) عن الإمام الباقر أبي جعفر
محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام ، وقد أوردها الطبري . فهي
رواية نعتقد أن عمارا أو من بعده من الرواة قد تلاعبوا فيها ، فأضافوا إليها
بعض الأفكار التي ترضي السلطة ( مثلا : أن الحسين طلب أثناء مفاوضته
مع عمر بن سعد أن يرسله إلى يزيد بن معاوية يضع يده في يده ويرى فيه
رأيه ) وحذفوا منها ، واختصروا بعض المعالم الرئيسة فيها ، كما لا يبعد
أن يكون الطبري نفسه قد تسامح في إثبات بعض أجزائها ( 2 ) .
لهذا وذاك نعتبر كتب المقتل أجدر من كتب التاريخ العام بالاعتماد
عليها فيما يتصل بالتاريخ الشخصي للثوار ، بل إنها – لهذا وذاك أيضا –
أجدر من كتب التاريخ العام بالاعتماد عليها فيما يتصل بتاريخ الثورة
نفسه .
نقول هذا معترفين بأن ثمة مأخذا على كثير من كتب المقتل فيما
يتصل بالاحداث ، فإن الحماس والحب قد يدفعان في بعض الحالات إلى
تدوين أخبار معينة دون أن تنال حظها من التحقيق ، وربما يكون بعض
هذه الأخبار مجرد استنتاجات وآراء شخصية كونها لنفسه بعض الرواة
والمؤلفين ، فجاء كاتب متأخر عنه اعتبرها تاريخا وأثبتها على أنها أحداث
واقعة . كما أن بعض كتاب المقتل في بعض الحالات يعمم رؤيته
للموقف فيعبر عنها باطلاق أوصاف معينة على رجال الثورة أو أعدائها ،
ويعبر عن مجموع الموقف بعبارات عاطفية . وأكثر ما توجد هذه الظاهرة
في كتب المتأخرين من مؤلفي المقتل .
ومهما يكن فإن على الباحث أن يلتزم الأسلوب العلمي الصارم في
النقد والاختيار .
ولكن العدل يقتضينا أن نقول إن المصادر التاريخية الأخرى – غير
كتب المقتل – مما كتبه مؤلفون من غير الشيعة عن تاريخ هذه الثورة لا
تسلم من مآخذ كبيرة أيضا .
ففيما يتعلق برجال الثورة نلاحظ أن الأخباريين والمؤلفين لم يظهروا
عناية خاصة بهم ، ولم يذكروا لنا واحدا منهم عن قصد لذكره ، وإنما
ذكروا أولئك الذين تمر أسماؤهم عرضا في سياق الاخبار التي ينقلونها .
وفيما يتعلق بأحداث الثورة . نلاحظ أنهم في كثير من الحالات لا
يحرصون على الدقة والتفصيل فيما ينقلون من أحداثها ( نستثني من ذلك
أبا مخنف ) . وقد يقال : إنهم عاملوها كغيرها من أحداث تلك الفترة ،
ولعل هذا القول صحيح ، ولكنهم كانوا يعلمون ويحسون أن هذه الثورة
ليست كغيرها من أحداث تلك الفترة ، فقد كانت مؤشرا كبيرا لتغير كبير
في حياة المسلمين ، وقد وضعتهم على منعطف جديد تماما في حياتهم .
وكان على هؤلاء المؤرخين – لهذا السبب – أن يحتفلوا لروايتها أكثر من
غيرها ، وأن لا يفوتهم تسجيل كل ما يتصل بها من قريب أو بعيد .
على أننا لا نستطيع أن نقبل القول بأنهم عاملوها كغيرها أحداث
التاريخ ، بل نرى أنهم عاملوها بدرجة أقل من العناية ، متأثرين بالاتجاه
السياسي الذي كان لا يشجع على رواية أحداثها ، بل يحرص على طمس
تلك الاحداث ، لئلا تتفاعل في المجتمع وتؤدي إلى تغيير بعض المواقف
السياسية .
وهذا الامر فيما يتصل بالأمويين واضح ، ونرى أنه كذلك فيما يتصل
بالعباسيين .
فإن هؤلاء وإن كانوا يعتبرون الثورة إحدى إنجازاتهم التاريخية
باعتبارهم هاشميين ( يلاحظ أنه لم يشترك فيها أحد من بني العباس ) ،
وهم يعلمون أنهم مدينون للثورة بالكثير من الأوضاع والعوامل التي
أوصلتهم إلى السلطة ، بل لقد كانت روحها وشعاراتها وذكرياتها من
العوامل المباشرة في ذلك . مع هذا كله نرى أنهم كانوا يقفون منها موقفا
سلبيا ، لأنهم كانوا يعلمون أن ذكرياتها وايحاءاتها يمكن أن تكون خطرا
عليهم من حيث نظرة الناس إلى شرعية توليهم للسلطة ، وذلك بما تدعو
إليه من إعطاء السلطة لآل علي من بني هاشم ، وتتضح أسباب حذر
العباسيين من الثورة الحسينية بصورة أكثر إذا لا حظنا أن تحركات الحسنيين
الثورية لم تنقطع بعد استقرار دولة بني العباس .
كان لابد من هذه الكلمة عن كتب المقتل ، ليتبين الوضع الحقيقي
لهذه الكتب من حيث صلاحها لتكون مصادر تاريخية لهذه الثورة . وهي
كلمة لا تفي بما يجب أن تناله هذه الكتب عناية ، فكتب المقتل تصلح
أن تكون موضوعا لدراسة علمية واسعة وعميقة تشتمل على تاريخ نشوء
هذا النوع من كتابة التاريخ ، وتطوره ، ومنهجه ، ومحتوياته ، ونوعيات
المؤلفين ، والأسلوب الذي كتب به ، وتطور هذا الأسلوب خلال
العصور ، وعلاقة هذا الأسلوب بلغة الكتابة في المجالات الأخرى ،
واللغات التي كتبت بها ( العربية ، والفارسية ، والتركية ، والأردية ،
وغيرها ) والمحتوى الشعري لهذه الكتب التي بدأت – فيما نحسب – بأبي
مخنف ولم تنته بعد ، فالكتابة في مقتل الحسين كانت ولا تزال موضوعا
يثير الرغبة لدى الكثيرين ، ولذا فإن الدارس لهذا الموضوع سيجد مادة
غنية وغزيرة ومتنوعة لبحثه ممتدة في جميع العصور الاسلامية ومنتشرة في
جميع الأوساط والمجتمعات الاسلامية منذ القرن الهجري الأول إلى
عصرنا هذا في نهاية القرن الرابع عشر الهجري .
ولن تكون دراسة كهذه مقصورة على الكتب المؤلفة في مقتل
الحسين ، وإن كانت الكتب المؤلفة في هذا الموضوع أكثرها عددا
وأشدها تنوعا ، بل إنها تتسع لتشمل مؤلفات أخرى ، فثمة مؤلفون
كثيرون كتبوا في ( مقتل علي ) ( مقتل زيد ) ( مقتل عثمان ) ( مقتل حجر
ابن عدي ) ، وغير ذلك ، ويجد الباحث أسماء عشرات من كتب المقتل
في موضوعات مختلفة . وربما كانت هذه الكتابات ، إلى جانب الحديث
والسيرة ، إحدى المراحل الهامة التي تطورت إليها كتابة التاريخ العام عند
المسلمين .

421207811_5566

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...