الرئيسية / بحوث اسلامية / أضواء على عقائد الشيعة الإمامية وتاريخهم 7

أضواء على عقائد الشيعة الإمامية وتاريخهم 7

الشيعة في العصر الأموي
أما معاوية فلا مناص من القول بأنه أكثر المستبشرين بهذا الأمر ، حيث
إنه قال لما بلغه : إن الأسد الذي كان يفترش ذراعيه في الحرب قد قضى نحبه .
ثم أنشد :
قل للأرانب ترعى أينما سرحت * وللظباء بلا خوف ولا وجل ( 2 )
في الجانب الآخر نرى أن الإمام الحسن الابن الأكبر للإمام علي ووارثه ينعى
أباه بقوله في مسجد الكوفة : ” ألا إنه قد مضى في هذه الليلة ، رجل لم يدركه
الأولون ، ولن يري مثله الآخرون . من كان يقاتل وجبرئيل عن يمينه وميكائيل
عن شماله . والله لقد توفي في هذه الليلة التي قبض فيها موسى بن عمران ، ورفع
فيها عيسى بن مريم ، وأنزل القرآن . ألا وإنه ما خلف صفراء ولا بيضاء إلا
سبعمائة درهم فضلت من عطائه ، أراد أن يبتاع بها خادما لأهله ” ( 3 ) .
ثم بويع الحسن في نهاية خطبته ، وكان أول من بايعه قيس بن سعد
الأنصاري ، ثم تتابع الناس على بيعته ، وكان أمير المؤمنين قد بايعه أربعون ألفا من
عسكره على الموت . فبينما هو يتجهز للمسير قتل ( عليه السلام ) . فبايع هؤلاء ولده الحسن ،
فلما بلغهم مسير معاوية في أهل الشام إليه ، تجهز هو والجيش الذين كانوا قد بايعوا
عليا . وسار عن الكوفة إلى لقاء معاوية ( 1 ) .
بيد إن الأمور لم تستقم للإمام الحسن لجملة من الأسباب المعروفة ، أهمها
تخاذل أهل العراق أولا ، وكون الشيوخ الذين بايعوا عليا والتفوا حوله كانوا من
عبدة الغنائم والمناصب ، ولم يكن لهؤلاء نصيب في خلافة الحسن إلا ما كان لهم
عند أبيه من قبل ثانيا . وإن عددا غير قليل ممن بايع الحسن كانوا من المنافقين ،
يراسلون معاوية بالسمع والطاعة ثالثا . كما أن قسما من جيشه كانوا من الخوارج
أو أبنائهم رابعا . إلى غير ذلك من الأسباب التي دفعت الإمام إلى قبول الصلح مع
معاوية تحت شروط خاصة تضمن لشيعة علي الأمن والأمان ، إلا أن معاوية وبعد
أن وقع على صلحه مع الإمام الحسن لم يتردد من الإعلان عن سريرته بكل
صراحة ووضوح على منبر الكوفة : إني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ، ولا
لتحجوا ولا لتزكوا – وإنكم لتفعلون ذلك – ولكن قاتلتكم لأتأمر عليكم ، وقد
أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون ، ألا وإني قد كنت منيت الحسن أشياء ، وجميعها
تحت قدمي لا أفي بشئ منها له ( 2 ) .
وكان ذلك التصريح الخطير ، والمنافي لأبسط مبادئ الشريعة الإسلامية ،
يمثل الإعلان الرسمي لبدء الحملة الشرسة والمعلنة لاستئصال شيعة علي وأنصاره
تحت كل حجر ومدر . وتوالت المجازر تترى بعد معاوية إلى آخر عهد الدولة
الأموية ، فلم يكن للشيعة في تلك الأيام نصيب سوى القتل والنفي والحرمان . وهذا
هو الذي نستعرضه في هذا الفصل على وجه الإجمال ، حتى يقف القارئ على أن
بقاء التشيع في هذه العصور المظلمة كان معجزة من معاجز الله سبحانه ، كما يتوضح
له مدى الدور الخطير الذي لعبه الشيعة في الصمود والكفاح والرد على الظلمة
وأعوانهم منذ عصر الإمام إلى يومنا هذا . وإليك بعض الوثائق من جرائم معاوية .
1 – رسالة الإمام الحسين إلى معاوية :
” أما بعد فقد جاءني كتابك تذكر فيه أنه انتهت إليك عني أمور لم تكن
تظنني بها رغبة بي عنها ، وأن الحسنات لا يهدي لها ولا يسدد إليها إلا
الله تعالى ، وأما ما ذكرت أنه رمي إليك عني ، فإنما رقاه الملاقون
المشاؤون بالنميمة ، المفرقون بين الجمع ، وكذب الغاوون المارقون ،
ما أريد لك حربا ولا خلافا ، وإني لأخشى الله في ترك ذلك منك ومن
حزبك القاسطين حزب الظلمة وأعوان الشيطان الرجيم . ألست قاتل
حجر وأصحابه العابدين – إلى أن قال – أو لست قاتل الحضرمي الذي
كتب إليك في زياد أنه على دين علي كرم الله وجهه ، ودين علي هو
دين ابن عمه ( صلى الله عليه وآله ) الذي أجلسك مجلسك الذي أنت فيه ، ولولا ذلك
كان أفضل شرفك وشرف آبائك تجشم الرحلتين : رحلة الشتاء
والصيف ، فوضعها الله عنكم بنا منة عليكم ، وقلت فيما قلت : لا تردن
هذه الأمة في فتنة وإني لا أعلم لها فتنة أعظم من إمارتك عليها ، وقلت
فيما قلت : انظر لنفسك ولدينك ولأمة محمد . وإني والله ما أعرف
فضلا من جهادك ، فإن أفعل فإنه قربة إلى ربي ، وإن لم أفعله فأستغفر
الله لديني . وأسأله التوفيق لما يحب ويرضى ، وقلت فيما قلت : متى
تكدني أكدك ، فكدني يا معاوية ما بدا لك ، فلعمري لقديما يكاد
الصالحون وإني لأرجو أن لا تضر إلا نفسك ولا تمحق إلا عملك
فكدني ما بدا لك ، واتق الله يا معاوية ، واعلم أن لله كتابا لا يغادر
صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، واعلم أن الله ليس بناس لك قتلك
بالظنة ، وأخذك بالتهمة ، وإمارتك صبيا يشرب الشراب ويلعب
بالكلاب ، ما أراك إلا قد أوبقت نفسك ، وأهلكت دينك ، وأضعت
الرعية والسلام ” ( 1 ) .
ولعل المتأمل في جوانب هذه الرسالة والمتدبر لمفرداتها يدرك وبوضوح مدى
الدور المنحرف الذي وقفه الأمويون وعلى رأسهم معاوية في محاربة أنصار مذهب
التشيع ورواده ، كما تتوضح له الصورة عن حجم المحنة التي مر بها الشيعة إبان تلك
الحقبة الزمنية .
ولكي تتوضح الصورة في ذهن القارئ الكريم ندعوه إلى قراءة رسالة الإمام
محمد بن علي الباقر ( عليه السلام ) لأحد أصحابه ، حيث قال :
” إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قبض وقد أخبر أنا أولى الناس بالناس ، فتمالأت
علينا قريش حتى أخرجت الأمر عن معدنه واحتجت على الأنصار
بحقنا وحجتنا . ثم تداولتها قريش ، واحد بعد واحد ، حتى رجعت
إلينا ، فنكثت بيعتنا ونصبت الحرب لنا ، ولم يزل صاحب الأمر في
صعود كؤود حتى قتل ، فبويع الحسن ابنه وعوهد ثم غدر به وأسلم
ووثب عليه أهل العراق حتى طعن بخنجر في جنبه ، ونهبت عسكره ،
وعولجت خلاخيل أمهات أولاده ، فوادع معاوية وحقن دمه ودماء
أهل بيته ، وهم قليل حق قليل . ثم بايع الحسين من أهل العراق
عشرون ألفا ، ثم غدروا به ، وخرجوا عليه ، وبيعته في أعناقهم وقتلوه .
ثم لم نزل – أهل البيت – نستذل ونستضام ، ونقصى ونمتهن ، ونحرم
ونقتل ، ونخاف ولا نأمن على دمائنا ودماء أوليائنا ، ووجد الكاذبون
الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعا يتقربون به إلى أوليائهم وقضاة
السوء وعمال السوء في كل بلدة ، فحدثوهم بالأحاديث الموضوعة
المكذوبة ، ورووا عنا ما لم نقله ولم نفعله ، ليبغضونا إلى الناس ، وكان
عظم ذلك وكبره زمن معاوية بعد موت الحسن ( عليه السلام ) ، فقتلت شيعتنا بكل
بلدة ، وقطعت الأيدي والأرجل على الظنة ، وكان من يذكر بحبنا
والانقطاع إلينا سجن أو نهب ماله ، أو هدمت داره ، ثم لم يزل البلاء
يشتد ويزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين ( عليه السلام ) ثم جاء
الحجاج فقتلهم كل قتلة ، وأخذهم بكل ظنة وتهمة ، حتى أن الرجل
ليقال له : زنديق أو كافر ، أحب إليه من أن يقال : شيعة علي ، وحتى
صار الرجل الذي يذكر بالخير – ولعله يكون ورعا صدوقا – يحدث
بأحاديث عظيمة عجيبة ، من تفضيل بعض من قد سلف من الولاة ولم
يخلق الله تعالى شيئا منها ، ولا كانت ولا وقعت وهو يحسب أنها حق
لكثرة من قد رواها ممن لم يعرف بكذب ولا بقلة ورع ” ( 1 ) .
بل وإليك ما أورده ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه لنهج البلاغة :
كان سعد بن سرح مولى حبيب بن عبد شمس من شيعة علي بن أبي طالب ،
فلما قدم زياد الكوفة واليا عليها أخافه فطلبه زياد ، فأتى الحسن بن علي ، فوثب
زياد على أخيه وولده وامرأته ، فحبسهم وأخذ ماله وهدم داره ، فكتب الحسن إلى
زياد : ” من الحسن بن علي إلى زياد ، أما بعد : فإنك عمدت إلى رجل من
المسلمين له ما لهم ، وعليه ما عليهم ، فهدمت داره وأخذت ماله وعياله
فحبستهم ، فإذا أتاك كتابي هذا ، فابن له داره ، واردد عليه عياله وماله ، فإني قد
أجرته فشفعني فيه ” .
فكتب إليه زياد : من زياد بن أبي سفيان إلى الحسن بن فاطمة ، أما بعد : فقد
أتاني كتابك تبدأ فيه بنفسك قبلي وأنت طالب حاجة ، وأنا سلطان وأنت سوقة ،
وتأمرني فيه بأمر المطاع المسلط على رعيته كتبت إلي في فاسق آويته إقامة منك
على سوء الرأي ورضا منك بذلك ، وأيم الله لا تسبقني به ولو كان بين جلدك
ولحمك ، وإن نلت بعضك فغير رفيق بك ولا مرع عليك ، فإن أحب لحم علي أن
آكله اللحم الذي أنت منه ، فسلمه بجريرته إلى من هو أولى به منك ، فإن عفوت
عنه لم أكن شفعتك فيه ، وإن قتلته لم أقتله إلا لحبه أباك الفاسق ، والسلام ” ( 1 ) .
” كان زياد جمع الناس بالكوفة بباب قصره يحرضهم على لعن علي أو
البراءة منه ، فملأ منهم المسجد والرحبة ، فمن أبى ذلك عرضه على السيف ” ( 2 ) .
وعن المنتظم لابن الجوزي : أن زيادا لما حصبه أهل الكوفة وهو يخطب على
المنبر قطع أيدي ثمانين منهم ، وهم أن يخرب دورهم ويحرق نخلهم ، فجمعهم حتى
ملأ بهم المسجد والرحبة يعرضهم على البراءة من علي ، وعلم أنهم سيمتنعون ،
فيحتج بذلك على استئصالهم وإخراب بلدهم ( 3 ) .

شاهد أيضاً

السيّد الخامنئي (دام ظله) هو قائد الأمة وصاحب الأثر الأكبر في مواجهة الاستكبار

أكد عضو المجلس المركزي في حزب الله، سماحة السيّد، سامي خضرا، أن “فتاوى وخطب قائد ...