أسس الأخلاق
4 ساعات مضت
زاد الاخرة
8 زيارة
الفصل الأول: تعريف فلسفة الأخلاق ومكانتها
3 ـ تلعب العوامل المحركة الخارجية دور المرشد والمحفّز، وأمّا العوامل المحرّكة الداخلية والّتي تؤثّر في سلوكنا بشكلٍ مباشر فيمكن السيطرة عليها عبر المعرفة والتمرين والرياضة.
4 ـ بناءً على الرؤية المعرفية للإنسان في الإسلام فإنّ العوامل المحركة الداخلية (الصفات النفسانية) مضافاً إلى تأثيرها في سلوكنا وأنها تقبل التأثير والتغير أيضاً فإنّها تشكل حقيقة وجود الإنسان.
5 ـ إنّ علم الأخلاق الّذي يُتكلَّم فيه عن قيمة الصفات والسلوك الاختياري للإنسان وضرورة وجودها يمكنه أنّ يعيننا، ولأجل نيل الهدف المنشود من الحياة، في أنّ نختار الأفعال الحميدة الّتي لا بدّ منها.
6 ـ إنّ فلسفة الأخلاق تحقيقٌ فلسفي (عقلي) حول المبادىء التصورية والتصديقية لعلم الأخلاق ويُبحث فيه عن المفاهيم الأخلاقيّّة وارتباطها بالواقعيّات وكذلك عن الأصول المرتبطة بقبول أو عدم قبول البيانات الأخلاقيّّة.
7 ـ حيث إنّ فلسفة الأخلاق هي مبنى علم الأخلاق فإنّ اطمئناننا إلى صحّة أحكامنا الأخلاقيّّة يرتبط بهذا العلم، ومن ثمّ فإنّ ميزان الاطمئنان هذا يؤثّر بدوره في ميزان اهتمامنا بالثبات عليها في مقام العمل والسعي لحفظ وبسط القيم الأخلاقيّّة.
الأسئلة
1 ـ أوضح ماهية الارتباط بين الأحكام القيميّة مع الهدف من الحياة، وكيف تؤثّر في نوعية سلوكنا الفردي والاجتماعي.
2 ـ ما هي العوامل المحركة الداخلية والخارجية المؤثّرة في طريقة اختيارنا؟ بيّن ماهية العامل المؤثر في طريقة اختيارنا عند كليهما.
3 ـ عمَّ يتكلّم علم الأخلاق؟ وكيف يمكن الاستعانة بهذا العلم للوصول إلى الهدف المنشود من الحياة.
24
20
الفصل الأول: تعريف فلسفة الأخلاق ومكانتها
4 ـ عرّف فلسفة الأخلاق واشرح نموذجين من مسائلها.
5 ـ ما هو السبب في تقديم فلسفة الأخلاق على علم الأخلاق؟ أوضح ذلك.
6 ـ أوضح أهميّة فلسفة الأخلاق من الناحية النظرية والعلمية.
7 ـ لنفترض أنك في مقام النهي عن المنكر أوصيت أحدهم بترك أمرٍ ما لا ينبغي فعله، ولكنه أجابك بالقول “إذا لم يعجبك هذا العمل فيمكنك أنّ لا تقوم به ولكنه حسن في رأيي وأريد القيام به”.
أوضح ما يلي: هل أنّ اختلافك معه يرجع إلى علم الأخلاق أو إلى فلسفة الأخلاق؟ ومن أيّ علم تستفيد في مقام إجابته؟
للبحث
مع الإشارة إلى ما استفدناه وعرفناه حول علم الأخلاق، هل يمكن برأيك تحقيق الهدف من الحياة بمجرد المعرفة بهذا العلم أم بالعمل به؟ وما هو دور علم الأخلاق في تحقيق هذا الهدف؟ وما هي الأشياء الأخرى الّتي نحتاج إليها من أجل الوصول إلى هذا الهدف؟
إقرأ
من الممكن أنّ تتفاوت الصفات النفسانية بادىء ذي بدء عند مختلف الأفراد. وربما يرتبط هذا الضعف الأوّليّ بطبيعة هؤلاء الأفراد وعوامل أخرى متعدّدة تؤثّر في ذلك كالوراثة مثلاً، إلّا أنّه يمكن بعد التعود الاختياري أنّ يقويها بتكرار العمل أو أنّ يضعفها بالتمرن على الترك (راجع، عبد الرزّاق لاهيجي، گوهر مراد، ص 667).
25
21
الفصل الأول: تعريف فلسفة الأخلاق ومكانتها
وحتماً فإنّ هذه المراتب من الصفات والتي تُكتسب أو تُحفظ باختيار الإنسان وكذلك الأعمال الصادرة عنه باختياره هي الّتي تقبل التقييم الأخلاقيّ (وأن ليس للإنسان إلّا ما سعى وأن سعيه سوف يرى) (سورة النجم، الآيتان: 39 ـ 40).
يُطلق على الصفة النفسية الثابتة في قلب الإنسان والتي أصبحت بمثابة الملكة عنده “الخُلُق” لغة، حيث إنّ الإنسان حينها يقوم فوراً بالعمل الّذي يتناسب مع هذه الصفات وبدون أيّ تأمّلٍ وتردّد.
ولكي تتعرّف أكثر إلى تعريف “الخُلُق” راجع قواميس اللغة، وكذلك: محمّد مهدي النراقي، جامع السعادات، تصحيح وتعليق محمّد كلانتر، ص22.
– محمّد بن شاه مرتضى الفيض الكاشاني، الحقائق في محاسن الأخلاق وقرة العيون في المعارف والحكم ومصباح الأنظار، تحقيق وتذييل إبراهيم الميانجي ص54.
– عبد الرزاق لاهيجي، گوهر مراد، ص667.
هذا وعلى الرغم من استعمال الخُلُق لغة في الصفة الثابتة والملكة النفسانية، وهذا هو المراد عادة عند استعماله في علم الأخلاق، إلّا أنّ هذا المصطلح قد يُستعمل بمعنى أعمّ فيُطلق حينئذٍ على مجمل الصفات النفسانية الّتي هي منشأ الأفعال الاختيارية – سواء كانت هذه الصفة ثابتة (ملكة) أم غير ثابتة (حال) – وبناءً على هذا المصطلح فإنّ ما يقوم به البخيل أحياناً من عطاءٍ ولو مع التكلّف يُعتبر عملاً أخلاقيّاً إيجابياً.
وفي المصطلح الثالث تطلق الأخلاق فقط على الصفات الحسنة والفاضلة وحينئذٍ فإنّ الأفعال القبيحة وغير المرضية تسمى باللّاأخلاقيّّة.
والجدير قوله أنّ الخُلُق يُستعمل أحياناً في المحاورات العرفية بمعنى الخُلُق الاجتماعي، وبناءً عليه فإنّ من يحسن التصرّف مع الآخرين يسمى بحسن الأخلاق، وفي مقابل ذلك فإنّ من يسيء التصرّف معهم يسمى بسيئ الأخلاق، إلّا أنّه وبناءً على ما ذكرناه من المعنى اللغويّ والاصطلاحي للأخلاق فإنّ الأخلاق لا تختصّ فقط بالأخلاق الاجتماعية.
ربما يمكن اعتبار علم الأخلاق متّحداً مع الأخلاق المعيارية (No rmative Ethics) إلّا أنّ بعضهم اعتبر أنّ هذه الأخيرة قسمان: القسم الأوّل منها يتكلّم عن الملاكات الكلية للأخلاق والآراء المتعدّدة حولها، وفي القسم الثاني يتكلّم عن مصاديق تلك الملاكات الكليّة وقبح الأفعال وحسنها.
وبناءً على هذا التقسيم فإنّنا إذا اعتبرنا إمكانية تحقيق الملاكات الكلية للأخلاق بالبحث والتحقيق العقلي والفلسفي، فإنّ هذا القسم من الأخلاق المعيارية سيشترك مع علم ما بعد
26
22
الفصل الأول: تعريف فلسفة الأخلاق ومكانتها
الأخلاق Meta Ethics ( ـ الأخلاق التحليلية Analytic Ethics ـ الأخلاق النقدية (Critical Ethics ـ والذي يُبحث فيه عن الواقع الظاهري للجمل الأخلاقيّّة ومجال عملها وتحليل المفاهيم الأخلاقيّّة في تشكيل فلسفة الأخلاق.
وأمّا لو اعتبرنا أنّ الأخلاق المعيارية تختصّ ببيان الملاك الكلّيّ ومصاديقه فقط، ولا ربط لهذا العلم بالتحقيق العقلي والفلسفي في انتخاب الملاكات، فحينئذٍ يمكن مساواة علم الأخلاق مع علم الأخلاق المعيارية.
وفي هذه الصورة إذا اعتبرنا التحقيق العقلي والفلسفي لانتخاب المعايير والملاكات جزءاً من ما بعد الأخلاق فإنّ فلسفة الأخلاق أيضاً ستكون مساوية لما بعد الأخلاق (يراجع حول هذا الموضوع علي شيرواني، فرا اخلاق، (ما بعد الأخلاق)، ص 15 ـ 20, وصادق لاريجاني، فلسفة أخلاق 1، المجلة التخصصية: كلام اسلامي العدد 11، ص71, وارنوك، فلسفه اخلاق در قرن بيستم ترجمة وحواشي ابو القاسم فنائي، مقدّمة المترجم، ص 32 ـ 35).
بالنسبة لموضوع علم الأخلاق والهدف الأصلي منه يوجد رأيان واتجاهان أساسيان:
أوّلهما: أنّ المتّصف أصالة بالقيم الأخلاقيّّة هي بعض الصفات الداخلية، وبالتالي فإنّ علم الأخلاق يتكفّل ببيان قيمة وضرورة وجود هذه الصفات النفسانية، وكذلك فإنّ هدف علم الأخلاق هو تزيين النفس بالملَكات النفسانية الفاضلة وتخليتها من الصفات الرذيلة والوصول إلى كمال النفس.
وأمّا الأفعال والسلوكيات – ومع أنّه يُبحث عن قيمتها بناءً على هذا الرأي – فإنّها في الواقع وسيلة لتحقّق الصفات الراسخة عند الإنسان، ومن آثار تلك الصفات النفسانية.
وقد اختار علماء الأخلاق المسلمون – بناءً على الرؤية المعرفية للإنسان عندهم – هذا الاتجاه القائل بأنّ حقيقة وجود الإنسان يتقدم بنفسه المجردة وأنّ الكمال والنقص الواقعيّ عند الإنسان يراد منه نفسه وروحه، وبعبارة ثانية فإنّ الكمال والنقص الحاصل للإنسان في هذه الدنيا بسبب أفعاله الاختيارية يبقى متعلقاً بروحه وأنّ الإنسان بعد موته سيحشر معها.
(راجع: محمّد مهدي النراقي، جامع السعادات، الباب الأول، نصير الدين الطوسي، أخلاق ناصري، تصحيح وتوضيح مجتبى مينوي وعلي رضا حيدري، ص48، ابن مسكويه، أحمد بن محمد، تهذيب الأخلاق، ص5, ابن مسكويه، أحمد بن محمد، كيمياي سعادت، ترجمة طهارة الأعراق، ترجمة أبو طالب زنجاني ص27).
الثاني: وهو ما خرج عند علماء الأخلاق في الغرب، حيث يعتبرون أنّ القيم الأخلاقيّّة ناظرة
27
23
الفصل الأول: تعريف فلسفة الأخلاق ومكانتها
فقط إلى السلوك الإنساني، وأنّ علم الأخلاق ينظر فقط إلى بيان قيمة السلوك وضرورته، وأنّ الهدف الأصلي لعلم الأخلاق هو تصحيح هذا السلوك ولا يوجد أيّ هدف له ما وراء ذلك، يقول فولكيه: “إنّ علم الأخلاق عبارة عن مجموعة قوانين السلوك الّتي تمكّن الإنسان من خلال العمل بها من الوصول إلى هدفه” (راجع: عبد الرحمن بدوي، الأخلاق النظرية، ص10)، ويذكر جكس أيضاً أنّ: “علم الأخلاق عبارة عن تحقيق السلوك الإنساني بالشكل الّذي يجب أنْ يكون عليه” (جكس، فلسفة اخلاق (الحكمة العمليّة)، ترجمة الدكتور أبو القاسم بور حسيني ص9).
هذا ويذهب الاتجاه الأوّل إلى تسمية الأخلاق بالفضيلة فيقول أخلاق الفضيلة (Ethics of Virtue) وأما الاتجاه الثاني فيسميها بالوظيفة أو العمل ويطلق عليها أخلاق الوظيفة أو العمل (Ethicsof Duty).
وقد اختلف فلاسفة الأخلاق أيضاً حول مصداق هدف علم الأخلاق وتعيين ملاك التقييم للبيانات الأخلاقيّّة، وسوف نتعرض إلى ذلك بالبحث والتحقيق في الفصول الآتية.
لقد طُرحت حول “الأخلاق” أسئلة متنوّعة، وقد تكفّلت علوم متعدّدة الإجابة عنها. وفي هذا المجال وبغضّ النظر عن “علم الأخلاق” و”فلسفة الأخلاق” نشير إلى “الأخلاق العمليّة” والّتي تذكر الأساليب العمليّة للتحلّي بالفضائل والتخلّي عن الرذائل، وكذلك تبيّن طرق السير والسلوك من الناحية الأخلاقيّّة. وقد تعرّض علماء الأخلاق المسلمون إلى ذلك في كتبهم الأخلاقيّّة.
وكذلك نذكر “الأخلاق التوصيفية” Descriptive Ethics والتي تصف أخلاقيّات الأفراد وسيرتهم العمليّة، وتتكلّم عن المجتمعات والأديان والمذاهب.
كما ويمكن أنْ يكون نفس علم الأخلاق موضوعاً للبحث، حيث يبحث عن تاريخ هذا العلم والهدف منه وفائدته وحياة علماء الأخلاق العظام وغيرها من المسائل الّتي تُذكر عادة في مقدّمة علم الأخلاق أو يمكن اعتبارها علماً مستقلّاً بحدّ ذاته.
لقد ظهرت أنواع متعدّدة من العلوم بناءً على الحاجة إليها والتوسع في مسائلها حتى أصبحت علوماً مستقلة بحد ذاتها، وفلسفة الأخلاق من هذا القبيل ولا تُعدّ استثناءً من القاعدة، حيث إنّ مسائل فلسفة الأخلاق كانت متفرقة هنا وهناك أو تُذكر عند الابتلاء أو السؤال، فذُكر بعضها في كتب أصول الفقه (ومن جملتها بحث القبح العقلي للعقاب بلا بيان، والذي هو مبنى البراءة العقلية، وكذلك المستقلّات العقلية)، وذُكر بعضها في كتب الكلام (في بحث الحسن والقبح الذاتي والعقلي، عند الاستدلال العقلي على الحكمة الإلهية والعدل الإلهي)، وفي الفلسفة وعلم المعرفة أيضاً (في بحث المفاهيم الاجتماعية هل هي حقيقية أم اعتبارية، وكذلك ارتباط هذه
28
24
الفصل الأول: تعريف فلسفة الأخلاق ومكانتها
المفاهيم والبيانات الأخلاقيّّة بالواقع)، وكذلك ذُكرت في علم الأخلاق (عند بيان الخير والشر الحقيقيّين).
من الممكن أنّ يقال إنّنا لمّا كنّا مسلمين فإنّه يمكننا الإجابة عن هذه الأسئلة المتعدّدة بناءً على عقائدنا الدينيّة، وبناءً على ذلك فإنّنا لا نحتاج إلى تحقيقها من الناحية العقليّة.
ومن ثمّ وحيث إنّنا نعتقد بحقانيّة ديننا بالدليل والبرهان سوف ندعو الآخرين، وللتصديق بصحة إجاباتنا عن هذه الأسئلة، إلى التحقيق في أدلّة إثبات حقانية الإسلام، وعندئذٍ وفي ظلّ ذلك سوف يدركون حقانية مذهبه الأخلاقيّ. وبعبارة أخرى يمكن إثبات حقانية دين الإسلام بشكل كلّي بالاستفادة من علم الكلام أو الأصول العقائدية، ومن ثمّ سوف نجد إجابات هذه الأسئلة بالمطالعة التفصيلية من الداخل الديني.
ومثالاً على ذلك فإنّه بالاستناد إلى أنّ النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم كان من جملة أهداف بعثته المباركة تتميم مكارم الأخلاق1 ، وكذلك إلى أنّ الدين الإسلامي قد اكتمل في زمان النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا”2، وإلى أنّ رسالة نبيّ الإسلام عامّة وعالمية “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ”5 “تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا”3، وإلى أنّ الحلال والحرام المبيَّنينَ في هذا الدين ثابتان إلى يوم القيامة (فحلاله حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة)4، بالاستناد إلى كلّ ذلك يمكن القول إنّ الأخلاق ليست نسبيّة ولا توافقيّة ولا شخصيّة، وإنّ الأخلاق الواقعيّّة لا بدّ من البحث عنها من داخل الدين وتعلّمها والعمل بها.
إلا أنّه لا بد من الالتفات ها هنا إلى بعض الملاحظات الهامّة:
أوّلاً: لا بدّ لنا أنْ نقبل، وبنفس المقدار الّذي نعتبر فيه ضرورة تحقيق هذه الإجابات من خلال المطالعة الداخلية للدين، بضرورة وجود علم آخر يتكفّل بيان هذه الأمور، وكما هو الحال في علم الفقه وعلم الكلام واللذين هما علمان مستقلّان إلّا أنّهما يتكفّلان ببيان قسمٍ من المعارف الدينيّة. أما البحث
1- بُعثتُ لأتمّم مكارم الأخلاق، بحار الأنوار، ج70، الباب 59، الحديث 18.
2- سورة المائدة، الآية: 3.
3- الأنبياء، الآية: 107.
4- الفرقان، الآية: 1.
5- بحار الأنوار، ج11، الباب الأول، الحديث 55، وكذلك الجزء 47، الباب 4 الحديث 33.
29
25
الفصل الأول: تعريف فلسفة الأخلاق ومكانتها
حول أسلوب التحقيق في فلسفة الأخلاق أيّ أنّه هل يجب أنْ نجيب عن الأسئلة المذكورة بالأسلوب العقلي أو أنّه يمكن الإجابة عنها من خلال الدين فهو مسألة أخرى.
ثانياً: إنّ التحقيق العقلي حول هذه الأسئلة يعطينا فرصة مستقلّة للدفاع العقلاني عن الدين الإسلامي، وإثبات حقانيته، بغضّ النظر عن البحوث الكلامية كالنبوّة والإمامة والعصمة وغيرها. ومن الواضح أنّ مثل هذا الدفاع العقلاني عن أيّ مسألة من مسائل الدين وفروعه – والتي يمكن للعقل البشريّ تحقيقها – لن يكون غير مذموم فحسب بل يمكن اعتباره عاملاً مكملاً لإثبات حقانية الإسلام وكذلك عاملاً مهماً في استقطاب الباحثين عن الحقيقة إلى هذا الدين، بل ربما يمكن القول إنّ هذا الطريق هو أقصر الطرق وأفضلها لإثبات حقانية المذهب الأخلاقيّ في الإسلام في مقابل بقية المذاهب الأخرى.
ثالثاً: سنرى في الفصول الآتية أنّ الحاجة الأساسية للبشر إلى الدين في مجال الأخلاق إنّما هي في موقع عدم استطاعة عقل الإنسان لوحده التشخيص الصحيح لآثار سلوكه، وكذلك فإنّ الأوامر الدينيّة الأخلاقيّّة في الموارد الّتي لا يستقلّ العقل فيها بتشخيص جهات القبح والحسن فيها هي أوامر إرشادية.
وبناءً عليه لو كان لدينا بعض القيم الأخلاقيّّة الّتي يحكم بها العقل ولم يتبيَّن في المتون الدينيّة فلن يُعتبر هذا الأمر نقصاً في الدين ولن يكون بمعنى أنّنا لا نقدر على تشخيص تكليفنا في هذه الموارد، بل لا بدّ لنا حينها من اتباع حكم العقل، لكن ها هنا ما هو ملاك التشخيص الصحيح للعقل هي هذه الموارد؟ وبأي دليلٍ اعتمدنا على حكم العقل فيها؟ وهنا نسأل: ألا يعتبر الأشعري نفسه مسلماً مع أنّه يتعبّد فقط بالأخلاق المنصوصة ولا يقبل حكم العقل بحسن الأفعال وقبحها؟
والأهم من ذلك أنّ القيم الأخلاقيّّة إذا لم يكن لها أيّ ارتباط بالواقعيّات فلماذا يجب علينا إطاعة الأوامر الدينيّة وأوامر الله تعالى؟ ومن هو الّذي أصدر “يجب” الأولى وما هو ملاك صحّتها؟
وكما سنرى عند نقد نظريّة الأشاعرة (الأمر الإلهي) فإنّنا إذا لم نقبل بالحسن والقبح الذاتيّين وحجّيّة العقل في موردهما سيبقى لزوم إطاعة الأوامر الإلهية والمقرّرات الأخلاقيّّة الّتي صُرّح بها في النصوص الدينيّة بلا أيّ دليلٍ.
لنفترض ها هنا أنّه بعدما راجعنا النصوص الدينيّة علمنا أنّ الله ورسوله والإمام قد أمرونا بأنّه يجب القيام بالعمل “أ”، وهنا لو احتملنا أنّ “يجب” هذه كانت مجرّد بيان إحساس أو سليقة الآمر فحينئذٍ ما هو الدليل الملزم لنا بالعمل طبق سليقته؟.
30
26
الفصل الأول: تعريف فلسفة الأخلاق ومكانتها
وبناءً على ما تقدم فإنّ تحقيق هذه الإجابات من خارج الدين ضروري لإثبات حسن وقبح هذه الأمور الّتي حكم بها العقل ولم يصرح بها في النصوص الدينيّة، وكذلك لإثبات ضرورة إطاعة المقرّرات الأخلاقيّّة المنصوص عليها في المتون الدينيّة.
رابعاً: إنّ تحقيق القواعد الكلية للعقل في مجال حسن الأفعال وقبحها سيعيننا في تشخيص حسن وقبح الأفعال الّتي لم تُطرح في السابق واصطلاحاً الّتي تُسمّى بالمسائل المستحدثة، أو في تشخيص تغيّر قيم الأفعال أو عدم تغيّرها مع طرح الشرائط الجديدة وكذلك أيضاً في موارد تزاحم القيم.
خامساً: كما أنّ العقل القطعي يُعتبر من مصادر معرفة الأحكام كذلك يُعتبر من مصادر معرفة الأخلاق أيضاً، وحينئذٍ عندما يتعارض العقل القطعي مع النقل الظنيّ فإنّ الأوّل حاكمٌ عليه. وحيث إنّ سند بعض المتون الدينيّة أو دلالتها ظنّيّ فإنّ وجود الأحكام القطعية للعقل سوف يعيننا على الفهم الدقيق للقيم الأخلاقيّّة.
ومن جميع ما ذكرناه نستنتج أنّ تحقيق المسائل المذكورة يحتاج إلى علم مستقلٍّ يستخدم أسلوب التحقيق العقلي وهو مقدّم على علم “الأخلاق”، ومثل هذا العلم يسمى بـ “فلسفة الأخلاق”.
31
27
2025-10-23