الفرضية السادسة : الشيعة والبويهيون
تقلد آل بويه مقاليد الحكم والسلطة من عام ( 320 ) إلى ( 447 ه ) ، فكانت لهم
السلطة في العراق وبعض بلاد إيران كفارس وكرمان وبلاد الجبل وهمدان
وإصفهان والري ، وقد أقصوا عن الحكم في الأخير بهجوم الغزاونة عليهم
عام ( 420 ه ) . وقد ذكر المؤرخون – خصوصا ابن الأثير في الكامل وابن الجوزي
في المنتظم – شيئا كثيرا من أحوالهم ، وخدماتهم ، وإفساحهم المجال لجميع العلماء
من دون أن يفرقوا بينهم بمختلف طوائفهم ، وقد ألف المستشرق ” استانلي لين بول “
كتابا في حياتهم ترجم باسم : طبقات سلاطين الإسلام .
يقول ابن الأثير في حوادث عام ( 372 ه ) في حديثه عن أحد الملوك
البويهيين ، وهو عضد الدولة : وكان عاقلا ، فاضلا ، حسن السياسة ، كثير
الإصابة ، شديد الهيبة ، بعيد الهمة ، ثاقب الرأي ، محبا للفضائل وأهلها ، باذلا في
مواضع العطاء . . . إلى أن قال : وكان محبا للعلوم وأهلها ، مقربا للعلماء ، محسنا
إليهم ، وكان يجلس معهم يعارضهم في المسائل ، فقصده العلماء من كل بلد ، وصنفوا
له الكتب ، ومنها الإيضاح في النحو ، والحجة في القراءات ، والملكي في الطب ،
والتاجي في التاريخ إلى غير ذلك ( 1 ) . وهذا يدل على أنهم كانوا محبين للعلم
ومروجين له ولهم أياد مشكورة في نشر العلم ومساندة العلماء .
وبالرغم من أن في عصرهم كان يغلب على أكثر البلاد مذهب التسنن إلا أن
البويهين لم يقفوا موقف المعادي لهم على الرغم مما وقفه غيرهم من الملوك الآخرين
من غير الشيعة من معاداة التشيع ومحاربته .
ولعل التأريخ قد سجل في صفحاته أحداثا مؤلمة بعد سقوط البويهيين ودخول
طغرل بك مدينة السلام ( بغداد ) عام ( 447 ه ) ، عندما أحرقت مكتبة الشيخ
الطوسي وكرسيه الذي كان يجلس عليه للتدريس ( 2 ) .
نعم راج مذهب الشيعة في عصرهم واستنشق رجالاته نسيم الحرية بعد أن
تحملوا الظلم والاضطهاد طيلة حكم العباسيين خصوصا في عهد المتوكل ومن
بعده ، غير أن تكون مذهب الشيعة في أيامهم شئ وكونهم مروجين ومعاضدين له
شئ آخر ، ومن السذاجة بمكان الخلط بين الحالين وعدم التمييز بينهما .
شاهد أيضاً
الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ
أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...