الرئيسية / الاسلام والحياة / الحسين عليه السلام سماته وسيرته 28

الحسين عليه السلام سماته وسيرته 28

33 – رثاء الطبيعة
ومن الأحداث بعد مذبحة كربلاء ، أن الطبيعة شاركت في إعلان الحزن ،
بأساليب غريبة لم تؤثر عند عامة الحوادث .
فمنها بكاء السماء دما :
[ 287 ] قال ابن سيرين : لم تبك السماء على أحد بعد
يحيى بن زكريا ، إلا على الحسين بن علي ( 2 )
[ 295 ] قالت نصرة الأزدية : لما أن قتل الحسين بن علي
مطرت السماء دما فأصبحت وكل شئ لنا ملآن دما .
[ 291 ] وقالت امرأة : كنا زمانا بعد مقتل الحسين ، وإن
الشمس تطلع محمرة على الحيطان والجدران بالغداة
والعشي .
قالت : كانوا لا يرفعون حجرا إلا وجدوا تحته دما ( 1 )
ومنها ظلمة السماء 
[ 288 ] : قال خليفة : لما قتل الحسين اسودت السماء
وظهرت الكواكب نهارا ، حتى رأيت الجوزاء عند العصر ،
وسقط التراب الأحمر ( 2 )
[ 293 ] قال عيسى بن الحارث الكندي : لما قتل الحسين
مكثنا سبعة أيام إذا صلينا العصر ، نظرنا إلى الشمس على
أطراف الحيطان كأنها الملاحف المعصفرة ، ونظرنا إلى
الكواكب يضرب بعضها بعضا ( 3 )
[ 296 ] قال أبو قبيل : لما قتل الحسين بن علي كسفت
الشمس كسفة بدت الكواكب نصف النهار حتى ظننا أنها
هي ( 4 )
[ 301 ] قالت أم حبان : يوم قتل الحسين اظلمت علينا
ثلاثا ، ولم يمس أحد من زعفرانهم شيئا فجعله على وجهه
إلا احترق ، ولم يقلب حجر ببيت المقدس إلا أصبح تحته
دم عبيط ( 5 )
وقد اعترف ببعض هذه الأحداث حكام بني أمية :
[ 302 ] قال معمر : أول ما عرف الزهري : تكلم في مجلس
الوليد بن عبد الملك ، فقال الوليد : أيكم يعلم ما فعلت
أحجار بيت المقدس يوم قتل الحسين بن علي ؟
فقال الزهري : بلغني أنه لم يقلب حجر إلا وجد تحته دم
عبيط .
34 – الأسى والرثاء
لم يبق أحد لم يدخل عليه الحزن والألم بقتل الحسين عليه السلام ، فالإمام
لم يكن شخصا ، بل كان شاخصا ، إليه تشخص أعين الأمة كي ينجدها من المأزق
الذي حاصرها وحاصر دينها ودنياها .
ولئن تقاعس الناس عن إدراك ما يجب عليهم أن يفعلوه في تلك الظروف
العصيبة ، ولم يتمكنوا من الإقدام على الفداء والتضحية ، إلا أن الإمام الحسين
عليه السلام بتضحيته وإقدامه فجر في نفوسهم كوامنها ، فلم يحبسوا عن الإمام
نصرهم بالعواطف ، بعد أن فاتهم نصره بالنفوس ، وإن كان بعد أن خسروا
وجوده الشريف ، وما يحمله من معارف ومعاني ومكارم
فكانت المراثي ، التي تعتبر – في مثل ذلك الظرف الرهيب – استمرارا لثورة
الحسين ، واحدا من نتائجها لما انطلقت الألسن عن صمتها .
وأول من أعلن الرثاء أم سلمة ، زوجة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ،
التي ساهمت في نشر أخبار سيرة الحسين عليه السلام بكثرة ، فقد كانت تستطلع
أخبار الحسين قبل الواقعة ، فقالت لجارية لها :
[ 89 ] أخرجي فخبريني ، فرجعت الجارية ، فقالت : قتل
الحسين !
فشهقت شهقة غشي عليها ، ثم أفاقت ، فاسترجعت ،
قالت : قتلوه ؟ قتلهم الله ، قتلوه ؟
أذلهم الله ،
قتلوه ؟ أخزاهم الله .
[ 329 ] قالت : قد فعلوها ؟
ملأ الله بيوتهم – أو قبورهم – نارا ،
ووقعت مغشيا عليها ( 1 )
وكان ابن عباس يتوقع خبر الحسين بن علي إلى أن أتاه آت ، فساره بشئ ،
فأظهر الاسترجاع ، قال الراوي :
[ 330 ] فقلنا : ما حدث يا أبا العباس ؟
قال : مصيبة عظيمة عند الله نحتسبها ( 2 )
وحتى الجن قد أسهموا في هذا الحزن العظيم ، مع المؤمنين ، ومع الطبيعة ،
فقد جاءت الأخبار بما يلي :
[ 335 ] قالت أم سلمة : سمعت الجن تنوح على الحسين
يوم قتل ، وهن يقلن :
أيها القاتلون ظلما حسينا * أبشروا بالعذاب والتنكيل
كل أهل السماء يدعو عليكم * من نبي ومرسل وقتيل
قد لعنتم على لسان ابن داو د وموسى وصاحب الإنجيل ( 1 )
[ 336 ] وجنية تنوح :
ألا يا عين فاحتفلي بجهد * ومن يبكي على الشهداء بعدي
على رهط تقودهم المنايا * إلى متجبر في ملك عبد ( 2 )
[ 337 ] قال أبو جناب الكلبي : أتيت كربلاء ، فقلت لرجل
من أشراف العرب بها : بلغني أنكم تسمعون نوح الجن ؟
قال : ما تلقى حرا ، ولا عبدا ، إلا أخبرك أنه سمع ذاك .
قلت : أخبرني ما سمعت أنت ،
قال : سمعتهم يقولون :
مسح الرسول جبينه * فله بريق في الخدود
أبواه من عليا قريش * جده خير الجدود ( 3 )
[ 338 ] كان الجصاصون إذا خرجوا في السحر سمعوا نوح
الجن على الحسين ينشدون ذلك الشعر .
[ 339 ] ولما قتل الحسين بن علي سمع مناد ينادي ليلا ،
يسمع صوته ولم ير شخصه :
عقرت ثمود ناقة فاستؤصلوا * وجرت سوانحهم بغير الأسعد
فبنو رسول الله أعظم حرمة * وأجل من أم الفصيل المقصد
عجبا لهم ولما أتوا لم يمسخوا * والله يملي للطغاة الجحد ( 1 )
وأما الإنس : فقد فجرت واقعة كربلاء قرائح أصحاب الولاء لأهل
البيت ، من الشعراء ، وقد ملأت مراثيهم دواوين الأشعار وكتب الأخبار ،
وعرف كثير من شعراء العربية برثائهم للحسين عليه السلام فقط .
وفي طليعة أهل الرثاء : خالد بن عفران : من أفاضل التابعين كان بدمشق ،
وحدثوا : أن رأس الحسين بن علي عليه السلام ، لما صلب بالشام ، أخفى خالد
بن عفران شخصه عن أصحابه ، وطلبوه شهرا حتى وجدوه ، فسألوه عن عزلته ؟
فقال : أما ترون ما نزل بنا ؟
ثم أنشد يقول :
جاؤوا برأسك يا بن بنت محمد * متزملا بدمائه تزميلا
وكأنما بك يا بن بنت محمد * قتلوا جهارا عامدين رسولا
قتلوك عطشانا ولم يترقبوا * في قتلك التنزيل والتأويلا
ويكبرون بأن قتلت وإنما * قتلوا بك التكبير والتهليلا ( 2 )
[ 400 ] ومنهم – وقيل : إنه أول من رثى الإمام عليه السلام – سليمان بن قتة
قال :
وإن قتيل الطف من آل هاشم * أذل رقابا من قريش فذلت
فإن تبتغوه عائذ البيت تفضحوا ( 1 ) * كعاد تعمت عن هداها فضلت
مررت على أبيات آل محمد * فلم أرها أمثالها حيث حلت
وكانوا لنا غنما فعادوا رزية * لقد عظمت تلك الرزايا وجلت
فلا يبعد الله الديار وأهلها ( 2 ) * لقد عظمت منهم برغمي تخلت
إذا افتقرت قيس جبرنا فقيرها * وتقتلنا قيس إذا النعل زلت
وعند غني قطرة من دمائنا * سنجزيهم يوما بها حيث حلت
ألم تر أن الأرض أضحت مريضة * لفقد حسين والبلاد اقشعرت ( 3 )
[ 401 ] وأنشدوا لبعض الشعراء في مرثية الحسين بن علي :
لقد هد جسمي رزء آل محمد * وتلك الرزايا والخطوب عظام
وأبكت جفوني بالفرات مصارع * لآل النبي المصطفى وعظام
عظام بأكناف الفرات زكية * لهن علينا حرمة وذمام
فكم حرة مسبية فاطمية * وكم من كريم قد علاه حسام
لآل رسول الله صلت عليهم * ملائكة بيض الوجوه كرام
أفاطم أشجاني بنوك ذوو العلا * وشبت وإني صادق لغلام
وأصبحت لا ألتذ طيب معيشة * كأن علي الطيبات حرام
ولا البارد العذب الفرات أسيغه * ولا ظل يهنيني الغداة طعام
يقولون لي صبرا جميلا وسلوة * ومالي إلى الصبر الجميل مرام
فكيف اصطباري بعد آل محمد * وفي القلب منهم لوعة وسقام
35 – الانتقام للدماء
ولئن كانت فتنة الله لعباده الصالحين – من الأنبياء والأئمة والأولياء – شديدة
الوطأة عليهم ، ولكنها كانت وعدا وعهدا ربانيا ، اتخذوه ، وصدقوه ، فصبروا على
الأذى في جنب الله ، وصابروا ، ورابطوا على مواقع الحق ، ولم يتراجعوا ، ولم
يهنوا ، ولم يحزنوا على ما فاتهم من الدنيا ، وجاهدوا بكل قوة وصلابة وإصرار ،
حتى فازوا برضا الله عنهم ، كما رضوا عنه ، وحازوا خلود الذكر في الدنيا ،
وجنات عدن في الآخرة .
وصدقهم الله وعده ، بالانتقام من المجرمين ، وليعلموا أن
وعد الله حق ، وأن الله منجز وعده رسله ، إلى أن يرث ويرثوا الأرض ، ويستخلفهم عليها ، وعدا
عليه حقا في كل الكتب السماوية : التوراة والإنجيل والزبور ، والقرآن .
وقبل هذا الأمر المعلن في النصوص المقدسة ، والذي لا يستيقنه الذين لا يؤمنون ، فهم لا
يؤمنون بالغيب ، وإن كان أمر الانتقام من قتلة الصالحين والمصلحين ،
هو مكشوف للعيان واضح لكل ذي عينين إذا أتعب جفنيه ففتحهما
على ما حوله :
أليس فراغ المجتمع من الصلحاء المخلصين للأمة والوطن انتقاما عينيا ، إذ يعني ذلك فراغ
الساحة للعابثين ، والانتهازيين ، والنفعيين ؟
أليس قتل الجماعة المؤمنة ، ذات المستويات الرفيعة في الشرف والكرامة ،
بين الأمة ، يؤدي إلى تجرؤ القتلة والظلمة على ارتكاب الجرائم الأكثر ، لأنه يهون
عليهم قتل الآخرين ، بعد قتل الأشراف ؟
أليس سكوت الأمة على فظائع مروعة ، ومجازر رهيبة ، مثل مذبحة كربلاء ،
بجرائمها وبشاعتها ، يكشف عن عجز الأمة عن التصدي للظالم ، وخضوعها ، بما
يؤدي إلى إقدامه على الإجرام الأوسع ، كما فعل بنو أمية في وقعة الحرة
بل على الهتك الأعظم لحرمات الله ، كما فعلوه في إحراق الكعبة وهدمها ؟
إن هذه النتائج الواقعة ، كانت هي النتائج المنظورة والمرئية لكل أحد ممن
يحمل قبسا من نور الوعي والعقل والفكر ، ويجد عليها هدى ، ولم يكن بحاجة
إلا إلى التفاتة صغيرة
وقد أخبر الإمام الحسين عليه السلام عن بعض هذه النتائج قبل أن يرد
أرض كربلاء ، وبعد أن وردها
[ 268 ] قال : والله ، لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة
من جوفي ، فإذا فعلوا ، سلط الله عليهم من يذلهم ، حتى
يكونوا أذل من فرم الأمة
[ 266 ] وقال : لا أراهم إلا قاتلي ، فإذا فعلوا ذلك لم يدعوا
لله حرمة إلا انتهكوها ، فيسلط الله عليهم من يذلهم حتى
يكونوا أذل من فرم الأمة !
ولقد كان القتل للأنبياء والأئمة عادة ، وكرامتهم من الله الشهادة ، وإنما برز
الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم ، ليثبتوا أنهم أوفياء بوعد ربهم ، ولدينهم ،
وأهدافهم . فكذلك كان الانتقام للدماء الزاكية سنة إلهية جارية .
وقد ذكر الله تعالى نبيه بذلك ، كما في الحديث :
[ 286 ] أوحى الله تعالى إلى محمد صلى الله عليه وآله
وسلم : أني قد قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا ، وأنا قاتل
بابن ابنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا ( 1 ) .
وأما آحاد الحثالات التي تكدست في كربلاء ، وارتكبت جريمة عاشوراء :
فهم أحقر من أن يذكروا ، ويذكر ما جرى عليهم ، فكفاهم ذلا ، وخزيا ، وعارا
وشنار ا ، ما أقدموا عليه من قتل ابن بنت رسول الله ، والكوكبة الأخيار من آله ،
والهالة المشعة من الصالحين حوله .
مع أن التاريخ لم يغفل ما جرى على كل واحد منهم من الانتقام الإلهي في
هذه الدنيا ، على يد الأخيار من أنصار الحق الذين اختارهم الله لهذه المهمة
العظيمة ، ليصبحوا عبرة لمن اعتبر ، ولمن يعتبر على طول التاريخ ، من الظلمة ،
ليعلموا أن الله لهم بالمرصاد ، وليأتينهم موعدهم ولو بعد حين .
الخاتمة
هذا هو الإمام الحسين ، أبو عبد الله عليه السلام :
في سماته .
وفي سيرته : قبل كربلاء .
وعلى أرضها ، ويوم عاشوراء .
وأما بعد كربلاء ، فهو الزمان القصير ، الطويل على طول أربعة عشر قرنا ،
فالإمام الحسين عليه السلام بقي تذكر ، وتدوي صرخاته ، ولم تنقطع نداءاته ، ولا
أحزانه ، ولا ظروف حركته .
وهو التأريخ ، يجدد وجوده ، ويعيد نفسه ، ويكرر أنفاسه وتصدق مقولة :
كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء .
ولئن خلت العصور من عين الحسين عليه السلام ، فإن روحه وأهدافه ،
تتبلور في أبنائه ، وشيعته ، والسائرين على دربه ، وسيرته ، وطريقته ، يملأون
الأرض بنماذج من شعاره ، ويحملون لواء الحق يذبون عنه ، وينشرونه على
خطوط الطول والعرض ، لتفيئ الكرة الأرضية إلى حكم الله ، وينعم البشر بآلاء
الله ، ويتحقق وعد الله في كتابه الكريم حيث يقول :
( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما
استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد
خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم
الفاسقون ) .
( وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ).

نهاية الكتاب

 

الحسين عليه السلام سماته وسيرته
ترجمة شارحة اعتمادا على ما أورده المحدث المؤرخ الشامي
ابن عساكر في كتابه الكبير تاريخ دمشق .
تأليف – السيد محمد رضا الحسيني الجلالي

 

1

شاهد أيضاً

قصيدةُ [ ضَرَبَتْ إِيرانُ صُهْيُونَ اللَّعِينْ ]

قصيدةُ [ ضَرَبَتْ إِيرانُ صُهْيُونَ اللَّعِينْ ] إقرأ المزيد .. الإمام الخامنئي: القضية الأساسية في ...