في يوم الأربعاء القادم 5 ديسمبر تكون العقوبات التي تحدث الرئيس الأميركي دونالد ترامب عنها كثيرا قد أكملت شهرا كاملا، وكل من تابع تصريحات كبار المسؤولين الأميركيين وخاصة تصريحات مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون سيتصور أن الحياة ستصاب بشلل تام في ايران جراء العقوبات.
الصورة القاتمة التي رسمها ترامب وبولتون وبومبيو عن ايران بعد الخامس من نوفمبر الماضي تجعل الكثيرين يتصورون أن سقوط النظام الايراني قاب قوسين أو أدنى، فمجرد دخول العقوبات حيز التنفيذ في الخامس من نوفمبر فان الاقتصاد الايراني سينهار وأن الشعب الايراني سينتفض ضد حكومته، وتنتهي حقبة الجمهورية الاسلامية.
وجاء الخامس من نوفمبر ويوم الأربعاء سيمضى شهر على مجيئه ولكن ما أصيب الاقتصاد الايراني بالشلل ولم ينتفض الشعب الايراني ضد نظامه، فهل يا ترى ان قوة الاقتصاد الايراني بلغت حدا لا يستطيع ترامب ولا غيره التأثير عليها، أم أن ولاء الشعب الايراني لنظامه بلغ مستوى حتى انه يقدم الولاء على أي شيء آخر بما في ذلك معيشته، فلا يستجيب معه لأية دعوة بالتحرك ضده؟
بغضالنظر عن الأسباب والعوامل التي أحبطت مساعي الادارة الاميركية في تحقيق أهدافها من العقوبات التي فرضتها على ايران، فان فشل العقوبات في تحقيق الاهداف المرجوة يعكس حقيقة هامة وهي أن ترامب وفريقه لا يدركون واقع ايران.
اذ انهم تصوروا أنهم سيتمكنون من تغيير النظام الايراني أو في أدنى الحالات التأثير على مواقفه من خلال العقوبات الاقتصادية، ولا يعلمون أن طهران لن تغير مواقفها تجاه القضايا الرئيسية، وهي اسرائيل وبرنامجها النووي وقدراتها الصاروخية، حتى لو نجحت الادارة الاميركية في اطباق الحصار الاقتصادي عليها فما بالك بوجود العديد من الثغرات في هذا الحصار؟لا أزعم أن العقوبات الاميركية لم تؤثر بتاتا على الشعب والاقتصاد والنظام الايراني.
بلشهدت الأسواق الايرانية ارتفاعا في كافة الأسعار، كما أن الايرانيين متذمرون من هذا الارتفاع، أضف الى ذلك فان العقوبات أدت الى ظهور بعض الخلافات بين المسؤولين الايرانيين ويكاد لا يمض يوم الا وتنشر وسائل الاعلام الايرانية انتقادا لمسؤول أو نائب في البرلمان ضد أداء الحكومة تجاه العقوبات، غير أن كل ذلك لم يرق الى مستوى الاهداف التي كانت الادارة الأميركية ترجوها من العقوبات، وهي انهيار الاقتصاد والنظام وتحرك الشعب ضد الحكومة.
من أبرز الأسباب التي أفشلت المساعي الأميركية في تحقيق غاياتها، هي تنوع الاقتصاد الايراني ‘وعدم اقتصاره’ على جانب دون آخر، فكما هو واضح أن العقوبات تستهدف بالدرجة الأولى النفط وعائداته بينما ايران لا تعتمد بشكل كامل على النفط بل أن ايران لديها قائمة طويلة من المنتجات المحلية بما فيها الصناعية واليدوية اضافة الى الزراعية والمعادن،
وهناك منتجات ايرانية كالزعفران والسجاد قلما تجد لها منافس عالمي.من الأسباب أيضا أن الشعب والنظام الايراني سبق أن واجها مثل هذه العقوبات وأقسى منها ولم تستطع تغييرهما، وبالتالي فان الشعب والنظام الايراني يمتلكان تجارب سابقة يمكن توظيفها لتجاوز العقوبات الحالية.
من الأسباب كذلك هو الموقف العالمي وخاصة الأوروبي من العقوبات وعموم الاتفاق النووي، وبالرغم من أوروبا لم تقدم على أية خطوة كبيرة للحؤول دون توقف صادرات النفط الايرانية إلا أن موقف الاتحاد الأوروبي بحد ذاته أدى الى تضعيف العقوبات الأميركية، والى حد ما فانه منح الثقة للاقتصاد الايراني.
بطبيعة الحال أن الحكومة أقدمت على العديد من الخطوات للحفاظ على الاقتصاد، من بينها التحركات الدبلوماسية وفي مقدمتها جولات وزير الخارجية وندواته ومقابلاته الاعلامية، واجراءات دعم العملة المحلية وضبط سعرها أمام العملات الأجنبية، ودعم الانتاج المحلي والسلع الايرانية، وبيع النفط في البورصة الايرانية الخاصة به.لاشك أن ترامب يعول في الوقت الراهن على تأثير العقوبات تدريجيا على الاقتصاد والشعب الايراني لتصل الى مستوى عدم قدرتها على بيع برميل واحد من نفطها للخارج وفي نفس الوقت عدم قدرة طهران على الحصول على عائدات السلع التي تصدرها،
ولكن اتساع رقعة ايران وتعدد جيرانها والعلاقة الوثيقة التي تربطها ببعضهم وكذلك اعلان الرئيس الايراني بشكل صريح بأن بلاده ستلتف على العقوبات لأنها غير شرعية، واحتمال بدء أوروبا بتنفيذ آلية التبادل المالي، واحتمال اتفاق ايران مع بعض الدول على المقايضة والتعامل بالعملة المحلية، كل هذه الأمور ستشكل عقبات أمام تحقيق العقوبات الاميركية غاياتها.