شكرا غزة.. وهل كانت الأمة مضطرة إلى كل ذلك الدم وكل تلك الأشلاء والأجساد المسحوقة تحت الانقاض لأطفال في عمر الزهور وأجمل من الزهور طيلة شهر تقريبا؛ كي تزول عنها الغشاوة وتتعرف على عدوها الحقيقي؟!
هل كانت شعوب الأمة بحاجة الى مشهدية غزة القاسية والمؤلمة على مدى شهر تقريبا؟..وهل اقتضى الأمر من أن تكون الأمة شاهدة على المذبحة الوحشية التي اقترفتها (إسرائيل)؟..وهل كانت الأمة مضطرة إلى كل ذلك الدم وكل تلك الأشلاء والاجساد المسحوقة تحت الانقاض لأطفال في عمر الزهور وأجمل من الزهور طيلة شهر تقريبا؛ كي تزول عنها الغشاوة وتتعرف على عدوها الحقيقي؟ هل احتاجت الامة لشهر رمضان بلون الدم القاني حتى يذهب عنها مفعول التضليل وتحوير التناقضات؟..هل كان هذا هو الثمن الذي رضيت به الأمة حتى تدرك أن العدو هو (إسرائيل) لا غيرها، وأن هذا الكيان المجرم والهمجي هو الخطر الحقيقي على وجودها ومصيرها ومستقبلها، وأن باقي الصراعات والتناقضات السياسية والمذهبية ما هي في واقع الأمر إلا فبركة من فبركات نفس العدو وحلفاءه المتصهينين؟
وكم بدا الأمر مفارقا؛ فمحور المقاومة الذي واجه هذا العدوان من موقع الشراكة على حد تعبير السيد حسن نصر الله، هو من حاولت قوى عربية حليفة للصهاينة ان تشيطنه في أعين الأمة وتحوله إلى عدوها اللذوذ والرئيسي، في حين أن حلفاء (إسرائيل) الإقليميين والذين شجعوا العدوان على غزة وموّلوه، بل وازداد تعاطفهم وتقاربهم مع الكيان الصهيوني أثناء العدوان على غزة كما صرح بذلك رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو في خطاب له قبل أيام. فقد دعا الإمام السيد علي الخامنئي الأمة بأن تتحمل مسؤوليتها أمام ما يحصل في غزة ودعا إلى دعم مفتوح للمقاومة وتسليحها، كما شدد على ضرورة تسليح الضفة الغربية لتتوسع جبهة المقاومة المسلحة بوجه عدو لا يرتدع إلا بمطق السلاح. وفي خطاب له بمناسبة يوم القدس العالمي كان السيد حسن نصر الله واضحا وهو يوجه خطابه لكل الأمة ليؤكد على الثابت في نهج حزب الله وليقطع دابر المزايدات بوجه الحزب، قال:” نحن في حزب الله كنا وسنبقى نقف إلى جانب كل الشعب الفلسطيني، وإلى جانب المقاومة في فلسطين بكل فصائلها، ونحن لن نبخل بأي شكل من أشكال الدعم التي نستطيعها ونقدر عليها، ونحن نشعر بأننا شركاء مع هذه المقاومة، وانتصارهم انتصار لنا جميعاً، وهزيمتهم هزيمة لنا، نحن نتابع ما يجري بكل دقة ونواكبه ونتابع كل التطورات الميدانية والسياسية، ونقول لإخواننا في غزة نحن معكم وإلى جانبكم وواثقون بثباتكم وسنقوم بكل ما يجب أن نقوم به”. وأكد أن “المقاومة انتصرت في غزة، وأنا أقول لكم أيضاً من موقع المعرفة والشراكة إن المقاومة في غزة قادرة على صنع الانتصار، وستصنع الانتصار”، وها هي غزة صنعت انتصارها لأنها لم تكن وحيدة كما توهم البعض او حاول أن يوهم، فرسالة اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس، والرجل المقل في تصريحاته، بقدر ما كانت معبرة عن أبعاد مبدئية واستراتيجية في دعم المقاومة الفلسطينية بقدر ما كانت تعرية وفضحا لأصدقاء (إسرائيل) العرب الداعمين، لها بل و الشركاء لها في مخطط تصفية القضية الفلسطينية عبر تصفية حركة المقاومة الإسلامية “حماس” ومعها كل فصائل المقاومة المسلحة. في هذه الرسالة التاريخية أشاد اللواء سليماني بسلاح المقاومة، معتبرا ان اي محاولة لنزعه هرطقة باطلة ووهم لن يتحقق، وأوصى بتصويب “البندقية والسلاح والدم والكرامة دفاعا عن الانسانية والاسلام الذي تختصره فلسطين”، وهدد “القتلة والمرتزقة” قائلا “اننا لن نتوارى للحظة عن الدفاع عن المقاومة، ودعمها، ودعم الشعب الفلسطيني”، وتوعد الصهاينة قائلا “غضب عميق سينصب جامه على رأس الصهاينة المجرمين في الوقت المناسب”.
فأين كان محرّفو الصراع، والغيارى على الأمة والحريصين على عروبتها وشرفها وصفاء معتقدها؟! اين ذهب صخبهم العالمي كما في موضوع سوريا؟ أين المنابر وخطب الجمعة العالية اللهجة، أين تجمعات “نصرة الشعب الفلسطيني” على غرار تجمعات “نصرة الشعب السوري”؟! أين مؤتمرات “اصدقاء الشعب الفلسطيني” كما تعددت “مؤتمرات أصدقاء الشعب السوري” من عاصمة لأخرى؟! أين الدعوات إلى الجهاد وفتح الحدود؟ أين هي تلك الوجوه التي ملأت الشاشات، أين دموع التماسيح على مأساة الشعب السوري..أين التسليح للمقاومة في غزة؟ أين الجامعة العربية وإيقاع النشاط كما في ازمة سورية؟..أين يذهب القرضاوي الذي تطوع ليمنح الجيش الإسرائيلي وسام شرف الإنسانية! وذلك حين أوقعته خيبته بأن يقول: الجيش الإسرائيلي أرحم من الجيش المصري وأكثر إنسانية منه (وفيديو هذا التصريح موجود ومتداول)؟!!
وأيضا قد كان مذهلا للأمة أن تسمع باسم صاروخ إم- 302 السوري الصنع في الضربات الصاروخية الاولى للمقاومة على العمق الصهيوني، فسوريا كانت ولازالت برغم الخلاف مع “حماس” داعمة للمقاومة، ولعل “سرايا القدس” التابعة للجهاد الإسلامي تعمدت إطلاق هذا الصاروخ السوري في الدفعة الاولى من ردها الصاروخي على العدوان لتوجه بذلك رسالة مشفرة إلى الأمة..بأنه في ساعة الجد ينكشف العدو من الحليف، وكذلك كان، ففي مقابل دعم محور المقاومة لغزة لم يتردد رئيس الاستخبارات السعودية السابق الأمير تركي الفيصل بمهاجمة “حماس” وبتحميلها مسؤولية المجازر الاسرائيلية في قطاع غزة، متهما إياها باستدراج (إسرائيل) إلى الرد بعد عملية اختطاف المستوطنين الثلاثة في الضفة الغربية!
وفي هذا السياق بدت “داعش” كظل مواز للمجزرة في غزة، عبر مجازرها في سوريا والعراق، لتقدم مشهدا أمام الأمة يلقي عليها بالمسؤولية والتبعات، وقد كان السيد نصر الله موفقا حين برر حربه ضد التكفيريين في سوريا بأنها هي نفس الحرب على (إسرائيل)، وزاد بقوله موضحا بأن شهداء هذه المعركة مع التكفيريين هم في مثل مقام شهداء معارك بنت جبيل وعيتا الشعب ومارون الراس في تموز 2006.
وها هي غزة شاهدة على ملحمة صمود واستبسال ونصر، وها هي غزة تميز بين الحليف وبين العدو والخائن والمتواطئ، وها هي غزة تعري محور العملاء، وتصرخ بدمها وأشلاء أطفالها أن (إسرائيل) هي العدو، ها هي غزة تعلن بل وتؤكد ان انتصارها هو انتصار لكل محور المقاومة..وهو انتصار في معركة على طريق كسب الحرب المفتوحة مع العدو الصهيوني وهو ما لن يتم إلا على نصاب من الوعي والتعبئة والعض على البوصلة التي تقود إلى القدس وتحرير فلسطين.
ألا خسئت الوجوه التي تضلل الأمة بأعداء من صنع أحقادها وظلاميتها وهي تمد يدا في العلن ل(إسرائيل). والخزي والعار يلحق من صدق ذلك وعمل على مقتضاه؛ بعدما جددت غزة كشف العدو ودفعت من دمها ودم اطفالها لتعيد البوصلة الى اتجاهها الصحيح، ولتؤكد مجددا للأمة أن (إسرائيل) هذه؛ أوهن من بيت العنكبوت.
شكرا غزة فقد أعدت إلينا فلسطين..وقربتنا من القدس ثانية بعدما صارت فلسطين بعيدة وباهتة في زمن “الربيع العربي” الزائف.الرحمة للشهداء..والشفاء للجرحى.
– وکالة رسا للانباء