الرئيسية / القرآن الكريم / 23 أسرار الآيات وأنوار البينات

23 أسرار الآيات وأنوار البينات

( 6 ) قاعدة في أن صدور الأشياء المكونة عن علمه تعالى

فالذي يعقله العاقلون ويعرفه الحكماء الإلهيون في كيفية صدور الأشياء المتجددة عن علمه أن الرحمة الإلهية والعناية الربانية لما لم يجز انقطاعها على عدد ولم يمكن وقوفها عند حد يبقى وراءه الإمكان الغير المتناهي على القوة والكمون من غير أن يخرج إلى الوجود والظهور وعالم الأجسام المادية عالم ضيق قصير الفسحة قليل الوسعة إذ لا يسع الصور الغير المتناهية دفعة بل المكان الواحد لا يسع الجسمين ولا المادة الواحدة لصورتين في زمان واحد فضلا عن غير المتناهي قدر بلطيف قدرته وعلمه زمانا غير منقطع الطرفين ومادة ذات قوة انفعالية غير متناهية في الانفعال التجددي كما أن الواهب ذو قوة غير متناهية في الفعل وحيث لا بد في دوام تجدد الفيض من أمر متجدد الذات ضروري الحركة والتغير في ذاته فأوجد الباري بوسائط عقلية أشخاصا فلكية دوارة بإذن اللَّه دائمة الدوران لأغراض علوية وغايات قدسية كمالية يتبعها استعدادات وانفعالات غير متناهية في مادة سفلية ينضم إلى فاعل غير متناهي التأثير وقابل غير متناهي القبول فانفتح بذلك باب نزول البركات وتواتر الرشحات وقطرات أمطار الرحمة من بحار خزائن السماوات على الدوام

« وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها » فتصير الصور كلها موجودة في جميع ذلك الزمان على التعاقب التدريجي واحدة بعد واحدة في موادها الخارجية على نعت الاتصال التعاقبي والمادة مستكملة بها .

ثم لا يخفى أن أشرف الحوادث وما معها مما يتعلق بالهيولى هي النفوس الإنسية الناطقة ولم يمكن حدوثها إلا مع الأبدان ولم يمكن خروج جميع ما هو الممكن منها من القوة إلى الفعل دفعة واحدة لأن عددها غير متناه وعدد الأبدان الموجودة معها متناهية لوجوب تناهي الأبعاد وجهات
اقتضاء العلل متناه أيضا فلا بد من وجود مدة غير منقطعة وأدوار غير متصرمة ليحصل بحسب الأدوار والحركات واستعدادات القوابل المتعاقبات نفوس ناطقة قرنا بعد قرن ونسلا بعد نسل ليتم الأزل بالأبد ويكمل البداية بالنهاية ولا يصير نعمة اللَّه بتراء ولا جوده منقطعا وفضله معطلا . ولذلك قال :

« وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً » وقال :

« ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ » وقال :
« قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِه ِ مَدَداً » .

فإذا تقرر هذا فالقضاء كما أشير إليه عبارة عن وجود جميع الموجودات في العالم العقلي مجتمعة بعد وجودها في العناية الإلهية مجملة ومحلها القلم . والقدر عبارة عن وجوده التفصيلي في كتاب المحو والإثبات وفي مواد الخارجية الجارية بسواد مداد الهيولى الظلماني كما جاء في التنزيل

« وَعِنْدَه ُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ » إشارة إلى وجودها على النحو البسيط في العناية الإلهية .

وقوله :

« وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُه ُ » إشارة إلى وجودها في الخزائن العقلية على سبيل الانحفاظ دائما .

وقوله :
« وَما نُنَزِّلُه ُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ » إشارة إلى المرتبتين الأخيرتين القدريتين فالمتنزل هو القدر الخارجي لكونه آخر التنزلات والمتقدر المعلوم هو القدر العلمي وهو سبب للقدر الخارجي كما دلت عليه باء السببية فالجواهر العقلية وما معها موجودة في القضاء والقدر مرة واحدة باعتبارين والجواهر الجسمانية وما معها موجودة فيهما مرتين .

فظهر مما ذكرنا أن علمه تعالى محيط بجميع الأشياء الكلية والجزئية لأن كل شيء من لوازم ذاته بوسط أو بغير وسط يتأدى إليه بعينه قضاؤه وقدره الذي هو تفصيل قضائه تأديا واجبا إذ كل ما لم يجب وجوده أولا لم يوجد أخيرا فالعناية الإلهية هي إحاطة علمه البسيط الذي هو نفس وجوده بالكل وبالواجب أن يكون عليه الكل حتى يكون على غاية الجودة والنظام وأبلغ الكمال والتمام وأحسنه وبأن ذلك واجب عنه تعالى وعن إحاطة علمه به ليكون الموجود على وفق المعلوم على أكمل الوجوه في النظام فعلمه سبحانه بكيفية الخير والصواب في ترتيب وجود عالمي الغيب والشهادة هو منبع لفيضان الكل .

 

https://t.me/wilayahinfo

https://chat.whatsapp.com/JG7F4QaZ1oBCy3y9yhSxpC

https://chat.whatsapp.com/CMr8BZG9ohjIz6fkYqZrmh

شاهد أيضاً

25 أسرار الآيات وأنوار البينات ((غير مكتمل ))

( 8 ) قاعدة في تحقيق كلامه تعالى وصينا الى ص 52 من المكتبة   ...