الرئيسية / الاسلام والحياة / الاكتفاء بما روي في اصحاب الكساء – العلامة السيد الجلالي

الاكتفاء بما روي في اصحاب الكساء – العلامة السيد الجلالي

02) الكتاب ليس كتاب تاريخ بقدر ما هو كتاب حديث، فقد انتهج المؤلف نهج الخطيب البغدادي (ت/ 463) في تاريخ بغداد مسلكاً وفاءً لموطنه دمشق وما والاها، وافترق عنه اهتمامه برجال بني أُمية -أُرومته-، واستهدف الاستقصاء حسب ما تصل إليه يده من دون تركيز على الانتقاء من الروايات والنقول بل استيعاب ما أمكنه.

 
وما أصدق أَحْمَد بن خلكان (ت / 682) فيما حكاه عن شيخه الحافظ عَبْدالعظيم المنذري حافظ مصر بقوله:
«ما أظنّ هذا الرجل إلّا عزم على وضع هذا التاريخ من يوم عقل على نفسه، وشرع في الجمع من ذلك الوقت وإلّا فالعمر يقصر عن أن يجمع فيه الإنسان مثل هذا الكتاب بعد الاشتغال والتنبيه.
ولقد قال الحق»(12)؛ فإنّ الاعتبار يساعد على ذلك؛ إذ لولا همّته العالية في شرخ الشباب لماترك مسقط رأسه ومحل أُنسه في رحلة إلى بغداد لطلب الحديث عام 521 وهو ابن اثني وعشرين سنة.

 
ولكن لم تكن الهمّة العالية وحدها كافية في بلوغ مراده لولا الاستقامة على ذلك.
والمحادثة التالية بين حافظين من حفّاظ عصر المؤلف تنبئ عن العوامل التي ساعدته على تحقيق هدفه، فإنّه يحكي ولد المؤلف عن الحافظ أبي المواهب الحَسَن بن هبة اللَّه بن صصري: «قال: الحافظ أَبُو العلاء الحَسَن بن أَحْمَد المقري الأديب اللُّغوي إمام همذان وتلك الدِّيار غير مدافعٍ: أنا أعلم أنّه لا يُساجل الحافظ أباالقاسم في شأنه أحدٌ، فلو خالط الناس ومازجهم كماأصنع إذاً لاجتمع عليه المخالف والمؤالف.
وقال لي يوماً آخر: أيُّ شي‏ء فُتِحَ له؟ وكيف بِرُّ الناس له؟ فقلت: هو بعيدٌ من هذا كلّه، لم‏يشتغل منذ أربعين سنة إلّا بالجمع والتصنيف والمطالعة والتسميع حتى في نُزهِهِ وخلواته.

 
فقال: الحمد للَّه، هذا ثمرة العلم، إلّا أنّا قد فُتِحَ لنا ما حصّلنا به الدّار والكتب وبناء المسجد مايقرب من اثنى عشر ألف دينار، وهذا يدلّ على قلّة حظُوظ العُلماء في بلادكم»(13).
فالسرّ في نجاح المؤلف هو أنّه لم يخالط الناس ولا مازجهم كما صنع أقرانه،بل لم يشتغل لمدّة أربعين سنة إلّا «بالجمع والتصنيف والمطالعة والتسميع حتى في نزهه وخلواته».
وحيث إنّه توفي سنة 571 ه فيكون عام تأليفه الكتاب عام 531 وهذا ما يساعده الاعتبار.

 
وبالتتبع في أُسلوب المؤلف يظهر أنّ المؤلف استخدم أُسلوباً خاصّاً سهّل على نفسه وعلى غيره مراجعة المواضيع، وذلك بترتيب الروايات في التراجم مرتبة ترتيباً منهجياً شبه كامل، وبدراسة المواد نعرف أنّه رتّبها ربّما في ذهنه فقط على خطوط عريضة، فأورد ما استجد له في مورده الخاص وربّما نقلها كذلك عند الحاجة في أماليه وسائر تآليفه ودروسه، وذلك بترتيب التراجم على الحروف ثم التسلسل الزمني والموضوعي من الولادة إلى الوفاة.

 

 

 

سائر مؤلّفاته:

مؤلفاته تبلغ ثمانين كتاباً وأربعمئة وثمانية إملاءً -على ما يذكره ابنه القاسم في رسالته- ويغلب على الموجود منها أُسلوب الجمع والرواية، ما عدى كتابه:
(التبيين في كذب المفتري على الأشعري) الذي فيه تبيين أُسلوب جدله وعلمه الثري؛ والمعجم المشتمل على ذكر أسماء الشيوخ الأئمّة النبّل.
وعليه: حقيق بأن يُقال: إنّ كل ما خلّفه المؤلف من المؤلّفات إنّما هي منتقاة من كتابه الموسوعي في التاريخ مع تعديلات تقتضيها مواقف خاصّة من الإملاء، أو ظروف خاصّة كأحاديث الجهاد وأحاديث قرى دمشق وما شابه.
وقد أورد المنجّد 21 جزءاً من أماليه الموجودة في مقدّمته ص: 39، وعسى أن يقوم من يتمكّن من دراسة هذه المؤلفات على أُسس التحقيق.

تجزئة الكتاب:

شاهد العماد (ت / 597) نسخة الأصل عند المؤلف ووصفها بقوله: «سبعمئة كرّاسة، كلّ كراسة عشرون ورقة»(14). ومعنى ذلك أنّ الكتاب كان في 28/000 صفحة.
ولكن ولد المؤلف -القاسم- قال: إنّها خمسمئة وسبعين جزءاً من تجزئة الأصل، والنسخة الجديدة ثمانمئة جزء»(15).
ومن الواضح أنّ العامل الزمني ساعد على الزيادة في حجم الكتاب بزيادة المواد المستدركة من المؤلف، فإنّ طبيعة العمل الموسوعي كهذا تقتضي زيادات مطلوبة حين الحصول عليها.

 
ويظهر أنّ التجزئة الثمانين هي التجزئة الأخيرة الشائعة بعد المؤلف(ره) فإنّ كل من تأخّر عدّدها كذلك، وأقدمهم ابن الجوزي (ت / 597) حيث قال: «… صنّف تاريخاً لدمشق عظيماً جدّاً يدخل في ثمانين مجلدة كباراً»(16).
وظنّي – واللَّه العالم – أنّ التوفيق بين هذه التحديدات بعدد الأجزاء أمر طبيعي في تأليف موسوعي كهذا الكتاب، فالنسخة التي رآها العماد الاصفهاني كانت المسودّة الأُولى للمؤلف وتجزئة الخمسمئة والسبعين هي النسخة الكاملة للمؤلف وتجزئة الثمانمئة هي تمام الكتاب مع الزيادات من ولده القاسم.

 
وهذا يظهر بوضوح من مراجعة المخطوطة من حرف العين التي نشرها المجمع العلمي العربي بدمشق مصوّرة على الأصل المحفوظ في ليننغراد عام 1398، فإن المحفوظة تحتوي على رواية القاسم – ولد المؤلف – من شيوخ أبيه مع الإشارة إلى الابتداء أو فوق الملحق ب «ألحقه القاسم» والانتهاء ب «إلى»، وأشار محقّق النسخة الدكتور شاكر الفحّام في مقدّمته إلى 29 مورداً منها، وأمثلة ذلك في نسخة الظاهرية أيضاً كثيرة، وهذا هو السبب في تجزئة الثمانين وإن لم يتنبّه إليه المحقّقون الكرام.

شاهد أيضاً

مقاطع مهمه من كلام الامام الخامنئي دامت بركاته تم أختيارها بمناسبة شهر رمضان المبارك .

أذكّر أعزائي المضحين من جرحى الحرب المفروضة الحاضرين في هذا المحفل بهذه النقطة وهي: أن ...