الرئيسية / زاد الاخرة / الإنفاق في سبيل الله \عز الدين بحر العلوم

الإنفاق في سبيل الله \عز الدين بحر العلوم

ج ـ الترهيب والتخويف على عدم الانفاق :

وهذا هو الطريق الثالث الذي يسلكه القرآن الكريم مع الذين يبخلون بالمال على غيرهم من المحتاجين انه طريق الترهيب والتخويف من عواقب هذا البخل وهذه الشحة.

وقد عرضت الآيات هذا المعنى على نحو التدرج من اعطاء صور مخففة عن العذاب وأخرى مشددة ، أو بالأحرى اتخذت طريقين إجمالياً وتفصيلياً ، فأجملت آية وفصلت أخرى.

أما الآية المجملة فهي قوله سبحانه :

( ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شرٌ لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعلمون خبير ) (١).

ويبدأ الحوار بقلب المفاهيم التي بنى عليها البخلاء نظرياتهم ، فالبخيل يتصور أن عدم الإنفاق وجمعه للمال إنما هو رصيد يتمتع به في كل وقت ويدخره إلى اليوم الأسود ، ولكن الآية الكريمة تقلب له هذا المفهوم وتبين له الخطأ الذي بنى عليه نظريته.

( ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شرٌ لهم ) :

__________________

(١) سورة آل عمران / آية : ١٨٠.

١٠٥

وتكمن نقطة. الخطأ في هذا التصور الذي يوصله إلى النتائج العكسية فهم يتصورون ان جمع المال خير لهم لأنهم يكنزونه ، ولا يبعثرون به هنا وهناك.

ولكن ذلك شر لهم ووبال عليهم لأنهم :

( سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ) :

ان هذا المال الذي بخلوا به وشحت به نفوسهم الرذيلة سيكون طوقاً من نار تقلد به رقابهم في يوم القيامة.

ثم ما هذه الشحة بالمال ، ولماذا هذا البخل ، والتلكؤ في اسعاف المعوزين ؟.

وهذا المال مال الله ، وليس لهم منه الا ما يساعدهم على ادارة الحياة.

ففي البداية هومال الله وقد تفضل به عليهم ولله ملك السماوات والأرض يهب من ملكه لعباده ما يشاء ، ويمنعه ممن يشاء.

وفي النهاية سينقل ما جمعه من حلال وحرام لوارثه ، ولا يأخذ منه شيئاً عدا ملفوفة من القماش البسيط يكفن بها ويستر بها جسمه ، وسيكون ضيفاً على « حفرة لو زيد في فسحتها وأوسعت يدا حافرها لأضغطها الحجر والمدر وسد فرجها التراب المتراكم » (١).

__________________

(١) فقرة من كتاب لأمير المؤمنين ٧ ارسله إلى عامله على البصرة عثمان بن حنيف / راجع نهج البلاغة ـ فسم الرسائل / رسالة رقم (٤٥).

١٠٦

ولم تزد الآية الكريمة لذكر الجزاء على أن ما بخلوا به من المال سيكون طوقاً في رقابهم لا أكثر.

ولكن هذا التخويف يتطور في الآية الثانية فيعرض صورة أشد وخزاً فتظهر معالمه من خلال الفقرات التالية في قوله تعالى :

( والذين يكنزونَ الذّهَبَ والفضّةَ ولا ينفقونَها في سبيلِ اللهِ فبشِّرهُم بعذابٍ أليم * يومَ يُحمى عليها في نارِ جهنَّمَ فتُكوَى بها جِباهُهُم وجُنُوبُهُم وظُهُورُهُم هذا ما كَنَزتُم لأنفسكم فذوقُوا ما كُنتُم تكنزونَ ) (١).

أي منظر تتحدث عنه هذه الآية الكريمة وأي انسان لا يتقزز وهو يشاهد هؤلاء الذين يكنزون الذهب والفضة يعذبون بهذه الصورة الموحشة ؟.

ورويداً مع الآية الكريمة لنسير معها ولنقف عند مقاطعها لنستوعب ما تحمله بين طياتها من صور الترهيب والتخويف.

( والذينَ يكنزونَ الذّهَبَ والفِضّةَ ، ولا يُنفِقونَها في سبيل اللهِ فبشّرهُم بعذابٍ أليمٍ ) :

والإنفاق في سبيل الله عنوان عام يشمل الإنفاق بنوعيه الإلزامي كالزكاة والكفارات والتبرعي كالصدقات.

وقد بدأت الآية بالاخبار عن جزاء هذا الكنز وعدم الانفاق فأعطت صورة موجزة ، وقد مهدت بذلك الأذهان لصورة فصلت بها نوعية العذاب.

__________________

(١) سورة التوبة / آية : ٣٤ ـ ٣٥.

١٠٧

أما الايجاز فقد جاء من خلال قوله تعالى :

( فبشّرهم بعذابٍ أليمٍ ).

أما ما هو ذلك العذاب الذي وصفة القرآن بأنه ( أليم ) ؟ ويأتي الجواب التفصيلي لعرض صورة هذا النوع من العذاب الأليم.

( يومَ يُحمى عليها في نَار جهنَّمَ ) :

وهل يحمى على نفس الأموال الذهب والفضة ، والتي كنزت ، ولم تنفق أم انها تجمع فتكون صفائح ، ويحمى عليها كما جاء ذلك في حديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال :

« ما من عبد له مال ، ولا يؤدي زكاته إلا جمع يوم القيامة صفائح يحمى عليها في نار جهنم » (١).

وعلى كل حال ليس تحقيق ذلك بمهم ، بل المهم هو معرفة المراحل التي تلي هذه العملية بعدما يحمى عليها ، وقد أوضحت الآية ذلك في قوله عز وجل.

( فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم ) :

وهي أهم أعضاء البدن وأبرزها تكوى بتلك الصفائح ، أو بتلك الكنوز الذهب والفضة المحماة ، وقد جاء عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في تكملة الحديث المتقدم :

« وتكوى بها جبهته ووجهه وظهره وحتى يقضي الله بين عباده

__________________

(١) مجمع البيان في تفسيره لهذه الآية.

١٠٨

في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون » (١).

وبعد ذلك تأتي الآية الكريمة على ختام هذا الحوار الترهيبي فتقول :

( هذا ما كنزتم لأنفسكم ) :

وقد جاء في التفسير أن هذا القول يخاطبون به في حالة الكي والاحراق.

هذا ما كنزتم ومعناه ، هذا جزاء ما كنزتم لأنفسكم ، وكنتم تتخيلون أنه خير لكم وإذا به شر لكم ، وحيث تصل الآية إلى هذا الختام يسدل الستار على تلك الأجسام العفنة بمنظرها البشع ، وصوت من وراء الغيب يوعدهم قائلاً :

( فذوقوا ما كنتم تكنزون ).

شروط الإنفاق :

الإسلام عندما يقوم بهذه الحملة الاعلامية الواسعة لموضوع الإنفاق من خلال الآيات والأخبار وتشويق الأفراد وحثهم على التسابق إليه لا يقصد من وراء ذلك اعطاء الفقير المال وانعاشه مادياً وتخليصه من ويلات الفقر فقط ، بل يريد ذلك ـ وفي الوقت نفسه ـ ان يجعل من هذه العملية قضية اصلاحية لكلا الطرفين المعطي والفقير.

المعطي : ليهذب نفسه ويصقلها ويروضها على فعل الخير

__________________

(١) مجمع البيان في تفسيره لهذه الآية.

١٠٩

والشعور بأن ما اعطاه الله من مال ليس له فقط ، بل له وللآخرين عبر رصيده وتملكه.

فهو يريد من صاحب المال ان يبقى دائماً بجانب الآخرين يتحسس آلامهم ، ويعيش مشكلاتهم ، كما لو كانت قد حلت بأسرته البيتية.

وأما الفقير : فليفهم بأن هذا الاهتمام به لسد جوعه ، وان يملأ ما في بطنه من فراغ فقط بل ليشعره بأنه لم يترك في هذه الحياة وحيداً يعاني لوحده الأنواء والهزات التي تعاكس سفينته الصغيرة ، وهو يمخر بها وسط أمواج الحياة العاتية بل هناك من يقف إلى جانبه ويمد له الحبل ليلقي به على الساحل فينجيه مما هو فيه.

إنه الإسلام يريد من الفقير أن لا ينظر إلى الغني نظر المعدم إلى الملئ فقط بل نظر الصديق إلى الصديق نظر الإنسان الذي يتحسس بآلامه ويشعر بضيقه ليكون ذلك درساً له لو ضحكت له الدنيا وتحسنت حالته المادية فأصبح ملياً كالآخرين فيسير على نفس الخط الذي سار عليه يداً بيد مع المعطي وبذلك يتحقق التكافل الاجتماعي من الطرفين كما نبهنا إلى ضرورته فيما سبق.

ان هذه النقطة الدقيقة يعير لها القرآن أهمية بالغة ، وقد أكد عليها عبر آيات عديدة جاء منها قوله سبحانه :

( ألم يجدك يتيماً فآوى * ووجدك ضالاً فهدى * ووجدك عائلاً فأغنى * فأمّا اليتيمَ فلا تَقهَر * وأمّا السّائلَ فلا تنهَرْ ) (١).

__________________

(١) سورة الضحى / آية : ٦ ـ ١٠.

١١٠

فالقضية ليست قضية مال يشبع بها الغني بطن الفقير بل قضية كرامة واعتبار.

قضية التحسس بآلام اللآخرين.

قضية الادوار التي مربها الإنسان لو قدر أن كان يتيماً فقد أباه في الصغر.

أو سائلاً حيث كانت الضروف قست عليه فيما سبق فكما عطف الله عليه فيهأ له من ينحو عليه ، ومن قابله بلطف وهو يملأ كفه من المال ، فلا بد أن يحذو نفس الطريقة التي عومل بها يوم كان يتيماً أو فقيراً.

ولو لم يكن قد مر بهاتين المرحلتين فليحسب للدنيا حسابها فيتصور اليوم الذي قد يمر به أولاده لو فقدوا كافلهم وهم صغار ، أو ليضع أمامه الظروف التي قد تلجئه لأن يمثل نفس الدور الذي يقوم به الفقير حينما يلجأ إليه فيسلب منه تلك النعمة ويكون هو ضيفاً على الطرق والأبواب يسأل هذا ويتكف من آخرين.

وإذاً فإلى الانعاش المالي من الاغنياء لابد من رعاية الجانب الآخر المتمثل بالانعاش المعنوي ليجد اليتيم من رعايته ما يسببه ذل اليتم ، وهو في كنفه ، وليشعر الفقير إنه لا يمد يداً للغني وهو فقير بل إلى أخ يسعف أخاه ، كما يلجأ المريض إلى الطبيب لينقذه من براثن المرض.

وإذا كانت عملية الانفاق درساً تهذيبياً أكثر من كونها مساعدة مالية فلا بد إذاً لهذا الدرس من شروط تتناسب ، والغاية التي حشد الشارع المقدس لها هذا القدر من الآيات ، والاخبار الكريمة.

١١١

الشرط الأول :

ابتغاء وجه الله

الإنسان الكامل هو الذي يجعل رضا الله والتقرب إليه هو الغاية التي يقصدها من وراء كل عمل يقوم به في هذه الحياة … ذلك لأن ما كان لله يبقى ويكتب له النمو والبركة أما ما يقصد به غير وجه الله ، ولم يكن في سبيله فيذهب جفاء.

ثم ليقف الإنسان وليقارن بين من ينظر أجره منه :

من الله القادر الرازق ؟.

أم من انسان مثله عاجز ؟.

ومرة أخرى نقول أن اشتراط كون الإنفاق لوجهه وابتغاء مرضاته إنما يأتي في صالح المنفق قبل الفقير لأن الله يدعوه لأن يركز علاقته معه لتكون أعماله خالصة له فيجازيه بمايستحقه على ذلك ويضاعفه ، وبذلك ينال خير الدنيا والآخرة.

ولذلك رأينا الآية الكريمة ، والأخبار العديدة ـ فيما تقدم بيانه ـ تشوق المعطي بأن ما يصل ليد الله قبل الوصول إلى يد الفقير.

وهذا ـ كما قلنا ـ معنى كنائي يرمز إلى أن ما يقدمه الإنسان إلى الفقير إنما يقدم لله بطلب مرضاتها ـ والفقير طريق يوصل إلى هذه الغاية الرفيعة لذلك كان الشرط الأول للإنفاق إذا أراد المعطي ان يزكوا ماله وينمو ليحصل من وراء ذلك الثواب الأخروي أن يكون ما

١١٢

يقدمه لله وفي سبيله لا لغرض آخر من الرياء ، أو التماس الشهرة ، أو تسجيل يد على الفقير ليكافئه على هذا اليد فيرد عليه جميله بخدمة يقوم بها تقديراً لعمله.

( ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتاً من أنفسهم كمثل جنّةٍ بربوةٍ أصابها وابلٌ فآتَت أكلهَا ضعفين فإن لم يُصبها وابلٌ فطلٌّ واللهٌ بما تعملونَ بصيرٌ ) (١).

والقضية تأخذ مسارها بشكل طبيعي فإن هذا النماء الذي يرجى حصوله مضاعفاً مصدره الله سبحانه ، وإذا كان مصدره الله فلا بد أن يكون العطاء بداعي التقرب اليه وابتغاء مرضاته.

وأما لو كان في سبيل غيره فما معنى أن يتوقع المعطي الأجر من الله وهو يعمل لغيره ؟

ويأتي هذا المعنى واضحاً في آية اخرى حيث يقول سبحانه :

( وما تُنفقوا من خير فلأنفسكم وما تُنفقونَ إلا ابتغاءَ وجهِ اللهِ وما تنفقُوا من خيرٍ يوفَّ إليكُم وأنتم لا تُظلمون ) (٢).

وهذا التدرج في الآية الكريمة هو الذي يوضح مسيرة الإنسان العطائية وكيف يجب أن يتبع هذه التعاليم القرآنية.

فما ينفقه من خير فلنفسه وهذه هي النقطة الأولى ، لأن المعطي هو الذي يحصل الثواب والأجر في الدارين ، ولكن ذلك الانفاق لابد أن يكون لابتغاء وجه الله وهذه هي النقطة الثانية ، وإلا فلا نحصل على النقطة الأولى وهي الأجر والثواب.

__________________

(١) سورة البقرة / آية : ٢٦٥.

(٢) سورة البقرة / آية : ٢٧٢.

١١٣

وبعد ذلك ليعلم المعطي ان ما ينفق من خير على النحو الذي بينته الآية يوف اليه وهذه في النقطة الثالثة.

أما لو ضربنا كل ذلك عرض الجدار وكان العطاء لغير الله فإن على المعطي أن يذهب لمن قدم له وليأخذ منه جزاءه وقد جاء في كتب الاخبار الواردة عن أهل البيت عليهم‌السلام بأن المرائي في عمله ليلتمس أجره ممن عمل له.

( ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرماً ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء والله سميع عليم * ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم ) (١).

لقد تعرضت الآيتان إلى الحديث عن قسمين من الناس ، أو فريقين ما شئت فعبر.

أحدهما : جعل الانفاق في سبيل الجهاد ، أو في سبيل الخير لاغراضه الشخصية ولم يكن لوجه الله.

أما الآخر : فقد كان الإنفاق عنده وسيلة للوصول إلى مرضات الله والتقرب إليه.

فقالت عن القسم الأول :

( ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مُغرماً ) :

والغرامة ما يخسره الرجل وليس يلزمه لأنه لا ينفق إلا تقية من المسلمين رياءً لا لوجه الله عزوجل وابتغاء المثوبة عنده.

__________________

(١) سورة التوبة / آية : ٩٨ ـ ٩٩.

١١٤

وهؤلاء جزاؤهم نتيجة انفاقهم لغير وجه الله لأنهم يتربصون الدوائر بالمسلمين أن :

( عليهِم دائرةُ السّوءِ )

وعليهم تدور الدائرة يبتلون بنفس ما كانوا يدبرونه للمسلمين من سوء وما يعدونه لهم من عقبات

أما القسم الثاني فقد قالت الآية الكريمة عنهم :

( ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر )

وهؤلاء هم المؤمنون بالله وبما أخبر عنه من يوم القيامة والجزاء وما يترتب على ذلك من غير شك وريب ، وقد أعطت وصفاً دقيقاً عنهم عندما ينفقون فقالت :

( ويتّخذُ ما ينفق قربات عندَ الله والرسولِ )

ولنقف قليلاً مع الفرد من هؤلاء لنرى كيفية انفاقه وما يقصد من وراء هذا العطاء.

أولاً : عندما ينفق تكون غايته التقرب إلى الله عز وجل ، ويجعل من عمله هذا وسيلة لنيل مرضاته فقط.

ثانياً : انه عندما ينفق يطلب من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يدعوا له بالخير والبركة ليكون هذا الدعاء أيضاً وسيلة أخرى للتقرب إلى الله والركون إليه.

وهنا تواجه الآية هؤلاء المؤمنين بأن هذا النوع من الإنفاق ، وبهذه الكيفية مشفوعاً بطلب الدعاء من الرسول تحقق لهم الغاية التي يقصدونها

١١٥

( ألا إنها قربة لهم )

وهذه أول بشارة لهم في تحقيق ما يريدون الوصول إليه فقد أخبرتهم الآية الكريمة بأن هذه النفقة قربة لهم ، وقد قبل الله قربهم.

أما البشارة الثانية فقد جاءت مترتبة على هذا الاخبار بحصول التقرب منه سبحانه :

( سيدخلهم الله في رحمته )

ورحمته هنا مطلقة لم تقيد بأنها في الدنيا فقط ، أو في الآخرة فقط ، بل هي شاملة لهما معاً ولا ينقص من عطائه شيء ويدل على ذلك قوله سبحانه في آخر الآية :

( إنّ الله غفورٌ رحيمٌ )

فما يعود إلى ذنوبهم فهو غفور.

وما يعود إلى جزائهم فهو رحيم.

يشملهم بكل جزاء في الدنيا بأن يبارك في أعمالهم.

وفي الآخرة بأدخالهم الجنة التي أعدها لعباده المؤمنين.

وعندما تتطور العلاقة بين العبد وربه فتخرج عن نطاق تقرب العبد إلى ربه لنيل جزاء أو لغفران ذنب بل لتصل إلى مرحلة الحب والفناء في سبيل الطرف الآخر نجد القرآن الكريم يتحدث باعتزاز لينوه عن هذا النوع من المحبين ويكشف عن نفسياتهم العالية ، والتي تتجه إلى خالقها اتجاه الحبيب يحن إلى لقيا حبيبه انصهروا في ذاته المقدسة فأخذوا يقدمون النفوس للتقرب لساحته المقدسة لا

١١٦

المال والطعام فقط فهم يحبونه ويحنون إليه.

يقول سبحانه عن هؤلاء :

( إن الابرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا * عيناً يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا * يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيراً * ويطعمون الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً * إنّما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا * إنّا نخاف من ربّنا يوماً عبوساً قمطريرا * فوقاهم الله شرّ ذلك اليوم ولقّاهم نضرةً وسُروراً * وجزاهم بما صبروا جنّة وحريراً ) (١).

والملاحظ على هذه الآيات الكريمة انها مهدت للحديث عن هذه الشخصيات المؤمنة بأن ذكرت جزاءهم في الآخرة وان مكانهم الجنة.

وقد ذكر المفسرون أن هذه الآيات نزلت في آل بيت محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ، حيث روي عن ابن عباس ان الحسن والحسين عليهم‌السلام مرضاً فعادهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في اناس معه ، فقالوا : يا ابا الحسن لو نذرت على ولدِك فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما إن عافاهما الله تعالى أن يصوموا ثالثة أيام فشفيا وما معهم شيء فاستقرض علي عليه‌السلام ثلاثة اصوع من شعير فطحنتة فاطمة عليه‌السلام صاعاً وخبزته خمسة أقراص على عددهم ووضعوها بين أنديهم ليفطروا فوقف عليهم سائل فقال :

__________________

(١) سورة الدهر / آية : ٥ ـ ١٢.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...