الستارة الثّانية
تمضي السنة الخامسة على بعثة نبيّ الإسلام، ويزداد كلّ يوم التضييق والأذى والحصار والتعذيب والقتل على الجمع القليل من المسلمين العزّل. فيصدر الأمر بالهجرة، ولكن إلى أين؟
أمرهم الرّسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالذهاب إلى الحبشة، ففيها ملكٌ عادلٌ لا يَظلم. وترأّسهم، بأمر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، “جعفر بن أبي طالب”، أخو الإمام علي عليه السلام، مع أنّه كان في أمان بسبب مكانة أبيه في مكّة.
1- بحسب ما يُنقل عن الإمام الخامس من أهل بيت النبوة، الإمام محمد الباقر عليه السلام أنّه في ستّ ليال، لم يرفع عن وجه الأرض حجر إلا وجد تحته دم عبيط، اللّيلة التي قُتل فيها هارون أخو موسى عليه السلام والليلة الّتي قُتل فيها يوشع بن نون واللّيلة التي رفع فيها عيسى بن مريم إلى السماء، واللّيلة التي قُتل فيها شمعون بن حمون بطرس-، وكذلك كانت اللّيلتان اللّتان قُتل فيهما علي بن أبي طالب والحسين بن علي عليهما السلام. كامل الزيارات/ باب ما استدلّ به على قتل الحسين بن علي عليهما السلام في البلاد-.
14
6
إشارة (مؤسسة صهبا)
كان أهل الحبشة من أتباع دين عيسى عليه السلام، وسُمّوا في ذلك الزمان بالنصارى. وكان ملكهم النجاشيّ شخصًا متديّنًا، وكانت تعاليم عيسى عليه السلام قد علّمته أن يكون عادلًا، وأن لا يظلم، وأن يُلجِئ كلّ بريء يلتجئ إليه.
كان المسلمون المهاجرون الّذين لم يبلغ عددهم المئة شخص، قد وصلوا فرادى وجماعات خفيةً إلى ساحل البحر الأحمر، ومن هناك ركبوا سفينة إلى الحبشة. وكما كان قد أخبرهم النبيّ فقد قبلهم النجاشيّ في الحبشة، وأجاز لهم العيش وممارسة معتقداتهم الدينيّة بحرّية.
كانت أوضاع المسلمين المهاجرين جيّدة إلى أن حضر إلى الحبشة “عمرو بن العاص” مبعوثاً من قِبَل رؤساء قريش بهدف استرجاعهم. وبما أنّه كان معروفًا بالخداع والمكر، فقد ابتدأ بتوزيع الهدايا والرشى على حاشية الملك ومستشاريه فوقفوا في صفّه. وبعد ذلك، حضر إلى مجلس النجاشي فتملّقه أيّما تملّق، وقدّم بين يديه هدايا قريش النفيسة، ثمّ شرع بالافتراء على المسلمين المهاجرين قائلاً: “إنّهم شبّان عصاة معاندون قد انقلبوا على دين آبائهم وأصرّوا على جهالتهم. وأشراف قريش يطلبون منك بكلّ احترام وتعظيم أن تُعيد هؤلاء المخرّبين إلى الحجاز”1. وسرعان ما أعرب المستشارون المرتَشون عن تأييده حتّى يقبل النجاشي بإخراج المسلمين.
لكنّ الأمر لم ينطلِ على النجاشي وقال: “طالما أنّ ذنبهم لم يثبت لديّ فهم في أمان. أحضروهم!” ولأنّ “عمرو بن العاص” كان يعلم طبيعة المسلمين، كان يريد أن يتمّ مَهمّته في المواجهة الأولى نفسها، فقال للنجاشي إنّ هؤلاء الفتية متكبّرون لدرجة أنّهم لا يركعون أمام الملك.
دخل جعفر وعدّة آخرون من المسلمين، وألقوا السلام من دون أن يركعوا. فاستشاطت حاشية الملك غضبًا، واستنكروا عدم ركوعهم أمام الملك. فقال جعفر: “لقد أمرنا نبيّنا أن لا نركع إلا للّه الواحد، وقال لنا إنّ تحيَّة أهل الجنّة هي السلام، ولهذا نحن قُلنا السلام عليكم”. ارتسمت على شفتَيْ النجاشي ابتسامة إثر جواب جعفر، وسأله عن الإسلام،
1- تاريخ نبي الإسلام، آية الله عباس صفائي الحائري، المجلد الأول.
15