الملحق الثّالث: مريم المقدّسة في القرآن
الملحق الثّالث: مريم المقدّسة في القرآن – بيان مكانة وعظمة أمّ النبيّ عيسى روح الله عليه السلام وابنة النبي محمّد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كلمات الإمام الخامنئي دام ظله
ورد في القرآن الكريم ذكر أربع نساء ضربهنّ اللّه مثلاً للناس، اثنتان منهنّ أسوة للصالحين، واثنتان أنموذج للفاسدين: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا﴾1، هاتان الامرأتان نموذج للبشريّة على طول التّاريخ، حينما أراد الله أن يضرب مثلًا للكفار والكافرين بنعم اللّه، لم يضرب مثلًا فرعون ونمرود وفلانًا، وإنّما امرأتين، امرأة نوح وامرأة لوط، حيث كانت أبواب الرحمة الإلهيّة مشرّعة أمامهما، وجميع أسباب العروج والسّموّ مهيّأة لهما.
وكان زوجاهما من الأنبياء، أنبياء كمثل نوح ولوط! كانتا تعيشان في كنفهما، وقد تمّت عليهما الحجّة بذلك، لكنّهما لم تعرفا قدر تلك النعمة ﴿فَخَانَتَاهُمَا﴾. وليس لزاماً أن تكون هذه الخيانة جنسيّة. إنّها خيانة اعتقاديّة وخيانة سلوكيّة، لقد انحرفتا عن الطريق. وبرغم كون زوجَيْهما من الأنبياء عالي المقام، إلّا أنّهما لم يروقا هاتين الامرأتين: ﴿فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا﴾2، فإنّ الله سبحانه لا يُجامل ولا يُحابي أحدًا، وإنّما تقوم رحمته ولطفه على الحساب والكتاب. فالله ليس من قوم أو أقرباء أحد. وهاتان رغم أنّ زوجَيْهما
1- سورة التحريم، الآية 10.
2- سورة التحريم، الآية 10.
453
390
الملحق الثّالث: مريم المقدّسة في القرآن
كانا من الأنبياء، فإنّهما لم تنجوا من تبعيّة الغضب الإلهي، وصارتا مثلاً للكافرين طوال التاريخ.
وفي قِبال ذلك، ضرب اللّه مثلاً امرأَتْين كنموذج للمؤمنين: امرأة فرعون، ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ﴾1 إلى آخر الآية، والأخرى ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ﴾. هاتان الامرأتان هما مثال ونموذج. الأولى لم يجذبها قصر فرعون، ومع أنّها عاشت في البلاط الفرعونيّ، ولا بدّ كونها زوجة فرعون أن يكون والدها ووالدتها وأسرتها من الطواغيت أنفسهم، وكانت تعيش رغد الحياة ورفاهيّتها وتتمتّع بالعزّ الظاهري، إلّا أنّ إيمان موسى أخذ بمجامع قلبها وسيطر عليه فآمنت بموسى. ولمّا آمنت واهتدت إلى الطريق، تخلّت عن جميع زبارج الدّنيا التي كانت تُحيط بها، فذلك القصر العظيم لم يعد له أيّ جاذبية بالنسبة إليها. لقد قالت: ﴿رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ﴾، وفضّلت نعيم الجنّة على زخرف الدنيا. والمرأة الثّانية هي مريم، ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا﴾2. دقّقوا في هذه المسائل. هذه قيم إنسانيّة. 07/08/2004م.
هناك نقطة في قصّة السيّدة مريم عليها السلام في القرآن لفتت انتباهي كثيراً. انظروا، نحن في أدبيّاتنا نعتبر السيّدة مريم مظهر الطهارة والعفاف، امرأة طاهرة بالكامل. وقد ورد في القرآن مرّات عدّة حول السيّدة مريم أنّها: ﴿وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا﴾3. لقد تمّ التأكيد بشكل كبير فيما يتعلّق بالسيّدة مريم على مسألة حفظ الطهارة النسائية وحفظ العفاف. لكن ماذا كانت الظروف؟ هذا بنظري مهمّ جدًّا. ما هي العوامل والدوافع الّتي وجدت في مريم، تلك الفتاة الّتي دخلت المعبد وفيه ما فيه من الشباب، حتى قاومت هذه الوساوس بكلّ وجودها وبقوّة فوق بشرية – ولو لم تكن فوق البشرية لما أكّد القرآن عليها بهذا الشكل – أي فوق الطاقة الطبيعيّة للبشر بحيث يقول القرآن في حقها: ﴿َحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا﴾، وحافظت على
1- سورة التحريم، الآية 11.
2- سورة التحريم، الآية 12.
3- سورة الأنبياء، الآية91.
454
391
الملحق الثّالث: مريم المقدّسة في القرآن
نفسها طاهرة وحفظت عفافها. هذا أمر في غاية الأهمّية وهو درس لنا. إنّ قضية العفاف وحفظ طهارة الحِجر بالنسبة إلى المرأة والرجل أمر في غاية الأهمّية، وهو عموماً يخرج عن حدود الأمر الشخصي بالكامل. قد يظنّ البعض أنّ هذه المسألة تعود إلى الشخص، ففي النهاية إمّا أن يكون الشخص طاهرًا أو غير طاهر. ولكن لا، ليست هذه هي القضيّة. ومثلما يتعلّم الإنسان من خلال تناول القرآن لموضوع المرأة والرجل وعلاقات المرأة والرجل وحفظ عفاف المرأة وحفظ طهارة الشباب- سواء الرجل أو المرأة – فإنّ من الواضح تماماً أنّ القضية تتعدّى المسألة الشخصية، بحيث يكون كلّ امرئ متعلّقاً بذاته، فإمّا أن يحفظ طهارته وإمّا أن يعصي. ليست المسألة هكذا. إنّ هذه القضية تترك أثرها في مصير البشريّة وفي عاقبة الحضارات وفي مآل خطّ سير المجتمع. وقد استطاعت السيّدة مريم عليها السلام في ظرف بالغ الحساسية بمقاومتها وبعفافها هذا أن تؤثّر بذلك النحو وتُغيّر مجرى التاريخ، كما إنّه في مورد آخر شبيه بهذا استطاع رجل شاب أن يقوم بالأمر نفسه وقد أتى على ذكره القرآن، إنّه حضرة يوسف. 29/10/1999م.
لم يقل هذه النسوة الأربع هنّ نماذج ورموز وأمثلة للنساء، كلا. هنّ أمثلة للنساء والرجال.
تلكما الامرأتان مع أن الطريق كانت مفتوحة ومعبّدة أمامهما، لكنّهما لم تسلكاها، لم تستفيدا منها. لقد أدارت كلٌّ منهما ظهرها للمعنويات من أجل أشياء وضيعة ودنيئة، ومع أنّ القرآن لم يأتِ على ذكر أسباب ذلك، لكن هناك بالتأكيد أمرًا كهذا، خُلُق رذيل، خصلة سيّئة، شيء صغير يجذب هذه القلوب الضعيفة نحوه ويحرفها عن طريق الحقّ فتصير رمزاً للكفّار ومثالاً
للإنسان الجاحد باللّه. وتلكما الامرأتان الأخريان رمزٌ للقيم. إحداهما كانت مجذوبة إلى المعنويات وخطاب الحقّ إلى درجة أنّها جعلت الفرش والعرش الفرعوني تحت قدميها، والأخرى
كانت مجبولة بالطهارة والعفاف والانعتاق. 07/08/2004م.
وقد نقل عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال للسيّدة الزهراء: “أما ترضَيْن أن تكوني سيّدة
455
392
الملحق الثّالث: مريم المقدّسة في القرآن
نساء العالمين؟”1 فسألته سلام الله عليها: “فأين مريم” وقد صرّح القرآن الكريم أنّها سيّدة النّساء؟ فقال لها النبيّ: إنّ مريم كانت سيّدة نساء زمانها، وأنت سيّدة نساء الأوّلين والآخرين. 22/10/1997م.
وسأل الراوي (الإمامَ الصادق عليه السلام): أخبرني عن أمّك “أَهِيَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ عَالَمِهَا؟” فقال الإمام: “ذَاكَ لِمَرْيَمَ، كَانَتْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ عَالَمِهَا، وَفَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِين”2 لا فقط نساء زمانها، أي إنّك لو بحثت في جميع الخلق تريد أن تُحصي من بين مليارات البشر على مرّ الأزمان أفضلهم، فإنّ أحد هؤلاء المعدودين على أصابع اليد هو هذه المطهّرة المنوّرة التي بات اسمها وذكرها من نصيبنا نحن، وقد تفضّل الله سبحانه وتعالى بأن مكّننا من قضاء شطر من عمرنا في ذكرها والحديث عنها والسماع بشأنها فيما كثير من البشر عنها غافلون.
وهذا بعدُ لطف الله علينا، فمقام تلك العظيمة هو بحيث إنّ علماء الإسلام الكبار وأصحاب الفكر والنظر كانوا يبحثون “هل مقام السيّدة الزهراء سلام الله عليها أعلى أم مقام علي بن أبي
طالب عليه السلام؟” فهل جلوس علماء الإسلام ليقول أحدهم الزهراء أعلى ويقول آخر علي أعلى هو أمر بسيط؟! إنّ هذا يحكي عن عِظَم المقام!. 15/12/1992م ولو توضّحت شخصية فاطمة الزهراء عليها السلام لأذهاننا البسيطة وأبصارنا القصيرة النظر لصدّقنا نحن أيضاً أنّها عليها السلام سيّدة نساء العالم أجمعين، سيّدة بلغت في سنيّها القليلة وعمرها القصير مقامات معنويّة وعلميّة ومعرفيّة توازي مرتبة الأنبياء والأولياء. 22/10/1997م.
وقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّ فاطمة الزّهراء عليها السلام قالت له: إنّ الملائكة تأتي إليها وتتحدّث معها وتُخبرها ببعض المسائل. فطلب منها أمير المؤمنين أن تُخبره عندما تسمع صوت الملك حتّى يكتب ما تسمع. وكتب أمير المؤمنين ما أملته الملائكة على فاطمة الزّهراء، وأصبح هذا كتابًا موجودًا لدى أئمّتنا عليهم السلام، باسم “مصحف فاطمة” أو
1- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 37، ص 69، الباب الخمسون: مناقب أصحاب الكساء…، ح38.
2- م. ن، ج43، ص 26.
456
393
الملحق الثّالث: مريم المقدّسة في القرآن
“صحيفة فاطمة”1. 16/12/1992م.
والواقع أنّ فاطمة الزهراء فجر ساطع انبلجت من أفقه شمس الإمامة والولاية والنّبوّة، وهي سماء عليا ضمّت بين جوانحها كواكب الولاية الوضّاءة. وكان الأئمّة عليهم السلام بأجمعهم
يولون والدتهم العظمى تكريمًا واحترامًا قلّما كانوا يولونه لشخص آخر. 22/10/1997م.
1- الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص239، باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة، ح1.
457
394
الملحق الرابع: أنا وأرمنيّو إيران
الملحق الرابع: أنا وأرمنيّو إيران – مقاطع من الحوار الودود للإمام الخامنئي دام ظله مع قائد الأرمن في العالم، الجاثليق آرام الأول في تاريخ 21/07/1997م
لقد سألتم1 إن كان لديّ شكوى من الأرمن في إيران؟
إنّني أشعر بالمحبّة والقرب بالنسبة إلى أرمنيّي إيران. نحن نُحبّ المسيحيين. ولقد ساعدنا الأرمن كثيراً طوال فترة الثورة والحرب. أنتم بالتأكيد قد سمعتم هذه الأمور، ولكن أنا قد رأيتها عن كثب. لقد شاهدت في ساحة الحرب وفي الجبهات الكثير من الأرمن يُقدّمون يد العون لنا تحت نيران القذائف والمدافع. وهذا بالطبع يرتبط بغير أولئك الّذين كانوا جنوداً. لقد كانوا من عامّة الشعب ومن المتطوّعين.
إنّ أكثر ما يُزاوله الأرمن في إيران هو الأعمال التقنيّة. وقد وضعوا هذا الفنّ التقنيّ والقدرة التقنيّة في خدمة الحرب. لقد جاء الأرمن في سنوات 1980-1981م من طهران وأصفهان وبعض المناطق الأخرى إلى الأهواز، وأنشؤوا مصنعاً كبيراً للسيارات والنقليّات. لقد دافعوا عن وطنهم. إيران هي وطنهم. الأرمن والمسيحيّون ليسوا أجانب في إيران، إنّهم جزء من شعب إيران وجزء من أهلنا. نحن قد فهمناهم بهذا الوعي ونظرنا إليهم بهذه العين.
أنا في العادة أتردّد إلى منازل الشهداء، وفي أيّام عيد الميلاد أيضاً أذهب إلى منازل الشهداء المسيحيّين، الآشوريّين والأرمن. لقد ذهبت الى منازل الكثير من الشهداء الأرمن،
1- إشارة إلى قائد الأرمن في العالم