الرئيسية / من / قصص وعبر / قصص من مركز الأبحاث العقائدية 07

قصص من مركز الأبحاث العقائدية 07

( 7 ) إدريس حام تيجاني
( مالكي / نيجريا )
ولد بمنطقة ” اوكني ” في ولاية ” كوغي ” في نيجيريا ( 1 ) ، ونشأ في أسرة تعتنق المذهب المالكي ، حصل على شهادة الثانوية في المدارس الأكاديمية ، ثم انتمى إلى إحدى المدارس الدينية في منطقته ، فدرس العديد من الكتب الفقهية على مذهب الإمام مالك وعلوم القرآن ، ومارس نشاطات تبليغية في خدمة الإسلام في منطقته .
تشرّف باعتناق مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) عام 1988 م في ولاية ” كوغي ” .
التعرف على التشيع :
يقول الأخ إدريس : ” كانت هوايتي المفضلة مطالعة الكتب وقراءة البحوث الدينية ، فكنت أقرأ كل كتاب يقع في متناول يدي مهما كان انتماء مؤلفه المذهبي
والثقافي ، وكنت أقرأ بعقل منفتح وذهنية واعية لأوسع بذلك آفاق رؤيتي للكون والحياة ، واستمر بي الأمر على هذا المنوال حتى اطلعت على الكثير من أفكار ورؤى الأمم الأخرى .
وفي أحد الأيام كنت أسير مع مجموعة من الأصدقاء في طريق الذهاب إلى المدرسة الثانوية ، قال أحدنا : إنّي قد سمعت أمراً عجيباً لم أسمع به من قبل ! .
فقلنا له : وما ذاك ؟
قال : سمعت من أحد أصدقائي أنّ الخلافة بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كانت من حقّ الإمام عليّ ولم تكن من حقّ أبي بكر ، وهناك أدلة قوية على ذلك ، ويجب على كل مسلم أن يتفحص هذا الأمر بنفسه ولا يبقى تابعاً أعمى يقوده المجتمع حيث يشاء .
فتأثرت كثيراً بهذه المعلومة الجديدة ، ورغم مطالعاتي التي كنت اعتبرها كثيرة وجدت نفسي أمام أمر محيّر يمس عقائدي في الصميم ، وأنا لا أعرف كيف أواجهه ، ولا أهتدي السبيل في علاجه ، فذهبت إلى بيت ذلك الشخص لأستفسر منه الأمر بدقة .
فرحب بي أجمل ترحيب ، واحتفى بقدومي إليه بكل حرارة ، ولمّا استقر بنا المجلس أخذ يبيّن لي بعض الحقائق التاريخية ، فسلط الأضواء على بعض الأحداث بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وفي نهاية المجلس أهداني كتاب ” نهج البلاغة ” المترجم إلى اللغة الإنجليزية وكتاب آخر تحت عنوان ” الإمامة ” وكتاب ” المراجعات ” للعلامة عبد الحسين شرف الدين ، فأخذت منه هذه الكتب بعد تقديمي جزيل الشكر له وعدت إلى البيت .
أخذت بمطالعة هذه الكتب التي كانت بالنسبة لي من نوع آخر في الطرح
والمحتوى ومغايرة للكتب التي قرأتها سابقاً ، وكان أكثر ما لفت انتباهي في هذه الكتب هو حديث الثقلين المنقول بالتواتر عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، والذي يوصي فيه أمّته بالتمسك بكتاب الله وعترته أهل بيته ( عليهم السلام ) ، وكانت كلمة ” العترة ” مفردة لم تطرق سمعي من قبل ، ومصطلحاً جديداً ، فبدأت بالبحث لمعرفة مصاديقهم ليتبين لي الأمر الذي صاروا به عدلاً للكتاب السماوي العزيز .
البحث عن مصداق العترة :
بدأت بالبحث في كتب أهل السنة حول أهل البيت ( عليهم السلام ) ، فوجدت البعض يذهب إلى أنّ أهل البيت هم آل عباس أو آل عقيل ، والبعض الآخر يذهب إلى أنّ أهل بيت الرسول ( عليهم السلام ) نساؤه .
وراجعت كتب الشيعة فرأيتهم يحصرونهم في أصحاب الكساء وذرية الحسين ( عليه السلام ) ، واستدلوا لإثبات قولهم هذا بآيات من القرآن كآية المباهلة والتطهير .
فكلمة ( أَنْفُسَنا ) في آية المباهلة تشير إلى الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والإمام عليّ ( عليه السلام ) ، لأنّه نفس الرسول كما ذكر ذلك المفسرون من أبناء العامّة وغيرهم ، وكلمة ( نِساءَنا ) تشير إلى فاطمة ( عليها السلام ) ، وكلمة ( أَبْناءَنا ) تشير إلى الحسن والحسين ( صلى الله عليه وآله ) .
وآية التطهير قد ورد فيها ذكر أهل البيت ( عليهم السلام ) الذين أذهب الله عنهم الرجس في سياق يختلف عن ذكر نساء النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
فبضم هذه القرائن بعضها مع بعض ، وجمع كلام المفسرين فيها ، يتبيّن للباحث بأنّ عترة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأهل بيته ( عليهم السلام ) هم الذين باهل الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بهم نصارى نجران ، حيث لم يخرج سواهم في هذا الأمر الخطير مما حدا بالنصارى
أن يتراجعوا أمام هذه الوجوه النورانية ” .
حديث الثقلين ودلالته :
إنّ هذا الحديث متواتر لدى الفريقين ، وقد اعترف به العامة والخاصة ، ورواه ما يزيد على ثلاثين صحابياً ، وقد ذكره الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في أكثر من موطن ، كيوم عرفة في حجة الوداع ، ويوم الغدير في خطبته ، وفي مرض وفاته ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وعليه فقد تعدّدت روايته عنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ونورد هنا ثلاثة نصوص شريفة .
1 – قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وأهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ” ( 1 ) .
2 – قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” إنّي أو شك أن أدعى ، فأجيب ، وإنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله عزّ وجلّ وعترتي . كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، وأنّ اللطيف الخبير أخبرني إنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما ” ( 2 ) .
3 – قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” يا أيّها الناس ، إنّي تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ” ( 3 ) .
والثَقَل : كل شيء نفيس مصون ( 1 ) ، وقال النووي : ” سميا ثقلين لعظمهما وكبير شأنهما ، وقيل : لثقل العمل بهما ” ( 2 ) .
وأمّا دلالة الحديث :1 – عصمة العترة من الخطأ ، حيث أخبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بأنّ عترته مع القرآن دائماً ، وكل من كان مع القرآن دائماً مصيب دائماً ، وكل مصيب دائماً معصوم ، فأهل البيت ( عليهم السلام ) معصومون ، فلو جاز عليهم الخطأ لأمروا بالخطأ ، ولا شيء من الخطأ يجوز التمسك به ، ولمّا وجب التمسك بهم مطلقاً كالقرآن وجب أن يكونوا معصومين .
2 – إنّ العترة ( عليهم السلام ) عندهم علم القرآن الذي فيه تبيان كل شي ، فيتعيّن الرجوع إليهم في أخذ معارفه وعلومه وسائر أحكامه لا إلى غيرهم ، وقد صرّح الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بأعلميتهم بصورة مطلقة في حديث قائلا : ” ولا تعلّموهم إنّهم أعلم منكم ” ( 3 ) .
3 – عدم صحة التمسك بأحدهما دون الآخر ، لأنّ الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) رتب الضلال على تركهما معاً ، وهذا يعني عدم هداية من يتمسك بالقرآن وحده وتخلف عن العترة ، بل لا يكون التمسك بالقرآن تمسكاً به بدون العترة لما يقتضيه قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” ولن يفترقا ” .
4 – وجود إمام من البيت النبوي في كل زمان يجب التمسك به كالقرآن ،
وهو دليل على وجوب وجود الإمام الثاني عشر ( عليه السلام ) بدليل قوله : ” لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ” .
وخلاصة القول في الحديث : هو وجوب إمامتهم دون غيرهم ، لوجوب التمسك بهم وأخذ معالم الدين منهم واتباعهم ، وعصمتهم ووجود علم القرآن عندهم وأعلميتهم .
حديث ” كتاب الله وسنتي ” :
حاول البعض معارضة حديث الثقلين المتواتر ( 1 ) بحديث ” وسنتي ” ، المذكور في كتب القوم بنصوص هي :
1 – رواية مالك بن أنس المتوفى عام 179 ه‍ ، وهو أوّل من روى هذا الخبر ! حيث ذكره في الموطأ : ” وحدّثني عن مالك أنّه بلغه أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما ، كتاب الله وسنّة نبيّه ” ( 2 ) .
2 – رواية الحاكم النيسابوري المتوفى سنة 405 ه‍ في المستدرك : ” حدثنا أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه ، أنبأ العباس بن الفضل الأسفاطي ، ثنا إسماعيل بن أبي أويس ، وأخبرني إسماعيل بن محمّد بن الفضل الشعراني ، ثنا جدّي ، ثنا إبن أبي أويس ، حدثني أبي ، عن ثور بن زيد الديلي ، عن عكرمة ، عن إبن عباس : أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خطب الناس في حجة الوداع فقال : ” قد يئس الشيطان بأنّ يُعبد بأرضكم ، ولكنه رضي أن يُطاع فيما سوى ذلك مما تحاقرون من أعمالكم ، فاحذروا يا أيّها الناس ، إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلّوا أبداً :
كتاب الله وسنة نبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ان كلّ مسلم أخ المسلم ، المسلمون إخوة ، ولا يحل
لأمرىء مال أخيه إلاّ ما أعطاه عن طيب نفس ، ولا تظلموا ولا ترجعوا من بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض . . . ” .
إلى أنّ قال : وذكر الاعتصام بالسنة في هذه الخطبة غريب ، ويُحتاج إليها . وقد وجدت له شاهداً من حديث أبي هريرة : أخبرنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه ، أنبأ محمّد بن عيسى بن السكن الواسطي ، ثنا داود بن عمرو الضبّي ، ثنا صالح بن موسى الطلحي ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” إنّي قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما : كتاب الله وسنتي ، ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض ” ( 1 ) .
3 – رواية إبن عبد البرّ المتوفى سنة 463 ه‍ ، والتي وصل بها خبر الموطأ : ” وحدثنا عبد الرحمن بن يحيى ، قال : حدثنا أحمد بن سعيد ، قال : حدثنا محمّد إبن إبراهيم الديلي ، قال : الديلي عليّ بن زيد الفرائضي ، قال : حدثنا الحنيني ، عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ، عن أبيه ، عن جدّه ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما : كتاب الله ، وسنة نبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ” ( 2 ) .
هل يعارض حديث ” وسنتي ” حديث الثقلين ؟
في الحقيقة ، إنّ هذا الحديث لا يقوى لمعارضة حديث الثقلين ، وذلك لعدّة أُمور :
1 – هذا الحديث لم يخرجه البخاري ومسلم في كتابيهما ، وإنّ مجموعة
كبيرة من علماء أبناء العامة يتركون الحديث بتركهما له ولو صح اسناده !
2 – إنّ الحديث لم يخرّج أيضاً في الصحاح الستة عندهم !
3 – إنّ الحديث لم يخرّج في مسند أحمد بن حنبل ، وقد نقل عنه قوله : ” انّ ما ليس في المسند فليس بصحيح ” .
4 – قد صرح غير واحد بغرابته ! كالحاكم بقوله الذي مرّ : ” ذكر الاعتصام بالسنّة في هذه الخطبة غريب ” ، وقال أبو نصر السجزي : ” غريب جداً ” ( 1 ) .
أمّا الكلام في الأسانيد :
فخبر الموطأ الذي هو عمدة ما ورد فيه لا سند له ! وقد قال السيوطي بشرحه : ” وصله إبن عبد البر من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ، عن أبيه ، عن جدّه ” ( 2 ) وسنذكره في رواية إبن عبد البر .
أمّا خبر المستدرك بروايته إبن عباس ، فالمدار فيه على ” إسماعيل بن أبي أويس ” وهو إبن أخت مالك ونسيبه ، ونكتفي بذكر كلمات بعض أئمة الجرح والتعديل ، التي ذكرها إبن حجر العسقلاني في كتابه :
” قال معاوية بن صالح ، عن إبن معين : هو وأبوه ضعيفان ، وعنه أيضاً : إبن أبي أويس وأبوه يسرقان الحديث ، وعنه : مخلّط ، يكذب ، ليس بشيء ; وقال النسائي : ضعيف ، وقال في موضع آخر : غير ثقة ; وقال إبن عديّ : روى عن خاله أحاديث غرائب لا يتابعه عليها أحد ; وقال الدولابي في الضعفاء : سمعت النصر بن سلمة المروزي يقول : إبن أبي أويس كذّاب ، كان يحدّث عن مالك بمسائل ابن
وهب ; وقال الدارقطني : لا اختاره في الصحيح ; وقال سلمة بن شبيب : سمعت
إسماعيل إبن أويس يقول : ربما كنت أضع الحديث إذا اختلفوا في شيء فيما بينهم ” ( 1 ) .
وكذا رواية أبو هريرة التي ذكرها الحاكم ، ففيها ” صالح بن موسى الطلحي الكوفي ” ، وإليك كلمات الأئمة فيه كما ذكرها إبن حجر العسقلاني أيضاً :
” قال إبن معين : ليس بشيء ، وقال أيضاً : صالح وإسحاق ابنا موسى ليسا بشيء ، ولا يكتب حديثهما ; وقال هاشم بن مرثد ، عن إبن معين : ليس بثقة ; وقال إبن أبي حاتم عن أبيه : ضعيف الحديث جدّاً ، كثير المناكير عن الثقات ; قلت : يُكتب حديثه ؟ قال : ليس يعجبني حديثه ; وقال البخاري : منكر الحديث عن سهيل بن أبي صالح ; وقال النسائي : لا يكتب حديثه ، ضعيف ، وقال في موضع آخر : متروك الحديث ; وقال إبن عدي : عامة ما يرويه لا يتابعه عليه أحد ; وقال الترمذي : تكلّم فيه بعض أهل العلم ; وقال العقيلي : لا يتابع على شي من حديثه ; وقال إبن حبّان : كان يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات حتى يشهد المستمع لها أنّها معمولة أو مقلوبة ، لا يجوز الاحتجاج به ; وقال أبو نعيم : متروك ، يروي المناكير ” ( 2 ) .
أمّا الخبر في التمهيد لابن عبد البر ، ففي سنده الكثير من المجروحين ، مثل كثير بن عبد الله بن عمر – الذي وصل إبن عبد البر الخبر من حديثه – وهذه كلمات أئمتهم فيه كما ذكرها إبن حجر العسقلاني كذلك :
” قال أبو طالب عن أحمد : منكر الحديث ، ليس بشيء ; وقال أبو خيثمة :
قال لي أحمد : لا تحدث عنه شيئاً ; وقال الآجري : سئل أبو داود عنه فقال : كان
أحد الكذّابين ; وقال أبو حاتم : ليس بالمتين ; وقال إبن عديّ : عامة ما يرويه لا يتابع عليه ; وقال إبن عبد البر : ضعيف ، بل ذكر أنّه مجمع على ضعفه .
مضافاً إلى أنه يروي الحديث عن أبيه عن جدّه ، وقد قال إبن حبّان : روى عن أبيه عن جدّه نسخة موضوعة لا يحلّ ذكرها في الكتب ولا الرواية إلاّ على جهة التعجب .
وقال الحاكم : حدّث عن أبيه عن جدّه نسخة فيها مناكير ” ( 1 ) .
وفوق كل هذا لو سلّم بصحته هذا الحديث ، فهو خبر آحاد لا يقتضي علماً ولا عملا ، ولا ينهض لمعارضة حديث الثقلين المتواتر الذي رواه ما يزيد عن ثلاثين صحابياً كما تقدم .
وأيضاً لو سلّم بصحته ، فإنّه – من ناحية المدلول – لا منافاة بين الوصية بالكتاب والسنة ، والوصية بالكتاب والعترة ، بل أنّ مفاد حديث الثقلين هو أنّ السنة يجب أن تؤخذ من العترة لا من غيرهم .
وهذا ما فهمه علماء العامة كابن حجر الهيتمي ، حيث قال : ” وفي رواية ” كتاب الله وسنتي ” وهي المراد من الأحاديث المقتصرة على الكتاب ، لأنّ السنة مبيّنة له ، فأغنى ذكره عن ذكرها .
والحاصل : انّ الحث وقع على التمسك بالكتاب وبالسنة وبالعلماء من أهل البيت ، ويستفاد من مجموع ذلك بقاء الأمور الثلاثة إلى قيام الساعة ” ( 2 ) .
ومما يدل على ذلك أيضاً أن المتقي الهندي – مثلا – يورد كلا الحديثين في
باب الاعتصام بالكتاب والسنة ( 1 ) ، وايراد حديث الثقلين في هذا الباب يدل على أنّ الاعتصام بالعترة هو أيضاً اعتصام بالسنة ، وأنّ السنة الواردة عنهم هي السنة الصحيحة التي يجب التمسك بها .
مناقشات في مدلول الخبر :
أولا : اتفق محدثوا أبناء العامة ومؤرخيهم على أنّ النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نهى عن كتابة أحاديثه لئلا تختلط بالقرآن ، فعلى هذا المبنى كيف يصح الجمع بين أمر النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالتمسك بالسنة ونهية عن كتابتها وجمعها ؟ ! .
ثانياً : لو صح قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) للمسلمين : ” تركت فيكم كتاب الله وسنتي ” ، فكيف جاز لعمر أن يقول : ” حسبنا كتاب الله ” ( 2 ) ؟ ! .ومن هنا نفهم أنّ الحديث وضعه بعض المتأخرين المعادين للعترة ، أو الذين أرادوا توجيه ترك الصحابة للعترة .
ثالثاً : إنّ التمسك بالقرآن والسنة لوحدهما لم يمنع أكثر المسلمين عن الضلال ، وقد رأينا أنّ الصحابة قد اختلفوا بينهم في مواقف عديدة ، وكان كل منهم يدعم ما ذهب إليه بحديث عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وكذا وقوع الاختلاف بين فقهاء المسلمين في المسألة الواحدة من الكتاب والسنة ، مع أنّ حكم الكتاب والسنة في المسألة الواحدة ثابت لا يتغير ولا يتبدل ، وهذا يعني ضلال وخطأ أحد المختلفين !
وقد قال الله سبحانه : ( فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنّى تُصْرَفُونَ ) ( 3 ) ، وقد
نهى الله سبحانه عن التفرّق والاختلاف في الدين فقال – عزّ من قائل – : ( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ) ( 1 ) .
رابعاً : كيف يأمر الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالتمسك بالسنة وهو يعلم أنّ المنافقين والمنحرفين سوف يكذبون عليه ، حيث قال : ” قد كثرت عليَّ الكذّابة فمن كذب عليَّ متعمّداً فليتبوأ مقعده من النار ” ( 2 ) ، فإذا كانت الكذّابة كثرت عليه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في حياته فهل يعقل من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن لا يضع لهم مرشداً يدلهم على صحيحها ، ويميّز لهم بين غثّها وسمينها ، ويبيّن لهم صادقها من المكذوب عليه فيها ؟ ! .
خامساً : إنّ الله سبحانه صرّح في محكم كتابه أنّ القرآن الكريم يحتاج إلى مبيّن ، بقوله تعالى : ( وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) ( 3 ) ، فالمسلمون يحتاجون بيان النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وشرحه وتوضيحه لدلالات القرآن ومقاصد آياته .
فإذا كان القرآن الذي لا اختلاف فيه ولا يأتيه الباطل من أي جهة بحاجة إلى مبيّن ، فكيف بالسنة النبوية ؟ ! ، فهي أحوج من القرآن إلى من يبيّنها لكثرة وقوع الاختلاف والدسّ والكذب فيها من قبل المنافقين والمنحرفين .
مرحلة التحرّر من التحجر الفكري :
يقول الأخ إدريس : ” كان هدفي أن أكون على بصيرة من ديني كما قال الله سبحانه على لسان نبيّه ( صلى الله عليه وآله ) : ( قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَة أَنَا وَمَنِ
اتَّبَعَنِي ) ( 1 ) ، وبذلك بذلت قصارى جهدي لئلا أكون تابعاً أعمى لعقيدة الآباء ، فاجتهدت لتوظيف عقلي في طلب حقائق الدين إذ لا تقليد في العقائد والأصول .
وأحمد الله كثيراً أن هداني إلى طريق لم يدفعني إليه سوى الدليل والبرهان ، وهو طريق مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأحمده على نعمة العقل ، فالعقلاء لا يحجرون أنفسهم على ما لديهم من عقائد وأفكار ، بل يبحثون عن الحقّ بشكل متواصل حتى يجدوه وقد قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا ) ( 2 ) .

شاهد أيضاً

في رحاب الولي الخامنئي – الإمام علي عليه السلام 04 \ 17

الفصل الرابع:   الحكم عند أمير المؤمنين عليه السلام مزايا الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ...