الرئيسية / زاد الاخرة / وصية الإمام الخميني(قده) إلى السالكين

وصية الإمام الخميني(قده) إلى السالكين

ثم يتبع ذلك

بقوله {لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}(الحديد/23).

فالإنسان في هذا العالم عرضة للتحولات، أحياناً تنزل به المصائب، كما أنه قد يلاقي إقبالاً من الدنيا، فيبلغ فيها المقام والجاه ويحصل على المال ويحقّق أمانيه وينال القدرة والنعمة، وكلا الحالين ليس بثابت، فلا ينبغي أن تحزنك المصائب والنقائص فتفقدك صبرك،

لأنها قد تكون أحيانا في نفعك وصلاحك {.. وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ..}(البقرة/216). كما لا ينبغي أن تدفعك الدنيا بإقبالها عليك وتحقيقها ما يشبع شهواتك إلى أن تتكبر وتفتخر على عباد الله، فما أكثر ما تعده أنت خيراً، وهو شرٌ لك.

بني:

إن ما هو مذموم، وأساس ومنشأ جميع ألوان الشقاء والعذاب والمهالك، ورأس جميع الخطايا والذنوب إنما هو “حب الدنيا: الناشئ من “حب النفس” إن عالم المُلك ليس مذموما في حدِّ ذاته، فهو مظهر الحق ومقام ربوبيته تعالى، ومهبط ملائكته، ومسجد، وكان تربية الأنبياء والأولياء عليهم السلام ومعبد الصلحاء، وموطن تجلي الحق على قلوب عشاق المحبوب الحقيقي، فإن كان حب “عالم الملك” ناشئاً عن حب الله -باعتباره مظهرا له جلَّ وعلا- فهو أمر

مطلوب ويستوجب الكمال.  أما إذا كان منشؤه حب النفس، فهو رأس الخطايا جميعا. فالدنيا المذمومة هي في داخلك أنت، والتعلق بغير صاحب القلب، هو الموجب للسقوط. وجميع المخالفات لأوامر الله وجميع المعاصي والجرائم والجنايات التي يُبتلى بها الإنسان، كلها من “حب النفس” الذي يولِّد “حب الدنيا” وزخارفها، وحب المقام والجاه والمال ومختلف الأماني.  وفي الوقت نفسه فإن أي قلب لا يمكنه -فطريا- أن يتعلق بغير صاحب القلب الحقيقي لكن هذه الحجب الظلمانية والنورانية هي التي تجعلنا نميل خطأً واشتباهاً نحو غير صاحب القلب، وهي ظلمات فوقها ظلمات.

نحن وأمثالنا لم نصل إلى الحجب النورانية بعد، ومازلنا أسرى الحجب الظلمانية! فمن قال: “هب لي كمال الانقطاع إليك، وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك، حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور، فتصل إلى معدن العظمة”(16- مقطع من المناجاة الشعبانية.)  فقد اخترق الحجب الظلمانية وتعدَّاها. أما الشيطان الذي خالف أمر الله ولم يسجد لآدم، فقد رأى نفسه عظيماً، لأنه كان في الحجب الظلمانية و{.. قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ ..}(الأعراف/12). جعلته يُطرد ويُبعد عن ساحة الربوبية! نحن أيضاً، مادمنا في حجاب النفس والأنانية، فنحن شيطانيّون مطرودون من محضر الرحمن، وما أصعب

تحطيم هذا  الصنم الذي يعدُّ “أم الأصنام”. فنحن ما دمنا خاضعين لله (جل وعلا) ولا مطيعين لأوامره، وما لم يُحطَّم هذا الصنم؛ فإن الحجب الظلمانية لن تتمزق ولن تُزال. علينا أن نعرف ما هو الحجاب أولاً، فنحن إذا لم نعرفه، لن نستطيع المبادرة إلى إزالته، أو تضعيف أثره -أو في الأقل- الحد من تزايد رسوخه وقوته بمرور الوقت.

روي أن بعض أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كانوا معه فسمعوا صوتاً مهيباً، فسألوا: ما هذا الصوت؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم “إنه صوت حجر كان قد ألقي إلى جهنم قبل سبعين سنة، وقد بلغ قعرها الآن”(18- علم اليقين ج2 المقصد الرابع، الباب13 الفصل الرابع.) بعدها علموا أن كافراً كان قد مات حينها عن سبعين سنة من العمر. وإذا صح الحديث فإن من سمعوا الصوت لا بد أنهم كانوا من أهل الحال، أو قد يكون الأمر قد تمَّ بقدرة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قاصداً إسماع الغافلين وتنبيه الجاهلين. أما إذا لم يصح الحديث -ولا أذكره بالنص- فإن الأمر في حقيقته كذلك، فنحن نقضي عمراً باتجاه جهنم. فنحن نمضي العمر بتمامه نؤدي الصلاة -التي تعد أكبر ذكر لله المتعال- ونحن معرضون عن الحق تعالى، وعن بيته العتيق، متوجهين إلى الذات والى بيت النفس. وكم هو مؤلم أن الصلاة التي ينبغي أن تكون معراجاً لنا، وترفعنا

إليه وإلى جنة لقائه تعالى تكون سيراً نحو أنفسنا وباتجاه منفى جهنم.

شاهد أيضاً

آداب الأسرة في الإسلام

رابعاً : حقوق الأبناء : للأبناء حقوق علىٰ الوالدين ، وقد لخّصها الإمام علي بن ...