الرئيسية / زاد الاخرة / وصية الإمام الخميني(قده) إلى السالكين

وصية الإمام الخميني(قده) إلى السالكين

محضر الحق

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وصية من أب هَرِمٍ قضى عمراً بالبطالة والجهالة، وهو الآن سائرٌ إلى العالم السرمدي بكف خالية من الحسنات، وصحيفة سوَّدتها السيئات، يحدوه الأمل بمغفرة الله والرجاء بعفوه..

إلى إبنٍ شاب تتجاذبه مشاكل الزمان، وهو مخير بين انتخاب الصراط الإلهي المستقيم (هداه الله إليه بلطفه المطلق) وبن اختيار الطريق الآخر -لا سمح الله- حفظه الله من مزالقه برحمته.

أي بني، الكتاب الذي أهديه إليك هو نفحةٌ من صلاة العارفين، والسلوك المعنوي لأهل السلوك، رغم أن قلم من هو مثلي عاجزٌ عن تبيان مسيرة هذا السفر، وأعترف بأن ما كتبته لا يخرج عن حدِّ بعض الألفاظ والعبارات، فأنا لم أحصل إلى الآن على بارقة من هذه النفحة.

ولدي، إنّ ما في هذا “المعراج” هو الغايةُ القصوى لآمال أهل المعرفة، وقد قصرت أيدينا عنها:

” أسحب الشباك فالعنقاء لا تكون صيدا لأحد”(1- جزء من بيت شعر لحافظ الشيرازي).

ولكن!! لا ينبغي لنا اليأس من ألطاف الله الرحمن؛ فهو -جل وعلا- الآخذ بأيدي الضعفاء، ومعين الفقراء.

عزيزي.. الكلام هو في السفر من الخلق إلى الحق تعالى،ومن الكثرة إلى الوحدة، ومن الناسوت إلى ما فوق الجبروت، إلى حد الفناء المطلق الذى  يحصل في السجدة الأولى، والفناء عن الفناء -هو الذي يقع في السجدة الثانية – بعد الصحو- وهذا هو تمامُ قوس الوجود (من الله وإلى الله) وفي تلك الحال ليس من ساجد ومسجود له، ولا عباد ومعبود، فـ{هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ..}(الحديد/3).

ولدي، ما أوصيك به -بالدرجة الأولى- هو أن لا تُنكر مقامات أهل المعرفة، فالإنكار سُنَّةُ الجُهال، واتَّقِ معاشرة مُنكري مقامات الأولياء، فهم قُطّاع طريق الله تعالى.

بني:

تحرر من حبِّ النفس والعجب، فهما إرثُ الشيطان فبالعُجب وحبّ النفس تمرَّدَ على أمر الله

بالخضوع لوليّ الله وصفيه (جل وعلا).

واعلم ‍‍!! أن جميع ما يحلّ ببني آدم من مصائب ناشىءٌ من هذا الإرث الشيطاني، فهو أصل الفتنة، وربما تشير الآية الكريمة {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ..}(البقرة/193) في بعض مراحلها (مستوياتها) إلى الجهاد الأكبر، وقتال أساس الفتنة وهو الشيطان وجنوده. ولهؤلاء فروعٌ وجذورٌ في أعماق قلوب بني الإنسان كافة، وعلى كل إنسان أن يجاهد “حتى لا تكون فتنة” داخل نفسه وخارجها، فإذا حقق هذا الجهاد النصر، صلحت الأمور كافة وصلُح الجميع.

بني:

اسعَ لتحقيق هذا النصر أو بعض درجاته، إجتهد واعمل للحد من الأهواء النفسانية التي لا حد لها ولا حصر، واستعن بالله -جل وعلا- فإنه لا يصل أحد لشي من دون عونه؛ والصلاة -معراج العارفين وسفر العاشقين- سبيل الوصول إلى هذا المقصد.

ولو كان لك ولنا توفيقُ تحقُّق ركعة واحدة منها، ومشاهدة الأنوار المكنونة فيها، ومعرفة أسرارها الخفية -ولو على قدر ما نطيقة نحن- لحصلنا على نفحة من مقصد أولياء الله -ومقصودهم؛ ولشاهدنا

صورةً مصغّرة لصلاة معراج سيد الأنبياء والعرفاء -عليه وعليهم وعلى آله الصلاة والسلام- نسأل الله أن يمن علينا وعليكم بهذه النعمة العظمى.

الطريق إذاً طويل وخطيرٌ جدا، ويستلزم الراحلة والكثير من الزاد، وزادُ أمثالي إما معدوم أو قليلٌ جدا فما من أمل إلا أن يشملنا لطف الحبيب -جل وعلا- فيأخذ بأيدينا.

عزيزي، استثمر ما بقي من الشباب، ففي الشيخوخة يضيع كل شيء، حتى الإلتفات إلى الآخرة والتوجه إلى الله تعالى.

إن من كبريات مكايد الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، أن تمني الشباب بوعود الصلح والإصلاح عند حلول الشيخوخة، فتُخسرهم شبابهم الذي يضيع بالغفلة. وأما الشيبة، فتُمنيهم بطول العمر حتى اللحظات الأخيرة، وتصد الإنسان -بوعودها الكاذبة- عن ذكر الله والإخلاص له، إلى أن يأتي الموت، وعندها تأخذ منه الإيمان، إن لم تكن قد أخذته منه كاملا قبل ذلك الحين.

إذن؛ فانهض للمجاهدة وأنت شابٌّ تمتلك قوة كبرى، واهرب من كل شيء ماعدا الحبيب -جل وعلا- وعزِّز بما استطعت ارتباطك به تعالى إن كان لديك ارتباط.

أما إذا لم يكن لديك ذلك -والعياذ بالله- فاسعَ

للحصول عليه، واجتهد في تقويته، فليس هناك ما يستحق الإرتباط به سواه تعالى، وإذا لم يكن التعلُّق بأوليائه تعلقا به تعالى ففيه مكيدةٌ من حبائل الشيطان الذي يصدُّ عن السبل إلى الحق تعالى بكل وسيلة.

ولاتنظر أبداً إلى نفسك وعملك بعين الرضا؛ فقد كان أولياء الله الخُلّص يرون أنفسهم لا شيء، وأحيانا كانوا يرون حسناتهم من السيئات.

بني، كلما ارتفع مقام المعرفة، تعاظمَ الإحساس بحقارة ما سواه -جل وعلا.

في الصلاة -مرقاةُ الوصول إلى الله- هناك تكبير وارد بعد كل ثناء كما أن دخولها بالتكبير، وتلك إشارةٌ إلى أنه تعالى أكبر من كل ثناء حتى من أعظم ثناء وهو الصلاة. وبعد الخروج هناك “تكبيرات” تشير إلى أنه أكبر من توصيف الذات والصفات والأفعال.

ماذا اقول؟!

من الذي يصف وبأيَّ وصف؟!

وكل العالم من أعلى مراتب الوجود إلى أسفل سافلين هو لا شيء إذ إنَّ كل ما هو موجودٌ هو تعالى لا غير؟!

فماذا يمكن أن يُقال عن الوجود المطلق؟!

ولولا أمر الله وإذنه -جلّ وعلا- فربما لم يتحدث عنه بشيء أي من الأولياء، وإن كان كل ما هو موجود حديثاً عنه لا عن سواه!! والكلُّ عاجز عن التمرد عن ذكره، فكل ذكر ذكرُه:

{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ..}(الإسراء/23).

و{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}(الفاتحة/5). لعلها خطاب بلسان الحق تعالى إلى جميع الموجودات:

{..وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ..}(الإسراء/44). وهذه أيضا بلسان الكثرة، وإلا فإنه هو الحمد والحامد والمحمود “إنَّ ربَّك يُصلِّي”(6- أصول الكافي ج2 كتاب الحجة، باب مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحديث 13.) و{الله نورُ السَّموات والأَرْض}

 ‍‍ ولدي.. ما دُمنا عاجزين عن شكره وشكر نعمائه التي لا نهاية لها، فما أفضل لنا من أن لا نغفل عن خدمة عباده، فخدمتهم خدمة للحق تعالى، فالجميع منه!

علينا أن لا نرى أنفُسنا -أبداً- دائنين لخلق الله عندما نَخدِمُهُم، بل هُم الذي يُمنُّون علينا حقا، لكونهم وسيلة لخدمة الله جل وعلا.

ولا تسعى لكسب السمعة والمحبوبيّة من خلال هذه الخدمة، فهذه بحدِّ ذاتها من حبائل الشيطان التي يُوقعنا بها.

واختر في خدمة عباد الله ما هو الأكثر نفعاً لهم وليس ما هو الأنفع لك ولأصدقائك، فمثل هذا

الاختبار هو علامةُ الإخلاص لله جل وعلا.

ولدي العزيز؛ إن الله حاضرٌ، والعالم محضره، ومرآة نفوسنا هي إحدى صحائف أعمالنا، فاجتهد لاختيار كلِّ عمل يُقربك إليه، ففي ذلك رضاه جل وعلا.

لا تعترض عليَّ -في قلبك- بأن لو كُنت صادقاً، فلماذا أنت نفسُك على غير هذه الحال؟! فأنا نفسي على علم بأنّي لا أتَّصف بأي من صفات أهل القلوب، ولدي خوفٌ من أن يكون هذا القلم في خدمة إبليس والنفس الخبيثة؛ فأحاسَبُ على ذلك غداً، ولكن أصل هذه المطالب حقُّ، وإن كانت مكتوبةً بقلم من هو مثلي ممن لم يبعد عن الخصال الشيطانية.

وألجأ إلى الله تعالى في أنفاسي الأخيرة آملاً من أوليائه النجاة والشفاعة.

اللهم.. خُذ أنت بيد هذا العجوز العاجز، وأحمد الشاب، واجعل عواقب أمورنا خيراً..

واجعل لنا سبيلاً إلى جلالك وجمالك، برحمتك الواسعة.

والسلام على من اتبع الهدى

ليلة 15 ربيع المولود 1407 هـ ق

روح الله الموسوي الخميني

شاهد أيضاً

السيد رئيسي افتتح معرض القدرات التصديرية: قوة الإنتاج لا تقلّ عن القوة العسكرية

لفت رئیس الجمهوریة الإسلامية في إيران السید إبراهیم رئیسي إلى أنّ الحظر شكل من أشكال ...