الرئيسية / تقاريـــر / الصبر ومقاماته قراءة في كتاب جنود العقل والجهل للإمام الخميني بقلم سالم الصباغ

الصبر ومقاماته قراءة في كتاب جنود العقل والجهل للإمام الخميني بقلم سالم الصباغ

ما أحوجنا في هذه الأيام من أن ننتزع أنفسنا إنتزاعاَ ولو لساعات قليلة من هموم الحياة اليومية وهي كثيرة ولاتنتهي ، ونعيش مع القيم والدروس الأخلاقية للعارفين وأولياء الله الصالحين ، لعل الله ببركة الإستماع لنصائحهم والشرب من معين زلال معارفهم ، أن يمن الله علينا بقطرة من بحر جودة أو نظرة من عين رضاه ، وكما يقول القائل :
( قطرة من بحر جودة تملأ الأرض رياَ ونظرة من عين رضاه تجعل الكافر ولياَ )

الصبر وضده الجزع 

وسوف أتحدث في هذا المقال عن درس ( الصبر وضده الجزع ) من كتاب جنود العقل والجهل للإمام الخميني رضوان الله عليه ، لإحتياجنا الشديد أن نستعين بالصبر والصلاة كما أمرنا الله عز وجل في القرأن الكريم …
وأبدأ في هذا المقال بعرض ملخص شديد للمعادلة التي يستخدمها الإمام الخميني في إستعراضه لجنود العقل والجهل في كتابه ، تتلخص هذه المعادلة أو النظرية في الأتي :
1 ـ أن للعقل 75 من الحنود على رأسها ( الخير ) ، وأن للشر 75 من الجند على رأسها ( الشر ) ويدور صراع في العالم الخارجي وفي النفس بين المعسكرين .
2 ـ أن السعي للخير وجنودة ومعرفتها من ( الفطرة المخمرة الأصلية ) بيد القدرة الألهية فى كل إنسان.
3 ـ وأن كراهية الشر ومقاومته من ( الفطرة المخمرة التابعة ) أيضا بيد القدرة الألهية.
4 ـ أن الشر وجنوده من ( الفطرة المحجوبة)، أي أن إحتجاب فطرة الخير التي فطرنا الله عليها بحجب الغفلة والمعاصي والشهوات ينتج عنها ( الشر )
ومثال لتوضيح ذلك:
ــ خُلق ( الصبر ) هو من جنود العقل ومن ( الفطرة المخمرة الأصلية ) التى فطر الله الناس عليها …
ـ وخلق( الجزع ) هو من جنود ( الجهل ) ومن ( الفطرة المحجوبة)
ـ وخلق ( مقاومة الجزع ) هو من جنود العقل ومن ( الفطرة المخمرة التابعة )للفطرة الأصلية.
وبتبسيط أكثر :
لا يجب أن يتخلق الإنسان فقط بالأخلاق الحسنة ويتجنب الأخلاق الشريرة ، بل يجب عليه أن يقاوم الأخلاق الشريرة .
ولا يكفي أن يكون الإنسان عادلاَ أو محباَ للعدل ، بل يجب أن يكره الظلم ويقاومه …
والأن وبعد هذه المقدمة ندخل في موضوع الصبر :

ـ أولاً : ما المقصود بالصبر ؟ : ( هو حبسُ النفْسِ عن جزعٍ كامنٍ عن الشكوى )
ـ أي أن الصبرَ مُتَقَوَّمٌ بأمرين:
الأول : كراهة باطنية للمصائب الواردة .
الثاني : الامتناع عن إظهار الشكوى والجزع .

ـ ولكن ما المقصود بالشكوى الممتنع عنها ؟
(هي الشكوى لغير الحق أما الشكاية إلى الله فهي لا تتنافى مع مقام الصبر .. كما أن أيوب – عليه السلام – شكا إلى الله حيث قال تعالى :
{ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } ص/41
ومع هذا قال الله في حقه : { إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } ص/44

ـ والصبر في هذه الحال من مقامات (المتوسطين ) .. والدرجة الرفعى هي :
(الرضا بقضاء الله)

ففي الحديث : عن الباقر – عليه السلام – في طفولته سأل جابر بن عبد الله :
(كيف تجد حالك ؟ .. قال: أنا فى حال الفقر أحبُّ إليَّ من الغنى، والمرض أحبُّ إليَّ من الصحة،
والموت أحبُّ إلى من الحياة )
فقال الإمام عليه السلام :
( أما نحن ـ أهلَ البيتِ ـ فما يرد علينا من الله من الفقر والغنى والمرض والصحة والموت والحياة فهو أحب إلينا ) .

ـ ما معنى ذلك ؟
معناه أن مقام الولاية مقامٌ تقع فيه الواردات تحت سيطرة الولي الكامل ، فلو أُعْطِيَ مُلكَ العالمِ كلِّه أو أُخِذَ منه كلُّ شيءٍ لا يؤثر في قلبه شيء ، أو لو أن العالم كله قلادة في عنقه ثم وقعت منه ماألتفت إليها .

ـ ثانياً : مراتب الصبر :
عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم :
ـ الصبر ثلاثة : صبر عند المصيبة .. وصبر على الطاعة .. وصبر عن المعصية .

1- فمن صبر عند المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب الله له ثلاثمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء إلى الأرض .
2- ومن صبر على الطاعة ، كتب الله له ستمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى العرش .
3- ومن صبر عن المعصية كتب الله له تسعمائة درجة ما بين الدرجة إلى درجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش ) .

ـ الدرجة الأولى : ( الصبر على المصائب ) :
1- أن يتملك الإنسان نفسه .
2- لا يشكو ولا يجزع عند الخلق ولكن يتجلد .
3- مع العلم بأن التجلد في مذهب العشق والمحبة عيب كبير !! .

ـ الدرجة الثانية : ( الصبر على الطاعة ) : 
ـ وله مقامات :
ـ المقام الأول : الصبر في مقاومة النفس والشيطان .
ـ المقام الثاني : الصبر في مقاومة عجب النفس بسبب الطاعات .
ـ المقام الثالث : الصبر على الحقائق , وهذا المقام خاص بالأولياء الكمل , وهو يعني :
1- عدم النظر إلى الجنة ونعيمها .
2- ألا يكون في قلبه إلا الله .
3- الرجوع إلى الله دون صبغة الأسماء : { يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي } (الفجر/27-30).

ـ الدرجة الثالثة : ( الصبر عن المعصية ) : وهو يعني :
1- جهاده لنفسه ولجنود إبليس .
2- بالاستقامة والمثابرة يتغلب عليهما .
3- من تخطى هذه الدرجة سهلت عليه الدرجات الأخرى .

ـ وثمة سؤال قد يتبادر إلى الأذهان حين تجتمع الآيات والأحاديث التي تصف اتساع الجنة :
فكيف وصف الله الجنة فى القرآن بأن عرضها السموات والأرض .. وفى الحديث سعة الدرجة الواحدة من درجاتها أكثر من السموات والأرض أو أكثر من المسافة من الأرض إلى العرش ؟

ـ والإجابة على قدرنا والله أعلم , لعل المقصود بالجنة المذكورة فى القرآن هي (جنة الأعمال) وهي المتعلقة باللذائذ المادية من طعام وفاكهة وحور، وقصور .
وعند العارفين هناك جنات أعلى وهي ( جنة الأسماء والصفات ) ، ( وجنة الذات ) .. ولعلها المقصودة فى الرواية الشريفة .

ـ ثالثاً : بعض مراتب أهل السلوك والعارفين :
1- الصبر لله : أي الصبر فى السفر من بيت النفس المظلم إلى الله .
ـ وهو المقصود بقوله تعالى : { وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } (النساء/100).
فالمقصود بالبيت عند العارفين هو ( النفس ، أو عالم الطبيعة ) ..
والمقصود بالموت هو ( الموت الإرادي عن شهوات العالم ) .
2- الصبر بالله : وهو أن يكون سفرك هذا بالله متوكلاً عليه .
3- الصبر على الله : هو أن يرى السالك جميع البليات هي تجليات أسمائية وصفاتية .
4- الصبر في الله : فهو لأهل الحضور الذين شاهدوا جمال الأسماء , والصبر هنا هو في المحافظة على القلب عن الاستهلاك والاضمحلال .
5- الصبر في الله : فهو لمشاهدة جمال الذات .
6 ـ الصبر عن الله : وهو أعظمها ، وهو المقصود بقول أمير المؤمنين (علي ) عليه السلام في دعاء كميل : ( وهبني صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك )

وفي هذه الدرجات الست للصبر يذكر الإمام الخميني هذه الرواية :
روي أن شاباً من المحبين سأل الشبلي عن الصبر فقال :
أي الصبر أشد ؟
فقال : الصبر لله ـــــــــــــ فقال : لا
فقال : الصبر بالله ــــــــــــ فقال : لا
فقال : الصبر على الله ــــــــــ فقال : لا
فقال : الصبر فى الله ـــــــــــ فقال : لا
فقال : الصبر مع الله ـــــــــــ فقال: لا
فقال: ويحك فأي ؟!!! .. فقال : الصبر عن الله .. فشهق الشبلي فخر مغشياً عليه .
( من كتاب شرح منازل السالكين للمولى عبد الرازق الكاشاني )

ـ رابعاً : في بيان أن الصبر من جنود العقل ومن لوازم الفطرة المخمرة وأن الجزع وعدم التحمل من جنود الجهل ومن لوازم الفطرة المحجوبة :

والمقصود أن الصبر من الفطرة التى تحب الكمال الطلق ، والكمال المطلق هو الله ، فكل مايرد عليه هو من اللهو إن كان حسب الطبيعة هو غير ملائم له … والعكس إذا حجبت هذه الفطرة بحجب الدنيا والنفس .

(اعلم أن الإنسان مفطور على حب الكمال والجمال وحب الله والتوجه إليه .
فكل ما يرد عليه فهو من الله ، وإن كان حسب الطبيعة غير ملائم له ، فيجب عليه أن لا يظهر الجزع ؛ لأن الجزع مما يرد من الحق تعالى يعد عيبا .
فإذا احتجبت الفطرة الطبيعية وغلب على مرآة قلبه رين الإعجاب بالنفس وحبها، فحينئذ يجزع من الواردات ويكون غير صابر على فقدان المطلوبات الطبيعية .
أما الرجل الروحاني، الذي هو على فطرته الأصلية الموهوبة من الله فيصبر ويثبت في كل شيء، وتغلب قوة روحه على المطلوبات الطبيعية، ولا يضطرب في الحوادث لأنه متحرر من حب الدنيا والنفس.
ففقدانها لا يجعله مضطربا لأن جميع الزلات تنشأ عن حب الدنيا والنفس .
والمبدأ الأصلي للاحتجاب هو الاحتجاب بحجب الدنيا والنفس، فالحجب الظلمانية التي وردت في الحديث الشريف هي حجب الدنيا والنفس .
فالفطرة التي تحب الكمال المطلق، إذا احتجبت بحجاب الطبيعة والنفس، تظن الكمال في المطلوبات الطبيعة والنفسانية، وتجزع لفقدنها وتضطرب.
وإذا خرجت من هذه الاحتجابات فما لا تستسيغه هو فقط فقدان وصال المحبوب ، ويكون جزعها على فراق المحبوب حقيقيا ، وصبرها عن الله من أصعب الأمور ، والله الهادي ) .

ـ خامساً : الصبر في الأحاديث النبوية :
ـ عن الصادق عليه السلام : ( اصبروا على الدنيا فإنما هي ساعة ، فما مضى منها لا تجد له ألماً ولا سروراً .. وما لم يجئ فلا تدري ما هو، وإنما هي ساعتك التي أنت فيها ، فاصبر فيها على طاعة الله واصبر فيها عن معصية الله ) ( الكافي )
ـ وفى نهج البلاغة : ( لا يعدم الصبور الظفر ، وإن طال الزمن )
ـ وقال عليه السلام : ( من لم ينجه الصبر أهلكه الجزع )

فنسأل الله بحق محمد وآل محمد أن يجعلنا من الصابرين المتحققين بالصبر ويرفعنا إلى مقامات أعلى حتى نفوز بجنة القرب .
وصل اللهم على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
والحمد لله رب العالمين

شاهد أيضاً

الابحاث العرفانية –  السيّد محمّد الحُسين‌ الحسينيّ الطهرانيّ

الابحاث العرفانية –  السيّد محمّد الحُسين‌ الحسينيّ الطهرانيّ کتاب الشمس الساطعة منهج‌ المرحوم‌ القاضي‌ قدّس‌ ...