الرئيسية / الاسلام والحياة / أدب الحوار في أصول الدين

أدب الحوار في أصول الدين

وهكذا . . في قضايا سائر الأنبياء ، صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين .
الجدل بالحقّ : إقامة الحجّة المعتبرة :
ثمّ إنّه قد جاء التعبير عن « الجدال بالباطل » ب‍ « الجدال بغير سلطان » في قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَان أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ ) ( 3 ) و « السلطان » هو « الحجّة » سمّيت به لسيطرتها وتسلّطها على القلوب ( 4 ) .
ومنه يفهم أنّ المراد من « الجدال بالحقّ » ، هو « الجدال بالحجّة » .
لكنّ « الحجّة » إنّما يحصل لها « السلطان » على القلوب إذا كانت
( بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) ( 1 ) فلذا أمر اللّه تعالى بذلك . . . .
وفي هذا إشارة إلى آداب البحث والمناظرة والجدل . . . .
لقد فُسّرت الكلمة ب‍ : الطريقة التي هي أصلح وأقرب للنتيجة والنفع ( 2 ) . . وهو تفسير صحيح يتناسب مع المواضع المختلفة التي استعملت فيها الكلمة في القرآن الكريم . . . .
قال تعالى : ( وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ) ( 3 ) .
أي : بالطريقة التي هي أعود وأنفع له ( 4 ) .
وقال تعالى : ( وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ) ( 5 ) .
أي : بأن يتكلّموا مع المشركين بالطريقة التي لا تعود بالفائدة على الشيطان في تحصيل مقاصده من الوقيعة بين المؤمنين وبين
المشركين ( 1 ) . . . .
فاللّه سبحانه يريد من المؤمنين أن يكون جدالهم مقروناً بما يعينهم في إقامة الحجّة وإفحام الخصوم وظهور الحقّ على الباطل .
وتلخّص : إنّ الجدال المقبول شرعاً وعقلا هو : الجدال ب‍ : الحجّة المعتبرة ، مع رعاية الآداب . . . .
الحجّة المعتبرة : الكتاب والسُنّة :
و « الحجة المعتبرة » عند المسلمين كافّة هو « القرآن الكريم » و « السُنّة النبوية » . . وهم في كلّ مسألة يقع الجدال بينهم فيها يرجعون إلى الكتاب والسُنّة ، وهذا ما أمر به اللّه تعالى إذ قال :
( . . . فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ ) ( 2 ) .
وقال : ( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً ) ( 3 ) .
وقال : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِن وَلاَ مُؤْمِنَة إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) ( 4 ) .
فكلّ « شيء » وقع التنازع فيه بين الأُمّة ، وكلّ أمر « شجر » بينهم ، يجب ردّه إلى « اللّه والرسول » ، وما كان لأحد منهم « إذا قضى اللّه ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم » ، بل « وربّك » إنّهم « لا يؤمنون » حتّى يحكّموا النبيّ ، « ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً » ممّا قضى « ويسلّموا تسليماً » .
إنّ الرجوع إلى القرآن الكريم واضح لا لبس فيه ، فالقرآن نزل ب‍ : ( لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ ) ( 1 ) ، فإن أمكن استظهار معنى اللفظ فيه ولو بمراجعة المعاجم اللغوية والكتب المعدّة لمعاني ألفاظه فهو . . . إلاّ وجب الرجوع إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم المبعوث به إلى الأُمّة .
فالمسلمون يحتاجون إلى السُنّة النبوية المعتبرة ، لكونها المصدر الثاني ، ولكونها – أيضاً المرجع لفهم ما أُغلق من ألفاظ القرآن ، ومعرفة قيد ما أُطلق ، أو المخصّص لِما ورد ظاهراً في العموم فيه ، وهكذا . . . .
ف‍ « الحجّة المعتبرة » في مقام « الجدال » هي « الكتاب والسُنّة » .
أمّا « الكتاب » فلا ريب في حجّيّته ، والمسلمون متّفقون على تصديقه ، والاحتجاج به في الخصومات .
واتّفقوا أيضاً على حجّيّة « السُنّة » ووجوب تصديقها والاحتجاج بها ، في كلّ باب ، لكنّهم مختلفون في طريق ثبوتها . . . كما هو معلوم . . . .
ومن هنا وجب ومن هنا وجب على « المجادل » أن يحتجَّ منها بما هو حجّةً على الطرف الآخر . . . .
وبعبارة أُخرى ، فإنّ احتجاج المسلمين بعضهم على بعض في المسائل المختلفة يدور في الأغلب مدار القرآن والسُنّة ، أمّا القرآن فقد اتّفقوا على حجّيّته ، وأمّا السُنّة فمنها ما اتّفقوا على تصديقه ، فيكون مرجعاً في الخصومة ، ومنها ما اختلفوا فيه ، وفي هذا القسم لا بُدّ من أن يحتج كلٌّ بما يصدّقه الآخر ، وإلاّ لم تكن « حجّة معتبرة » ، وهذا أمر مسلَّم به عند الكلّ ، ونكتفي هنا بإيراد تصريح به من أحد مشاهير العلماء :
قال ابن حزم الأندلسي – في معرض الحديث عن احتجاج أهل السُنّة على الإمامية – :
« لا معنى لاحتجاجنا عليهم برواياتنا ، فهم لا يصدّقونها ، ولا معنى لاحتجاجهم علينا برواياتهم ، فنحن لا نصدّقها ، وإنّما يجب أن يحتجّ الخصوم بعضهم على بعض بما يصدّقه الذي تقام عليه الحجّة به ، سواء صدّقه المحتجّ أو لم يصدّقه ; لأنّ من صدّق بشيء لزمه القول به أو بما يوجبه العلم الضروري ، فيصير حينئذ مكابراً منقطعاً إن ثبت على ما كان عليه » ( 1 ) .

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...