الوقت- على عكس العديد من الهجمات الدعائية التي تم نشرها قبل الزيارة، فشل بايدن في تحقيق جميع أهدافه تقريبًا من هذه الرحلة. والتقى في تل أبيب والرياض بالقادة الذين يعتبرون حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط، وهي المملكة العربية السعودية والنظام الصهيوني، وذلك من أجل تلبية الاحتياجات الاقتصادية والعسكرية والأمنية للبيت الأبيض، ولكن هذه اللقاءات باءت بالفشل. إن السياسات الأمريكية في غرب آسيا أصبحت أكثر وضوحا. كما ألغى بايدن خلال لقائه بمحمد بن سلمان وإذلاله من قبل الأمير السعودي تصريحاته السابقة حول التعامل مع قاتل جمال خاشقجي، حتى يكتمل سجل الإخفاقات العديدة للرئيس الأمريكي في هذه الرحلة بحقوق الإنسان.
فشل السياسات النفطية
ما لا شك فيه أن أحد أهم أهداف رحلة بايدن إلى المنطقة كانت محاولته إقناع قادة المملكة العربية السعودية بزيادة الطاقة الإنتاجية للنفط وتقليل الآثار الضارة لحرب روسيا في أوكرانيا على الاقتصاد القومي للولايات المتحدة وأوروبا.. وطالب الرئيس الأمريكي خلال رحلته إلى جدة والاجتماع بالعاهل السعودي الملك سلمان، بإنهاء الالتزامات المتبادلة بين الرياض وموسكو في شكل أوبك بلس من أجل الحفاظ على الطاقة الإنتاجية الحالية وزيادة إنتاج السعودية من النفط بمقدار مليوني برميل. ولقد قوبل ذلك في النهاية برد سلبي وحاسم من محمد بن سلمان في قمة جدة، وأعلن الأمير السعودي أن الرياض غير قادرة حاليًا على زيادة مستواها الحالي من النفط البالغة 11 مليون برميل ورفعها إلى 13 مليون برميل يوميا حتى الأشهر المقبلة وليست مستعدة لتكون تحت ضغط الولايات المتحدة بشأن الالتزامات السابقة.
يشار إلى أن السلطات السعودية أعلنت في اجتماعها مع بايدن أنه من أجل زيادة إنتاج النفط يجب أن تتفق مع الروس في إطار “أوبك بلس”. لكن بما أن روسيا قد انخرطت بشكل غير مباشر مع الغرب في الأشهر الأخيرة بسبب الحرب في أوكرانيا، فقد عارضت هذا الطلب بشدة ولا يبدو أنها ستوافق على زيادة إنتاج النفط السعودي في الاجتماعات المقبلة. لأن روسيا التي تواجه عقوبات شديدة من الغرب تحاول استخدام نفوذ الطاقة لضرب أمريكا وأوروبا وستحاول جلب السعوديين معها، وقد نجحت في هذا المجال في الأشهر الخمسة الماضية.
قضية أخرى يمكن الإشارة إليها في فشل زيارة بايدن للسعودية هي أنه إضافة إلى عدم زيادة إنتاجها النفطي، ضاعفت السعودية وارداتها النفطية من روسيا في الأشهر الأخيرة. وبين أبريل ويونيو، استوردت السعودية 647 ألف طن من النفط المستخدم في محطاتها الكهربائية من روسيا، بينما كانت هذه الكمية 320 ألف طن في الفترة نفسها من العام الماضي. هذا بينما تقوم روسيا الآن، بعد العقوبات الغربية، ببيع نفطها إلى دول أخرى بسعر أقل، وقد استغل السعوديون هذه الفرصة وقاموا بشراء النفط الرخيص من روسيا، وذلك لأنهم يريدون زيادة احتياطياتهم النفطية حتى يتمكنوا في المستقبل من تزويد الأسواق والتصدير عالميا بسعر مناسب.
ويمثل بيع النفط الروسي الرخيص تحديًا جديدًا لجو بايدن، حيث تسعى إدارته إلى عزل روسيا ومنعها من تحقيق عائدات ضخمة من صادرات الطاقة. لذلك، من أجل الضغط على الروس، اعتمد الأمريكيون على دعم السعودية التي تشتري النفط من الروس. لذلك لا بد من القول إن أمريكا فشلت في إقناع حلفائها في المنطقة بالانحياز إلى الغرب، لأن استمرار وضع الطاقة الحالي في الأسواق العالمية هو في مصلحة السعوديين. لأنه من ناحية، يمكن للسعوديين شراء النفط الروسي الرخيص ومن ناحية أخرى، من خلال زيادة السعر في الأسواق العالمية، يمكنهم بيع نفطهم بسعر باهظ وكسب الكثير من الدخل بهذه الطريقة.
فشل استراتيجية التكيف
قبل بدء رحلة بايدن إلى المنطقة، تمت مناقشة محاولة دفع فكرة التطبيع الأقصى في العلاقات بين الرياض وتل أبيب كأحد الموضوعات الرئيسية لمفاوضات الرئيس الأمريكي مع الجانبين الإسرائيلي والسعودي. ولقد أظهرت أول رحلة مباشرة من الأراضي المحتلة إلى السعودية من قبل الرئيس الأمريكي أهمية عملية المصالحة الشاملة في الشرق الأوسط كإحدى الأولويات المهمة للسياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة.
أثناء وجوده في تل أبيب، كان يائير لبيد ينتظر بفارغ الصبر جهود الوساطة من الوفد الأمريكي لتسريع عملية تطبيع العلاقات الإسرائيلية مع المملكة العربية السعودية، ولقد وافقت السلطات السعودية فقط على إصدار إذن للطائرات الإسرائيلية بالمرور فوق أراضي البلاد. وبعد انتهاء الرحلة، اقتصر المسؤولون الأمريكيون على الإشارة إلى أن الرياض وتل أبيب أمامهما طريق طويل قبل الوصول إلى التطبيع، حتى يتضح أن الملك سلمان لا يزال يريد الحصول على تنازلات أكبر مقابل نبذ القضية الفلسطينية.
فشل عملية التسوية القصوى في الشرق الأوسط
كان التركيز الرئيسي الآخر في رحلة بايدن إلى المنطقة هو محاولة إحياء محادثات السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. وتحدث بايدن عن لفتته الحيادية في محادثات السلام، عندما قال إنه ليس عليك أن تكون يهوديًا لتكون صهيونيًا عند وصوله إلى الأراضي المحتلة من أجل التعبير عن إخلاصه لقادة الكيان الصهيوني. كذلك، وعلى الرغم من التأكيد على ضرورة التزام الطرفين بفكرة الدولتين وتشكيل دولة فلسطينية مستقلة، رفض الرئيس الأمريكي تغيير قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بشأن الاعتراف بالقدس باعتبارها تابعة للدولة الفلسطينية المستقلة. وعلى الرغم من تقديم مساعدات مالية للمستشفيات الفلسطينية في القدس الشرقية، امتنع بايدن عن رسم سياسات أمريكية تجاه القضايا الرئيسية في الصراع، مثل سياسات الاستيطان الإسرائيلية في الضفة الغربية وتوفير الحقوق الأساسية للفلسطينيين ضد استمرار الاحتلال من قبل النظام الصهيوني وهذا الامر شكل فشلًا آخر في سياساته الإقليمية خلال هذه الرحلة.
فشل مشروع “إيران فوبيا”
ومن المحاور المهمة الأخرى في رحلة بايدن إلى المنطقة جهوده لبناء تحالف إقليمي يتكون من الدول العربية ومحور التسوية والنظام الصهيوني ضد إيران. الرئيس الأمريكي الذي كان قد ذكر قبل رحلته ضرورة إنشاء نظام دفاعي مشترك في جميع أنحاء الشرق الأوسط من أجل ضمان أمن دول المنطقة ضد التهديد الإيراني، في الوقت نفسه الذي حضر فيه قمة جدة رأى أن دول المنطقة تتفهم متطلباتها الأمنية وتريد إنهاء الصراع مع طهران. ولقد اعترف وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان بعدم اقتراح فكرة تشكيل حلف شمال الأطلسي ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والإعراب عن رغبة كبار المسؤولين الإماراتيين في إرسال سفيرهم إلى طهران في الوقت نفسه الذي تعقد فيه قمة جدة وهذا كان مؤشرا على فشل مشروع البيت الأبيض ضد إيران.
بشكل عام، يبدو أن رحلة بايدن إلى المنطقة وزيارته إلى الحليفين الاستراتيجيين القدامى للولايات المتحدة في غرب آسيا، وهما فلسطين المحتلة والمملكة العربية السعودية، قد انتهت دون أي إنجاز واضح، حيث يتضح أن البيت الأبيض غير قادر حتى على فرض إرادته على حلفائه التقليديين. إضافة إلى ذلك، ربما ينبغي على الرئيس الديمقراطي للولايات المتحدة أن يجيب على أسئلة وشكوك الرأي العام في هذا البلد مقابل انحرافه عن المثل الديمقراطية وحقوق الإنسان ووعوده السابقة التي لم يتم الوفاء بها بمعاقبة قتلة جمال خاشقجي.