بناء المجتمع في دولة امير المؤمنين عليه السلام
– الحلقة الخامس عشرة
عبد الستار الجابري
المرحلة الثانية: مرحلة الاصلاح الاجتماعي من موقع ادارة الدولة
تتكون الدولة بطبيعتها من الارض والشعب والسلطة، وادارة البلاد عبارة عن عقد اجتماعي بين الشعب والسلطة، مبني على اسس معينة، فاذا اصبحت الاسس لا تلبي حاجة الشعوب واصرت عليها السلطات ادى ذلك الى ثورة الشعوب ضد السلطات،
وكذلك الحال فيما اذا لم تلتزم السلطات بالاسس التي تحدد طبيعة تعاملها مع الشعوب، ومثال الاول الثورة الفرنسية ومثال الثاني انتفاضة الامصار الرئيسية الثلاث الكوفة والبصرة ومصر ضد ولاة عثمان وتوجه ابنائها الى المدينة المنورة لمطالبة السلطة المركزية باتخاذ اجراءات رادعة للولاة، وحيث لم تستجب السلطة لطلب ابناء الامة بل تآمرت مع والي مصر ووالي الشام للقضاء على التحرك السلمي لابناء الامصار،
انقض بعض المصريين على الخليفة وقتلوه، في الوقت الذي تخلى اهل المدينة مهاجريهم وانصارييهم وقرشييهم عن عثمان ورهطه، لأن عثمان انقلب على مبادئ تدوير السلطة بين القريشيين وهو المبدأ الذي كان الاتفاق عليه بين بطون قريش وعلى اساسه تولى ابو بكر ومن بعده عمر الخلافة واشركا بطون قريش في شؤون ادارة الدولة ولكن لما وصل الامر الى عثمان وتمكن مهندسوا خلافة قريش – بنو امية – من الوصول الى سدة الحكم قلبوا للقرشيين ظهر المجن فما ان حلت السنة السابعة لحكم عثمان بن عفان حتى انقلب على القرشيين ولم يعد لهم حضور في ادارة الدولة الامر الذي جعل من القرشيين صفا معادياً لعثمان وعلى راسهم عائشة بنت ابي بكر والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله فيم اتخذ سعد بن ابي وقاص جانب الحياد السلبي, في ذلك الوقت حاول امير المؤمنين (عليه السلام) منع وقوع صدام دام بين الجماهير المعترضة وقصر السلطة لان العواقب لن تكون سليمة وتفتح على الامة باباً جديداً من الدماء والحروب، الا ان عثمان لم يلتزم بوعوده مما اضطر امير المؤمنين (عليه السلام) الى مغادرة المدينة الى ينبع.
انتهت الاحداث بمقتل عثمان وخروج الامر عن يد قريش والانصار واصبح القرار قرار الامة التي مثلها البصريون والكوفيون والمصريون، فبايعوا امير المؤمنين (عليه السلام) وبايعه الانصار ثم بايعته قريش وبايعت الناس، فكانت اول بيعة بعد يوم الغدير تتم باختيار الامة دون قهر او اجبار او مؤامرة سياسية.
وبهذا تحولت مرحلة الاصلاح من مرحلة ما قبل الدولة الى مرحلة الدولة، ومن مرحلة بناء فئة اجتماعية تحمل هموم الامة الصالحة الى مرحلة تصحيح مسار الامة التي ابتعدت بسبب السياسات الخاطئة عن مسار الحق.
وفي هذا المختصر سنتناول المجالات الخمس التي تحركت فيها السلطة القرشية لحرف مسار الامة عن الاتجاه الصحيح لبناء مجتمع يتماشى مع الاطروحة القرشية وهذه المجالات كما مر عرضها سابقاً:
1. الغاء مرجعية اهل البيت (عليهم السلام) بعد النبي (صلى الله عليه واله).
2. اضافة مرجعيات في عرض مرجعية الكتاب العزيز والسنة النبوية المطهرة.
3. تعديل جملة من الاحكام بما تناغم مع رغبة السلطان او طريقته في ادارة الدولة وان كان ذلك مخالفاً للكتاب والسنة النبوية.
4. دعم المرجعيات الثقافية التي تمتد جذورها الى الفكر التوراتي لسد الفراغ الذي خلفه منع تدوين الحديث ومنع رواية السنة النبوية والاقتصار في الثقافة القرانية على التلاوة فقط.
5. اعتماد التمييز الطبقي على اسس قبلية وقومية بديلاً عن مبدأ المساواة القرآني.
ومن هنا كانت الدعوة الاصلاحية لامير المؤمنين (عليه السلام) والنواة المجتمعية التي عمل على ايجادها في فترة ابعاده عن السلطة تبنت تصحيح المسار في ضمن دائرة الاصلاح المجتمعي في تلك المجالات وسوف يتم التعرض لها على نحو الاجمال:
1. الدعوة الى مرجعية اهل البيت (عليهم السلام)
ان الدعوة القرشية لالغاء مرجعية اهل البيت (عليهم السلام) كانت تعتمد على ركيزتين الاولى تجهيل الامة باهل البيت (عليهم السلام) والثانية اظهار اهل البيت (عليهم السلام) بانهم مجرد ارحام النبي (صلى الله عليه واله) وليس لهم أي قيمة ابعد من ذلك، ولذا كان لابد من العمل على رفع هاتين الحالتين من اذهان المجتمع المسلم، واظهار قيمة اهل البيت (عليهم السلام) على واقعها.
وقد زخرت المرويات عن امير المؤمنين (عليه السلام) بعد توليه الحكم في الاشادة باهل البيت (عليهم السلام) وبيان حقائقهم وشفع ذلك بالسيرة العطرة التي ترجمت الاسلام عملياً والتي حولت النظرة عن اهل البيت (عليهم السلام) خاصة في المجتمع الكوفي الذي عاصر اربع سنوات من حكم امير المؤمنين (عليه السلام).
ومما ورد في هذا المجال جملة من الخطب التي حوت من العلوم والم…