الرئيسية / الشهداء صناع الحياة / ناصر أبو حميد: الأسير المحرّر بالشّهادة

ناصر أبو حميد: الأسير المحرّر بالشّهادة

شوقي عواضة(*)

لم تنصفهم محكمةٌ ولا عدالةٌ في الدّنيا، وكأنّ أسماءهم شطبت من سجلات المنظّمات الأمميّة وجمعيات حقوق الإنسان. حملوا فلسطين في ضميرهم كلّلوها بأوجاعهم وعذاباتهم فأقاموا لها الأعراس خلف الأسلاك الشّائكة وداخل كلّ الزّنازين حيث رسموا حريّتهم على جدرانها ووشموا العهد بدمائهم حتّى تحريرها إنّهم الشّهداء الأحياء والأسرى في سجون ومعتقلات العدوّ الاسرائيلي، منهم من قضى حكماً ومنهم من حكم بعدّة مؤبّدات ومنهم من قضى موتاً فانتصر بعروج روحه كاسراً القيد وهازماً السّجّان. من بين أولئك الشّهداء الأحياء الأسير المحرّر (بالشّهادة) داخل سجنه ناصر أبو حميد الذي قضى نحبه قبل أن يقضي مؤبّداته السّبعة التي أصدرتها بحقّه محاكم الاحتلال الاسرائيليّ فارتقى شهيداً وأسيراً محرّراً بالشّهادة.

بدأت مسيرة المقاوم الشّهيد ناصر أبو حميد وهو في السّابعة عشر من عمره حين تمّ اعتقاله أوّل مرّة قبل انتفاضة 1987 من قبل قوّات الاحتلال الاسرائيليّ حيث أمضى أربعة شهور ليعاد اعتقاله بعد أشهر ويُحكم عليه بالسّجن بعامينِ ونصفٍ. لم تثنِ أحكام المحاكم العسكريّة الصّهيونيّة الشّهيد أبو حميد عن مواصلة نضاله ومقاومته للاحتلال الاسرائيلي، فبعد خروجه من السّجن عاد للعمل المقاوم مستمرا بجهاده حتّى تمّ اعتقاله للمرّة الثّالثة عام 1990 حيث حكم عليه بالسّجن المؤبّد ليفرج الاحتلال عنه بعد أربع سنواتٍ بعد المفاوضات التي جرت حينها.

وليعاود الاحتلال اعتقاله عام 1996 ليمضي ثلاث سنوات ليخرج محرّراً مجدّداً ولاءه لفلسطين منخرطاً بالعمل المقاوم إبّان انتفاضة الأقصى حتّى تمّ اعتقاله مجدّداً عام 2002 والحكم عليه بخمسين سنة إضافةً إلى سبعة مؤبّدات، كلّ مؤبّد ستون سنة وفقاً لما أقرّه (الكنيست) في الكيان الصّهيوني المؤقّت عام 2018. عشرون عاماً حافلةٌ بالمعاناة والعذاب والوجع قضاها الأسير ابو حميد منتقلاً من سجنٍ إلى سجنٍ ومن زنزانةٍ إلى زنزانةٍ بعزمٍ لا يلين وصبرٍ لا ينفد، وعزّةٍ وإباء، عمّدوا بالدّم حتّى العام 2021 حيث أصيب الأسير الشّهيد بمرض سرطان الرّئة في ظلّ إهمالٍ كبيرٍ ومتعمّدٍ من قبل الاحتلال له حتّى ساء وضعه حيث أصيب بإلتهاباتٍ حادّةٍ وتلوّثٍ جرثوميٍّ في رئتيه فتمّ نقله إلى مستشفى (اساف هروفيه) الصّهيوني حيث فارق الحياة لتعرّج روحه إلى بارئها قبل أيّامٍ.

رحل ناصر ابن الخمسين ربيعاً قضى نصفهم متنقّلاً بين غرف التّحقيق والزّنازين والمعتقلات، هاجر ناصر زنزاته دون أن يودّع رفاق المعتقل وأحبّة ينتظرون الاحتفال بعرسه يوم تحريره،

ودون أن يتمرّغ بحضن أمّه الصّابرة المحتسبة ودون أن يحتضن أخوته المعتقلين الأربعة في معتقلات وسجون العدوّ الصّهيوني والمحكومين بمؤبّدات فاقت سنينها عمر الاحتلال الغاصب بكثير.

اعتلت روح الفارس المقاوم صهوة جوادها مفارقة جسده الأسير الذي يصرّ الاحتلال على احتجازه رافضاً تسليمه لذويه حاكماً بحكم الغاب و(قوانين ساكسونيا)

قبل أن تعرّج روح الشّهيد ناصر أبو حميد لبارئها وَشَمت حكايته على جدران الزّنازين في كلّ بصمةٍ حكاية صمود وإباء وفي كلّ زنزانةٍ وقفة عزٍّ سطّرتها مواقف الأسرى داخل المعتقلات وخطّتها وعداً لناصر أبو حميد وكلّ الأسرى والشّهداء وعداً يقول فلسطين لنا والاحتلال إلى زوال.

(*) إعلامي لبناني وأسير سابق

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...