ألف سؤال وإشكال (المجلد الأول) / الصفحات: ٢٤١ – ٢٦٠
الأسئلة
١ ـ هل تصححون هذه الأحاديث؟
٢ ـ وهل تبقونها عامة شاملة لكل من سب صحابياً فتشمل معاوية وغيره من الصابة أنفسهم، أم تحصرونها بمن سب صحابتكم الستة المفضلين أبا بكر وعمر وعثمان وعائشة وحفصة ومعاوية؟! وتبيحون الباقين؟
٣ ـ لماذا لاتحكمون بحرمان الصحابي من الشفاعة إذا سب صحابياً وشتمه، فتحكمون بحرمان عمر من الشفاعة لأنه سب سعد بن عبادة في السقيفة وأمر بقتله، ثم ذم الستة الذين عينهم للشورى ذماً أشد من الشتم! وتحكمون بحرمان معاوية من الشفاعة لأنه لعن أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) على منابر المسلمين؟
٤ ـ إذا كان حب الصحابة ديناً، وسبهم كفراً، فلماذا لم تذكر ذلك آية صريحة في القرآن كآية المودة لأهل البيت (عليهم السلام) ولا أحاديث صريحة متفق عليها من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حب أهل البيت (عليهم السلام) وبغضهم؟!
٥ – ألا ترون أن راية صحابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رفعت بعده في مقابل العترة وأهل البيت؟ وأن أحاديث حب الصحابة وعدالتهم والشهادة لهم بالجنة وتحريم سبهم.. وأمثالها، ما هي إلا نسخة مقابلة للآيات والأحاديث النبوية في أهل البيت (عليهم السلام)؟!
المســألة: ٦٢
هل تؤمنون برب يعبث ويلغو في قوله وفعله؟
روى البخاري:٢/٧٢: (عن أبي هريرة عن النبي (ص) قال: لايموت لمسلم ثلاثة من الولد فيلج النار، إلا تحلَّةَ القسم).
(ورواه في:٧/٢٢٤. ومسلم: ٨/٣٩ وفيه (فتمسه النار) وابن ماجة:١/٥١٢والنسائي:٤/٢٢ و٢٥ بعدة روايات وفي بعضها:فتمسه النار. والترمذي:٢/٢٦٢ وأحمد:٢/٢٤٠ و٢٧٦ و٤٧٣ و٤٧٩ والبيهقي في سننه:٤/٦٧و:٧/٧٨ ومجمع الزوائد:١/١٦٣و:٥/٢٨٧وكنز العمال: ٣ /٢٨٤ و٢٩٣ و:٤/٣٢٣ و:١٠/٢١٦ والدر المنثور: ٤/٢٨٠ وفي عدد من رواياته: تمسه النار. وفي عدد آخر: يلج النار، وفي أكثرها (تحلة القسم).
ومقصودهم بالقسم قوله تعالى: (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ). (سورة هود: ١١٩) وقوله تعالى: (وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلُّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ). (سورة السجدة: ١٣)
فيكون المعنى أن هذا الوالد الذي خسر أولاده الثلاثة يستحق الجنة لكن يجب عليه أن يدفع ضريبة يمين الله تعالى، ويدخل النار لمدة قليلة، حتى لا يكون الله حانثاً بقسمه!
وفكرة تحلة القسم فكرة يهودية، تقول إن الله تعالى وعد يعقوب أن لايعذب أولاده إلا (تحلة القسم) (تفسير كنز الدقائق:٢/٤٧)
فالله تعالى عندهم مثل حاكم دنيوي بنى سجناً وأقسم أن يملأه من المجرمين، ولما وجد أنه كبيرٌ لم يمتلئ بالمجرمين الموجودين، أمر شرطته أن يقبضوا على الناس من الشارع ويضعوهم في السجن حتى يملؤه ويفي بيمينه،
ولا يكون كاذباً!
ولكنه منطق يرفضه العقل والقرآن لمنافاته لقوانين الحق والعدل الإلهي التي أقام الله تعالى عليها الكون والحياة، وأنزلها في كتابه وأوحى بها إلى رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) فخضع لها العلماء والفلاسفة والمفكرون!
وقد حاول بعضهم أن يجعل القسم قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً. ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً) (مريم:٧١ ـ ٧٢)، لكنه تفسير من الرواة، لأنه ليس في هذه الآية قسم حتى يكون ورودهم تحلة للقسم، ولأن الورود فيها يتحقق بالمرور من فوق النار، بينما تعبير البخاري وغيره الولوج والدخول في النار!
ومن مفارقات البيهقي أنه رد تفسيرهم لتحلة القسم بهذه الآية من سورة مريم كما في سننه:١٠/٦٤، بحجة أنه يحلل التلاعب بالأيمان، وكأن التلاعب بالأيمان حرام على الناس حلال على الله تعالى!
الأسئلة
١ ـ ما ذنب هذا الوالد وغيره من المساكين الذين أدخلتهم صحاحكم في جهنم ظلماً وعدواناً، لتحليل يمين الله تعالى؟!
٢ ـ هل أنتم حاضرون من أجل تصحيح البخاري أن تنسبوا إلى الله تعالى العبث واللغو والظلم؟!
٣ ـ لماذا لاتعترفون بتأثير كعب الأحبار
واليهود على تصور الصحاح السنية لله تعالى وأفعاله؟!
المســألة: ٦٣
ما هو موقفكم من المرجئة؟
كان اليهود أسبق الأمم إلى تحريف الدين وتعويم قانون العقوبة الإلهي، فقد أسقطوا المحرمات عن أنفسهم تجاه الأمم الأخرى، وقالوا إن الإيمان أمرٌ في القلب، مهما كان عمل الإنسان!
وهذا هو بالضبط مذهب المرجئة الذي زرعه اليهود في عقائد المسلمين، عن طريق بعض الصحابة!
وقد روت مصادر السنة والشيعة أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبر بظهور المرجئة والقدرية في أمته وحذر من خطرهم، وأنهم لا تنالهم شفاعته، لأنهم يحرفون الإسلام ويشوشون أمر الأمة من بعده.
ففي مجمع الزوائد:٧/٢٠٧: (عن أنس بن مالك قال رسول الله (ص): صنفان من أمتي لايردان عليَّ الحوض ولايدخلان الجنة، القدرية والمرجئة. رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح غير هارون بن موسى الفروي وهو ثقة). (وروى الترمذي نحوه:٣ /٣٠٨)
وفي مجمع الزوائد:٧/٢٠٣: (عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله (ص): ما بعث الله نبياً قط إلا وفي أمته قدرية ومرجئة يشوشون عليه أمر أمته. ألا وإن الله قد لعن القدرية والمرجئة على لسان سبعين نبياً). (راجع الخصال ص٧٢ وثواب الأعمال ص٢١٢).
وقد ولد مذهب المرجئة في عهد عمر، وقالوا إن الإيمان قول بلا عمل! فهو معنى قول عمر إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال له: (ياعمر إنك لاتسأل عن أعمال الناس، ولكن تسأل عن الفطرة)! (الدر المنثور:٢/١١٦).
وهو معنى توسيعات عمر المتقدمة للشفاعة لكل من نطق بالتوحيد!
وهو معنى قول عبد الله بن عمرو بن العاص: (قال رسول الله (ص): من لقي الله لايشرك به شيئاً لم تضره معه خطيئة)! (مسند أحمد:٢/١٧٠) وهو معنى ما رواه الترمذي:٣/٨٧: أن النبي (ص) سمع ذات يوم رجلاً يقول: الله أكبر الله أكبر، فقال: على الفطرة. فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: خرجت من النار)! (ونحوه في مسلم:٢/٤ وأحمد:٣/٢٤١)
وقد تصدى علي والأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) لرد هذه التحريفات:
ففي علل الشرائع للصدوق:٢/٦٠٢، عن علي (عليه السلام) قال: (يحشر المرجئة عمياناً، إمامهم أعمى، فيقول بعض من يراهم من غير أمتنا: ما تكون أمة محمد إلا عمياناً! فأقول لهم: ليسوا من أمة محمد، لأنهم بدَّلوا فبدل ما بهم، وغيَّروا فغير ما بهم).
وأول ما أطلق اسم المرجئة رسمياً على المتخلفين عن بيعة علي (عليه السلام) ونصرته على الفئة الباغية.
قال النعماني في شرح الأخبار:٢/٨٢: (فأما المتخلفون عن الجهاد مع علي (عليه السلام) وقتال من نكث بيعته ومن حاربه وناصبه، فإنه تخلف عنه في ذلك من المعروفين من الصحابة: سعد
بن أبي وقاص وكان أحد الستة الذين سماهم عمر للشورى، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، ومحمد بن سلمة، واقتدى بهم جماعة فقعدوا بقعودهم عنه، ولم يشهدوا شيئاً من حروبه معه ولا مع من حاربه. وهذه الفرقة هم أصل المرجئة وبهم اقتدوا، وذهب إلى ذلك من رأيهم جماعة من الناس وصوبوهم فيه وذهبوا إلى ما ذهبوا إليه، فقالوا في الفريقين في علي ومن قاتل معه وفي الذين حاربوه وناصبوه ومن قتل من الفريقين: إنهم يخافون عليهم العذاب ويرجون لهم الخلاص والثواب، ولم يقطعوا عليهم بغير ذلك وتخلفوا عنهم. والإرجاء في اللغة التأخير فسموا مرجئة لتأخيرهم القول فيهم، وتأخرهم عنهم ولم يقطعوا عليهم بثواب ولا عقاب، لأنهم زعموا أنهم كلهم موحدون ولا عذاب عندهم على من قال: لا إله إلا الله، فقدموا المقال وأخروا الأعمال فكان هذا أصل الإرجاء، ثم تفرق أهله فرقاً إلى اليوم يزيدون على ذلك من القول وينقصون). انتهى.
وهو يدل على أنهم تمسكوا بمقولة كعب وعمر وعبد الله بن عمرو بن العاص، التي تكتفي لدخول الجنة بالتوحيد بدون عمل.
وقد أحب المستشرقون المرجئة لأنهم يسقطون فرائض الإسلام ويقولون كما يقول اليهود والنصارى: لايضر مع الإيمان عمل!
قال الدكتور حسن إبراهيم في كتابه تاريخ الاسلام:١/٤١٦: (وهي طائفة المرجئة التي ظهرت في دمشق حاضرة الأمويين بتأثير بعض العوامل المسيحية خلال النصف الثاني من القرن
الأول الهجري. وقد سميت هذه الطائفة المرجئة من الإرجاء هو التأخير، لأنهم يرجئون الحكم على العصاة من المسلمين إلى يوم البعث. كما يتحرجون عن إدانة أي مسلم مهما كانت الذنوب التي اقترفها… وهؤلاء هم في الحقيقة كتلة المسلمين التي رضيت حكم بني أمية، مخالفين في ذلك الشيعة والخوارج. ومع هذا فإنهم يتفقون في العقيدة إلى حد ما مع طائفة المحافظين وهي أهل السنة، وإن كانوا ـ كما يرى فون كريمر ـ قد ألانوا من شدة عقائد هؤلاء السنيين باعتقادهم (أنه لا يخلد مسلم مؤمن في النار) وعلى العموم فهم يضعون العقيدة فوق العمل. وكانت آراؤهم تتفق تماماً مع رجال البلاط الأموي ومن يلوذ به، بحيث لايستطيع أحد من الشيعيين أو الخوارج أن يعيش بينهم، في الوقت الذي تمكن فيه المسيحيون وغيرهم من المسلمين أن ينالوا الحظوة لديهم، أو يشغلوا المناصب العالية). انتهى.
ويكشف لنا النص التالي عن الإمام الصادق (عليه السلام) سر تقريب بني أمية لهم، قال (عليه السلام): (لعن الله القدرية، لعن الله الخوارج، لعن الله المرجئة لعن الله المرجئة. قال قلت: لعنت هؤلاء مرة ولعنت هؤلاء مرتين! قال: إن هؤلاء يقولون إن قتلتنا مؤمنون! فدماؤنا متلطخة بثيابهم إلى يوم القيامة، إن الله حكى عن قوم في كتابه: (قَالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ
صَادِقِينَ) قال كان بين القاتلين والقائلين خمسمائة عام فألزمهم الله القتل برضاهم ما فعلوا). انتهى. (الكافي:٢/٤٠٩).
ومعنىكلامه (عليه السلام) أن المرجئة زعموا أن قتلة الإمام الحسين (عليه السلام) مؤمنون من أهل الجنة ولايعاقبون على جريمتهم! وبذلك صار المرجئة شركاء لبني أمية في الجريمة، لأن من رضي بعمل قوم فقد شركهم فيه!
وقد تورُّط أصحاب المذاهب الأربعة في الإرجاء، خاصة أبو حنيفة (راجع المجروحين لابن حبان:٣/٦٣، وكتاب الرفع والتكميل للكنوي ١٥٤).
أما الصحاح فيأخذك العجب من كثرة رواتها المرجئة!
منهم من باب المثال: الفأفاء، وكان رأس في المرجئة متعصباً لبني أمية مبغضاً لعلي (عليه السلام) بل مبغضاً للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)! وكان يقرأ لخلفاء بني أمية القصائد في هجاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)! وقد قتله العباسيون في ثورتهم.. ومع ذلك فهو معتمدٌ عند ابن المديني شيخ البخاري ويقول عنه قتل مظلوماً، وروى عنه البخاري في الأدب المفرد ومسلم والنسائي وابن ماجة والترمذي وأبي داود! (راجع ترجمته في تهذيب التهذيب:٣/ ٨٣ وغيره)
ومنهم الحماني، الذي روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة.. قال في تهذيب التهذيب:٦/١٠٩: (وقال أبو داود:كان داعية في الإرجاء!!)
ومنهم شعيب بن إسحاق، مولى بني أمية الذي روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود
والنسائي وابن ماجة.. قال في تهذيب التهذيب:٤/٣٠٤: (قال أبو طالب عن أحمد: ثقة ما أصح حديثه وأوثقه. وقال أبو داود: ثقة وهو مرجئ)!
ومنهم الغنوي الذي روى عنه مسلم والأربعة.. قال في تهذيب التهذيب:١/٤١١: (وقال العجلي: كوفي ثقة، وقال العقيلي: مرجئ متهم متكلم فيه). انتهى.
وقد سجل ابن شاذان هذا التناقض على أصحاب الصحاح فقال في الإيضاح ص٥٠٢: (ومن جهة أخرى تروون عن المرجئة ويروون عنكم، وتروون عن القدرية ويروون عنكم، وتروون عن الجهمية ويروون عنكم، فتقبلون منهم بعض أقاويلهم وتردون عليهم بعضها، فلا الحق أنتم منه على ثقة، ولا الباطل أنتم منه على يقين، وأنتم عند أنفسكم أهل السنة والجماعة!).
الأسئلة
١ ـ ما هو موقفكم من المرجئة؟
٢ ـ هل تقبلون مقولة المرجئة المعاصرين: الدين أمر في القلب ولاعلاقة له بالعمل، أو تقولون: إن الإيمان قول وعمل؟
٣ ـ هل تعتبرون عمر إمام المرجئة أو عاملاً في تأسيس مذهبهم؟
٤ ـ ما رأيكم في اعتماد صحاحكم على الرواة من المرجئة؟!
٥ ـ هل أنتم مرجئة في الصحابة تكتفون منهم بالقول دون العمل؟!
المســألة: ٦٤
هل أنتم معنا في البداء.. أو مع اليهود؟
زعم اليهود أن يد الله تعالى مغلولة، وأنه فرغ من الخلق والأمر ولايستطيع تغيير شئ! قال الله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ). (سورة المائدة: ٦٤)
وقد وافق مخالفونا اليهود فقالوا إن الله تعالى قد فرغ من الأمر فلا يمكنه التغيير! كما في مسند أحمد:٢/٥٢: (عن ابن عمر قال قال عمر: يا رسول الله أرأيت ما نعمل فيه أفي أمر قد فرغ منه أو مبتدأ أو مبتدع؟ قال: فيما فرغ منه فاعمل يا ابن الخطاب فإن كل ميسر لما خلق له)! (وروى نحوه:١/٢٩، وفيه (قال عمر: ألا نتكل؟) ونحوه في الترمذي:٤/٣٥٢ والحاكم:٢/٤٦٢ وصححه. وفي مجمع الزوائد:٧ /١٩٤ عن أبي بكر وعمر وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح).
فهذه النصوص الصحيحة عندهم تقول بالجبر في أفعال الانسان، وبالجبر على الله في تكوين الكون معاً. ومثلها ما نسبه البخاري إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن الله تعالى يتحمل مسؤولية خطيئة آدم (عليه السلام)، تماماًً كما في توراة اليهود!
قال البخاري:٤/١٣١: (عن أبي هريرة: قال قال رسول الله ((صلى الله عليه وآله وسلم)): احتج آدم وموسى فقال
له موسى: أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة؟ فقال له آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه ثم تلومني على أمر قدر علي قبل أن أخلق؟ فقال رسول الله ((صلى الله عليه وآله وسلم)): فحج آدم موسى مرتين)!! (ورواه بصيغة فيها تعنيفٌ لآدم (عليه السلام) قال في:٧/٢١٤: (فقال له موسى يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة)! (ونحوه أيضاً: ٨/٢٠٣)!
وخالفناهم نحن شيعة أهل البيت (عليهم السلام) لأن الكون كله تحت سلطان الله تعالى حدوثاً وبقاءً ولذا نعتقد بالبداء وهو المحو والإثبات في أفعال الله تعالى التي لم يخبر بها ملائكته ورسله على نحو الحتم، كما قال تعالى: (يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ). (سورة الرعد ـ ٣٩).
وفي شرح الأسماء الحسنى للسبزواري:٢/٨٤: عنه (عليه السلام): (أنحن في أمر فرغ أم في أمر مستأنف؟ فقال في أمر فرغ، وفي أمر مستأنف).
وقد شنع علينا مخالفونا لعقيدتنا بالبداء، وافترى علينا بعضهم بأنا ننسب الجهل إلى الله تعالى! وأن معنى البداء الذي نعتقد به أن الأمر يبدو لله تعالى ويظهر بعد أن لم يكن ظاهراً! وهذا كفرٌ لأنه ينسب الجهل إلى العليم المطلق والحكيم المطلق عز وجل.
بل معنى البداء أن الله تعالى يبدي الأمر لعباده بشكل، ثم يمحوه ويبديه على واقعه. ومن ذلك أن زكريا (عليه السلام) طلب من الله تعالى ولداً يرثه ويرث من آل يعقوب: (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً. يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ
وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً). (سورة مريم: ٥ ـ ٦)، فوهب له يحيى (عليه السلام)، وكان ظاهر الأمر أنه استجاب له ووهبه له لكي يرثه ويرث من آل يعقوب، ولكن يحيى استشهد في حياة أبيه زكريا ولم يرثه بل ورثهما معاً عيسى (عليهم السلام)، ففي مثل هذا الأمر يقال (بدا لله تعالى في نبيه يحيى (عليه السلام)).
الأسئلة
١ ـ ما رأيكم بالبداء كما نعتقد به؟
٢ ـ كيف تفسرون قوله تعالى: (يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) (سورة الرعد: ٣٩)
٣ ـ كيف تفسرون قوله تعالى في جواب اليهود: (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) هل يداه مبسوطتان في الرزق وعطاء المخلوقين فقط؟ أم في محو ما يشاء وإثباته من التكوين؟
المســألة: ٦٥
شفاعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم القيامة بيد أهل بيته (عليهم السلام)
ثبت عندنا وعندهم بأحاديث صحيحة أن علياً (عليه السلام) هو صاحب لواء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم القيامة، وهو آمر السقاية على حوضه، وهو قسيم الله بين الجنة والنار!
ففي الخصال للصدوق ص٦٢٤، عن علي (عليه السلام) قال: (أنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعي عترتي وسبطيَّ على الحوض، فمن أرادنا فليأخذ بقولنا وليعمل عملنا، فإن لكل أهل بيت نجيب. ولنا شفاعة ولأهل مودتنا شفاعة، فتنافسوا في لقائنا على الحوض، فإنا نذود عنه أعداءنا ونسقي منه أحباءنا وأولياءنا، ومن شرب منه شربةً لم يظمأ بعدها أبدًا. حوضنا مترعٌ فيه مثعبان ينصبان من الجنة أحدهما من تسنيم، والآخر من معين، على حافتيه الزعفران، وحصاه اللؤلؤ والياقوت، وهو الكوثر). (رواه فرات الكوفي ٣٦٦، وتفسير نور الثقلين:٥/٥١١).
وفي أمالي الصدوق ص٦١: (عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا علي أنت أخي ووزيري، وصاحب لوائي في الدنيا والآخرة، وأنت صاحب حوضي، من أحبك أحبني ومن أبغضك أبغضني).
وفي مناقب الصحابة لأحمد بن حنبل ص٦٦١: (عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله (ص): أعطيت في علي خمساً هن أحب إلي من الدنيا وما فيها:
أما واحدة: فهو تكأتي إلى بين يدي، حتى يفرغ من الحساب.
وأما الثانية: فلواء الحمد بيده، آدم (عليه السلام) ومن ولد تحته.
وأما الثالثة: فواقفٌ على عقر حوضي يسقي من عرف من أمتي.
وأما الرابعة: فساتر عورتي ومسلمي إلى ربي.
وأما الخامسة: فلست أخشى عليه أن يرجع زانياً بعد إحصان أو كافراً بعد إيمان). (ورواه أبو نعيم في الحلية:١٠/٢١١ والطبري في الرياض النضرة في فضائل العشرة: ٢/٢٠٣ وكنز العمال ٦ / ٤٠٣).
وفي الغدير:١/٣٢١: (أخرج الطبراني بإسناد رجاله ثقات عن أبي سعيد الخدري قال: قال النبي (ص): يا علي معك يوم القيامة عصا من عصي الجنة، تذود بها المنافقين عن الحوض. (الذخاير ٩١، الرياض: ٢/٢١١، مجمع الزوائد: ٩/١٣٥، الصواعق ١٠٤. انتهى. وهو في الطبراني الصغير:٢/٨٩، وفردوس الأخبار:٥/٣١٧/٤٠٨، وفي طبعة أخرى من الصواعق / ١٧٤)
وفي مستدرك الحاكم:/ ١٣٨ (عن علي بن أبي طلحة قال: حججنا فمررنا على الحسن بن علي بالمدينة، ومعنا معاوية بن حديج، فقيل للحسن: إن هذا معاوية بن حديج الساب لعلي، فقال علي به، فأتي به فقال: أنت الساب لعلي؟! فقال: ما فعلت! فقال: والله إن لقيته، وما أحسبك تلقاه يوم القيامة، لتجده قائماً على حوض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يذود عنه رايات المنافقين، بيده عصاً من عوسج! حدثنيها الصادق
المصدوق، وقد خاب من افترى). هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. انتهى.
ورواه في مسند أبي يعلى:٦/١٧٤، وفيه (لتجدنه مشمر الإزار على ساق يذود عنه رايات المنافقين ذود غريبة الإبل). ورواه أبويعلى:١٢/١٣٩، والطبراني في الأوسط:٣/٢٢، وفي الكبير:٩١٣، وفي مجمع الزوائد: ٩/١٣٠، و٢٧٢، وفيه: (قال: يا معاوية بن خديج إياك وبغضنا فإن رسول الله قال: لايبغضنا ولايحسدنا أحدٌ إلا ذيد عن الحوض يوم القيامة بسياط من نار). (ورواه في مختصر تاريخ دمشق:١٢ جزء٢٤/٣٩٣، وفي كفاية الطالب ص٨٩، عن أبي كثير، وفي شرح نهج البلاغة: ٨ جزء ١٥/ ١٨، عن المدائني).
وفي فردوس الأخبار:٣/٤٤٤: (عن أنس بن مالك عن النبي (ص) قال: ليرفعن أناسٌ من أصحابي وأنا على الحوض، فإذا عاينوني عرفتهم وأنا على الحوض، قد ذبلت شفاههم فاختلجوا دوني.
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله: من أحب علياً وأطاعه في دار الدنيا ورد على حوضي غداً، وكان معي في درجتي في الجنة. ومن أبغض علياً في دار الدنيا وعصاه، لم أره ولم يرني يوم القيامة، واختلج دوني وأخذ به ذات الشمال إلى النار).
وفي مصنف ابن أبي شيبة:١٥/١٠٩: (عن حذيفة قال: المنافقون الذين فيكم اليوم شرٌ من المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله (ص) قال الراوي هو شقيق قلت: يا أبا عبد الله وكيف ذاك؟! قال: إن أولئك كانوا يسرون نفاقهم، وإن هؤلاء أعلنوه!!).
الأسئلة
١ ـ هل تقبلون هذه الأحاديث الصحيحة في فضل علي (عليه السلام) ودوره في يوم المحشر؟
٢ ـ مادامت وصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الدنيا بالقرآن وعترته أهل بيته (عليهم السلام)، وشفاعته في يوم القيامة بيد أهل بيته (عليهم السلام) فما هي حاجتكم إلى غيرهم؟!
٣ ـ إذا كان أبو بكر وعمر وعثمان أفضل الناس بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا بد أن يكون لهم دور معه في المحشر، فهل عندكم ولو حديث واحد عن ذلك، غير حديث الصحابة المطرودين عن الحوض؟!
٤ ـ ما هو السبب في اختفاء المنافقين بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وما هو النفاق الذي كانوا يسرونه في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأعلنوه بعده؟!
المســألة: ٦٦
من هما المخاطبان بقوله تعالى: (أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ)؟
قال الله تعالى: (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ. وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ. مَايَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ. وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيد ِ. وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ. وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ. أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيد ٍ. مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ. الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ. قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ. قَالَ لاتَخْتَصِمُوا لَدَىَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ. مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ. يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيد). (سورة ق: ١٧ ـ ٣٠)
قال أكثر المفسرين إن المخاطب بـ (ألقيا) شخص مفرد، وهو القرين، أو مالك خازن النار، وأن الأمر جاء بصيغة المثنى للتأكيد، كما تقول (ألقِ، ألقِ)! وقالوا إن العرب تستعمل المثنى للمفرد.
وهو كلام باطل لاشاهد له من كلام العرب، وهو يتنافى مع مصداقية النص القرآني الدقيقة دائماً، خاصة أنه تعالى كرر التثنية فقال (فألقياه في العذاب الشديد).
ولا حجة فيما استشهدوا له بخطاب الشعراء للمثنى كقولهم ياصاحبيَّ وهم يقصدون صاحباً واحداً، وقول امرئ القيس: (قفا نبك من ذكرى خليل ومنزل) ولم يأتوا من غير الشعر بمثال مقنع، وروايتهم قول الحجاج: (ياحرسي إضربا عنقه) إما مخترعة، أو أنه ثنى الضمير لأن عنده اثنين يقتلان الناس