نهج الحق وكشف الصدق / الصفحات: ٢٢١ – ٢٤٠
حديث خاصف النعل
السابع عشر: في مسند أحمد بن حنبل: أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال:
إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن، كما قاتلت على تنزيله. فقال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: لا، قال عمر: أنا هو يا رسول الله؟
قال: لا، ولكنه خاصف النعل، وكان علي يخصف نعل رسول الله صلى الله عليه وآله في الحجرة عند فاطمة (١).
وفي الجمع بين الصحاح الستة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لتنتهن معشر قريش، أو ليبعثن الله عليكم رجلا مني امتحن الله قلبه للإيمان، يضرب أعناقكم على الدين. قيل: يا رسول الله، أبو بكر؟ قال: لا، قيل: عمر؟ قال: لا، ولكن خاصف النعل في الحجرة (٢).
حديث: الطائر
الثامن عشر: في مسند أحمد بن حنبل، والجمع بين الصحاح الستة، عن أنس بن مالك، قال: كان عند النبي صلى الله عليه وآله طائر قد طبخ له، فقال: اللهم ائتني بأحب الناس إليك يأكل معي، فجاء علي فأكل معه (٣).
(٢) كنز العمال ج ٦ ص ٣٩٦، وقال أخرجه أحمد، وابن جرير، وصححه، ومستدرك ج ٢ ص ١٣٧، وصحيح الترمذي ج ٢ ص ٣٠، وخصائص النسائي ص ١١
(٣) حديث الطير مما تواتر في كتب الحديث والتاريخ، وإليك بعض مصادره، فراجع:
خصائص النسائي ص ٥ وأسد الغابة ج ٤ ص ٣٠، وجامع الأصول ج ٩ ص ٤٧١، ومصابيح السنة ج ٢ ص ٢٠٠، ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٣١، وحلية الأولياء ج ٦ ص ٣٢٩، والتاج الجامع للأصول ج ٣ ص ٣٣٦، وذخائر العقبى ص ٦١، والبداية والنهاية ج ٧ ص ٣٥١، ومنتخب كنز العمال ج ٥ ص ٥٣.
حديث أنا مدينة العلم
التاسع عشر: في مسند أحمد بن حنبل، وصحيح مسلم، قال:
لم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: سلوني، إلا علي بن أبي طالب (٢).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنا مدينة العلم وعلي بابها (٣).
وفيه ص ١٠٧: أنه جاء (عمر) أعرابيان يختصمان فأذن لعلي في القضاء بينهما، فقضى، فقال أحدهما: هذا يقضي بيننا؟ فوثب إليه عمر، وأخذ بلحيته، وقال:
ويحك ما تدري من هذا، هذا مولاك ومولى كل مؤمن، ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن.
أقول: هذا اعتراف منه من باب: ” الفضل ما شهد به الأعداء “.
(٢) ورواه عن المسند، في ينابيع المودة ص ٢٨٦، وفي الرياض النضرة ج ٢ ص ١٩٨، وفي ذخائر العقبى ص ٨٣، وأسد الغابة ج ٤ ص ٢٢، وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص ١٧١، والصواعق المحرقة ص ٧٦، والإصابة ج ٢ ص ٥٠٩، وفي هامشها الاستيعاب ج ٣ ص ٤٠.
(٣) ورواه في المستدرك ج ٣ ص ١٢٤، وقال صحيح الإسناد وأورده الذهبي في تلخيصه في نفس الصفحة، معترفا بصحته، وكنوز الحقائق ص ٤٣، وأسد الغابة ج ٤ ص ٢٢، وكنز العمال ج ٦ ص ١٥٢ و ٤٠١ والصواعق المحرقة ص ٧٣، وذخائر العقبى ص ٧٧، وتهذيب التهذيب ج ٦ ص ٢٢٠، ولسان الميزان ج ١ ص ٤٣٢، وإسعاف الراغبين في هامش نور الأبصار ص ١٥٦.
وقال العلامة السيد شرف الدين في النص والاجتهاد: أفرد الإمام أحمد المغربي لتصحيح هذا الحديث كتابا سماه: ” فتح الملك العلي بصحة حديث: أنا مدينة العلم وعلي.. ” وقد طبع سنة ١٣٥٤ هـ بالمطبعة الإسلامية بمصر.
حديث الايذاء
العشرون: في مسند أحمد، من عدة طرق: أن النبي صلى الله عليه وآله، قال: من آذى عليا فقد آذاني (١)، أيها الناس، من آذى عليا بعث يوم القيامة يهوديا أو نصرانيا (٢).
حديث تزويج علي
الحادي والعشرون: في مسند أحمد بن حنبل: أن أبا بكر وعمر خطبا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة (ع)، فقال: إنها صغيرة، فخطبها علي فزوجها منه (٣).
حديث: إجلس يا أبا تراب
الثاني والعشرون: في الجمع بين الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وآله دخل على ابنته فاطمة، فقبل رأسها ونحرها، وقال: أين ابن عمك؟
قالت: في المسجد. فوجد رداء قد سقط عن ظهره، وخلص التراب
(٣) رواه في الصواعق عن أحمد وغيره ص ٨٤ و ٨٥، والرياض النضرة ج ٢ ص ١٨٣، وذخائر العقبى ص ٢٧، وسيرة زيني دحلان في هامش الحلبية ج ٢ ص ٨.
حديث كسر الأصنام ورد الشمس وغيره:
الثالث والعشرون: روى الجمهور، من عدة طرق: أن رسول الله صلى الله عليه وآله، حمل عليا حتى كسر الأصنام، من فوق الكعبة (٢). وأنه لا يجوز على الصراط إلا من كان معه كتاب بولاية علي بن أبي طالب (٣).
وأنه ردت له الشمس، بعد ما غابت، حيث كان النبي صلى الله عليه وآله نائما على حجره، ودعا له بردها ليصلي العصر، فردت له (٤).
وأنه نزل إليه سطل عليه منديل، وفيه ماء، فتوضأ للصلاة، ولحق بصلاة النبي صلى الله عليه وآله (٥).
(٣) رواه ابن المغازلي في المناقب بتفصيل ص ٢٤٢، والحمويني في الفرائد، وميزان الاعتدال ج ١ ص ٢٨، وينابيع المودة ص ١١١، ولسان الميزان ج ١ ص ٤٤ و ٥١ و ٧٥، وكنوز الحقائق ص ٥١ ط بولاق، وتاريخ بغداد ج ١٠ ص ٣٥٦
(٤) التفسير الكبير ج ٣٢ ص ١٢٦، وينابيع المودة ص ٢٨٧، وصححه الطحاوي، ورواه عن عدة غيره ومشكل الآثار ج ٢ ص ٨، وكنز العمال ج ٦ ص ٢٧٧، والشفاء ص ٢٤٠، ومجمع الزوائد ج ٨ ص ٢٩٧، والصواعق المحرقة ص ٧٦، والسيرة الحلبية ج ١ ص ٣٨٦، وفي هامشه سيرة زيني دحلان ج ٣ ص ١٢٦
(٥) ينابيع المودة ص ١٤٢ بطريقين، ومناقب ابن المغازلي ص ٩٥ وكفاية الطالب ص ٢٩٠، وقال: قلت: هذا حديث حسن، عال، وغالب رواته الفقهاء الثقاة.
حديث الحق مع علي
الرابع والعشرون: في الجمع بين الصحاح الستة، عن النبي صلى الله عليه وآله.
قال: رحم الله عليا اللهم أدر الحق معه حيث دار (٣).
وروى الجمهور، قال صلى الله عليه وآله لعمار: ستكون في أمتي بعدي هناة واختلاف، حتى يختلف السيف بينهم، حتى يقتل بعضهم بعضا، ويتبرأ بعضهم من بعض.
يا عمار تقتلك الفئة الباغية، وأنت إذ ذاك مع الحق والحق معك، إن عليا لن يدنيك من ردى، ولن يخرجك من هدى.
يا عمار، من تقلد سيفا أعان به عليا على عدوه قلده الله يوم القيامة وشاحين من در، ومن تقلد سيفا أعان به عدوه قلده الله وشاحين من نار، فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الذي عن يميني، يعني عليا، وإن سلك الناس كلهم واديا، وسلك علي واديا فاسلك واديا سلكه علي، وخل الناس طرا.
(٣) صحيح الترمذي ج ٢ ص ٢٩٨، ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٢٤، الملل والنحل ج ١ ص ١٠٣ وقال فخر الدين الرازي في تفسيره ج ١ ص ٢٠٥: ومن اقتدى بعلي بن أبي طالب، فقد اهتدى. والدليل عليه، قوله عليه السلام: اللهم أدر الحق مع علي حيث دار.
وروى أحمد بن موسى بن مردويه، من الجمهور، من عده طرق، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: الحق مع علي وعلي مع الحق، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض (٢).
حديث الثقلين
الخامس والعشرون: روى أحمد بن حنبل في مسنده: أن النبي صلى الله عليه وآله أخذ بيد الحسن والحسين، وقال: من أحبني، وأحب هذين، وأباهما، وأمهما، كان معي في درجتي يوم القيامة (٣).
وفيه عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم بعرفات، وعلي تجاهه: ادن مني يا علي، خلقت أنا وأنت من شجرة، فأنا أصلها، وأنت فرعها، والحسن والحسين أغصانها، فمن تعلق بغصن منها أدخله الله الجنة (٤).
(٣) تهذيب التهذيب ج ١٠ ص ٤٣٠، صحيح الترمذي ج ٢ ص ٣٠١، وتاريخ بغداد ج ٣ ص ٢٨٧، وكنز العمال ج ٦ ص ٢١٧ ومسند أحمد ج ١ ص ٧٧، ورواه عنه في الكنز ج ٧ ص ١٠٢، والتاج الجامع للأصول ج ٣ ص ٢٤٩
(٤) ومن رواته محب الدين في ذخائر العقبى ص ١٦، وقال: أخرجه أبو سعيد في شرف النبوة، والقندوزي في ينابيع المودة ص ٢٤٥، والحسكاني في شواهد التنزيل ج ١ ص ٢٩١، والمغازلي في المناقب، والحاكم في المستدرك ج ٣ ص ١٦٠، والمناوي في كنوز الحقائق ص ١٥٥، وغيرهم من الأعلام.
ورواه أحمد من عدة طرق.
وفي صحيح مسلم في موضعين، عن زيد بن أرقم، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله بماء يدعى ” خما “، بين مكة والمدينة، ثم قال بعد الوعظ: أيها الناس، إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي، فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين، أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال:
وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي (١).
” اعلم أن لحديث التمسك بذلك طرقا كثيرة، وردت عن نيف وعشرين صحابيا، وفي بعض تلك الطرق، أنه قال ذلك بحجة الوداع بعرفة، وفي أخرى أنه قال بالمدينة في مرضه.
وقد امتلأت الحجرة بأصحابه، وفي أخرى أنه: قال ذلك بغدير خم، وفي أخرى أنه لما قام خطيبا بعد انصرافه من الطائف كما مر، ولا تنافي إذ لا مانع من أنه كرر عليهم ذلك في المواطن وغيرها، اهتماما بشأن الكتاب العزيز، والعترة الطاهرة “.
وقال في وجه دلالة الحديث: ” تنبيه: سمى رسول الله صلى الله عليه وآله القرآن وعترته وهي بالمثناة الفوقية: الأهل والنسل، والرهط الأدنون ثقلين، لأن الثقل كل نفيس خطير مصون، وهذان كذلك، إذ كل منهما معدن للعلوم الدينية، والأسرار والحكم العلية والأحكام الشرعية، ولذا حث صلى الله عليه وآله على الاقتداء والتمسك بهم، والتعلم منهم، وقال:
” الحمد لله الذي جعل الحكمة فينا أهل البيت “، وقيل: سميا ثقلين لثقل وجوب رعاية حقوقهما، ثم الذين وقع الحث عليهم منهم، إنما هم العارفون بكتاب الله، وسنة رسوله، إذ هم الذين لا يفارقون الكتاب إلى الحوض، ويؤيده الخبر السابق: ” لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم “، وتميزوا بذلك عن بقية العلماء، لأن الله أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وشرفهم بالكرامات الباهرة، والمزايا المتكاثرة، وقد مر بعضها، وسيأتي الخبر الذي في قريش: ” وتعلموا منهم فإنهم أعلم منكم “، فإذا ثبت هذا لعموم قريش، فأهل البيت أولى منهم بذلك، لأنهم امتازوا عنهم بخصوصيات لا يشاركهم فيها بقية قريش.
وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة، كما أن الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا أمانا لأهل الأرض كما يأتي، ويشهد لذلك الخبر السابق: ” في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي إلى آخره “، ثم أحق من يتمسك به منهم إمامهم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، لما قدمنا من مزيد علمه ودقائق مستنبطاته، ومن ثم قال أبو بكر: علي عترة رسول الله صلى الله عليه وآله أي الذين حث على التمسك بهم، فخصه لما قلنا، وكذلك خصه صلى الله عليه وآله بما مر يوم غدير خم والمراد بالعيبة والكرش في الخبر السابق آنفا: أنهم موضع سره وأمانته، ومعادن نفائس معارفه، وحضرته، إذ كل من العيبة والكرش مستودع لما يخفى فيه، مما به القوام والصلاح، لأن الأول يحرز فيه نفائس الأمتعة، والثاني مستقر الغذاء الذي به النمو، وقوام البنية.
(إنتهى ما أردنا من كلامه) وحديث: ” ألا إن عيبتي وكرشي أهل بيتي ” قد ورد مستفيضا.
” يا أيها الذين آمنوا كونوا مع الصادقين ” يقول دعاء طويلا، يشتمل على طلب اللحوق بدرجة الصادقين، والدرجات العلية، وعلى وصف المحن، وما انتحلته المبتدعة المفارقون لأئمة الدين، والشجرة النبوية، ثم يقول: وذهب آخرون إلى التقصير في أمرنا، واحتجوا بمتشابه القرآن، فتأولوا بآرائهم، واتهموا مأثور الخبر… إلى أن قال: فإلى من يفزع خلف هذه الأمة، وقد درست أعلام هذه الملة، ودانت الأمة بالفرقة والاختلاف، يكفر بعضها بعضا، والله تعالى يقول: ” ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات “، فمن الموثوق به على إبلاغ الحجة، وتأويل الحكم إلى أهل الكتاب، وأبناء أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، الذين احتج الله بهم على عباده، ولم يدع الخلق سدى من غير حجة، هل تعرفونهم أو تجدونهم إلا من فرع الشجرة المباركة؟ وبقايا الصفوة، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وبرأهم من الآفات؟ وافترض مودتهم في الكتاب؟
وقد ذكرنا: أن حديث الثقلين من المتواترات فلا حاجة إلى الإشارة إلى مصادره.
حديث الكساء
السادس والعشرون: في مسند أحمد بن حنبل، من عدة طرق، وفي الجمع بين الصحاح الستة، عن أم سلمة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله في بيتي، فأتت فاطمة، فقال: ادعي زوجك، وابنيك، فجاء علي، وفاطمة، والحسن، والحسين، وكان تحته كساء خيبري، فأنزل الله:
” إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا (١) “،
حديث الأمان
السابع والعشرون: في مسند أحمد بن حنبل، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: النجوم أمان لأهل السماء، فإذا ذهبت ذهبوا، وأهل بيتي أمان للأرض، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض (٢).
ورواه صدر الأئمة، موفق بن أحمد المكي.
وفي مسند أحمد، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: اللهم إني أقول: كما قال أخي موسى: اجعل لي وزيرا من أهلي، عليا أخي، أشدد به أزري، وأشركه في أمري (٣).
(٣) وروي في عدة من الكتب المعتبرة: منها الرياض النضرة ج ٢ ص ١٦٣، وذخائر العقبى ص ٦٣، والدر المنثور ج ٤ ص ٢٩٥، والتفسير الكبير ج ١٢ ص ٢٦، ونور الأبصار ص ٧٧ وشواهد التنزيل ج ١ ص ٣٦٨، بأسناد وطرق متعددة.
حديث اثنا عشر خليفة
الثامن والعشرون: في صحيح البخاري، في موضعين، بطريقين، عن جابر، وابن عيينة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا يزال أمر الناس ماضيا، ما وليهم اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش.
وفي رواية عن النبي صلى الله عليه وآله: لا يزال أمر الإسلام عزيزا، إلى اثني عشر خليفة، كلهم من قريش.
وفي صحيح مسلم أيضا: لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة، ويكون عليهم اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش.
وفي الجمع بين الصحاح الستة، في موضعين: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش.
وكذا في صحيح أبي داود، والجمع بين الصحاح الستة (١).
وقد ذكر السدي في تفسيره، وهو من علماء الجمهور، وثقاتهم، قال: لما كرهت سارة مكان هاجر أوحى الله إلى إبراهيم، فقال: انطلق بإسماعيل وأمه حتى تنزله بيت النبي التهامي، يعني مكة، فإني ناشر ذريتك، وجاعلهم ثقلا على من كفر بي، وجاعل منهم نبيا عظيما، ومظهره على الأديان، وجاعل من ذريته اثني عشر عظيما، وجاعل ذريته عدد نجوم السماء.
وقد ذكرت في كتاب: ” كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين “:
أن الفضائل إما قبل ولادته، مثل ما روى أخطب خوارزم، من علماء الجمهور، عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لما خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه عطس آدم، فقال: الحمد لله، فأوحى الله تعالى إليه حمدني عبدي، وعزتي وجلالي لولا عبدان أريد أن أخلقهما في دار الدنيا ما خلقتك، قال: إلهي فيكونان مني؟ قال: نعم يا آدم، إرفع رأسك، وانظر، فرفع رأسه، فإذا مكتوب على العرش: ” لا إله إلا الله، محمد نبي الرحمة، وعلي مقيم الحجة، من عرف حق علي زكا وطاب، ومن أنكر حقه لعن وخاب، أقسمت بعزتي وجلالي: أن أدخل الجنة من أطاعه، وإن عصاني، وأقسمت بعزتي: أن أدخل النار من عصاه وإن أطاعني ” (٢).
والأخبار في ذلك كثيرة.
وأما حال ولادته، فإنه ولد يوم الجمعة، الثالث عشر من شهر رجب،
وقال لها (فاطمة بنت أسد): اجعلي مهده قرب فراشي.
وكان صلى الله عليه وآله يلي أكثر تربيته، وكان يطهر عليا في وقت غسله.
ويوجره اللبن عند شربه، ويحرك مهده عند نومه، ويناغيه في يقظته، ويحمله على صدره ورقبته، ويقول: هذا أخي، ووليي، وناصري، ووصيي، وزوج كريمتي، وذخري، وكهفي، وصهري، وأميني على وصيتي، وخليفتي.
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يحمله دائما، ويطوف به في جبال مكة، وشعابها، وأوديتها، رواه في بشارة المصطفى من الجمهور (٢).
أقول: في مفاده روايات كثيرة فمن أراد التتبع فليراجع: ذخائر العقبى ص ٨٦، والسيرة الحلبية ج ١ ص ٢٦٨، وفي هامشه سيرة زيني دحلان ص ١٧٦ و ٢٦٩، وشرح النهج لابن أبي الحديد ج ٣ ص ٢٥٠، ومسند أحمد ج ٤ ص ٤٣٧، وتهذيب التهذيب ج ٣ ص ١٠٦، وحلية الأولياء ج ١ ص ٦٦، ولسان الميزان ج ٦ ص ١١٤.
من فضائله النفسانية:
وأما بعد ولادته، فأقسامها ثلاثة: نفسانية، وبدنية، وخارجية.
أما النفسانية فينظمها مطالب:
الأول: الإيمان (١). وبواسطة سيفه تمهدت قواعده، وتشيدت أركانه (٢)، وبواسطة تعليمه الناس حصل لهم الإيمان أصوله وفروعه (٣).
ولم يشرك بالله طرفة عين (٤).
إسلامبول)، ونهاية العقول في دراية الأصول للفخر الرازي ص ١١٤ مخطوط، وإحقاق الحق ج ٦ ص ٥، تاريخ آل محمد لبهجت أفندي ص ٧١، ومستدرك الحاكم، وتلخيصه ج ٣ ص ٣٢، وتاريخ بغداد ج ١٣ ص ١٩، وينابيع المودة ص ٩٥ و ١٣٧ وفي ذخائر العقبى ص ٩٢: نادى رسول الله صلى الله عليه وآله بأعلى صوته: يا معاشر المسلمين، هذا أخي، وابن عمي، وختني، هذا لحمي ودمي، وشعري، وهذا أبو السبطين:
الحسن، والحسين، سيدي شباب أهل الجنة، هذا مفرج الكروب عني، هذا أسد الله، وسيفه في أرضه على أعدائه، على مبغضه لعنة الله، ولعنة اللعانين، والله منه برئ، وأنا منه برئ، فمن أحب أن يبرأ من الله ومني فليبرأ من علي وليبلغ الشاهد الغائب، ثم قال:
إجلس يا علي قد عرف الله لك ذلك. أخرجه أبو سعيد في شرف النبوة.
وقال ابن أبي الحديد، في شرح نهج البلاغة ج ٤ ص ٤٤٤: وأما الخرجة التي خرجها يوم الخندق إلى عمرو بن عبد ود، فإنها أجل من أن يقال جليلة، وأعظم من أن يقال عظيمة، وما هي إلا كما قال شيخنا أبو الهذيل، وقد سأله سائل: أيما أعظم منزلة عند الله، علي أم أبو بكر؟ فقال: يا ابن أخي والله لمبارزة علي عمرا يوم الخندق، تعدل أعمال المهاجرين، والأنصار، وطاعاتهم كلها، تربي عليها، فضلا عن أبي بكر وحده.
(٣) ينابيع المودة ص ٦٦ و ١٤٨، وذخائر العقبى ص ٧٨، وأسد الغابة ج ٤ ص ٢٢، وتفسير ابن كثير ج ٩ ص ٣٠٦ (ط بولاق مصر).
(٤) كفاية الطالب ص ١٢٣، وتاريخ بغداد ج ١٤ ص ١٥٥، وفي فضائل الخمسة ج ١ ص ١٥٨، عن قصص الثعلبي ص ٢٣٨ و ٣٥٧.
وفي مسنده: أن النبي صلى الله عليه وآله قال لفاطمة: أما ترضين: أني زوجتك أقدم أمتي سلما، وأكثرهم علما، وأعظمهم حلما (٤).
وحديث الدار (٥) يدل عليه أيضا.
علمه عليه السلام:
الثاني: العلم والناس كلهم عيال عليه في المعارف الحقيقية، والعلوم اليقينية، والأحكام الشرعية، والقضايا النقلية، لأنه كان في غاية الذكاء، والحرص على التعلم (٦)، وملازمته لرسول الله صلى الله عليه وآله، وهو أشفق
(٣) وفي المسند ج ٤ ص ٣١٨ وسنن البيهقي ج ٦ ص ٢٠٦، وخصائص النسائي ص ٢، وكنز العمال ج ٦ ص ١٥٦ و ٣٩٥، والإصابة وفي هامشه الاستيعاب ج ٥ ص ١٧٠ و ١٧١ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٠٢، ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٤٩٩
(٤) مسند أحمد ج ٥ ص ٢٦ وكنز العمال ج ٦ ص ٥٣ و ١٥٣ و ٣٩٧، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١١٤، وأسد الغابة ج ٥ ص ٥٣٠
(٥) وقد أوردنا في تفسير قوله تعالى: ” وأنذر عشيرتك الأقربين ” عدة من مصادره، وراجع أيضا: السيرة الحلبية ج ١ ص ٣٨١، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٣ ص ٢٦٣ و ٢٨١
(٦) كفاية الطالب ص ١٩٧ و ٢٢٤، وأسد الغابة ج ٤ ص ٢٢. وقد تواتر عنه عليه السلام قوله: سلوني قبل أن تفقدوني.
وروى الترمذي في صحيحه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ” أنا مدينة العلم وعلي بابها ” (٣).
وذكر البغوي في الصحاح: أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ” أنا دار الحكمة وعلي بابها ” (٤).
وفيه (أي في حقه)، عن أبي الحمراء، قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى في زهده، فلينظر إلى علي بن أبي طالب (٥).
وروى البيهقي بإسناده إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: من أراد أن
(٢) مجمع الزوائد ج ٩ ص ١١٤، والاستيعاب في هامش الإصابة ج ٣ ص ٣٨، بطرق متعددة، والرياض النضرة ج ٢ ص ١٩٨ وحلية الأولياء ج ١ ص ٦٥ و ٦٦
(٣) أقول: من جملة مصادرها: صحيح الترمذي ج ٢ ص ٢٩٩، ومصابيح السنة ج ٢ ص ٢٧٥، والتاج الجامع للأصول ج ٣ ص ٣٣٧، وكنز العمال ج ٦ ص ٤٠١، وكنز الحقائق ص ٤٣، ومستدرك الحاكم ج ٢ ص ١٢٦، وتهذيب التهذيب ج ٦ ص ٣٢٠، وأسد الغابة ج ٤ ص ٢٢. أقول: لا يرتاب في تواترها إلا معاند مغرض.
(٤) تقدم آنفا تحت رقم ٣.
(٥) رواه في ينابيع المودة ص ١٢١، وابن أبي الحديد في شرح النهج ج ٢ ص ٤٢٩ عن مسند أحمد، وسنن البيهقي، وقال: إنه صححه، والتفسير الكبير ج ٨ ص ٨١.
مصدر العلوم كلها علي (ع)
وأيضا: جميع العلوم مستندة إليه.
أما (الكلام وأصول الفقه) فظاهر، وكلامه في النهج يدل على كمال معرفته في التوحيد والعدل، وجميع جزئيات علم الكلام والأصول.
وأما (الفقه): فالفقهاء كلهم يرجعون إليه.
أما الإمامية فظاهر.. وأما الحنفية، فإن أصحاب أبي حنيفة أخذوا عن أبي حنيفة، وهو تلميذ الصادق عليه السلام.
وأما الشافعية، فأخذوا عن محمد بن إدريس الشافعي، وهو قرأ على محمد بن الحسن، تلميذ أبي حنيفة، وعلى مالك، فرجع فقهه إليهما.
وأما أحمد بن حنبل، فقرأ على الشافعي، فرجع فقهه إليه.
وأما مالك، فقرأ على اثنين: أحدهما: ربيعة الرأي، وهو تلميذ عكرمة، وهو تلميذ عبد الله بن عباس، وهو تلميذ علي عليه السلام، والثاني: مولانا جعفر بن محمد الصادق (٢).
وكان الخوارج تلامذة له (٣).
(٣) شرح المقاصد ج ٢ ص ٢٢٢: وشرح كتاب الفقه الأكبر لأبي حنيفة ص ٧١ (ط القاهرة)، وإحقاق الحق ج ٨ ص ٣٣.
و (علم الفصاحة) إليه منسوب، حتى قيل في كلامه: إنه فوق كلام المخلوق، ودون كلام الخالق، ومن كلامه تعلم الفصاحة، وقال ابن نباتة: (حفظت من كلامه ألف خطبة، ففاضت ثم فاضت) (٣).
وأما (المتكلمون)، فأربعة: معتزلة، وأشاعرة، وشيعة، وخوارج.
وانتساب الشيعة معلوم.
والخوارج كذلك، فإن فضلاءهم رجعوا إليه.
وأما المعتزلة، فإنهم انتسبوا إلى واصل بن عطاء، وهو تلميذ أبي هاشم عبد الله، وهو تلميذ أبيه محمد بن الحنفية، وهو تلميذ أبيه علي.
وأما الأشاعرة، فإنهم تلاميذ أبي الحسن علي الأشعري وهو تلميذ أبي علي الجبائي، وهو من مشايخ المعتزلة (٤).
وأما (علم الطريقة)، فإن جميع الصوفية، وأرباب الإشارات والحقيقة، يسندون الخرقة إليه (٥).
و (أصحاب الفتوة)، يرجعون إليه، وهو الذي نزل جبرائيل ينادي عليه يوم بدر: ” لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي ” (٦).
(٣) شرح نهج البلاغة ج ١ ص ٦ و ج ٢ ص ٩٩ و ١٢٨
(٤) شرح نهج البلاغة ج ١ ص ٦ و ج ٢ ص ٩٩ و ١٢٨
(٥) شرح نهج البلاغة ج ١ ص ٦ و ج ٢ ص ٩٩ و ١٢٨
(٦) وقد ذكرنا عدة من مصادره. وهذا مما لا يرتاب فيه إلا معاند مغرض.
رجوع الصحابة إلى علي (ع)
وأيضا جميع الصحابة رجعوا إليه في الأحكام، واستفادوا (٣) منه، ولم يرجع هو إلى أحد منهم في شئ البتة.
أقول: رجوع هذه الطوائف إليه عليه آلاف التحية والثناء، ليس إلا كونه مؤسس هذه العلوم، وطريقة استدلالها.. وهو السناء والنور الإلهي، ومصباح العلم الأحمدي وإن خالفوه في أمور خطيرة، وأحكام كثيرة، استحسنوها بآرائهم، وقاسوها بمقاييسهم، ومعنى الرجوع إليه كونه هو الأصل والأساس في أمرهم، وهو لا يستدعي الموافقة، في كل شئ، كانتساب المليين إلى أنبيائهم، مع أن أهل الضلال والبدع، ومنهم بعض طوائف المسلمين، ينتسبون إلى دين النبي صلى الله عليه وآله، ويرجعون في علومهم إلى علي (ع) حسبما يدعون، مع أن أكثر فرقهم في ضلال بعيد، مثلا نجد الصوفية ينتسبون إلى النبي صلى الله عليه وآله بالإسلام، وإلى علي بعلم الطريقة، مع أن براءتهما من عقائدهم الخرافية، وأعمالهم الشنيعة، كالشمس في رابعة النهار.
(٣) ممن رجع من الصحابة إليه: أبو بكر عند مجئ معشر اليهود إليه، وفي فتح الروم، وقتال أهل الردة، وفي موارد أخرى. (راجع: الرياض النضرة ج ٢ ص ١٢٩، وذخائر العقبى ص ٨٠ و ٩٧، وقال: أخرجه ابن السمان، وكنز العمال ج ٣ ص ٩٩ و ٣٠١ والطبقات المالكية ج ٢ ص ٤١)
ولرجوع عثمان إليه (ع) في مسائل كثيرة (راجع: تفسير ابن كثير ج ٩ ص ١٨٥ ” ط.
بولاق مصر “، والموطأ ج ٢ ص ٩٣، و ج ٣ ص ٤٣، ومسند أحمد ج ١ ص ١٠٤، ومسند الشافعي ص ٤٤٢). ولرجوع غيرهما من الصحابة إليه كعائشة، ومعاوية، وعبد الله بن عمر، (راجع: مسند أحمد ج ١ ص ٩٦ و ١٠٠ و ١١٣، وصحيح مسلم في كتاب الطهارة، وسنن البيهقي ج ٥ ص ١٤٩ و ج ١ ص ٢٧٢، وفيض القدير ج ٣ ص ٤٦، والرياض النضرة ج ٢ ص ١٩٥.