نهج الحق وكشف الصدق / الصفحات: ٣٤١ – ٣٦٠
ثم أجاب، فقال: أما ما كان على طريق الوحي، فليس يجوز مخالفته على وجه من الوجوه، وأما ما كان على طريق الرأي، فسبيله سبيل الأئمة، في أنه لا يجوز أن يخالف ذلك حال حياته، ويجوز بعد وفاته، والدليل على ذلك: أنه أمر أسامة بن زيد: أن يخرج بأصحابه في الوجه الذي بعثه فيه، فأقام أسامة، وقال: لم أكن لأسأل عنك الركبان، وكذلك أبو بكر، استرجع عمر، وكان لأبي بكر استرجاع عمر (١).
وهذا قول بتجويز مخالفة النبي صلى الله عليه وآله، والله تعالى قد أمر بطاعته، وحرم مخالفته، ثم كيف يجيب بجواز المخالفة بعد الموت لا حال الحياة، ويستدل عليه بفعل أسامة وأبي بكر وعمر؟ ومخالفتهم كانت في حياة الرسول صلى الله عليه وآله، ولهذا قال أسامة: لم أكن لأسأل عنك الركبان، وهذا يدل على المخالفة في الحياة، وبعد الموت، فأي وقت يجب القبول منه؟
وكيف يجوز لهؤلاء القوم: أن يستدلوا على جواز مخالفة الرسول صلى الله عليه وآله بفعل أسامة، وأبي بكر، وعمر؟ (٢).
وكيف يجوز أن يرووا مثل هذا الخبر، وأي عقل يدل على أن الرميضاء، وبلالا يدخلان الجنة قبل النبي صلى الله عليه وآله، ثم قوله: ذكرت غيرتك، يعطي أن عمر كان يعتقد جواز وقوع الفاحشة من النبي صلى الله عليه وآله في الجنة.
وفي الجمع بين الصحيحين: أن عمر قال (يوم مات رسول الله):
ما مات محمد، ولا يموت حتى يكون آخرنا (٢).
وفيه عن عائشة، من أفراد البخاري: أن رسول الله صلى الله عليه وآله مات وأبو بكر ب (السنح)، يعني بالعالية، فقام عمر يقول: والله ما مات رسول الله، قالت: وقال عمر: ما كان يقع في نفسي إلا ذاك، وليبعثنه الله، فليقطعن أيدي قوم وأرجلهم، فجاء أبو بكر، فكشف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وآله، وعرفه أنه قد مات (٣).
وقد روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين: اعتذار عمر عن ذلك من أفراد البخاري، عن أنس: أنه سمع خطبة عمر بن الخطاب الأخيرة، حين جلس على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وذلك في الغد من يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وآله، فتشهد وأبو بكر صامت لا يتكلم، وقال عمر:
فإني قلت لكم أمس مقالة ما كانت في كتاب أنزله الله، ولا في عهد
(٣) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ١ ص ١٢٨ و ١٢٩ وصحيح البخاري ج ٦ ص ١٧ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ١٢٤.
وفي الجمع بين الصحيحين، في مسند أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة، فيقول: ” من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ” (٢) فتوفي رسول الله صلى الله عليه وآله والأمر على ذلك، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر، وصدرا من خلافة عمر (٣).
ثم روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين، في مسند أبي هريرة من المتفق على صحته، عن عبد الرحمن بن عبد الباري، قال: خرجت مع عمر ليلا، في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل نفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: لو جمعت هؤلاء على قار واحد لكان أمثل، ثم عزم، فجمعهم على أبي بن كعب.
قال: ثم خرجت معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر: بدعة، ونعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون، يريد آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله (٤).
فلينظر العاقل وينصف: هل يحل لأحد: أن يبتدع بدعة، ويستحسنها؟.
(٣) التاج الجامع للأصول ج ٢ ص ٦٣، وقال: رواه الخمسة، ومصابيح السنة ج ١ ص ٩٤ وصحيح مسلم ج ١ ص ٢٩٢
(٤) وفي التاج ج ٢ ص ٦٥ وقال: رواه البخاري.
وقد قال النبي صلى الله عليه وآله: ” من أحدث في ديننا ما ليس منه فهو رد ” (٢).
ورواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين، في مسند أنس بن مالك، قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي في رمضان، فجئت وقمت إلى جنبه، وجاء رجل آخر فقام أيضا حتى كنا رهطا، فلما أحس النبي صلى الله عليه وآله بنا خلفه جعل يتجوز في الصلاة، ثم دخل رحله، فجعل يصلى صلاة لا يصليها عندنا، قال: فقلنا له حين أصبحنا: أفطنت لنا الليلة؟ فقال:
نعم، وذلك الذي جعلني على الذي صنعت (٣).
فإذا كان النبي صلى الله عليه وآله امتنع أن يكون إماما في نافلة رمضان، ومنع من الاجتماع فيها، فكيف جاز لعمر أن يخالفه؟ ومع هذا يشهد على نفسه أنه بدعة ابتدعه، ومع ذلك يستمر أكثر المسلمين عليه، ويهملون ما فعله النبي صلى الله عليه وآله، وأبو بكر…
وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين، عن سلمة بن الأكوع، وجابر، قالا: كنا في جيش، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ” قد أذن
(٣) وقريب منه ما رواه مسلم، مسندا عن عائشة. في صحيحه ج ١ ص ٢٩٣ والبغوي في المصابيح ج ١ ص ٦٤ عن زيد بن ثابت.
وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين، في مسند أبي موسى الأشعري، عن إبراهيم بن أبي موسى: أن أباه كان يفتي بالمتعة، فقال له رجل: رويدك ببعض فتياك، فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك، فلقيه بعد ذلك، فسأله، فقال عمر: قد علمت أن النبي قد فعله وأصحابه، ولكن كرهت: أن يظلوا معرسين بين الأراك، ثم يروحوا في الحج تقطر رؤوسهم (٣).
وفي الجمع بين الصحيحين، في مسند عمران بن الحصين، في متعة الحج (٤)، وقد تقدم لعمران بن الحصين حديث في متعة النساء أيضا (٥):
قال: أنزلت آية المتعة في كتاب الله تعالى (٦)، وفعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وآله، ولم ينزل قرآن يحرمها، ولم ينه عنها رسول الله صلى الله عليه وآله حتى مات، وقال رجل برأيه ما شاء.
(٣) وقال الأميني: أخرجه مسلم في صحيحه ج ١ ص ٤٧٢ وابن ماجة في سننه ج ٢ ص ٢٢٩ وأحمد في مسنده ج ١ ص ٥٠ والبيهقي في سننه ج ٥ ص ٢٠ والنسائي في سننه ج ٥ ص ١٥٣ ويوجد في تفسير الوصول ج ١ ص ٢٨٨ وشرح الموطأ للزرقاني.
(٤) كما في صحيح مسلم ج ٢ ص ٥٤٠ والبخاري ج ٦ ص ٣٣، والتاج الجامع للأصول ج ٢ ص ١٢٤
(٥) أنظر ما تقدم في الهامش.
(٦) قال الله تبارك وتعالى: ” فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ” النساء: ٢٤.
وفي الجمع بين الصحيحين للحميدي، من عدة طرق، منها: في مسند عبد الله بن عباس قال: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، وأبي بكر، وسنتين من خلافة عمر الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب:
إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم (٣).
فلينظر العاقل: هل كان يجوز لعمر مخالفة الله ورسوله، حيث جعل الثلاث واحدة، ويجعلها هو ثلاثا؟…
وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين، في مسند عمار بن ياسر، قال: إن رجلا أتى عمر فقال: إني أجنبت فلم أجد ماء؟ فقال: لا تصل، فقال عمار: ألا تذكر يا عمر، إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا، فلم نجد ماء، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت بالتراب وصليت، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنما يكفيك أن تضرب بيديك الأرض، ثم تمسح بهما وجهك، وكفيك، فقال عمر: اتق الله يا عمار، فقال: إن شئت لم
(٣) صحيح مسلم ج ٢ ص ٤٧٢ ومستدرك الحاكم ج ٢ ص ١٩٦ والدر المنثور ج ١ ص ٢٧٩، وأحكام القرآن للجصاص ج ١ ص ٣٨٨.
ومع ذلك فإنه عاشر النبي صلى الله عليه وآله والصحابة، مدة حياة النبي صلى الله عليه وآله، ومدة أبي بكر أيضا، وخفي عنه هذا الحكم الظاهر للعوام.
أفلا يفرق العاقل بين هذا وبين من قال في حقه رسول الله صلى الله عليه وآله:
” أقضاكم علي ” (٣)، وقال تعالى: ” ومن عنده علم الكتاب ” (٤)، ” وتعيها أذن واعية (٥).
وقال هو: ” سلوني عن طرق السماء، فإني أخبر بها من طرق الأرض، سلوني قبل أن تفقدوني (٦)، والله لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم، وبين أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل الفرقان بفرقانهم ” (٧).
(٣) هذا الحديث متواتر عند أهل الحديث، والتفسير، والتاريخ. راجع: صحيح البخاري ج ٦ ص ٢٣ وطبقات ابن سعد ج ٢ ق ٢ ص ١٠٢ والرياض النضرة ج ٢ ص ١٩٨ والاستيعاب هامش الإصابة ج ١ ص ٨؟ ج ٣ ص ٣٨ فقد رووا عن عمر من وجوه أنه قال: أقضانا علي بن أبي طالب.
(٤) الرعد: ٤٣
(٥) الحاقة: ١٢، أقول: نزول هاتين الآيتين في علي (ع)، وكونه: من عنده علم الكتاب وذا الأذن الواعية ورد في روايات كثيرة. وهو ثابت عند أعاظم القوم في كتبهم، وقد أسلفنا فيما سبق عدة منها.
(٦) الاستيعاب ج ٣ ص ٤٠ و ٤٣ وأسد الغابة ج ٤ ص ٢٢ وذخائر العقبى ص ٨٣
(٧) ينابيع المودة ص ٧٢ وتذكرة الخواص لسبط بن الجوزي ص ٢٠.
وروى مسلم في صحيحه، بإسناده إلى أبي موسى الأشعري، قال:
دخل عمر على حفصة، وأسماء عندها، فقال: حين رأى أسماء من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس. قال عمر: الحبشية هذه، البحرية هذه؟
فقالت أسماء: نعم. فقال عمر: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وآله منكم. فغضبت، وقالت: كذبت يا عمر، كلا والله، كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وآله يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم، وكنا في دار أرض البعداء البغضاء في الحبشة، وذلك في الله ورسوله، وأيم الله، لا أطعم طعاما، ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وآله، ونحن كنا نؤذي ونخاف، وسأذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله، وأسأله. والله لا أكذب، ولا أزيغ، ولا أزيد على ذلك.
قال فلما جاء النبي صلى الله عليه وآله قالت: يا نبي الله صلى الله عليه وآله، إن عمر قال:
كذا وكذا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ليس بأحق بي منكم، فله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان (٢).
وهذا يدل على انحطاط مرتبته، ومنزلة أبيه عند عمرو بن العاص، فكيف استجازوا ترك بني هاشم، وهم ملوك الجاهلية والإسلام؟.
وفيه: قال: خرج عمر بن خطاب، ويده على المعلى بن الجارود، فلقيته امرأة من قريش، فقالت له: يا عمر فوقف لها: فقالت له: كنا نعرفك مرة عميرا، ثم صرت من بعد عمير عمر، ثم صرت من بعد عمر أمير المؤمنين، فاتق الله يا ابن الخطاب، وانظر في أمور الناس (المسلمين)، فإنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد، ومن خاف الموت خشي الفوت (٢).
وقد روى أبو المنذر، هشام بن محمد بن السائب الكلبي، وهو من رجال السنة في كتاب: ” المثالب ” قال: كانت صهاك أمة حبشية، لهاشم بن عبد مناف، فوقع عليها نفيل بن هاشم، ثم وقع عليها عبد العزى ابن رياح، فجاءت بنفيل جد عمر بن الخطاب (٣).
(٣) ويؤيد ذلك: ما رواه ابن أبي الحديد في شرح النهج ج ٣ ص ٢٤ وقال الذهبي في ميزان الاعتدال ج ٤ ص ٣٠٤: هشام بن محمد بن السائب الكلبي، أبو المنذر الأخباري النسابة العلامة إلى آخر ما قال: وخلاصة ما قاله الكلبي في كتابه المذكور: ” إن صهاك كانت أمة حبشية لعبد المطلب وكانت ترعى له الإبل وكانت تميل إلى النكاح فنظر إليها نفيل بن عبد العزى فهواها وعشقها فوقع عليها فحملت منه الخطاب فلما أدرك الخطاب البلوغ نظر إلى أمه صهاك فأعجبه فوقع عليها فجائت بابنة فلفتها في خرقة من ما كان في واقعة خيبر، من فرارهما عن مناضلة مرحب اليهودي، على ما أخرجه الطبراني، والبزار، كما في مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٢٤، والقاضي عضد الإيجي في المواقف، وأقره شراحه كما في شرحه ج ٣ ص ٢٧٦، وابن المغازلي في المناقب ص ١٨٠ وابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة.
فلينظر العاقل المنصف: هل يجوز لمن وصف نفسه بغاية الجهل، وقلة المعرفة: أن يجعل رئيسا على الجميع، وكلهم أفضل منه على ما شهد به على نفسه..
وفي الجمع بين الصحيحين للحميدي: أن عمر أمر برجم امرأة ولدت لستة أشهر، فذكره علي (ع) قول الله تعالى: ” وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ” (٣)، مع قوله تعالى: ” الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين ” (٤)، فرجع عمر عن الأمر برجمها (٥).
وهذا يدل على إقدامه على قتل النفوس المحترمة، وفعل ما يتضمن القذف.
(٣) الأحقاف: ١٥
(٤) البقرة: ٢٣٣
(٥) كنز العمال ج ٣ ص ٩٦ عن عدة من الحفاظ، وص ٢٢٨ عن غير واحد من أئمة الحديث، والدر المنثور ج ١ ص ٢٨٨ وفي ذخائر العقبى ص ٨٢ والرياض النضرة ج ٤ ص ١٩٤، والاستيعاب هامش الإصابة ج ٣ ص ٣٩ قال عمر: (لولا علي لهلك عمر).
كنا نؤمر بهذا، قال: لتقيمن على هذا بينة، أو لأفعلن بك، فشهد له أبو سعيد الخدري بذلك، عن النبي صلى الله عليه وآله، فقال عمر: خفي علي هذا من أمر رسول الله صلى الله عليه وآله، ألهاني عنه الصفق بالأسواق (١).
وهذا أمر ظاهر، قد خفي عنه، فكيف الخفي؟.
وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين، في مسند عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا قال المؤذن الله أكبر، الله أكبر. فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال:
أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قال: أشهد أن محمدا رسول الله، قال: أشهد أن محمدا رسول الله، ثم قال: حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: الله أكبر، الله أكبر، قال: الله أكبر، الله أكبر، ثم قال:
لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا الله، من قلبه دخل الجنة (٢).
فهذه روايته، وزاد: بعد موت النبي صلى الله عليه وآله: الصلاة خير من النوم.
وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين، في حديث أبي محذورة سمرة بن مغيرة، لما علمه الأذان: الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله مرتين، أشهد أن محمدا رسول الله مرتين، حي على الصلاة مرتين، حي على الفلاح مرتين، الله أكبر، لا إله إلا الله (٣).
وقال الشافعي في كتاب الأم: أكره في الأذان (الصلاة خير من النوم)، لأن أبا محذورة لم يذكره (٤).
(٣) صحيح مسلم ج ١ ص ١٤٢ ومصابيح السنة ج ١ ص ٣٢ و ٣٣
(٤) أقول: قال ابن رشد في كتابه: ” بداية المجتهد ” ج ١ ص ٨٣ (بعد نقل الأقوال في فصول الأذان والتحقيق المرضي فيه عنده): ” واختلفوا في قول المؤذن في صلاة الصبح: (الصلاة خير من النوم)، هل يقال فيها أم لا؟ فذهب الجمهور: إلى أنه يقال فيها ذلك، وقال آخرون:
إنه لا يقال، لأنه ليس من الأذان المسنون، وبه قال الشافعي، وسبب اختلافهم، اختلافهم: هل قيل ذلك في زمان النبي صلى الله عليه وآله أو إنما قيل في زمان عمر “. وانظر بتفصيل اختلافهم أيضا السيرة الحلبية ج ٢ ص ٩٧ وأخرج مالك في كتابه: (الموطأ) ج ١ ص ٩٣: أن المؤذن جاء إلى عمر بن الخطاب يؤذنه لصلاة الصبح، فوجده نائما فقال: الصلاة خير من النوم، فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح.
وقال الزرقاني، عند بلوغه إلى هذا الحديث: هذا البلاغ أخرجه الدارقطني في السنن، من طريق وكيع في مصنفه، عن العمري، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر. وقال: أخرج عن سفيان، عن محمد بن عجلان، عن نافع عن ابن عمر، عن عمر، أنه قال لمؤذنه:
إذا بلغت حي على الفلاح في الفجر فقل: (الصلاة خير من النوم). ورواه في كنز العمال عن الدارقطني، وابن ماجة، والبيهقي، عن ابن عمر، أقول: ومثله عن ابن أبي شيبة من حديث هشام بن عروة.
وفي كنز العمال أيضا عن عبد الرزاق، عن ابن جريح، قال: أخبرني حسن بن مسلم:
أن رجلا سأل طاووسا: متى قيل: (الصلاة خير من النوم)؟ فقال: أما إنها لم تقل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله.
ثم إنه كما زاد في الأذان (الصلاة خير من النوم)، نقص منه، ومن الإقامة: (حي على خير العمل). قال القوشجي، وهو من أعاظم متكلمي الأشاعرة، في أواخر مبحث الإمامة، من شرح التجريد ص ٤٠٨: ” صعد المنبر وقال: أيها الناس، ثلاث كن على عهد رسول الله أنا أنهى عنهن، وأحرمهن، وأعاقب عليهن، وهي: متعة النساء، ومتعة الحج، وحي على خير العمل “.. ثم اعتذر عنه بعد ما أرسله إرسال المسلمات، بأن مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهادية ليس ببدع.
أقول: هذا الاعتذار في الحقيقة طعن في الخليفة، لأنه جعل رسول الله صلى الله عليه وآله وعمر مجتهدين، وسوغ لعمر مخالفة النبي صلى الله عليه وآله، ومعه لا يبقى أثر للرسالة، بل ولا للربوبية، لأن النبي صلى الله عليه وآله لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، لا سيما في الأحكام، فليلزمه أن يكون الله تعالى مجتهدا، وعمر مجتهدا آخر، في مقابله، وله تصويب الله وتخطئته، مع علمهم بقول عمر، فتدبر جيدا.
ويدل أيضا: على أن حي على خير العمل، من فصول الأذان: ما في كنز العمال ج ٤ ص ٢٦٦ في كتاب الصلاة، عن الطبراني: كان بلال يؤذن بالصبح فيقول: حي على خير العمل.
وتبعه في إسقاطها من تأخر عنه من المسلمين، حاشا أهل البيت (ع)، وأتباعهم، فإن حي على خير العمل من شعارهم، كما هو بديهي مذهبهم.
قال أبو الفرج الأصفهاني في كتابه: مقاتل الطالبيين، عند ذكر صاحب فخ، ومقتله:
” إن شهيد فخ الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن ابن أمير المؤمنين، لما ظهر بالمدينة أيا؟
موسى الهادي، من ملوك العباسيين، أمر المؤذن أن ينادي ب (حي على خير العمل)، ففعل.
وروى الحلبي في سيرته ج ٢ ص ٩٨ عن ابن عمر، وعلي بن الحسين (ع) أنهما كانا يقولان في الأذان، بعد حي على الفلاح: حي على خير العمل.
وروى أيضا: أن الرافضة ” يريد شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله تقول، بعد الحيعلتين: حي على خير العمل، فلما كانت الدولة السلجوقية منعوا المؤذنين من ذلك.
وذلك يدل على أن السياسة كانت تلعب دورها في قبال أهل البيت وأتباعهم، وإلا فإن ذكره في الأذان، والإقامة متواتر عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، فراجع حديثهم، في كتاب: ” وسائل الشيعة إلى أحكام الشريعة “، لتكون على بصيرة من مذهبهم.
ومن كتاب الجمع بين الصحيحين، من مسند عبد الله بن عباس: أنه لما طعن عمر بن الخطاب كان يتألم، فقال ابن عباس: ولا كل ذلك، فقال بعد كلام: أما ما ترى من جزعي فهو من أجلك، وأجل
وفي الجمع بين الصحيحين، عن ابن عمر، في رواية سالم عنه، قال:
دخلت على حفصة، فقالت: أعلمت أن أباك غير مستخلف؟ فقلت:
ما كان ليفعل. قالت: إنه فاعل قال: فحلفت أن أكلمه في ذلك، فسكت حتى غدوت، ولم أكلمه، وكنت كأنما أحمل بيميني جبلا، حتى رجعت فدخلت عليه، فسألني عن حال الناس، وأنا أخبره، قال:
ثم قلت: سمعت الناس يقولون مقالة، فآليت أن أقولها لك، زعموا أنك غير مستخلف، وأنه لو كان راعي غنم، أو راعي إبل، ثم جاء وتركها لرأيت أنه قد ضيع، فرعاية الناس أشد، قال: فوافقه قولي، فوضع رأسه ساعة، ثم رفعه إلي فقال: إن الله يحفظ دينه، وإني لئن لا أستخلف، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يستخلف، وإن أستخلف فإن أبا بكر قد استخلف، فقال: والله، ما هو إلا أن ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وأبا بكر، فقلت:
لم يكن ليعدل برسول الله صلى الله عليه وآله أحدا، وإنه غير مستخلف (٢).
وهذا يدل على اعتراف عبد الله بن عمر بما تشهد به العقول، من أن المتولي لأمور الناس إذا تركهم بغير وصية يكون قد ضيع أمورهم، وقد شهد على رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قبض ولم يستخلف، وضيع الناس، وأن عمر وافق ابنه، ثم عدل عنه.
(ثم فسر معاوية ذلك في آخر الحديث) فقال: لم يكن من الستة رجل إلا رجاها لنفسه، ورجا له لقومه، وتطلعت إلى ذلك أنفسهم، ولو أن عمر استخلف كما استخلف أبو بكر ما كان في ذلك اختلاف.
وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين، في مسند عمر بن الخطاب:
أن أبا بكر قال ذلك، يعني يوم السقيفة، ولن يعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، ثم قال عمر يوم الشورى، بعد ذم كل واحد منهم بما يكرهه: ” لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا ما تخالجني فيه الشكوك (٢).
وبالإجماع: أن سالما لم يكن قرشيا (٣)، وقد ذكر الجاحظ في كتاب:
” الفتيا “
(٣) أقول: إن سالم مولى أبي حذيفة لم يكن قرشيا، بل كان من أهل فارس من إصطخر..
(راجع: أسد الغابة ج ٢ ص ٢٤٥ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٢٢٥، والاستيعاب ج ٢ ص ٧٠ وفيه أيضا: قيل: إنه من عجم الفرس من كرمد). وقد تواتر عن النبي صلى الله عليه وآله:
أن الخلافة في قريش. راجع: الصحاح الستة، والمسانيد، وغيرها من الكتب المعتبرة.
نسب طلحة
وقد ذكر أبو المنذر، هشام بن محمد بن السائب الكلبي، من علماء الجمهور: أن من جملة البغايا وذوات الرايات، صعبة بنت الحضرمي، وكانت لها راية بمكة، واستصغت بأبي سفيان، فوقع عليها أبو سفيان، وتزوجها عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم، فجاءت بطلحة عبيد الله لستة أشهر، فاختصم أبو سفيان وعبيد الله في طلحة، فجعلا أمرهما إلى صعبة، فألحقته بعبيد الله، فقيل لها: كيف تركت أبا سفيان؟
فقالت: يد عبيد الله طلقة، ويد أبي سفيان بكرة، وقال: وممن كان يلعب به، ويتخنث أبو طلحة (١).
فهل يحل لعاقل المخاصمة مع هؤلاء لعلي عليه السلام.
وقال أيضا: ممن كان يلعب به، وينتحل، عفان أبو عثمان، فكان يضرب بالدفوف.
رد يزيد على ابن عمر
وروى البلاذري قال: لما قتل الحسين كتب عبد الله بن عمر إلى يزيد ابن معاوية: أما بعد: فقد عظمت الرزية رجلت المصيبة، وحدث في الإسلام حدث عظيم، ولا يوم كيوم قتل الحسين.
فكتب إليه يزيد: أما بعد، يا أحمق، فإنا جئنا إلى بيوت مجددة، وفرش ممهدة، ووسادة منضدة، فقاتلنا عنها فإن يكن الحق لنا فعن حقنا قاتلنا، وإن كان الحق لغيرنا، فأبوك أول من سن هذا، واستأثر بالحق على أهله (٢).
لولا حدود صوارم | أمضى مضاربها الخليفة |
لنشرت من أسرار آل | محمد جملا ظريفه |
وأريتكم أن الحسين | أصيب في يوم السقيفة |
مناوأة فاطمة وغصب فدك
وروى الواقدي، وغيره من نقلة الأخبار عندهم، وذكروه في أخبارهم الصحيحة: أن النبي صلى الله عليه وآله لما فتح خيبر اصطفى لنفسه قرى من قرى اليهودي، فنزل جبرئيل بهذه الآية: ” وآت ذا القربى حقه ” (١).
فقال محمد صلى الله عليه وآله: ومن ذو القربى؟ وما حقه؟ قال: فاطمة تدفع إليها فدكا، والعوالي، فاستغلتها حتى توفي أبوها، فلما بويع أبو بكر منعها، فكلمته في ردها عليها، وقالت: إنها لي، وإن أبي دفعها إلي؟ فقال أبو بكر: فلا أمنعك ما دفع إليك أبوك، فأراد أن يكتب لها كتابا، فاستوقفه عمر بن الخطاب، وقال: إنها امرأة، فطالبها بالبينة على ما ادعت فأمرها أبو بكر، فجاءت بأم أيمن، وأسماء بنت عميس، مع علي (ع)، فشهدوا بذلك. فكتب لها أبو بكر، فبلغ ذلك عمر، فأخذ الصحيفة، ومزقها، فمحاها، فحلفت أن لا تكلمهما، وماتت ساخطة عليهما (٢).
وجمع المأمون ألف نفس من الفقهاء، وتناظروا، وأدى بحثهم إلى رد فدك إلى العلويين من ولدها، فردها عليهم (٣).
وذكر أبو هلال العسكري، في كتاب ” أخبار الأوائل “: أن أول من رد فدك على أولاد فاطمة عمر بن عبد العزيز، وكان معاوية أقطعها لمروان بن الحكم، وعمر بن عثمان، ويزيد ابنه أثلاثا، ثم غصبت.
فردها عليهم السفاح، ثم غصبت، فردها عليهم المهدي، ثم غصبت، فردها عليهم المأمون.
(٣) وفي تاريخ اليعقوبي ج ٣ ص ٢٠٣ ومعجم البلدان كما في ترجمة فدك.
مع أن العدة لا يجب الوفاء بها.
والهبة للولد مع التصرف توجب التمليك، فأقل المراتب أنه يجري فاطمة مجراه.
وقد روى سند الحفاظ، ابن مردويه بإسناده إلى أبي سعيد الخدري، قال: لما نزلت: ” وآت ذا القربى حقه “، دعا رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة، فأعطاها فدك ” (٣).
وقد روى صدر الأئمة أخطب خوارزم، موفق بن أحمد المكي، قال:
وما سمعت في المفاريد، بإسنادي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
يا علي، إن الله زوجك فاطمة، وجعل صداقها الأرض، فمن مشى عليها مبغضا لها مشى حراما (٤).
قال محمود الخوارزمي في ” الفائق “: قد ثبت: أن فاطمة صادقة، وأنها من أهل الجنة، فكيف يجوز الشك في دعواها فدك والعوالي؟ وكيف يقال: إنها أرادت ظلم جميع الخلق، وأصرت على ذلك إلى الوفاة؟.
(٣) من جملة مصادره شواهد التنزيل ج ١ ص ٣٣٨، مجمع الزوائد ج ٧ ص ٤٩ ميزان الاعتدال ج ٢ ص ٢٢٨ منتخب كنز العمال ج ١ ص ٢٢٨ تفسير الطبري ج ١٥ ص ٧٢ والسيوطي في در المنثور والثعلبي في تفسيره.
(٤) رواه جماعة من الأعلام، ومنهم العلامة السيد علي الهمداني في مودة القربى ص ٩٢ (ط لاهور)، على ما في إحقاق الحق ج ١٠ ص ٣٦٩.
وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين: أن بني صهيب، موالي بني جدعان ادعوا بيتين وحجرة، أن رسول الله صلى الله عليه وآله أعطى ذلك صهيبا، فقال مروان: من يشهد لكم على ذلك؟ قالوا: ابن عمر يشهده، فقضى لهم مروان بشهادته (٢).
وفي صحيح البخاري: أن فاطمة أرسلت إلى أبي بكر، وسألته ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وآله، مما أفاء الله عليه بالمدينة، من فدك، وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ” لا نورث، ما تركناه صدقة “، وإنما يأكل آل محمد من هذا المال، وإني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله صلى الله عليه وآله عن حالها التي كانت عليه.
وأبى أن إلى فاطمة منها شيئا.
فوجدت فاطمة على أبي بكر، فهجرته، فلم تتكلم معه حتى
(٢) صحيح البخاري ج ٣ ص ٢٠٤ أقول: ليس المقصود هو الاستدلال بفعل مروان فقط، بل بإقرار ابن عمر، وغيره له على فعله.