بحوث قرآنية في التوحيد والشرك / الصفحات: ١٠١ – ١٢٠
الوجه الاَوّل: لو كان التوسل بدعاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وذاته أو حقّه شركاً يلزم أن يكون كلّ توسل كذلك حتى التوسل بالغير في الاَُمور العادية مع أنّه باطل بالضرورة، لاَنّ الجميع من قبيل التوسل بالاَسباب، عادية كانت أو غير عادية، طبيعيةً كانت أو غير طبيعية.
الوجه الثاني: قد عرفت في تعريف العبادة انّه الخضوع أمام الغير بما هو إله أو ربّ أو مفوض إليه أُموره سبحانه، وليس واحد من هذه القيود متحّققاً في التوسل بالاَنبياء والصالحين والشهداء بل يتوسل بهم بما انّهم عباد مكرمون يستجاب دعاوَهم عند اللّه سبحانه، أو انّ لذواتهم وحقوقهم منزلة عند اللّه، فالتوسل بهم يثير
فبينما كان القوم والرسل يتحاجون إذ جاء رجل من أقصى المدينة يدعوهم إلى اللّه سبحانه وقال لهم:
إتّبعوا معاشر الكفار من لا يطلبون منكم الاَجر ولا يسألونكم أموالكم على ما جاءوكم به من الهدى، وهم مهتدون إلى طريق الحقّ، سالكون سبيله، ثمّ أضاف قائلاً:
ومالي لا أعبد الذي فطرني وأنشأني وأنعم إليّ وهداني وإليه ترجعون عند البعث، فيجزيكم بكفركم أتأمرونني أن أتخذ آلهة من دون اللّه مع أنّهم لا يغنون شيئاً ولا يردون ضرراً عني، ولا تنفعني شفاعتهم شيئاً ولا ينقذونني من الهلاك والضرر، وعندما مهَّد السبيل
ثمّ إنّه سبحانه لم يمهل القاتلين طويلاً حتى أرسل جنداً من السماء لاِهلاكهم، يقول سبحانه:(وَما أَنْزَلْنا عَلى قَومِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنّا مُنْزلينَ*إِنْ كانَتْ إِلاّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ) .
أي: كان اهلاكهم عن آخرهم بأيسر أمر، وهي صيحة واحدة حتى هلكوا بأجمعهم، فإذا هم خامدون ساكتون.
ودلالة الآية على بقاء النفس وإدراكها وشعورها وإرسالها الخطابات إلى من في الحياة الدنيا من الوضوح بمكان، حيث كان دخول الجنّة: (قيل ادخُل الجَنّة) والتمني (يا لَيْتَ قَومي) كان قبل قيام الساعة، والمراد من الجنة هي الجنة البرزخية دون الاَُخروية.
إلى هنا تمّ بيان بعض الآيات الدالة على بقاء أرواح الشهداء
تدل الآية بوضوح على أنّآل فرعون يُعرضون على النار قبل قيام الساعة غدوّاً وعشيّاً، كما انّهم بعد قيامها يُدخلون أشدّ العذاب، فعذابهم قبل الساعة غير عذابهم بعدها، وهو دليل صريح على حياة تلك الطغمة.
٢. (مِمّا خَطيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَادْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللّهِأَنْصاراً) .(٢)
تدل الآية على أنّ قوم نوح اغرقوا أوّلاً فادخلوا ناراً، ولم يجدوا لاَنفسهم أنصاراً وليست هذه النار، نار يوم القيامة بشهادة انّه سبحانه يقول:(فادخلوا ناراً) وهو يدل على تحقق الدخول بلا فاصل زمني بعد الغرق ولو أُريد نار يوم الساعة لكان الاَنسب أن يقول«فيدخلون ناراً».
نزلت الآيات في قصة النبي صالح حيث دعا قومه إلى عبادة اللّه وترك التعرض لمعجزته (الناقة) وعدم مسِّها بسوء، ولكنّهم بدل ذلك فقد عقروا الناقة وعتوا عن أمر ربّهم فعمَّهم العذاب فأصبحوا في دارهم جاثمين، فعند ذلك عاد النبي صالح يخاطبهم وهم هلكى، بقوله: (فَتَولى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَومِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النّاصِحينَ) .
وقد صدر الخطاب من النبي صالح (عليه السلام) بعد هلاكهم وموتهم، بشهادة قوله: (فتَولّى عَنْهُم) في صدر الخطاب المصدرة بالفاء المشعرة بصدور الخطاب عقيب هلاك القوم.
فلو لم تكن هناك صلة بين الحياتين لما خاطبهم النبي صالح بهذا الخطاب.
٢. قال سبحانه: (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ
اتّفق المسلمون على تعذيب الميت في القبر، أخرج البخاري عن ابنة خالد بن سعيد بن العاص انّها سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يتعوذ من عذاب القبر، وأخرج عن أبي هريرة كان رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) يدعو: اللّهمّ إنّي أعوذ بك من عذاب القبر و من عذاب النار.(٣)
كلّ ذلك يدل على أنّ المراد من نفي الاسماع هو الاسماع المفيد. تحقيقاً لقوله سبحانه: (حَتّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوتُ قالَ رَبِّ ارجِعُونِ* لَعَلّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ
٣ ـ البخاري:الصحيح: ٢/٩٩، باب التعوذ من عذاب القبر من كتاب الصلاة.