أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها / الصفحات: ٤٤١ – ٤٦٠
صيغ حديث الثقلين
نظرا لأهمية حديث الثقلين ولأهمية الأحكام التي تترتب عليه، فإننا سنسوق كافة صيغ حديث الثقلين التي نقلها الرواة ال ٣٥ صحابيا، ولا بد من التذكير بأن هذه الصيغ مقاطع من خطبة الرسول في غدير خم، وهي متفقة من حيث المبدأ على المضمون.
الصيغة الأولى:
قول الرسول الأعظم ” يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ” (٢).
الصيغة الثانية:
قول الرسول الأعظم ” إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا، أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض
الصيغة الثالثة:
قوله عليه الصلاة والسلام: ” إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض، أو ما بين السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ” (٢).
الصيغة الرابعة:
قول الرسول الكريم: ” إني أوشك أن أدعى فأجيب ألا إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ” (٣).
(٢) الدر المنثور للسيوطي ج ٢ ص ٦٠، وإحياء الميت للسيوطي بهامش الإتحاف بحب الأشراف ص ١١٦، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ٣٨ و ١٨٣، ومجمع الزوائد للهيثمي ج ٩ ص ١٦٢، وعقبات الأفراد من حديث الثقلين ص ١٦، وكنز العمال ج ١ ص ١٥٤ ح ٨٧٣ و ٩٤٨، والجامع الصغير للسيوطي ج ١ ص ٣٥٣، والفتح الكبير للنبهاني ج ١ ص ٤٥١…
(٣) راجع مناقب علي لابن المغازلي الشافعي ص ٥٣٤، ح ٢٨١، والمناقب للخوارزمي الحنفي ص ٢٢٣، وفرائد السمطين للحمويني الشافعي، ج ٢ ص ١٤٣ باب ٣٣ وفيه بعد عزتي أهل بيتي، ألا وهما الخليفتان من بعدي وراجع عبقات الأنوار قسم حديث الثقلين ج ١ ص ١٣١، وكتابنا الخطط السياسية ص ٢٦٠.
الصيغة الخامسة:
قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ” إني أوشك أدعى فأجيب ألا إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله عز وجل وعترتي، كتاب الله حبل ممدود… ” (١).
الصيغة السادسة:
قوله صلى الله عليه وآله وسمل: ” كأني دعيت فأجبت إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله وعترتي ” (٢).
الصيغة السابعة:
قوله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: ” ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قال الصحابة بلى يا رسول الله قال: ” فإني سائلكم عن اثنين، القرآن وعترتي ” (٣).
الصيغة الثامنة:
قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ” يا أيها الناس يوشك أن أقبض قبضا سريعا، فينطلق بي وقد قدمت إليكم القول معذرة إليكم، مخلف فيكم كتاب الله ربي عز وجل
(٣) راجع مجمع الزوائد ج ٥ ص ١٩٥، وأسد الغابة لابن الأثير ج ٣ ص ١٤٧، وإحياء الميت للسيوطي ص ١١٥، وكتابنا الخطط السياسية ص ٢٦١.
الصيغة التاسعة:
عن زيد بن أرقم قال قام فينا رسول الله بماء يدعى خما بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر ثم قال أما بعد: فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين، أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله، واستكملوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي ” (٢).
الصيغة العاشرة:
عن زين بن أرقم قال رسول الله: ” ألا وإني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله عز وجل وأهل بيتي… إلى أن قال الراوي عن زيد فقلنا من أهل بيته نساؤه؟ قال زيد لا، وأيم الله إن المرأة تكون مع الرجل العمر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى بيت أبيها ” (٣).
(٣) راجع صحيح مسلم كتاب الفضائل ج ٢ ص ٣٦٢، وج ٥ ص ١٨١ بشرح النووي، والصواع المحرقة لابن حجر ص ١٤٨، وفرائد السمطين ج ٢ ص ٢٥٠ حديث ٥٢٠، وعبقات الأنوار حديث الثقلين ج ١ ص ٣٦ و ١٠٤، ٢٤٢، ٢٦١، ٣٦٧.
التعميم والتخصيص معا
التركيز على أهل بيت النبوة عامة، وعلى أئمتهم الأعلام في الوقت نفسه
في الوقت نفسه الذي كان فيه رسول الله يركز تركيزا مكثفا وخاصا على حقيقة وطبيعة المكانة الخاصة المميزة التي اختارها الله تعالى لأهل بيت النبوة، كان النبي يسلط أضواء ربانية كاشفة عن الرجال الأعلام من أهل بيت النبوة، فكأنه يقول للمسلمين إن الله يعلم حيث يضع رسالته.
ففي غدير خم على سبيل المثال
ففي الخطبة نفسها التي أعلن الرسول فيها حديث الثقلين الشهير أعلن فيه أن علي بن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة، وأنه ولي كل مؤمن ومؤمنة، وأنه الولي من بعد النبي في الوقت نفسه الذي أكد فيه الرسول بأن الإسلام في حقيقته يقوم على ركنين، ويستند إلى ثقلين أحدهما كتاب الله وبيان النبي لهذا الكتاب، والآخر عترة النبي أهل بيته، أبرز تباعا علي بن أبي طالب، وقدمه كمولى للمؤمنين، والمؤمنات، وكمولى لهم، وعندما حث النبي على حب أهل بيت النبوة وحذر من بغضهم خص الإمام علي بن أبي طالب كما وضحنا سابقا.
مداخل لفهم التعميم والتخصيص معا
المدخل الأول: قال حذيفة بن أسيد الغفاري إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم غدير خم: ” إن الله مولاي، وأنا مولاي المؤمنين وأنا أولى منهم على أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه… ثم قال ” إني سائلكم عن الثقلين ” (١).
المدخل الثاني: ” قال زيد بن أرقم إن الرسول قد قال: “… وإني قد تركت فيكم الثقلين… ثم قال إن الله عز وجل مولاي وأنا مولى المؤمنين، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فقال: من كنت مولاه فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ” (٢).
المدخل الثالث: قال البراء بن عازب: إن الرسول قد صلى الظهر في غدير خم وأخذ بيد علي فقال للمسلمين: ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟
قالوا: بلى، فقال الرسول: ” من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ” (٣).
المدخل الرابع: قال سعد بن أبي وقاص “… إن رسول الله قد قال أيها الناس إني وليكم؟ قالوا: نعم، ثم رفع يد علي بن أبي طالب فقال هذا وليي ويؤدي عني ديني، وأنا موال من والاه ومعاد من عاداه ” (٤).
(٣) راجع على سبيل المثال ذخائر العقبى للطبري ص ٦٧، وفضائل الخمسة ج ١ ص ٣٥٠، والفصول المهمة ص ٢٤، والحاوي للفتاوي للسيوطي ج ١ ص ١٢٢، وأنساب الأشراف للبلاذري ج ٢ ص ٢١٥.
(٤) الخصائص للنسائي ص ١٠٢، والبداية والنهاية لابن كثير ج ٥ ص ٢١٢، والمراجع السابقة.
الصحابة الكرام فهموا المقصود
فهم المسلمون مغزى كلام النبي، استوعبوا تلخيصه للموقف، فتقدم كبار المسلمين وقدموا التهاني لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وكان من جملة المهنئين عمر بن الخطاب، فقال لعلي بن أبي طالب ” هنيئا لك يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة ” (٢).
المعروف بالبداهة
أهل بيت النبوة يعرفهم المسلمون قاطبة، والمسلمون يعرفون أيضا بأن علي بن أبي طالب هو عميد أهل البيت النبوة بلا منازع، وهو رجلهم المقدم الذي لا يتقدم عليه أحد، ولا ينازعه بالعمادة أحد، فأنت تلاحظ أن النبي قد أعلن عميد أهل بيت النبوة في الوقت نفسه الذي أعلن فيه حديث الثقلين.
سبب تقطيع النصوص وبترها
كافة النصوص المتعلقة بحديث الثقلين والتي سقناها قبل قليل وحديث من كنت مولاه فهذا علي مولاه مقاطع من خطبة الرسول في غدير
(٢) راجع كتابنا المواجهة ص ٤٥٠ وما فوق وكتابنا الهاشميون ص ١٧١ – ١٨٣.
الفصل الثاني
دور أهل بيت النبوة بالمحافظة على سنة رسول الله
بأمر من الله أعد رسول الله الإمام عليا ليكون أول إمام للأمة بعد موت النبي وأهله تأهيلا خاصا ليكون قادرا على الإجابة على أي سؤال من أي إنسان على وجه الأرض يتعلق بالقرآن أو سنة الرسول أو دين الإسلام بشكل عام في أي أمر من أمور الدنيا أو الآخرة، والإمام علي هو الإنسان الوحيد في زمانه الذي أعلن على رؤوس الأشهاد قائلا ” سلوني عن كتاب الله فإنه ليس من آية إلا وقد عرفت بليل نزلت أم بنهار، في سهل نزلت أم في جبل ” (١) ولقد أقسم الإمام علي قائلا: ” والله ما نزلت آية إلا وقد علمت في من نزلت، وعلى من نزلت، وأين نزلت ” (٢) قال الإمام علي: ” ما دخل رأسي نوم ولا عهد إلى رسول الله حتى علمت من رسول الله ما نزله به جبريل من حلال أو حرام أو سنة أو أمر أو نهي فيما نزل فيه، وفيمن نزل ” وكان الرسول يتحفظ عدد الأيام التي غاب بها عن الإمام علي فإذا التقيا قال له رسول الله يا علي نزل علي في يوم كذا كذا وفي يوم كذا كذا حتى
لقد علم الله رسوله القرآن وعلمه شيئا سوى ذلك، فما علمه الله ورسوله فقد علم رسول الله عليا (٣).
قال الإمام الصادق: ” إن الله علم رسوله الحلال والحرام والتأويل، وعلم رسول الله علمه كله عليا ” (٤).
وأمر رسول الله الإمام عليا أن يكتب ما يمليه عليه رسول الله قائلا ” اكتب ما أملي عليك ” فقال الإمام علي يا نبي الله أتخاف علي النسيان!!
فقال الرسول لست أخاف عليك النسيان ولكن اكتب لشركائك، ولما سأله الإمام عن شركائه قال هم الأئمة من ولدك، وأومأ إلى الحسن، وقال هذا أولهم، ثم أومأ إلى الحسين، ثم قال الأئمة من ولده (٥).
قال الإمام الباقر ” يا حمران في هذا البيت صحيفة طولها سبعون ذراعا بخط علي وإملاء رسول الله، ولو ولينا الناس لحكمنا بما أنزل الله لم نعد ما في هذه الصحيفة ” (٦).
وقال الإمام عن هذه الصحيفة يوما ” ما على الأرض شئ يحتاج إليه إلا هو فيها حتى أرش الخدش ” (٧).
(٣) بصائر الدرجات ص ٢٩٠ – ٢٩١ ح ٣ و ٩، ومعالم المدرستين ج ٢ ص ٣٠٤ – ٣٠٥.
(٤) بصائر الدرجات ص ٢٩٠، والوسائل ج ٣ ص ٣٩١ ح ١٩، ومستدرك الوسائل ج ٣ ص ١٩٢ ح ٢١.
(٥) الأمالي للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ج ٢ ص ٥٦، والمعالم ج ٢ ص ٣٠٦.
(٦) بصائر الدرجات ص ١٤٣.
(٧) بصائر الدرجات ص ١٤٧.
وقل الإمام جعفر: ” ما ترك علي شيعته وهم يحتاجون إلى أحد في الحلال والحرام حتى إنا وجدنا في كتابه أرش الخدش ” قال الراوي ثم قال ” أما إنك إن رأيت كتابه لعلمت أنه من كتب الأولين ” (٧).
والخلاصة أن الإمام عليا قد تعلم من رسول الله القرآن، وبيان النبي لهذا القرآن، وأن رسول الله قد أملى على الإمام علي سنته الشريفة، وأن الإمام عليا كتبها بخط يده، واحتفظ بها طيلة حياته، ولما دنت منيته سلمها إلى الإمام الحسن، واحتفظ بها الإمام الحسن طيلة حياته، ولما دنت منيته
(٣) المصدر السابق.
(٤) بصائر الدرجات ١٤٨.
(٥) بصائر الدرجات ص ١٤٥.
(٦) بصائر الدرجات ص ١٤٧ و ١٤٣.
(٧) بصائر الدرجات ص ١٦٦.
الأئمة توارثوا سنة الرسول
قال الإمام جعفر الصادق: “… ولكنها آثار من رسول الله أصل علم نتوارثها كابر عن كابر نكنزها كما يكنز الناس ذهبهم وفضتهم ” (١).
وقال الإمام الباقر: “… ولكنا نحدثهم بآثار عندنا من رسول الله نتوارثها كابر عن كابر نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم ” (٢).
وقال الإمام جعفر الصادق: “… إنا والله ما نقول بأهوائنا ولا نقول برأينا، ولا نقول إلا ما قال ربنا، أصول عندنا نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم ” (٣).
إن سنة الرسول المكتوبة كلها قد انتقلت من إمام إلى إمام وهي ليست مروية من الناس إنما هي من إملاء رسول الله بالذات وكتبها الإمام علي بخط يده وعلى ذلك أجمع أهل بيت النبوة.
(٣) بصائر الدرجات ص ٣٠٠ – ٣٠١.
أئمة أهل بيت النبوة لا يقولون برأيهم
أهل بيت النبوة لا يقولون برأيهم، ولا يحتاجون إلى الرأي، لأن سنة الرسول قد بينت كل شئ، الذين يقولون بالرأي ويلجؤون إلى الاجتهاد هم الذين يجهلون الحكم الشرعي، أو الذين لا يعجبهم الحكم الشرعي، وأهل بيت النبوة يعرفون الأحكام الشرعية ويلتزمون بها لذلك كان الأئمة الكرام قد أعلنوا وبكل وسائل الإعلان المتاحة لهم أن العمل بالرأي في مجال الأحكام جريمة.
قال الإمام جعفر الصادق لرجل سأله ” مهما أجبتك من شئ فهو عن رسول الله، لن نقول برأينا من شئ ” (١).
قال الإمام محمد الباقر ” إنا لو حدثنا برأينا ضللنا كما ضل من كان قبلنا ولكن حديثا ببينة من ربنا بينها لنبيه فبينها لنا ” (٢) فلولا ذلك كنا كهؤلاء الناس (٣).
وعن سماعة عن أبي الحسن قال قلت له ” كل شئ نقول به في كتاب الله وسنة نبيه أو تقولون فيه برأيكم؟ قال: بل كل شئ نقوله في كتاب الله وسنة رسوله ” (٤).
قال الإمام الباقر ” يا جابر والله لو كنا نحدث الناس أو حدثناهم برأينا لكنا من الهالكين لكننا نحدثهم بآثار عندنا من رسول الله نتوارثها كابر عن كابر… ” (٥) ” والله ما نقول بأهوائنا ولا نقول برأينا، ولا نقول إلا ما قال ربنا، أصول عندنا نكنزها… ” (٦).
(٣) بصائر الدرجات ص ٣٠٠.
(٤) بصائر الدرجات ص ٣٠١.
(٥) بصائر الدرجات ص ٢٩٩.
(٦) بصائر الدرجات ص ٢٩٩.
أهل بيت النبوة يعلمون من سنة رسول الله كل شئ
كان أهل بيت النبوة يعلمون تفاصيل كل شئ لأن رسول الله قد أملى على الإمام علي كل شئ، وكتبه الإمام علي بخط يده، فكان إمام أهل بيت النبوة – كل في زمانه – يرجع إلى سنة الرسول المكتوبة، ويراها وهي تشق طريقها إلى الواقع خطوة خطوة قال عبد الله بن الحسن: إن ابني هذا المهدي، وقال أبو جعفر المنصور، أن الناس يريدون هذا الفتى محمد بن عبد الله بن الحسن كان أبو جعفر أحد ثوار بني هاشم فبايع الحاضرون جميعا محمد بن عبد الله بن الحسن على أساس أنه المهدي، وأرسلوا إلى الإمام جعفر الصادق، فأخبروه بما فعلوا.
فقال الإمام جعفر لا تفعلوا فإن هذا الأمر لم يأت بعد، إن كنت ترى بأن ابنك هو المهدي فليس به، ولا هذا أوانه، وإن كنت تريد أن تخرج غضبا لله وليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فإنا والله لا ندعك وأنت شيخنا ونبايع ابنك، فغضب عبد الله وقال: والله ما أطلعك الله على غيبه ولكن يحملك على هذا الحسد لابني، فقال الإمام جعفر، والله ما ذاك يحملني، ولكن هذا وإخوته وأبناؤهم دونكم.. إنها والله ما هي إليك ولا إلى ابنيك ولكنها لهم ” بني العباس ” وإن ابنيك لمقتولان، ثم نهض الإمام جعفر فقال لعبد العزيز بن عمران أرأيت صاحب الرداء الأصفر، يعني أبا جعفر، فإنا والله نجده يقتله!! قال عبد العزيز أبو جعفر يقتل محمدا!! قال الإمام جعفر نعم… وحدث تماما كما قال الإمام جعفر، وقال الإمام جعفر يقتل محمد عند بيت رومي، ويقتل أخوه لأبيه وأمه بالعراق، وحوافر فراسه بالماء (١) ” من خلال سنة الرسول المكتوبة علم أئمة أهل بيت النبوة ماذا سيحدث، ومن سيملك، وكيف تتجه حركة الأحداث.
أئمة أهل بيت النبوة كانوا قادة التيار المعادي لسياسة منع كتابة ورواية سنة الرسول
لقد تمسك أئمة أهل بيت النبوة – كل في زمانه – بسنة الرسول، وحثوا الناس على كتابتها وروايتها والتمسك بها، وقاوموا ما وسعهم الجهد سياسة الخلفاء القائمة على منع كتابة ورواية سنة الرسول، وبينوا للناس مساوئ هذه السياسة ومخاطرها، وكانوا ينشرون سنة الرسول ما وسعهم الجهد ويحثون المسلمين على نشرها وكتابتها، وكانوا يشجعون من والاهم على تحدي سياسة دولة الخلافة تجاه سنة الرسول، وكان الأئمة يجيبون السائلين عن حكم سنة الرسول في أي أمر من الأمور، ولم يجد إمام أهل بيت النبوة حرجا من بيان سنة الرسول للخليفة نفسه إذا استفتاه وإذا رأى إمام أهل بيت النبوة أو أحد، من مواليه الخليفة وهو يمارس عملا مناقضا لسنة الرسول كانوا يأمرونه بالمعروف وينهونه عن المنكر بألسنتهم ويبينون له الحكم الشرعي الوارد في سنة الرسول، ولكن لم تكن لهم طاقة على إجبار الخليفة أو أركان دولته باتباع سنة الرسول.
لما أوهم الخليفة الثاني المسلمين بأنه يريد أن يجمع سنة الرسول، وناشد الناس أن يأتوه بالمكتوب عندهم منها، اكتشف أهل بيت النبوة، مقاصد الخليفة، فأنكروا وجود سنة الرسول المكتوبة عندها وحذروا من يواليهم من تسليم ما هو مكتوب عندهم من سنة الرسول للخليفة لأنه يريد أن يحرقها، وقد وثقنا ذلك وفصلناه.
ولما آلت الخلافة إلى الإمام علي ركز الجزء الأعظم من اهتمامه على نشر سنة الرسول، وتشجيع المسلمين على كتابتها، وعندما أحس الإمام علي بتمسك الأغلبية بسنة الخليفتين، لجأ الإمام إلى أسلوب المناشدة، بأن يسأل الحاضرين من المسلمين بالله أن من سمع رسول الله يقول كذا أن ينهض، ومن خلال هذا الأسلوب المبتكر، ومن خلال ممارسات الإمام
لقد كان إمام أهل بيت النبوة في زمانه كالكوكب الدري المتألق في ليل مظلم.
وخرج الأئمة الكرام كل في زمانه كوادر فنية علموها الأصول، وكيفية التفريع عليها، وأمر الأئمة أتباعهم بمقاطعة قضاء دولة الخلافة، وأن يتجنبوا اللجوء إليه لأنه لا يحكم لا بكتاب الله ولا بسنة رسوله، وأن يختاروا من بينهم من يعرف حلال الله من حرامه ليقضي بينهم بكتاب الله وسنة رسوله ولما فتح باب رواية وكتابة سنة الرسول الصحيحة، فأبدوا مطالعتهم على النصوص المنسوبة للرسول، وحذروا المسلمين من أصحاب الأهواء، ومن الرواية الكذابين ولو أن علماء دولة الخلفاء قد فزعوا ساعتها لأهل بيت النبوة، وسألوهم الرأي، وطلبوا منهم أن يميزوا لهم ما قاله الرسول بالفعل عما تقوله الرواية عليه لكان للسنة الشريفة شأن غير هذا الشأن، ووضع غير هذا الوضع.
لقد حمل أئمة بيت النبوة كل في زمانه راية سنة الرسول الصحيحة والموثوقة ودافعوا عنها، واضطروا وأتباعهم بإمكانياتهم المحدودة أن يواجهوا دولة عظمى تتخذ من سنة الرسول موقفا مغايرا لموقف أهل بيت النبوة، لقد تحمل أئمة أهل بيت النبوة وأولياؤهم أعباء المواجهة مئات السنين، وحافظوا على سنة الرسول كما يحافظون على أنفسهم وذراريهم، وتوارثوها كما يتوارث الآخرون أنفس ما لديهم.
ولولا فضل الله وقوة سنة الرسول ويقظة أهل بيت النبوة لكان من