أوضاع المرأة المسلمة ودورها الاجتماعي من منظور إسلامي / الصفحات: ١٨١ – ٢٠٠
الإسلام ودعوته إلى التنمية الاجتماعية
ونعني بالتنمية الاجتماعية هو تحرّك المجتمع المنظّم والواعي (على الصعيد المادي والمعنوي) نحو الأفضل إنسانياً .
فهناك التحرّك الإرادي الواعي لكل المجتمع .
وهناك التنظيم والتنسيق بين الأهداف المادية والمعنوية ولا يصار إلى هدف على حساب الآخر .
أمّا تنمية الإنتاج التي تنادي بها المؤسسات الحديثة كشعار لها فهو ممّا شجّع عليه الإسلام بدون اعتداء وعنف ، فقد قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}(١) .
وممّا جاء في كتاب الإمام علي (عليه السلام) لمحمّد بن أبي بكر أنّه قال : “يا عباد الله إنّ المتّقين حازوا عاجل الخير وآجله ، شاركوا أهل الدنيا في دنياهم ولم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم . . . سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت وأكلوها بأفضل ما أكلت وشاركوا أهل الدنيا في دنياهم فأكلوا معهم من طيّبات ما يأكلون ، وشربوا من طيّبات ما يشربون . . .”(٢) .
وقد جعل الإسلام العمل عبادة ، والعامل لقوتهِ أفضل من العابد ، وقد رفع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يد عامل مكدود فقبّلها ، وقال : “طلب الحلال فريضة على كلّ مسلم ومسلمة”(٣) .
١- المائدة : ٨٧ .
٢- نهج البلاغة ، شرح صبحي الصالح : ٣٨٣ ، وراجع الأمالي ١ : ٢٥ .
٣- أسد الغابة ٢ : ٢٦٩ ، بحار الأنوار ١٠٣ : ٩ .
وقال تعالى : {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الاَْرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}(١) .
وقد شرّع الإسلام تشريعات كثيرة تدفع إلى الإنتاج ، وعدم تعطيل الأرض والمصادر الطبيعية ، كما حرّم الكسب بلا عمل ، وحرّم الربا الذي هو أيضاً من مصاديق الكسب بلا عمل ، كما حرّم القمار والسحر ، ومنع من الاكتناز للنقود بوضعه ضريبة على المكتنز للنقود الذهبيّة والفضيّة ، كما حرّم اللهو والمجون الذي يمنع من العمل ، كما حرّم الاستجداء والإسراف والتبذير ، وأوجب تعلّم الصناعات والفنون بالواجب الكفائي “وكلّ هذا يمكن تفصيله في البحوث الفقهية” ، وجعل للدولة حق الإشراف على الإنتاج والتخطيط له ; ليكون الإنتاج منظّماً خالياً من الفوضى .
والمرأة بما أنّها إنسانة (أُمّاً أو أُختاً أو بنتاً أو زوجة) والإنسان هو محوَر التنمية ، إذاً ستكون المرأة هي ركن التنمية كالرجل ، لابدّ من الاستفادة منها في التنمية لخير المجموع بأفضل ما يمكن .
نعم ، هناك تقسيماً رحيماً بين وظائف الرجل ووظائف المرأة في التنمية .
فالزوجة لها دور في التنمية الاجتماعية والإنتاجية يختلف عن دور الزوج ، كما أنّ دور الولد يختلف عن دور الوالد ، وكلّ واحد يكمّل الآخر للوصول إلى الهدف .
فالزوجة والأُم : تعدّ وتهيّء البيئة العائليّة السليمة ، والعائلة الصالحة هي قوام المجتمع الصالح .
كما هي التي تقوم بتربية الجيل الصاعد القوي الفاعل ليتمكّن من العمليّة الاجتماعية والتنمية .
١- الملك : ١٥ .
وبهذا نعرف أنّ أيّ ضربة للعائلة ستكون ضربة قويّة للمجتمع الصالح القوي الفاعل ، فيتحوّل إلى مجتمع لإصلاح فيه ولا قوّة ولا فاعليّة .
وللمرأة ـ بعد هذا الدور العظيم ـ أن تدخل مناحي الحياة العلمية والأدبية والسياسية والاقتصادية لتكون فاعلة في كلّ ما تكون قادرة عليه بحسب بنيتها وعاطفتها ، ومجال ذلك واسع جدّاً ، فهي شريكة الرجل في العملية الاجتماعية والإنسانية والإنتاجية ، وقد تقدّم كلّ ما يسمح للمرأة من التصدّي له من المناصب العالية حتى منصب رئاسة الدولة (بالمعنى المألوف في الدول الحالية) ، وتمكّنها من الترشيح والإنتخاب والمشاركة السياسية والاقتصادية والاجتماعية باستثناء القضاء الذي منع منه الإسلام المرأة كما تقدّم ، وهو إعفاء عن مسؤوليّة عظمى ، وليس نقصاً في حقوقها ، ولها أيضاً المشاركة في كلّ من شؤون القضاء دون نفس الحكم القضائي ، وباستثناء الخلافة العامّة التي تستوجب قيادة الأُمّة .
وهذا كلّه تقدّم فلا نعيد .
التوازن بين الحقوق والواجبات
نعم ، تقدّم ذكرنا لحقوق المرأة ، ولكن هناك حقوقاً عليها لابدّ من مراعاتها ليحصل التوازن بين الحقوق التي لها والحقوق التي عليها .
فمن الحقوق التي عليها (كما تقدّم ذلك) :
١ ـ أنّها ثقل بيت الزوجية والعائلة التي يتكوّن منها المجتمع ، فلابدّ من العمل على إبقاء الأُسرة كما هي ، وتكون هي السكن للزوج ، كما يكون الزوج سكناً لها ، وتعمل جاهدة مع زوجها على تربية الأولاد في هذا المحيط النقي الذي يكون دافئاً بالحبّ والرأفة والرحمة .
كما أنّها تجاهد لاحترام زوجها ، كما أنّ العكس صحيح ، فخروجها من البيت الزوجي لابدّ أن يكون لأمر واجب أو ضروري ، أو يكون بتفاهم مع الزوج الذي له حقّ المحافظة عليها ، والقيام بمصالحها ، وتدبير أُمورها ، وإلاّ فسوف يتحطّم هذا البيت الزوجي أو تزول الفائدة منه .
٢ ـ استجابتها للأُمور الجنسيّة مع زوجها بالصورة المتعارفة انطلاقاً من قوله تعالى : {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}(١) .
٣ ـ التزامها بستر البدن عن الأجانب من أجل أن لا تكون الإثارة للغير من قبلها بدون إشباع للإثارة بصورة صحيحة ، فتجرّ المجتمع إلى الفساد .
كما يلزم الرجال بغض النظر عن الأجنبيّات لنفس النكتة .
١- النساء : ١٩ .
٤ ـ تقسيم المسؤوليات تبعاً لمقتضيات العدالة الإنسانية وفق القيم الشرعية ، والمسؤولية في البيت تقدّم على أيّ قيم أُخرى عند التعارض ، كالعمل خارج البيت حتّى للإنتاج والتنمية .
٥ ـ يجب عليها أن تمتنع بشدّة عن كلّ المحاولات لاستغلالها جنسيّاً من قبل الآخرين ، ولا يسمح لها بأيّ شذوذ جنسي مع مثيلاتها ممّا يؤدّي إلى إيجاد علاقات خارج البيت الزوجي ، وهو الذي يؤدّي إلى الفساد ، وتحطيم البيت الزوجي .
وبعبارة جامعة : عليها الالتزام بالقيم الدينية ، وتهتم بدور الدين في الحياة ، وأثر العناصر المعنوية فيه .
من قبيل : ابتعاد المرأة عن الدنس ، باقترابها من الله تعالى بطهارتها الروحية التي تكون دخيلة في تكوين شخصية المرأة المؤمنة العاملة على تكوين مجتمع طاهر يؤمن بالعدل والإنصاف وإحترام الآخرين .
ولكن هناك محاولات عديدة تحاول طمس مهمّة العائلة والأُسرة في المجتمع بشعارات التحرير والتطوير ، وهم يحاولون تغيير تعريف العائلة ، وتغيير نوعية العلاقة بين الرجل والمرأة في المحيط العائلي باسم المساواة الحسابية دون أيّ لحاظ للاعتبارات الأُخرى ، فكأنّ المساواة هي العدالة ، وكأنّ المساواة لا تتعارض مع أيّ قيمة أُخرى ، وكأنّ الناس كلّهم بحاجة إلى خبز على نسق واحد من دون إحتياج الطفل والشيخ إلى اللبن بدلاً من الخبز .
وهناك من يحاول أن يفرض ثقافته على الآخرين رغم أنّ الآخر يعتقد صحة ثقافته وفائدتها ، ولا يعتقد صحة ثقافة الغير وفائدتها ، فالغرب يعترض على المسلمين إجبار المرأة على التستّر ; لأنّهم يرونه عائقاً عن العمل والإنتاج والحرية ، ولكنّهم الآن مع اتّخاذهم التبرّج والسفور منهجاً لهم يجبرون المسلمات على
التبّرج ، وإلاّ فتحرم المرأة من حقّ تحصيل العلم في الجامعات ، وتحرم من العمل ، وهذا من حقوق المرأة بلا ريب ، فيكون عملهم اعتداء صارخاً على حقّ إنساني تراه المرأة المسلمة من صميم عقيدتها ، كما تراه النافع لها وللمجتمع معاً .
والمرأة تمتلك من القدرة أن تجرّ المجتمع إلى الفضيلة إذا سلكت مسلك الفضيلة والقيم ، وتتمكن أن تجرّه إلى الفساد والغواية إذا سلكت مسلك الحريّة المطلقة ، وأطلقت غرائزها وحرّكت شهوات الآخرين بتبرّجها وحركاتها وأفعالها التي تسقط معها عفّتها وقيمها فتغوي الآخرين بافتتانها .
وإذا سلكت المرأة الطريق الثاني : فبالإضافة إلى كونها غرضاً لإشباع شهوات الآخرين ولو بالاغتصاب المهين ، فإنّها سوف تفقد شخصيّتها العليا وإنسانيّتها .
وقد ضرب القرآن مثلاً للمرأة اذا سلكت الطريق الأوّل ، فقال تعالى : {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ}(١) .
التحديّات والخطّة المعاكسة
كلّ مسلم يشعر بوجود تحديّات تواجه العالم الإسلامي للاتجاه نحو العولمة ، وفرض الثقافة الأجنبية ـ المخالفة للإسلام ـ على المسلمين ، كما نشاهد إطلاق الشعارات البرّاقة التي يتستر خلفها أعداء الإسلام والإنسان لجرّ البشرية جمعاء إلى ما يقصده النمر الأحمر من فهم مادي للحياة والكون .
فجاءت دعوات حقوق الإنسان ، وحقوق المرأة وتحريرها ، والمساواة بينها وبين الرجل ، والتنمية ، فعقدت المؤتمرات والندوات العالمية والدراسات الشاملة لجرّ المرأة أوّلاً : إلى ما تخطط له الفئات المعادية للدين ، فإن فسدت المرأة فسد
١- التحريم : ١١ .
المجتمع ، وطمس الدين ، وسيطرت الدول الكافرة على العالم الإسلامي ، فاستغلّ موضوع المرأة وحقوقها والظلم الواقع عليها ووجوب مساواتها بالرجل في رفع أيّ تمييز بينهما لصالح المفاهيم التحلّلية واللاأخلاقية المنحطّة التي تجرّ إلى ترك كلّ ثقافة مستندة إلى الدين الذي يحفظ العدالة الإنسانية ، ويقف في وجه الاستعمار الجديد للسيطرة على العالم سياسياً واقتصادياً وثقافياً .
فالخلاصة : إنّ المعركة دائرة بين الدين واللادين .
والثاني : (في هذا القرن الواحد والعشرين) مجهّز بأحدث الأجهزة الفتّاكة والفاسدة ، فما هو العمل للوقوف في وجه هذا التحدّي الصارخ أمام الدين؟
أقول : يجب على المهتمّين بشؤون الإسلام والمسلمين من التركيز على عملين في وقت واحد :
العمل الأوّل : هو الصحوة الإسلامية من التخلّف الذي شمل جميع مناحي الحياة ، خصوصاً قسم المرأة المسلمة التي لا تملك اليوم دورها المطلوب في الحياة .
العمل الثاني : تحسين حالة المرأة والعائلة .
وهذان العملان يتوقّفان على خطّة تنموية شاملة تعتمد على :
١ ـ تعميم التوعية بين المسلمين ـ رجالاً ونساءً ـ بحقوق المرأة ودورها في الحياة (المادية والمعنوية) ، والعمل على تغيير النظرة الاجتماعية للمرأة في حقّ العمل الذي تصاحبه العفّة والطهارة الروحية .
٢ ـ التركيز على تعليم المرأة ، والارتقاء بها في مجال التخصّصات العالية في جميع العلوم .
٣ ـ توفير فرص العمل التي تنسجم مع المرأة ، كالادارة والتخطيط والتطبيب والتعليم والتربية والمهن التي تتفق مع تطلّعات المرأة المسلمة ، وما شابه ذلك .
٤ ـ مشاركة المرأة الكفوءة في السياسية والثقافة والإدارة لتتسلّم مراكز عالية في الدولة ، ولا تقتصر على المشاركة المتدنيّة في تلك الحقول إذا كانت عندها الكفاءة العالية لذلك .
٥ ـ إيجاد المؤسسات والمنظّمات النسوية الشعبية والحكومية ، ودعمها لأجل تحقيق مطاليبها المشروعة في كلّ شعب الحياة .
٦ ـ العمل على تقوية المرأة وتخليصها من حالات الضعف والأوبئة ، وتشجيع حصولها على كلّ ما من شأنه تقوية جسمها وصحتها وسلامتها ، مثل : التربية البدنية والرياضة المناسبة لها بعيداً عن الاستغلال والتحلّل .
٧ ـ كما يجب الاهتمام الصحي بأُمور الولادة ، وتنفيذ برامج صحيّة اجتماعية غير إجبارية لتنظيم النسل الذي يؤدّي إلى تحسين الحالة العائلية للزوجين ، وتنظيم السكان .
٨ ـ الإشراف على الأُسرة من ناحية المشاورة الطبيّة ، وحلّ مشاكلّ الزوجين .
٩ ـ العمل على محو الأُمّية للنساء ، لتنعم المرأة بالقراءة والكتابة .
١٠ ـ العمل على إشاعة النتائج الفاسدة والمدمّرة لثقافة الغرب اتجاه المرأة بحجّة تحريرها وإعطاء حقوقها ، مع بيان النتائج المفيدة الحاصلة للمرأة الغربية من دخولها الحياة من أوسع أبوابها ، حيث حصلت على العلم والمعرفة والمشاركة السياسية والادارية وغيرها ، إلاّ أنّها فقدت في أكثر الأحيان إنسانيتها وكرامتها بسلبها الدين والأُمور المعنوية .
والدول الإسلامية هي المدعوّة لإيجاد الخطّة المعاكسة لهجمة الغرب اتجاه المرأة ; لوجود خصوصيتين مشتركتين بينها تجعلها قادرة على مواجهة تحرير المرأة من الدين :
الخصوصية الأولى : خصوصية الانتساب إلى العقيدة الإسلامية ، والتشريع الإسلامي (قرآناً وسنّة) .
الخصوصية الثانية : خصوصية الأخلاق الإنسانية الإسلامية التي تدعوا إلى الفضائل والقيم وترك الفساد والصور اللاأخلاقية ، والتي تلعب الغرائز الجنسيّة دوراً مهماً فيها لإبداء الصورة غير صحيحة للمرأة .
ولهذا نرى أيضاً عدّة ضرورات يجب أن تقوم بها الدول الإسلامية بصورة جماعية :
أوّلاً : من الضروري جدّاً أن يصدر إعلان إسلامي يمثّل صنوف المرأة تتبّناه الدول الإسلامية تطبيقاً ، يحقّق الآمال لنهضة المرأة ، ويتسّم بالواقعية والأصالة الإسلامية مع التركيز على الفوارق الحقيقية بين الجنسين الموجبة لاختلاف بعض الأحكام والحقوق .
ثانياً : يجب على الدول الإسلامية رصد ما يصدر عن الاعلام الغربي حول موضوعات المرأة ، وتحليل مضامينه بعناية ، وبيان سلبياته وإيجابياته ; لأجل أن لا يختلط الغث بالسمين في المعركة بين الفكر المادي وغير المادي .
ثالثاً : يجب على الدول الإسلامية أن تجعل لها هيئات خاصّة تكون مهمّتها التنسيق لتوحيد المواقف تجاه المؤتمرات العالمية حول المرأة والأُسرة ، بحيث يكون لها حضور فعّال من المختصّين والمختصّات بشؤون المرأة والأُسرة ، ليكون لها الأثر الفعّال والواضح اتّجاه المواثيق الدولية التي يراد إجراؤها .
أحببنا أن نذكر في آخر الكتاب القرار الصادر من مجلس مجمع الفقه الإسلامي (جدّة) حول أوضاع المرأة ودورها الاجتماعي من منظور إسلامي، وإليك القرار:
قرار رقم ١٥٩ ( ٨/ ١٧ )
أوضاع المرأة ودورها الاجتماعي من منظور إسلامي
إنّ مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي ، المنعقد في دورته السابعة عشر بعمان (المملكة الأردنية الهاشمية) من ٢٨ جمادى الأولى إلى ٢ جمادى الآخرة ١٤٢٧ هـ ، الموافق ٢٤ ـ ٢٨ حزيران (يونيو) ٢٠٠٦ م.
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع أوضاع المرأة ودورها الاجتماعي من منظور إسلامي ، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله .
وبعد الاطلاع على القرار رقم ١١٤ (٨/١٢) بشأن موضوع “الإعلان الإسلامي لدور المرأة في تنمية المجتمع المسلم” ، الذي بيّن الدور المتكامل لكلّ من الرجل والمرأة في تكوين مجتمع إسلامي متوازن ، يكون لكلّ من الرجل والمرأة دور فيه ، واعتبر أنّ الأُسرة هي حجر الزاوية في هذا البناء ، ورفض أيّة صورة أُخرى مزعومة للأُسرة ، كما نصّ على أنّ الأُمومة هي أهمّ الوظائف الطبيعية للمرأة في حياتها ، وأنّ الرجل والمرأة متساويان في الكرامة الإنسانية ، وأنّ للمرأة من الحقوق وعليها من الواجبات ما يلائم فطرتها وقدراتها وتكوينها ، وشدّد على احترام المرأة في جميع المجالات ، ورفض ما يثار ضدّها من تحقير لشخصيتها وامتهان لكرامتها ، وأنكر بقوّة ما يقع من بعض الحكومات لمنع المرأة المسلمة من الالتزام بدينها .
قرّر المجمع ما يلي :
أوّلاً : إنّ المؤتمرات الدولية التي تعقد في مجال حقوق المرأة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمدنية والثقافية (مؤتمرات التنمية والسكان) تنطلق من مفهوم فصل الحياة ـ بجوانبها المختلفة ـ عن الدين ، بل تعتبر بعض مبادئ الإسلام وأحكامه شكلاً من أشكال التمييز ضدّ المرأة .
ثانياً : يجب الحذر من اتخاذ شعار المساواة بين الرجل والمرأة مبرراً لأُمور وممارسات مخالفة للإسلام .
ثالثاً : ضرورة حماية المرأة المسلمة من الممارسات والعادات والتقاليد التي تعرّضها للظُلم ، وتنتهك حقّها في الحفاظ على دينها وعرضها وشرفها ومالها ، وغيرها من الحقوق التي تقرّها مبادئ حقوق الإنسان الدولية ، فضلاً عن مبادئ الشريعة الإسلامية .
رابعاً : إنّ مؤتمرات التنمية والسكان والاتفاقات الصادرة عنها اهتمت بالنواحي المادية دون اعتداد بالأهداف الروحية ، وتجاهلت الوظيفة الفطرية والأساسية للمرأة وهي أن تكون ربّة أُسرة ومسؤولة عن تنشئة الأطفال التنشئة السليمة ، ودعتها إلى الانحلال ، ولا يعني هذا التقليل ممّا اشتملت عليه تلك الاتفاقيات من جوانب إيجابية .
خامساً : إنّ هذه المؤتمرات أهملت دور الأُسرة في البناء الاجتماعي وهمّشته ، وأباحت العلاقات الشاذة بشتى صورها .
سادساً : نظراً للمستجدّات الدولية المتلاحقة يرى المجمع ضرورة مواكبة تلك المستجدّات وعرضها على الأحكام الإسلامية ، ومتابعة أعمال المؤتمرات المتعلّقة بقضايا المرأة ، وتوحيد جهود الدول والمنظمات الإسلامية لتصدر قراراتها بما لا يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية وأحكامها .
الملحق رقم ( ١ )
اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة
اعتمدتها الجمعية العامّة ، وعرضتها للتوقيع والتصديق والانضمام بقرار ٣٤/١٨٠
المؤرخ في ١٨ كانون الأول/ ديسمبر ١٩٧٩
تاريخ بدء النفاذ : ٣ ايلول/ سبتمبر ١٩٨١ ، طبقاً لأحكام المادة ٢٧
نصّ الاتفاقية
إنّ الدول الأطراف في هذه الاتفاقية ، إذ تلحظ أنّ ميثاق الأُمم المتحدة يؤكّد من جديد الإيمان بحقوق الإنسان الأساسية ، وبكرامة الفرد وقدره ، وبتساوي الرجل والمرأة في الحقوق .
وأن تلحظ أنّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يؤكّد مبدأ عدم جواز التمييز ، ويعلن أنّ جميع الناس يولدون أحراراً ، ومتساوين في الكرامة والحقوق ، وأنّ لكل إنسان حق التمتّع بجميع الحقوق والحريّات الواردة في الإعلان المذكور ، دون أىّ تمييز ، بما في ذلك التمييز القائم على الجنس .
وأن تلحظ أنّ على الدول الأطراف في العهدين الدوليين الخاصّين بحقوق الإنسان واجب ضمان مساواة الرجل والمرأة في حق التمتّع بجميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية .
وأن تأخذ بعين الاعتبار الاتفاقيات الدولية المعقودة برعاية الأُمم المتحدة والوكالات المتخصّصة ، التي تشجّع مساواة الرجل والمرأة في الحقوق .
وأن تلحظ أيضاً القرارات والإعلانات والتوصيات التي اعتمدتها الأُمم المتحدة والوكالات المتخصّصة للنهوض بمساواة الرجل والمرأة في الحقوق .
وأن يساورها القلق مع ذلك ; لأنّه لا يزال هناك ـ على الرغم من تلك الصكوك المختلفة ـ تمييز واسع النطاق ضدّ المرأة .
وأن تشير إلى أنّ التمييز ضدّ المرأة يشكّل انتهاكاً لمبدأي المساواة في الحقوق واحترام كرامة الإنسان ، ويعدّ عقبة أمام مشاركة المرأة ، على قدم المساواة مع الرجل ، في حياة بلدهما السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، ويعوق نموّ ورخاء المجتمع والأُسرة ، ويزيد من صعوبة التنمية الكاملة لإمكانات المرأة في خدمة بلدها والبشرية .
وأن يساورها القلق ، وهي ترى النساء ، في حالات الفقر ، لا ينلن إلاّ أدنى نصيب من الغذاء والصحة والتعليم والتدريب وفرص العمالة والحاجات الأُخرى .
وأن تؤمن بأنّ إقامة النظام الاقتصادي الدولي الجديد ، القائم على الإنصاف والعدل ، سيسهم إسهاماً بارزاً في النهوض بالمساواة بين الرجل والمرأة .
وأن تنّوه بأنّه لابدّ من استئصال شأفة الفصل العنصري ، وجميع أشكال العنصرية والتمييز العنصري ، والاستعمار الجديد ، والعدوان والاحتلال الأجنبي ، والسيطرة الأجنبية ، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول إذا أريد للرجال والنساء أن يتمتّعوا بحقوقهم تمتّعاً كاملاً .
وأن تجزم بأنّ من شأن تعزيز السلم والأمن الدوليين ، وتخفيف حدّة التوتّر الدولي ، وتبادل التعاون فيما بين جميع الدول بغضّ النظر عن نظمها الاجتماعية والاقتصادية ، ونزع السلاح العام الكامل ، ولاسيّما نزع السلاح النووي في ظل
رقابة دولية صارمة وفعّالة ، وتثبيت مبادئ العدل والمساواة والمنفعة المتبادلة في العلاقات بين البلدان ، وإعمال حقّ الشعوب الواقعة تحت السيطرة الأجنبية والاستعمارية والاحتلال الأجنبي في تقرير المصير والاستقلال ، وكذلك من شأن احترام السيادة الوطنية والسلامة الإقليمية ، النهوض بالتقدّم الاجتماعي والتنمية والإسهام ، نتيجة لذلك في تحقيق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة .
وإيماناً منها بأنّ التنمية التامة والكاملة لأىّ بلد ، ورفاهية العالم وقضية السلم ، تتطلّب جميعاً مشاركة المرأة على قدم المساواة مع الرجل أقصى مشاركة ممكنة في جميع الميادين .
وأن تضع نصب عينيها دور المرأة العظيم في رفاهية الأُسرة ، وفي تنمية المجتمع الذي لم يعترف به حتّى الآن على نحو كامل ، والأهمية الاجتماعية للأمومة ، ولدور الوالدين كليهما في الأُسرة ، وتنشئة الأطفال .
وأن تدرك أنّ دور المرأة في الإنجاب لا يجوز أن يكون أساساً للتمييز ، بل إنّ تنشئة الأطفال تتطلّب بدلاً من ذلك تقاسم المسؤولية بين الرجل والمرأة والمجتمع ككل.
وأن تدرك أنّ تحقيق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة يتطلّب إحداث تغيير في الدور التقليدي للرجل ، وكذلك في دور المرأة في المجتمع والأُسرة .
وقد عقدت العزم على تنفيذ المبادئ الواردة في إعلان القضاء على التمييز ضدّ المرأة ، وعلى أن تتخذ ـ لهذا الغرض ـ التدابير التي يتطلّبها القضاء على هذا التمييز بجميع أشكاله ومظاهره ، قد اتفقت على ما يلى :
الجزء الأول
المادة ١
أغراض هذه الاتفاقية يعني : مصطلح التمييز ضدّ المرأة أىّ تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتّم على أساس الجنس ، ويكون من آثاره أو أغراضه توهين أو إحباط
الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريات الإساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنيّة أو في أىّ ميدان آخر ، أو توهين أو إحباط تمتّعها بهذه الحقوق أو ممارستها لها ، بصرف النظر عن حالتها الزوجية ، وعلى أساس المساواة بينها وبين الرجل .
المادة ٢
تشجب الدول الأطراف جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة ، وتتّفق على أن تنتهج ، بكلّ الوسائل المناسبة ودون إبطاء ، سياسة تستهدف القضاء على التمييز ضدّ المرأة ، وتحقيقاً لذلك تتعهّد بالقيام بما يلى :
(أ) إدماج مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في دساتيرها الوطنية أو تشريعاتها المناسبة الأُخرى ـ إذا لم يكن هذا المبدأ قد أدمج فيها حتى الآن ـ وكفالة التحقيق العلمي لهذا المبدأ من خلال التشريع وغيره من الوسائل المناسبة .
(ب) اتخاذ المناسب من التدابير ، تشريعية وغير تشريعية ، بما في ذلك ما يناسب من جزاءات ، لحظر كل تمييز ضدّ المرأة .
(ج) فرض حماية قانونية لحقوق المرأة على قدم المساواة مع الرجل ، وضمان الحماية الفّعالة للمرأة ، عن طريق المحاكم ذات الاختصاص والمؤسسات العامة الأُخرى في البلد ، من أىّ عمل تمييزي .
(د) الامتناع عن مباشرة أىّ عمل تمييزي أو ممارسة تمييزية ضدّ المرأة ، وكفالة تصرّف السلطات والمؤسسات العامة بما يتّفق وهذا الالتزام .
(هـ) اتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضدّ المرأة من جانب أي شخص أو منظّمة أو مؤسسة .
(و) اتخاذ جميع التدابير المناسبة ، بما في ذلك التشريعي منها ، لتغيير أو إبطال القائم من القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكّل تمييزاً ضدّ المرأة .
(ز) إلغاء جميع الأحكام الجزائية الوطنية التي تشكّل تمييزاً ضدّ المرأة .
المادة ٣
تتّخذ الدول الأطراف في جميع الميادين ، ولاسيّما الميادين السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، كلّ التدابير المناسبة ، بما في ذلك التشريعي منها ، لكفالة تطوّر المرأة وتقدّمها الكاملين ، وذلك لتضمن لها ممارسة حقوق الإنسان والحريات الأساسية ، والتمتّع بها على أساس المساواة مع الرجل .
المادة ٤
١ ـ لا يعتبر اتخاذ الدول الأطراف تدابير خاصّة مؤقتة تستهدف التعجيل بالمساواة الفعلية بين الرجل والمرأة تمييزاً بالمعنى الذي تأخذ به هذه الاتفاقية ، ولكنّه يجب ألاّ يستتبع ـ على أي نحو ـ الإبقاء على معايير غير متكافئة أو منفصلة ، كما يجب وقف العمل بهذه التدابير متى تحققت أهداف التكافؤ في الفرص والمعاملة .
٢ ـ لا يعتبر اتخاذ الدول الأطراف تدابير خاصه تستهدف حماية الأُمومة ، بما في ذلك تلك التدابير الواردة في هذه الاتفاقية ، إجراءً تمييزّياً .
المادة ٥
تتّخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة لتحقيق ما يلي :
(أ) تغيير الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة ، بهدف تحقيق القضاء على التحيّزات والعادات العرفية ، وكلّ الممارسات الأُخرى القائمة على
الاعتقاد بكون أيّ من الجنسين أدنى أو أعلى من الآخر ، أو على أدوار نمطيّة للرجل والمرأة .
(ب) كفالة تضمين التربية العائلية فهماً سليماً للأُمومة بوصفها وظيفة اجتماعية ، والاعتراف بكون تنشئة الأطفال وتربيتهم مسؤولية مشتركة بين الأبوين على أن يكون مفهوماً أنّ مصلحة الأطفال هي الاعتبار الأساسي في جميع الحالات .
المادة ٦
تتّخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة ، بما في ذلك التشريعي منها ، لمكافحة جميع أشكال الاتّجار بالمرأة واستغلال بغاء المرأة .
الجزء الثاني
المادة ٧
تتّخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضدّ المرأة في الحياة السياسية والعامة للبلد ، وبوجه خاص تكفل للمرأة ، على قدم المساواة مع الرجل ، الحق في :
(أ) التصويت في جميع الانتخابات والاستفتاءات العامة ، والأهلية للانتخاب لجميع الهيئات التي ينتخب أعضاؤها بالاقتراع العام .
(ب) المشاركة في صياغة سياسة الحكومة ، وفي تنفيذ هذه السياسة ، وفي شغل الوظائف العامة على جميع المستويات الحكومية .
(ج) المشاركة في أيّة منظّمات وجمعيّات غير حكومية تهتم بالحياة العامة والسياسية للبلد .
المادة ٨
تتّخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة لتكفل للمرأة ، على قدم المساواة مع الرجل ، ودون أيّ تمييز ، فرصة تمثيل حكوماتها على المستوى الدولي والاشتراك في أعمال المنظّمات الدولية .
المادة ٩
١ ـ تمنح الدول الأطراف المرأة حقوقاً مساوية لحقوق الرجل في اكتساب جنسيتها أو تغييرها أو الاحتفاظ بها .
وتضمن بوجه خاص ألاّ يترتّب على الزواج من أجنبي ، أو على تغيير الزوج لجنسيته أثناء الزواج ، أن تتغيّر تلقائياً جنسية الزوجة ، أو أن تصبح بلا جنسية ، أو أن تفرض عليها جنسية الزوج .
٢ ـ تمنح الدول الأطراف المرأة حقّاً مساوياً لحقّ الرجل فيما يتعلّق بجنسية أطفالهما .
الجزء الثالث
المادة ١٠
تتّخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضدّ المرأة لكي تكفل لها حقوقاً مساوية لحقوق الرجل في ميدان التربية ، وبوجه خاص لكي تكفل ، على أساس المساواة بين الرجل والمرأة :
(أ) شروط متساوية في التوجيه الوظيفي والمهني ، والالتحاق بالدراسات والحصول على الدرجات العلمية في المؤسسات التعليمية على اختلاف فئاتها ، في المناطق الريفية والحضرية على السواء ، وتكون هذه المساواة مكفولة في مرحلة