نعزي امام العصر والزمان عليه السلام والمراجع العظام والامام الخامنئي والامة الاسلامية بشهادة الامام محمد بن علي الباقر عليهما السلام . شبكة الولاية الاخبارية – wilayah.info .
عن حيـاة الإمام البـاقر عليه السلام
الإمام الخامس من أئمة أهل البيت عليهم السلام أعني أبا جعفر محمد بن علي بن الحسين عليه السلام المعروف بالباقر، وقد نقل هذا اللقب على لسان جابر بن عبدالله الأنصاري الصحابي الجليل حين كبر سنه ودقّ عظمه وذهب بصره وأشرقت بصيرته فكان يعتجر بعمامته في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم· وينادي باقرا باقرا فقال الناس: لقد جُن جابر فقال: ما جُننت ولكني سمعت حبيبي رسول الله يقول: ستدرك واحداً من أولادي اسمه الباقر فإذا لقيته فأقرئه عني السلام وأنا أنادي شوقاً إليه…
وتمر الأيام وتمضي السنين ويتحقق إخبار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، ويبلغ جابر أمنيته فيدرك ذلك الوليد الذي ذكره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بوصف ليس هو الوحيد من أوصافه، فأوصاف كل الأئمة عليهم السلام موجودة فيه ووصفه موجود فيهم، فهو صادق وكاظم ورضا وتقي ونقي ومهدي وهادي وجواد، وإنما ذكر ذلك الوصف لحاجة ذلك الزمان إليه ولما يقوم به من مهمة آنذاك ويظهر للناس من أمر يكون أصل لذلك اللقب، والأمر الذي ظهر لا يخفى على أحد كما هو ظاهر في حياة الإمام عليه السلام حيث بقر العلم بقراً وأظهر من مكنون علوم الأنبياء عليه السلام ما وضح عند القريب والبعيد.
ولد الإمام عليه السلام سنة (57) من الهجرة النبوية الشريفة في غرة رجب وقد أدرك جده الحسين عليه السلام وعاش معه أربعة سنين، وعاصر واقعة الطف بجميع تفاصيلها، وكان مع السبايا التي حُملت إلى الشام بتلك الصورة المفجعة التي قال عنها والده الإمام السجاد عليه السلام مخاطباً ليزيد: (ما ظنك برسول الله لو رآنا بهذه الحالة) عندئذ أمر يزيد بالحبال أن تقطع وقد كان الحبل ممتداً من عنق الإمام السجاد عليه السلام إلى عنق الحوراء زينب عليها السلام.
ولم تنتهِ المأساة التي رآها إمامنا الباقر عليه السلام فقد عاش مع والده (39) سنة، وكانت سنين في غاية الصعوبة من حيث الحكام الظلمة من بني أمية والولاة الذين كانوا على المدينة من قبلهم كالحجاج وأمثاله ومن حيث خوف الناس وابتعادهم عن أهل البيت عليه السلام حتى جاء في بعض الروايات: (لقد ارتد الناس بعد مقتل الحسين عليه السلام إلاّ ثلاثة)، ومن جهة ثالثة ينظر إلى أحزان أبيه ودموعه التي تسيل على خديه وهو أحد البكائين الخمسة في بني آدم، ولم تقف عند هذه السنين معاناته فقد جاء بعدها دور إمامته والتي بدأت بشهادة الإمام السجاد عليه السلام على أيدي بني أمية والتي كانت غصة مع تلك الغصص التي في صدره والتي لم تذهب مرارتها من بين لهاته.
ومعاناة الإمامة أكثر من غيرها وهي الأمانة الكبرى التي لم تتحملها السموات والأرض وهي الثقل الكبير وقد استمرت في عنقه ثمانية عشر سنة إلى سنة (114) ليؤديها إلى ولده الصادق عليه السلام بعد أن صانها كما أراد الله عزّ وجّل ولم يغمض عينه أو يغفل لحظة عندها إلاّ لحظة فارقت روحه بدنه بعد أن سقاه الظلمة السم في شهر ذي الحجة من تلك السنة، فأودعها عند بضعته وولده .
إن دراسة حياة أهل البيت عليه السلام في غاية الأهمية لاسيما للإنسان المسلم والموالي التابع والأهمية تأتي من خلال ما يحصل للإنسان من همة وشجاعة في مواصلة درب الحق، فحين نرجع إلى حياتهم نجد أن الغربة والوحدة وقلة الناصر وكثرة الواتر وإمعان الظلمة في إيذائهم وصدهم، ونجد أن حياتهم مليئة بالأحزان والأشجان والهموم بمختلف أشكالها وتعدد مصادرها وأصولها، ولكن مع هذه الغربة ومع تلك الأحزان نجد أن ذلك لم يثنيهم ولم يقعدهم ولم يسكتهم فقد ملئوا الدنيا مفاخر ومحاسن، بل كانوا مع وحدتهم والأعداء مع كثرتهم وكل شيء بأيديهم نجد أن الخوف قد ملأ قلوب الأعداء منهم فلا يهنئون بطعام أو منام ويقولون كيف يقر لنا قرار وفي حكومتنا أمثال هؤلاء، بل كانوا يخافون من تلامذتهم وأتباعهم فضلاً عن الخوف منهم، وتلك الأحزان والأشجان لم تغير من أخلاقهم شيئا فتجد الحلم على أكمله، والكرم على تمامه، والصدق على هيئته وهكذا باقي صفاتهم.
وتلك المضايقات والمكاره والبلايا والقتل لم تغير من علاقتهم بالله شيئاً فالصلاة التي كانوا يواظبون عليها في بيوتهم لم يتركوها ليلة الحادي عشر من المحرم، وتقول نساءهم فضلاً عن رجالهم: (ما رأينا إلاّ جميلاً)، فإن الإنسان ليقف متحيراً أمام هؤلاء ويعلم أن العزة عند اتباع هؤلاء والمسير تحت لوائهم فلا يخاف ولا ينثني ولا ينكسر.
ولا يمكن التعرض إلى جميع جوانب حياة الإمام الباقر عليه السلام تحت هذه الأسطر وإنما سوف أسلط الضوء على نقطة مهمة يبحث عنها الإنسان الباحث عما يسعده في آخرته، وهذه النقطة هي ما تمتع به زمن الإمام عليه السلام من أصحاب أوفياء كانوا موضع رضاه ومحط مديح الإمام الصادق عليه السلام حتى قال عنهم:
(لقد كان أصحاب أبي ورقاً لا شوك فيه وأنتم شوك لا ورق فيه)
وهؤلاء كانوا موضع تسلية الإمام عما يصيبه من هموم وأحزان، وإذا نظر إليهم انجلت همومه، لأن أهل البيت عليه السلام يفرحون حين يجدون في الأرض من يعبد الله ويطيعه ويعظّمه وبالعكس يألمون حين يروون الناس قد ابتعدوا عن الحق،
ولذا يقول عزّ وجّل مخاطباً لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم:
(فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا)(الكهف/6).
وقال:
(..فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ..) (فاطر/8).
ودراسة حياة هؤلاء وما كانوا عليه مع إمام زمانهم لينقله الإنسان في حياته مع إمام زمانه عجل الله فرجه الشريف والذي همومه لا توصف ولا تقدر بقدر، فلقد زادت على أحزان آبائه عليهم السلام، ولا نريد أن نبحث كيف تعامل معهم الإمام عليه السلام حتى أوصلهم إلى هذه الحالات وإنما نريد أن نشير إلى الحالات التي عاشوها والصفات التي اتصفوا بها والتي جعلتهم (ورقاً لا شوك فيه) أي أنهم زين كلهم والنظر إليهم يجلوا البصر، ولا يوجد فيهم إيذاء، ولا يصدر منهم ما يوجب الهم والغم، وقد ورد في حقهم من المديح على لسان الإمام الصادق عليه السلام الكثير، وصدر لهم منهم عليه السلام ضمان بالشفاعة والجنة يوم القيامة، ولو كان في صفوف الشيعة الكثير من هذه الثلة والصفوة لما ضاع الحق ولما تمكن الظالمون من إشاعة الجور والفساد، ولما بقيت تلك العلوم التي في صدور المعصومين عليه السلام أسرارا وحُرمت منها الإنسانية التي لا تدري عن الحقيقة إلا الشيء القليل .
أصحاب الإمام الباقر عليه السلام كثيرون ولكن نشير إلى البارزين منهم أمثال:
محمد بن مسلم الطائفي
أبو بصير ليث المرادي
بريد بن معاوية العجلي
معـروف بن خـربوذ
الكمـيـت الأســدي
جابر بن يزيد الجـعفي
زرارة بـن أعـيـن
حـمران بـن أعـيـن
أبو الصـباح الكنـاني
الفضـيل بـن يـسـار
وسوف نشير الى الصفات ونأخذ شواهد عليها من بعضهم إذ لا يمكن حصر الشواهد وذكرها بأجمعها فإن هذا ينافي اختصار هذه الأسطر.
الأولـى: من أمهات الصفات للسالك إلى أهل البيت عليهم السلام والتي عليها يتوقف باقي الأمور هي المحبة لهم والتي ما سأل الله عزّ وجّل لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم أجرا على تبليغ الرسالة غيرها:
(.. قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) (الشورى/23).
وعلى قدر حب الإنسان لهم تكون محبتهم وعنايتهم به، ولو نرجع إلى هؤلاء فقد اتصفوا بحب شديد، بحيث اُتهم جابر بن عبدالله الأنصاري من قبل الناس بالجنون حين كان ينادي باقراً.
ويأتي الكميت الأسدي ليفصح عن بعض ذلك الحبّ الذي في قلبه حين أنشد قصيدته أمام الإمام عليه السلام:
طـربت وما شـوقاً إلى البـيض أطـرب
ولا لعبـاً مـني وذو الشـيـب يـلعـب
ولكـن إلـى أهـل الفـضـائل والنـهى
وخـير بـني حـواء والخـير يطـلـب
إلـى النـفر البـيـض الذين بحـبـهم
إلـى الله فـيـما نـالـنـي أتـقـرب
بـني هـاشـم رهـط النـبي فـإنـني
بهـم ولهـم أرضـى مراراً وأغضـب
خفضـت لهـم منـي جـناحي مـودة
إلـى كتـف عطـفاه أهـل ومـرحـب
وقال في قصيدة أخرى:
مـن لـقـلـب مـتـيـم مسـتهـام
غـيـر مـا صــبـوة ولا أحــلام
طــارقــات ولا أوكــار غــوان
واضــمــات الخــدود كــالأرام
بـل هـواي الـذي أجــن وأبــدي
لـبـنـي هــاشـم فـروع الأنــام
القـريبـين مـن نـدي والبعـيـديـن
مـن الجــور فـي عـرى الأحـكام
والغـيـوث الـذيـن إذا مـا أمـجـل
النـاس فمـأوى حـواضـن الأيتـام
لا أبـالـي ولـن أبـالـي فـيــهم
أبـدا رغـم سـاخـطـين رغــام
ولـهـت نفـسـي الطـروب إليـهم
ولـهـاً حـال دون طـعـم الطـعـام
ويأتي العالم الفقيه محمد بن مسلم الطائفي من الكوفة إلى المدينة شوقاً إلى رؤية الإمام عليه السلام ولما وصل أثقله الوجع فأخُبر الإمام بذلك فبعث إليه بشراب مع غلام له وأمره أن يذهب معه إلى الإمام عليه السلام، فلما دخل عليه دخل باكيا قال: ما يبكيك يا محمد؟ قال: جعلت فداك أبكي على اغترابي، وبعد الشقة وقلة المقدرة على المقام عندك والنظر إليك… فقال عليه السلام: وأما ما ذكرت من حبك قربنا والنظر إلينا وأنك لا تقدر على ذلك فالله يعلم ما في قلبك وجزاؤك عليه (اختيار معرفة الرجال ص176، البحار ج46 ص257).
فهذا هو الذي أبكاه وهو الشوق الشديد لمجاورة الإمام عليه السلام والنظر إلى وجهه الشريف، فقد عاش هؤلاء حالات من الحب استحقوا بها ذلك الحب والعناية منهم.
ولكن لا بد أن نعرف أن الحب بيد الله عّز وجّل:
(..وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي..)(طه/39).
(..وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ..)(الحجرات/7).
(..فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ..)(إبراهيم/37).
فالحب بيده عزّ وجلّ.