الرئيسية / القرآن الكريم / القربان الذي قدمه هابيل

القربان الذي قدمه هابيل

كان بين ابني دم (عليه السلام)؟،

وما هو القربان الذي قدمه هابيل وما هو القربان الذي قدمه قابيل؟

الجواب: أفادت عدة من الروايات انَّ الاختلاف بين قابيل وهابيل وقع بعد انْ أوحى الله تعالى إلى آدم (عليه السلام) انْ يجعل من هابيل وصياً له وانْ يمنحه العلمَ ومورايثَ النبوة التي أودعها إيَّاه. وحين امتثل آدم (عليه السلام) بِما أمره اللهُ تعالى به اغتاظ من ذلك قابيل واتَّهم أباه بأنَّ ذلك نشأ عن رأيه وليس عن أمر الله جلَّ وعلا فأكد له آدم انَّ ذلك من أمر الله تعالى وليس عن رأي رآه، وحتى يُبرهن له على ذلك أمره وأخاه هابيل انْ يقرِّب كلٌ منهما قرباناً لله تعالى فمن أحرقت النار قربانه فهو الأحظى عند الله جلَّ وعلا، وحين وجد قابيل أن النار قد أحرقت قربان أخيه اشتدَّ حنقه عليه وحسده ثم بغى عليه فقتله.

فمن هذه الروايات ما رواه المجلسي في البحار عن كتاب قصص الأنبياء بالإسناد عن الشيخ الصدوق عن أبيه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: “لما أوصى آدم (عليه السلام) إلى هابيل حسده قابيل فقتله فوهب الله لآدم هبة الله وأمره ان يوصي إليه…”.(1)

ومنها: ما رواه العياشي في تفسيره عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) ورد فيها: “ان الله تبارك وتعالى أوحى إلى آدم (عليه السلام) ان يدفع الوصية واسم الله الأعظم إلى هابيل، وكان قابيل أكبر منه فبلغ ذلك قابيل فغضب فقال: أنا أولى بالكرامة والوصية، فأمرهما أن يقرِّبا قرباناً بوحيٍّ من الله ففعلا، فقبل الله قربان هابيل فحسده قابيل فقتله…”، ورواه مسنداً في بصائر الدرجات.(2)

ومنها: ما رواه المجلسي من كتاب المحتضر للحسن بن سليمان نقلاً عن كتاب الشفاء والجلاء باسناده عن معاوية بن عمار ورد فيه: “ثم أوحى الله عزَّ وجل إلى آدم (عليه السلام): سبق علمي ان لا أترك الأرض من عالم يُعرف به ديني وان أخرج ذلك من ذريتك فانظر إلى اسمي الأعظم وإلى ميراث النبوة وما علَّمتك من الأسماء كلِّها وما يحتاج إليه الخلق من الأثرة عني فادفعه إلى هابيل، ففعل ذلك آدم (عليه السلام) بهابيل، فلما علم قابيل ذلك من فعل آدم (عليه السلام) غضب فأتى آدم فقال له: يا أبه ألست أكبر من أخي وأحق بما فعلت به؟، فقال آدم (عليه السلام): يا بني إنما الأمر بيد الله يؤتيه من يشاء وان كنت أكبر ولدي فإن الله خصَّه بما لم يزل له أهلاً، فإن كنت تعلم انه خلاف ما قلت ولم تصدقني فقربا قرباناً فأيكما قُبل قربانه فهو أولى بالفضل من صاحبه… فأكلت النار قربان هابيل ولم تأكل قربان قابيل، فأتاه إبليس لعنه الله فقال: يا قابيل انَّ هذا الأمر الذي أنت فيه ليس بشيء لانه إنما أنت وأخوك، فلو وُلد لكما ولد وكثر نسلكما افتخر نسله على نسلك بما خصه به أبوك ولقبول النار قربانه وتركها قربانك وإنَّك ان قتلته لم يجد أبوك بداً من أن يخصَّك بما دفعه إليه، فوثب قابيل إلى هابيل فقتله…”(3)

ومنها: ما رواه الكليني بسنده عن أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: “… ثم إنَّ هبة الله لما دفن أباه أتاه قابيل فقال: يا هبة الله إني قد رأيت أبي قد خصَّك من العلم بما لم أُخص به أنا وهو العلم الذي دعى به أخوك فتُقبل قربانه… فإنك إن أظهرت العلم الذي اختصك به أبوك قتلتك كما قتلت أخاك هابيل”.(4)

ومنها: ما رواه الشهيد الأول في المزار عن أبي عبد الله (عليه السلام): “… السلام على هابيل المقتلول ظلماً وعدواناً على مواهب الله ورضوانه…”.(5)

وثمة روايات أخرى أعرضنا عن ذكرها خشية الإطالة.

وفي مقابل هذه الروايات ذكرت الكثير من تفاسير علماء العامة منشأً آخر للخلاف بين قابيل وهابيل وهو ان آدم (عليه السلام) أراد تزويج كلٍّ من قابيل وهابيل من أختيهما فاختار لقابيل أخته التي وُلدت مع هابيل من بطن واحد، واختار لهابيل توأم قابيل، ولأنَّ توأم قابيل كانت أجمل من توأم هابيل لذلك اغتاظ قابيل، وقال: انه أحق بأخته من أخيه هابيل، ولذلك قتله.

وثمة قول آخر ورد في تفاسيرهم مفاده ان آدم (عليه السلام) أراد ان يزوِّجهما من أختين لهما وُلدتا من بطنٍ آخر، وكانت إحداهما أجمل من الأخرى، فاتفق انْ كانت الأجمل هي مَن اختارها آدم (عليه السلام) لهابيل، وحيث لم يقبل بذلك قابيل دعاهما آدم (عليه السلام) إلى انْ يُقرِّب كلٌ منهما قرباناً فمن أحرقت النار قربانه فله الأجمل منهما.

وهذا الذي ذكرته كتب العامة لم تخلُ منه بعض رواياتنا وان كانت قليلة جداً وقفنا منها على روايتين، إحداهما مروية عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) والأخرى مروية عن الإمام الرضا (عليه السلام) وهما وان كان مفادهما انَّ آدم (عليه السلام) زوَّج قابيل توأمة هابيل وزوَّج هابيل من توأمة قابيل لكنها لم تذكرا ان ذلك كان منشأً للنزاع بين الأخوين.

هذا وقد أفاد العلامة المجلسي في البحار ان الروايتين محمولتان على التقية(6) نظراً لاشتهار ذلك عند العامة، على انَّ في الروايتين ضعف من حيث السند.

وبقطع النظر عن ذلك فإن ما ذكرته كتب التفاسير للعامة من منشأٍ للنزاع بين ابني آدم (عليه السلام) قد نصًّت الروايات الواردة عن أهل البيت (عليه السلام) على تكذيبه بل والتشنيع عليه.

فمن هذه الروايات ما رواه العياشي عن سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جُعلت فداك إنَّ الناس يزعمون ان آدم (عليه السلام) زوَّج ابنته من ابنه، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): “قد قال الناس ذلك ولكن يا سليمان أما علمت ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لو علمتُ انَّ آدم (عليه السلام) زوَّج بنته من ابنه لزوجتُ زينب من القاسم وما كنتُ لأرغب عن دين آدم (عليه السلام)”، فقلت: جُعلت فداك إنهم يزعمون انَّ قابيل إنما قتل هابيل لأنهما تغايرا على أختهما، فقال (عليه السلام): “يا سليمان تقول هذا؟! أما تستحي ان تروي هذا على نبي الله آدم (عليه السلام)”، فقلتُ: جعلت فداك ففيم قتل قابيل هابيل؟، فقال (عليه السلام): “في الوصية… “.(7)

ومنها: ما رواه العلامة المجلسي في البحار عن كتاب المحتضر للحسن بن سليمان نقلاً عن كتاب الشفاء والجلاء بإسناده عن معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن آدم أبي البشر أكان زوَّج ابنته من ابنه؟، فقال (عليه السلام): “معاذ الله لو فعل ذلك آدم (عليه السلام) لما رغب عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وما كان آدم إلا على دين رسول الله (صلى الله عليه وآله)”.(8)

ومنها: ما رواه الصدوق في علل الشرايع بسنده عمن سمع زرارة يقول سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن بدء النسل من آدم على نبينا وآله وعليه السلام كيف كان؟ وعن بدء النسل من ذرية آدم فإنَّ أناساً عندنا يقولون: إنَّ الله تعالى أوحى إلى آدم ان يزوج بناته من بنيه، وإنَّ هذا الخلق كله أصله من الأخوة والأخوات، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): “تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً يقول مَن قال هذا: بأن الله خلق صفوة خلقه وأحبائه وأنبيائه ورسله والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات من حرام، ولم يكن له من القدرة ما يخلقهم من حلال، وقد أخذ ميثاقهم على الحلال والطهر الطاهر الطيب… غير انَّ جيلاً من هذا الخلق الذي ترون رغبوا عن علم أهل بيوتات أنبيائهم وأخذوا من حيث لم يُؤمروا فصاروا إلى ما قد ترون من الضلال والجهل بالعلم… التوراة والانجيل والزبور والقرآن أنزلها الله من اللوح المحفوظ على رسله صلوات الله عليهم أجمعين… ليس فيها من تحليل ذلك حقاً”.(9)

الواضح من هذه الروايات النظر إلى دعوى العامة في مبدأ التناسل والتشنيع على هذه الدعوى وإنها منافية لتمام الرسالات التي بُعِث بها الأنبياء، ذلك لان إرادة الله تعالى كانت قد اقتضت ومنذ الأزل تحريم التزاوج بين المحارم وانه تعالى قد أخذ الميثاق من خلقه على الحلال الطيب الطاهر، وانه من المعيب على أحد انْ يدين لله تعالى بمثل هذه الضلالات وان الناس إنما وقعوا في مثل هذه الجهالات لأنَّهم أخذوا من غير أهل بيوتات أنبيائهم.

ومنها: ما رواه الكليني في الكافي بسنده عن خالد بن إسماعيل عن رجل من أصحابنا من أهل الجبل عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ذكرتُ له المجوس وانهم يقولون نكاح كنكاح ولد آدم وانهم يُحاجُّونا بذلك، فقال (عليه السلام): “أما أنتم فلا يحاجونكم به، لما أدرك هبة الله…”.(10)

ومنها: ما رواه صاحب المستدرك عن صحيفة الرضا (عليه السلام) بإسناده عن الحسين (عليه السلام) قال: جاء رجل إلى الحسن بن علي (عليه السلام) فقال: حق ما يقول الناس إنَّ آدم زوَّج هذه البنت من هذا الابن، فقال (عليه السلام): “حاشا الله، كان لآدم ابنان…”.(11)

ومنها: ما رواه في المستدرك عن عمرو بن أبي المقدام قال: سألت مولاي أبا جعفر (عليه السلام) كيف زوّج آدم ولده، فقال (عليه السلام): “أيُّ شيء يقول هذا الخلق المنكوس؟”، قلت: يقولون: انه إذا ولد آدم ولداً جعل بينهما بطناً بطناً ثم يُزوِّج بطنه من البطن الآخر، فقال (عليه السلام): “كذبوا هذه المجوسية محضاً…”.(12)

وثمة روايات أخرى عديدة قريبة المضمون من هذه الروايات، فإذا ضممنا إليها الروايات التي تصدَّت لبيان مبدأ التناسل والروايات التي تصدَّت لبيان منشأ التنازع بين ابني آدم (عليه السلام) فإنها بذلك تفوق حدَّ الاستفاضة المنتج للاطمئنان بعدم صحة دعوى انَّ منشأ التنازع بين قابيل وهابيل هو حسد قابيل لأخيه هابيل بعد ان اختار له آدم الأجمل من أخواته.

فالمتحصل مما ذكرناه انَّ ما يُمكن اعتماده مما ورد فيما هو أصل الخلاف بين هابيل وقابيل هو ما أفادته الروايات الواردة عن أهل البيت (عليه السلام) من ان منشأ ذلك هو الحسد الذي انتاب قابيل بعد انْ أوحى الله تعالى إلى آدم (عليه السلام) ان يجعل الوصية لهابيل وان يسلِّمه ميراث النبوة، فإن هذه الروايات مضافاً إلى تظافرها فهي مناسبة لما ثبت من انَّ الله تعالى لا يُخلي الأرض من حجة، وانَّ لكل نبيٍّ وصي يقوم مقامه بأمر الله تعالى، وإنَّه قد سبق علم الله في خلقه ان تكون له عليهم الحجة البالغة فلا يمضي من نبي إلا وله وصي يخلفه في أمته.

فمثل هذه المضامين التي نصَّت عليها الروايات المتواترة تصلح لتأييد ما ورد عن أهل البيت (عليه السلام) فيما هو أصل النزاع بين قابيل وهابيل.

وأما ما ورد في القرآن الكريم من أن القتل قد تعقَّب القبول لقربان هابيل حيث قال الله تعالى: ﴿فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾(13) فهو لا ينافي ما ورد عن أهل البيت (عليه السلام) في منشأ النزاع لان الآية بصدد بيان الفصل الأخير للنزاع الذي كان قد وقع بين قابيل وهابيل، فلا يبعد ان تقريب كلٍّ منهما لقربانه كان بمثابة المباهلة وأنَّهما بعد ان تنازعا فَصَل بينهما آدم (عليه السلام) بذلك وأفاد انَّ من أحرقت النارُ قربانه كان هو الأحظى عند الله تعالى. وحين تبيَّن لقابيل انَّ هابيل هو صاحب الحِظوة عند ربه وانَّه المؤهَّل للقرب والوصية اشتدَّ حنقه عليه فقتله.

فالآية الشريفة لا تُنافي ما أفادته الروايات فيما هو أصل النزاع بل لعلَّ المستظهر منها هو انَّ ثمة نزاعاً كان قد سبق اللجوء إلى انْ يقرِّب كلٌّ منهما قربانه، فلحنُ الآية يُوحي بأن كلاً منهما كان ينتظر حدوث أمارة تُعبِّر عن قبول قربانه أو عدم قبوله، وذلك لا يتفق إلا في حالات الخصومة وإلا فالعبد يتقرَّب إلى الله تعالى ويرجو ان يتقبَّل قربانه دون ان ينتظر أماره ظاهرة تعبِّر عن ذلك.

والذي يؤكد ذلك أنهما اتفقا بعد ان قرَّب كل منهما قربانه انَّ هابيل قد كسب الرهان وصار له ان ينسب نفسه للمتقين ولا يستطيع قابيل ان يرد هذا الادعاء لوضوح انَّه أصبح في موقع المخصوم فكانت ردة فعله انه قال له: ﴿لَأَقْتُلَنَّكَ﴾.

فالآية المباركة مشعرة إن لم تكن ظاهرة ان ثمة نزاعاً كان قد سبق هذه الواقعة، غايته انَّ الآية لم تُشر إلى ماهية هذا النزاع ومبدئه وتصدَّت الروايات لبيان ذلك، فكانت على طائفتين إحداهما ساقطة عن الاعتبار جزماً لاستفاضة ما ورد في تكذيبها عن اهل البيت (عليه السلام) والطائفة الثانية مؤيدة بما ذكرناه مضافاً إلى صلاحيتها في نفسها للإثبات نظراً لاستفاضتها واعتبار بعضها سنداً.

وأما ما هو القربان الذي كان قدَّمه كلٌ من قابيل وهابيل، فقد أفادت أكثر الروايات انَّ ما قدمه هابيل كان كبشاً سميناً، وقد ورد في بعضها انَّه قدم زُبداً ولبناً، واتفقت الروايات على انه انتخب أفضل ما كان يملك فقدَّمه قرباناً.

وأما القربان الذي قدّمه قابيل فكان قمحاً رديئاً أو شيئاً من أردىء محاصيل زراعته.
والحمد لله رب العالمين

 

شاهد أيضاً

أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في كتب أهل السنّة

أئمة أهل البيت (ع) في كتب أهل السنّة / الصفحات: ٢٨١ – ٣٠٠ المجد فاختار ...