طوفان الأقصى
العاروري شهيدًا على طريق القدس.. أي ارتباط مع ذكرى شهادة سليماني؟
شارل ابي نادر
مع الحديث عن انسحاب حاملة الطائرات الأميركية “فورد” من المنطقة، والإيحاء بأن فرص الاشتباك الواسع بين “إسرائيل” وحلفائها من جهة وبين محور المقاومة من جهة أخرى قد تضاءلت أو اختفت، حيث كانت إحدى أهم مهمات الحاملة الأضخم للأميركيين ضبط الاشتباك الاستراتيجي ومنع تفلت الحرب على غزة إلى حرب واسعة، ارتكب العدو حماقة اغتيال الشيخ صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الضاحية الجنوبية لبيروت. الجريمة تزامنت مع ذكرى اغتيال الحاج قاسم سليماني قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني، لتعيد خلط الأوراق وتبدد أو تستبعد فكرة الإيحاء بتضاؤل فرص الحرب الواسعة، وjضع المنطقة على كف عفريت.
فهل تنتظر المنطقة اشتباكًا واسعًا يتخطى غزّة والحدود الجنوبية للبنان؟ وأي ارتباط بين ذكرى اغتيال الحاج قاسم واغتيال العاروري؟ وكيف يمكن تقييم دور واشنطن في هذا الاغتيال الأخير للعاروري؟
بداية، لا بد من الإشارة إلى حجم عملية الاغتيال لناحية مستوى التنفيذ المحكم وعالي التعقيد أو لناحية قيمة الهدف.
لناحية التنفيذ، لا شك في أن عملية الاغتيال تعتبر من العمليات الخاصة الحساسة والاستثنائية، أولًا في القدرة التقنية والتفجيرية بطائرة بعيدة المدى عن الهدف، من غير الواضح حتّى الآن إذا كانت مسيّرة عن بعد أو قاذفة يقودها طيار أطلقت ثلاثة صواريخ نوعية وخاصة، بين شقة الشهداء من حركة حماس وبين سياراتهم لتأكيد عملية الاغتيال، وثانيًا لناحية المعطيات الاستعلامية المحكمة التي اشتركت في جمعها طائرات مسيّرة للرصد والمراقبة البعيدة، بالإضافة طبعًا إلى جانب بشري من العملاء أو الجواسيس ساهموا بضبط التوقيت القاتل للتنفيذ.
لناحية قيمة الهدف بالنسبة للعدو الإسرائيلي وطبعًا بالنسبة للأميركيين، فلا شك أيضًا أنه هدف قيّم ومهم وفاعل، وفي عدة جوانب:
من ناحية تأثيره العسكري في إدارة معركة حماس، الحالية في غزّة أو خلال عملية طوفان الأقصى في غلاف غزّة أو في التحضير للعملية الأخيرة.
أيضًا، لعب الشهيد العاروري دائمًا خلال تواجده في سجون الاحتلال أو بعد تحريره، دور المحرّك العملاني الفاعل لعمل المقاومة الفلسطينية وتحديدًا وحدات القسام في حركة حماس.
أيضًا لناحية تحريك وتطوير وتفعيل عمل المقاومة انطلاقًا من الضفّة الغربية، وهو ابن الضفّة بالأساس، فقد لعب الشهيد دور الدينامو في أخطر ساحة داخلية على الاحتلال( الضفّة الغربية)، وشكلت قدرته المتقدمة في التأثير في عمليات المقاومة انطلاقًا من مخيمات ومدن وساحات الضفّة الغربية، الأرق الأكبر والأخطر على الاحتلال.
لناحية الجانب السياسي والاستراتيجي، لعب الشهيد العاروري دور الرابط الواعي والذكي بين أطراف محور المقاومة وبين المقاومة الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة، في غزّة أو في الضفّة الغربية، وقد يكون أكثر من فهم أهمية وضرورة ترابط ساحات هذا المحور مع نواة المقاومة الأساسية داخل الأراضي المحتلة.
من هنا، يمكن استنتاج الرابط الرئيسي بين اغتياله وبين اغتيال الشهيد قاسم سليماني، وهذا الرابط يمكن إظهاره من خلال النقطتين التاليتين:
أولًا: قدرة التأثير التي فرضها الشهيد الحاج قاسم سليماني على استراتيجية الأميركيين والتي حاولوا من خلالها تفتيت المنطقة والسيطرة عليها بواسطة الإرهاب الذي خلقوه ورعوه، إذا كان “داعش” وأخواتها أو “إسرائيل” بذاتها، جعلت من اغتياله بالنسبة لواشنطن هدفًا استراتيجيًا، يتجاوز في أهميته ربما احتلال العراق أو أفغانستان، الأمر الذي فرض على الأميركيين ضرورة التخلص من قدرته الاستثنائية في مواجهتهم وفي مواجهة مشاريعهم الخاصة أو المرتبطة بحماية الكيان الإسرائيلي.
ثانيًا: من النقطة الأولى المتعلقة بضخامة دور الشهيد الحاج قاسم بمواجهة مشاريع الأميركيين، تأتي النقطة الثانية التي تربط اغتيال الشهيد العاروري باغتيال سليماني، وتأتي ضرورة الإشارة على الدور الأميركي في عملية اغتيال العاروري في الضاحية الجنوبية من بيروت، ومن المنطقي الذهاب في هذا الاستنتاج واستبعاد “عدم معرفة الأميركيين بالعملية إلا عند التنفيذ”، كما رشح من بعض المصادر الإسرائيلية غير الواضحة، لأن التخلص من العاروري هي هدف وحاجة أميركية قبل أن تكون إسرائيلية، والتنفيذ أيضًا، مع هذه الحرفية والقدرة والتحكم، لا يمكن إلا أن يكون بمشاركة أميركية، مباشرة أو عبر الدعم غير المباشر.
وأخيرًا، ربما تكون عملية اغتيال الشهيد القائد صالح العاروري غير بسيطة بتاتًا، وستكون طبعًا خسارته وخسارة قدراته وموقعه ودوره صعبة على المقاومة الفلسطينية أولًا وعلى كلّ أطراف محور المقاومة أيضًا، تمامًا مثل خسارة الشهيد الحاج قاسم، ولكن تبقى الشهادتان نبراسًا مضيئًا على طريق القدس، وهذا الطريق الذي يتعبّد ويتثبت ويتوسع بفضل الدماء الغزيرة للشهداء الأبطال، والتي تتراكم عليه اليوم أكثر وأكثر، شارف على نهايته، وأصبحت القدس أقرب وأقرب.