الرئيسية / من / طرائف الحكم / مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم 08

مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم 08

قال (عليه السلام) هذه الحروف من أنباء الغيب، أطلع الله عليها عبده زكريا ثم قصها على محمد (صلى الله عليه وآله).
وذاك أن زكريا سأل ربه أن يعلمه أسماء الخمسة، فأهبط عليه جبرائيل، فعلمه إياها فكان زكريا (عليه السلام) إذا ذكر محمدا وعليا وفاطمة والحسن سلام الله عليهم سري عنه همه، وانجلى كربه، وإذا ذكر اسم الحسين (عليه السلام) خنقته العبرة. ووقعت عليه البهرة. فقال ذات يوم: إلهي، ما بالي إذا ذكرت أربعا منهم تسليت بأسمائهم من همومي، فإذا ذكرت الحسين تدمع عيني، وتثور زفرتي؟ فأنبأه الله تبارك وتعالى عن قصته، فقال: *
(كهيعص) * فالكاف اسم كربلاء، والهاء هلاك العترة، والياء يزيد، وهو ظالم الحسين (عليه السلام) والعين عطشه، والصاد صبره.
فلما سمع بذلك زكريا لم يفارق مسجده ثلاثة أيام ومنع فيهن الناس من الدخول عليه، وأقبل على البكاء والنحيب، وكان يرثيه: إلهي أتفجع خير جميع خلقك بولده! إلهي أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه!! إلهي أتلبس عليا وفاطمة ثياب هذه المصيبة! إلهي أتحل كربة هذه المصيبة بساحتهما ثم كان يقول: إلهي ارزقني ولدا تقر به عيني على الكبر فإذا رزقتنيه، فافتني بحبه، ثم افجعني به كما تفجع محمدا حبيبك بولده فرزقه الله تعالى يحيى، وفجعه به.
وكان حمل يحيى ستة أشهر، وحمل الحسين (عليه السلام) كذلك. فقلت أخبرني يا مولاي عن العلة التي تمنع القوم من اختيار إمام لأنفسهم، قال (عليه السلام) مصلح أو مفسد؟ قلت مصلح قال هل يجوز أن يقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟ قلت: بلى، قال: فهي العلة، أيدتها لك ببرهان يقبل ذلك عقلك قلت نعم.
قال (عليه السلام): أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله وأنزل عليهم الكتب، وأيدهم بالوحي والعصمة، إذ هم أعلام الأمم، فأهدى إلى ثبت الاختيار، ومنهم موسى وعيسى، هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما إذ هما بالاختيار أن يقع خيرتهما على المنافق، وهما يظنان أنه مؤمن؟ قلت: لا قال (عليه السلام) فهذا موسى كليم الله مع وفور عقله، وكمال علمه، ونزول الوحي عليه، اختار من أعيان قومه، ووجوه عسكره لميقات ربه سبعين رجلا، ممن لم يشك في إيمانهم، وإخلاصهم، فوقعت خيرته على المنافقين، قال الله عز وجل: * (واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا) * الآية.
(٢٦)
فلما وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله للنبوة واقعا على الأفسد دون الأصلح، وهو يظن أنه الأصلح دون الأفسد، علمنا أن لا اختيار إلا لمن يعلم ما تخفي الصدور، وما تكن الضمائر، وينصرف عنه السرائر، وأن لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد، لما أرادوا أهل الصلاح.
ثم قال مولانا (عليه السلام) يا سعد إن من ادعى أن النبي – وهو خصمك – ذهب بمختار هذه الأمة مع نفسه إلى الغار،
فإنه خاف عليه كما خاف على نفسه، لما علم أنه الخليفة من بعده على أمته، لأنه لم يكن من حكم الاختفاء أن يذهب بغيره معه، وإنما أقام عليا على مبيته، لأنه علم أنه إن قتل لا يكون من الخلل بقتله ما يكون بقتل أبي بكر، لأنه يكون لعلي من يقوم مقامه في الأمور، لم لا تنقض عليه بقولك: أولستم تقولون إن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إن الخلافة من بعدي ثلاثون سنة، وصيرها موقوفة على أعمار هؤلاء الأربعة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي (عليه السلام) فإنهم كانوا على مذهبكم خلفاء رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فإن خصمك لم يجد بدا من قوله:
بلى. قلت له فإذا كان الأمر كذلك فكما كان أبو بكر الخليفة من بعده، كان هذه الثلاثة خلفاء أمنة من بعده، فلم ذهب بخليفة واحدة وهو أبو بكر إلى الغار؟ ولم يذهب بهذه الثلاثة؟
فعلى هذا الأساس يكون النبي (صلى الله عليه وآله) مستخفا بهم دون أبي بكر فإنه يجب عليه أن يفعل بهم ما فعل بأبي بكر، فلما لم يفعل ذلك بهم يكون متهاونا بحقوقهم، تاركا للشفقة عليهم، بعد أن كان يجب عليه أن يفعل بهم جميعا على ترتيب خلافتهم ما فعل بأبي بكر، وأما ما قال لك الخصم بأنهما أسلما طوعا أو كرها؟ لم لم تقل بل إنهما أسلما طمعا وذلك أنهما كانا يخالطان مع اليهود ويخبران بخروج محمد (صلى الله عليه وآله) واستيلائه على العرب من التوراة والكتب المقدسة وملاحم قصة محمد (صلى الله عليه وآله) ويقولون لهما يكون استيلاؤه على العرب كاستيلاء بخت نصر على بني إسرائيل، إلا أنه يدعي النبوة، ولا يكون من النبوة في شئ.
فلما ظهر أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ساعدا معه على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله طمعا أن يجدا من جهة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولاية بلد إذا انتظم أمره،
وتحسن باله، واستقامت ولايته. فلما أيسا من ذلك، وافقا مع أمثالهما ليلة العقبة، وتلثما مثل من تلثم منهم، ونفروا بدابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لتسقطه، ويصير هالكا بسقوطه بعد أن صعد العقبة فيمن صعد، فحفظ الله تعالى نبيه من كيدهم، ولم يقدروا أن يفعلوا شيئا وكان حالهما كحال طلحة والزبير إذ
(٢٧)

شاهد أيضاً

العمق المحتل بمرمى صاروخ يمني فرط صوتي.. وما خفي أعظم

 إيمان مصطفى وقف اليمن شامخًا بوجه ثلاثي الشر الأميركي و”الإسرائيلي” والبريطاني، بكلّ جرأة وشجاعة وثبات، ...