الفصل الأول للتضحية خلقوا
كانت أحب أهلها إلى أبيها، وأقربهم من قلبه الودود.. وكان صلى الله عليه وسلم يشم فيها عبير ذكريات عزيزة وغالية.
ذكريات السنوات الجليلة التي قضاها في صحبة أمها ” خديجة “..
كما كان يتهلل غبطة ورضا، وهو يرى فيها أم ذريته المباركة وسبطه العظيم..
إنها (فاطمة)…
بورك الاسم، وبوركت صاحبته!!
وقد ذهبت يوما إلى أبيها الرسول تسأله أن يدبرها خادما يعينها على عمل البيت الذي أمجل يديها، وأضنى عافيتها، ومسها منه اللغوب.
وكان زوجها العظيم ” علي بن أبي طالب ” هو الذي نصحها بهذا حين علم بمقدم بعض السبي إلى المدينة، وحين رآها تكاد تسقط إعياء تحت وطأة العمل الدائب في خدمة البيت والأولاد.
وفي دار النبوة – وما كانت دار النبوة تلك سوى حجرة متواضعة في ناحية من المسجد – استقبلها الأب والرسول!
– مرحبا، يا فاطمة..
وجلست ” فاطمة ” تتحدث مع أبيها، وبين الحين والحين تحاول
ذكريات السنوات الجليلة التي قضاها في صحبة أمها ” خديجة “..
كما كان يتهلل غبطة ورضا، وهو يرى فيها أم ذريته المباركة وسبطه العظيم..
إنها (فاطمة)…
بورك الاسم، وبوركت صاحبته!!
وقد ذهبت يوما إلى أبيها الرسول تسأله أن يدبرها خادما يعينها على عمل البيت الذي أمجل يديها، وأضنى عافيتها، ومسها منه اللغوب.
وكان زوجها العظيم ” علي بن أبي طالب ” هو الذي نصحها بهذا حين علم بمقدم بعض السبي إلى المدينة، وحين رآها تكاد تسقط إعياء تحت وطأة العمل الدائب في خدمة البيت والأولاد.
وفي دار النبوة – وما كانت دار النبوة تلك سوى حجرة متواضعة في ناحية من المسجد – استقبلها الأب والرسول!
– مرحبا، يا فاطمة..
وجلست ” فاطمة ” تتحدث مع أبيها، وبين الحين والحين تحاول
(١٣)
الاستنجاد بشجاعتها كي تلقى بين يديه الرغبة التي حفزتها إلى المجئ.
لكن الحياء يغلب فيها الشجاعة، فتكظم الرغبة ولا تبوح..
ثم تستمر في حديث آخر أشبه ما يكون بالنجوى مع أكرم والد، وأكرم رسول..!!
وأخيرا تستأذن في العودة إلى دارها، فيأذن لها أبوها الرسول، ويودعها بنظرات مشفقة، وحانية..
ويسألها الزوج وقد عادت إليه:
– ماذا قال لك رسول الله..؟
وتجيبه (فاطمة):
– لقد استحييت أن أسأله!!
لكن ” عليا ” يعلم ما تنوء به من أعباء، فيصحبها من فوره إلى الرسول عليه وعلى آله الصلاة والسلام، حيث ينهى إليه رغبتها وحاجتها.
ويرنو بصر ” النبي ” إلى بعيد.. ويلتمع وجهه المضئ تحت غلالة شفافة من الشجن، والأسى، والحنان…
إنه ليعرف – مثلما يعرفان – ما تعانيه ابنته الحبيبة من مشقة وشظف، وهي التي ولدت في أحضان نعيم حزل كانت تزخر به دار أمها ” خديجة ” ذات المجد الوارف والثراء المفيض..!!!
لكنها اليوم ابنة (رسول) جاء الحياة ليعطي، لا ليأخذ..
رسول قرر أن يكون حظه وحظ أهله من الدنيا كزاد الراكب، بل دون زاد الراكب بكثير..!!
وإن ” فاطمة الزهراء ” رضي الله عنها لتعلم هذا المنهج وتلتزمه.
ولقد رضيت – قريرة العين – أن يكون كل جهازها الذر زفت به
لكن الحياء يغلب فيها الشجاعة، فتكظم الرغبة ولا تبوح..
ثم تستمر في حديث آخر أشبه ما يكون بالنجوى مع أكرم والد، وأكرم رسول..!!
وأخيرا تستأذن في العودة إلى دارها، فيأذن لها أبوها الرسول، ويودعها بنظرات مشفقة، وحانية..
ويسألها الزوج وقد عادت إليه:
– ماذا قال لك رسول الله..؟
وتجيبه (فاطمة):
– لقد استحييت أن أسأله!!
لكن ” عليا ” يعلم ما تنوء به من أعباء، فيصحبها من فوره إلى الرسول عليه وعلى آله الصلاة والسلام، حيث ينهى إليه رغبتها وحاجتها.
ويرنو بصر ” النبي ” إلى بعيد.. ويلتمع وجهه المضئ تحت غلالة شفافة من الشجن، والأسى، والحنان…
إنه ليعرف – مثلما يعرفان – ما تعانيه ابنته الحبيبة من مشقة وشظف، وهي التي ولدت في أحضان نعيم حزل كانت تزخر به دار أمها ” خديجة ” ذات المجد الوارف والثراء المفيض..!!!
لكنها اليوم ابنة (رسول) جاء الحياة ليعطي، لا ليأخذ..
رسول قرر أن يكون حظه وحظ أهله من الدنيا كزاد الراكب، بل دون زاد الراكب بكثير..!!
وإن ” فاطمة الزهراء ” رضي الله عنها لتعلم هذا المنهج وتلتزمه.
ولقد رضيت – قريرة العين – أن يكون كل جهازها الذر زفت به
(١٤)
ليلة عرسها، أعوادا من جريد، صنع منها سرير واطئ.. ووسادة حشوها ليف.. وسقاءين للماء.. ورحاءين للطحن.. وقارورتي طيب..
ومنخلا.. ومنشفة.. وقدحا..!
وهي إذ تجئ اليوم إلى أبيها على استحياء، في صحبة زوجها الفقير من عرض الدنيا ورغد العيش، فإنها لا تطلب ما ينأى بها من منهج الرسول في الزهد وفي الورع.. إنها لا تريد أكثر من خادم يحمل عنها بعض العبء الذي يثقل كاهلا..!
ولكن، لا.. فما دامت الأقدار قد أسعدتها وشرفتها بأن تكون ” بنت رسول الله ” فإنها في نفس الوقت ولنفس السبب تدعوها لأن تتحمل من التضحية أقصى ما يستطيع الناس.
ويحتمل معها ذلك القدر وأكثر، زوجها وبنوها..!!
وإن مشقة البيت، وشظف العيش لأهون تلك التضحيات التي سيقدر لآل هذا البيت المجيد أن يحملوها.!!
من أجل هذا، لم يجد الرسول في وسعه أن يجيب (فاطمة وعليا) إلى رغبتها المتواضعة والمشروعة.
ومن ثم غطى وجه ابنته الحبيبة بنظراته الآسية والحانية، وقال يخاطبها:
” لا، يا فاطمة.. لا أعطيك، وأدع فقراء المسلمين..!!).
ثم اقترب منهما، وطوقهما بذراعيه، وقال لهما، وعلى فمه ابتسامة كضوء الفجر:
(ألا أدلكما على خير من خادم..) إذا أو يتما إلى مضجعكما، فسبحا الله ثلاثا وثلاثين..
واحمداه ثلاثا وثلاثين.. وكبراه أربعا وثلاثين.. فذلك خير لكما من خادم)!!
ومنخلا.. ومنشفة.. وقدحا..!
وهي إذ تجئ اليوم إلى أبيها على استحياء، في صحبة زوجها الفقير من عرض الدنيا ورغد العيش، فإنها لا تطلب ما ينأى بها من منهج الرسول في الزهد وفي الورع.. إنها لا تريد أكثر من خادم يحمل عنها بعض العبء الذي يثقل كاهلا..!
ولكن، لا.. فما دامت الأقدار قد أسعدتها وشرفتها بأن تكون ” بنت رسول الله ” فإنها في نفس الوقت ولنفس السبب تدعوها لأن تتحمل من التضحية أقصى ما يستطيع الناس.
ويحتمل معها ذلك القدر وأكثر، زوجها وبنوها..!!
وإن مشقة البيت، وشظف العيش لأهون تلك التضحيات التي سيقدر لآل هذا البيت المجيد أن يحملوها.!!
من أجل هذا، لم يجد الرسول في وسعه أن يجيب (فاطمة وعليا) إلى رغبتها المتواضعة والمشروعة.
ومن ثم غطى وجه ابنته الحبيبة بنظراته الآسية والحانية، وقال يخاطبها:
” لا، يا فاطمة.. لا أعطيك، وأدع فقراء المسلمين..!!).
ثم اقترب منهما، وطوقهما بذراعيه، وقال لهما، وعلى فمه ابتسامة كضوء الفجر:
(ألا أدلكما على خير من خادم..) إذا أو يتما إلى مضجعكما، فسبحا الله ثلاثا وثلاثين..
واحمداه ثلاثا وثلاثين.. وكبراه أربعا وثلاثين.. فذلك خير لكما من خادم)!!
(١٥)
إذا نحن جاوزنا شكل هذه الواقعة إلى جوهرها، أدركنا المغزى العظيم لها، وأدركنا كذلك، الدور المجيد، والوحيد الذي كان على أهل بيت النبي أن يقوموا به غير منتظرين عليه أجرا، ولا متعللين براحة..!!
وإذا كانت هذه الواقعة ترينا كيف كان الرسول يزكى هذا المبدأ في أفئدة آل بيته، فإنها لم تكن الواقعة الوحيدة في هذا المجال.. بل هي واحدة من وقائع كثر كان الرسول عليه الصلاة والسلام يصوغ منها أسلو به في إعداد أهل بيته لدورهم العظيم، هذا الدور الذي ستكون التضحية لحمته وسداه..
ففي يوم آخر… وكان يوم فتح مكة. ذهب ” على ” إلى رسول الله يسأله أن يمنحه حجابة البيت الحرام.
وكانت الحجابة وظيفة تتوارثها من قديم إحدى عائلات قريش.
ولم يكن ابن عم الرسول حين تمناها، يطمح إلى مغنم أو عرض من أعراض الدنيا الزائلة.
إنما كان يرجو أن يذهب بشرف حمل مفاتيح بيت الله الحرام.
هنالك تقدم من الرسول الذي كان جالسا وسط أصحابه: تقدم ومفاتيح المسجد والكعبة في يمينه وقال:
” يا رسول الله!! اجعل لنا الحجابة مع السقاية، صلى الله عليك “..
وابتسم الرسول ابتسامته العذبة المعهودة في مثل هذه المواقف. وبسط يمينه المباركة نحو ابن عمه، آخذا منه المفاتيح، ثم نادى، وبصره يجول بين الناس:
” أين عثمان بن طلحة “؟؟
وكان ” عثمان بن طلحة ” هو القائم يومها بوظيفة الحجابة هذه..
وإذا كانت هذه الواقعة ترينا كيف كان الرسول يزكى هذا المبدأ في أفئدة آل بيته، فإنها لم تكن الواقعة الوحيدة في هذا المجال.. بل هي واحدة من وقائع كثر كان الرسول عليه الصلاة والسلام يصوغ منها أسلو به في إعداد أهل بيته لدورهم العظيم، هذا الدور الذي ستكون التضحية لحمته وسداه..
ففي يوم آخر… وكان يوم فتح مكة. ذهب ” على ” إلى رسول الله يسأله أن يمنحه حجابة البيت الحرام.
وكانت الحجابة وظيفة تتوارثها من قديم إحدى عائلات قريش.
ولم يكن ابن عم الرسول حين تمناها، يطمح إلى مغنم أو عرض من أعراض الدنيا الزائلة.
إنما كان يرجو أن يذهب بشرف حمل مفاتيح بيت الله الحرام.
هنالك تقدم من الرسول الذي كان جالسا وسط أصحابه: تقدم ومفاتيح المسجد والكعبة في يمينه وقال:
” يا رسول الله!! اجعل لنا الحجابة مع السقاية، صلى الله عليك “..
وابتسم الرسول ابتسامته العذبة المعهودة في مثل هذه المواقف. وبسط يمينه المباركة نحو ابن عمه، آخذا منه المفاتيح، ثم نادى، وبصره يجول بين الناس:
” أين عثمان بن طلحة “؟؟
وكان ” عثمان بن طلحة ” هو القائم يومها بوظيفة الحجابة هذه..
(١٦)
ونهض ” ابن طلحة ” قائما، يلبي نداء رسول الله وألقى الرسول بالمفاتيح إليه، وقال:
” هاك مفتاحك يا عثمان.. اليوم، يوم بر ووفاء “..
ثم التفت إلى ابن عمه ” علي ” وقال:
” إنما أعطيكم ما ترزأون، لا ما ترزأون “..!!
يا له من درس.. ويا لها من نبوءة..!!
أجل.. هذا دور آل محمد في الحياة.. التضحية، بكل ما تتطلبه من شظف، وتبتل، واستغناء..
لا شئ دون التضحية، ولا شئ سواها…
أما الدنيا بكل زينتها وزخرفها وإغرائها، فهي أهون على الله من أن يجعلها لهم مثوبة وأجرا..!!
إن عليهم في هذه الحياة أن يقوموا بدور واحد. عليهم أن يقضوا أعمارهم كلها فوق ” منصة الأستاذية “، ليعلموا الناس فنا واحدا.. هو فن التضحية والفداء. أروع وأصدق ما تكون التضحية، ويكون الفداء..!!!
على هذا النسق الرفيع الباهر، ربى الرسول الكريم ” عليا وفاطمة ” الأبوين اللذين سيجئ من أصلابهما الحسن، والحسين، وزينب، وبقية الأبناء والحفدة المباركين. الذين سنطالع على صفحات هذا الكتاب جلال ما بذلوا من تضحية.. وروعة ما صنعوا من بطولة..!!
لقد رباهما كما رأيناه على التحمل والتضحية.. وصحيح أنه ربى جميع أصحابه على ذلك.. بيد أنه كان يطالب ذويه وأهل بيته بأن يبلغوا في هذا المجال أرفع مستويات التفوق والنبوغ.
” هاك مفتاحك يا عثمان.. اليوم، يوم بر ووفاء “..
ثم التفت إلى ابن عمه ” علي ” وقال:
” إنما أعطيكم ما ترزأون، لا ما ترزأون “..!!
يا له من درس.. ويا لها من نبوءة..!!
أجل.. هذا دور آل محمد في الحياة.. التضحية، بكل ما تتطلبه من شظف، وتبتل، واستغناء..
لا شئ دون التضحية، ولا شئ سواها…
أما الدنيا بكل زينتها وزخرفها وإغرائها، فهي أهون على الله من أن يجعلها لهم مثوبة وأجرا..!!
إن عليهم في هذه الحياة أن يقوموا بدور واحد. عليهم أن يقضوا أعمارهم كلها فوق ” منصة الأستاذية “، ليعلموا الناس فنا واحدا.. هو فن التضحية والفداء. أروع وأصدق ما تكون التضحية، ويكون الفداء..!!!
على هذا النسق الرفيع الباهر، ربى الرسول الكريم ” عليا وفاطمة ” الأبوين اللذين سيجئ من أصلابهما الحسن، والحسين، وزينب، وبقية الأبناء والحفدة المباركين. الذين سنطالع على صفحات هذا الكتاب جلال ما بذلوا من تضحية.. وروعة ما صنعوا من بطولة..!!
لقد رباهما كما رأيناه على التحمل والتضحية.. وصحيح أنه ربى جميع أصحابه على ذلك.. بيد أنه كان يطالب ذويه وأهل بيته بأن يبلغوا في هذا المجال أرفع مستويات التفوق والنبوغ.
(١٧)