امتهان المرأة وانتقاص حقوقها
لم يدّع أحد أنّ المرأة في المجتمعات العربية والإسلامية مسترقّة ، يمارس عليها من قبل الرجال والمجتمع استعباد من الناحية القانونية ، بل الكلّ يعترف بأنّ المرأة من الناحية القانونية حرّة ، ولكن هناك إقرار مطبق على أنّ المرأة تعيش وضعاً غير عادل وغير إنساني يتعلّق بموقعها الإنساني ومركزها الحقوقي أو بهما معاً ، فهي امرأة حرّة كما ينطق بذلك القانون ، إلاّ أنّها لم تتمتّع بآثار الحرية في الاعتراف بشخصيتها الإنسانية المكافئة للرجل ، فهي منتقصة الكرامة ، ولذلك لا يعترف بكرامتها المساوية للرجل. وكذلك فهي لا تتمتع بآثار الحرية في المجال الحقوقي ، فهي منتقصة الحقوق.
بل لقد بلغ الأمر في بعض الاتجاهات الفكرية إلى اعتبارها مخلوقاً آخر أقرب إلى الحيوان الأعجم من الإنسان ، فلا ولاية لها على نفسها ، ولا على مالها ، ولا على عملها ، ولا على تصرّفاتها.
بل هي أداة في يد الرجل ـ أباً أو أخاً أو زوجاً ـ لا تملك لنفسها شيئاً من أمر نفسها ، فهي كائن حيواني موضوع للاستمتاع الجنسي والاستيلاء والخدمة المنزلية والعمل في الزراعة مجاناً.
ولكن هذا الامتهان للمرأة في الكرامة والانتقاص في الحقوق في بعض المجتمعات الإسلامية ، لم يكن نتيجة نظرة الإسلام اليها ، بل هو نتيجة إهمال نظرة
الشريعة اليها وتجاوزها.
إنّ الإسلام نظر إلى المرأة وحرّرها من النظرة الجاهلية ، ورفع منزلتها إلى منزلة الرجل في الإنسانية والكرامة ، وساواها مع الرجل في الحقوق والواجبات والقيم الإنسانية كما تقدّم ذلك.
ولكن انخفاض وعي الناس بالدين أو عدم التزامهم به ; لعدم وجود سلطة لعلماء الدين على المجتمع في كلّ البلاد الإسلامية تقريباً ، وتأثير العادات والتقاليد الوافدة إلى المجتمع الإسلامي من المجتمعات الاُخرى غير المسلمة ، ونظرتها المتدنية إلى المرأة ، والالتزام بالنصوص الدينية الضعيفة ، أو غير الضعيفة المعارضة للنظرة القرآنية التي تحدّ من سلطة المرأة على نفسها وتصرفاتها في بعض المجتمعات الدينية والعلمية ، أدّى إلى تكوين نظرة سيئة ومتدنية اتجاه المرأة في المجتمعات التي تنتسب إلى الدين ، فتقلّصت حريّتها في العلاقة مع المجتمع وفي العمل ، وحُرمت من حقّ التعليم والثقافة وبعض المناصب الاجتماعية.
إذن يحقّ أن نقول : إنّ وضع المرأة في الواقع الاجتماعي في البلدان الإسلامية يختلف عن وضعها في التشريع الإسلامي ـ قرآناً وسنّة ـ كما يختلف عن وضعها في أبحاث الفقهاء الذين لم يتأثروا بالواقع الاجتماعي الطاريء ولم يتأثروا بالعادات والتقاليد الدخيلة على الإسلام ، ولم يتأثروا بالروايات التي تخالف النهج العام القرآني الذي جعل مثالاً يقتدى به للمرأة المسلمة.
فالدين الإسلامي أراد للمجتمع الإسلامي الرقي والصعود في مدارج الكمال في آفاق الحضارة والعلم ، والمرأة التي هي نصف المجتمع مشمولة في هذه الدعوة للصعود في مدارج الكمال علماً وأدباً وعملاً ، ومشاركة في النشاط الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والإنساني ، خصوصاً في الأعمال التي تنسجم مع تكوين المرأة الفسيولوجي والنفسي ، كالتعليم والتمريض والطبابة والعمل في الإدارات
الحكومية والمؤسسات الاجتماعية والخيرية والتربوية وما شابه ذلك.
وبهذا تتمكن من سدّ العوز المالي الذي يلحق الأُسرة من جراء النفقات المالية الكبيرة ، كما أنّها تشعر بأنّها عضو فاعل في المجتمع ومستقلّة في تصرّفها النافع مع عفّة وطهارة ، فهي تغني المجتمع بالعمل المنتج وتلبّي حاجاته ، وهذا هو الذي دلّت عليه الأدلّة العامة من الحثّ على العمل النافع للإنسان ، ومن يدّعي خلاف ذلك فعليه أن يثبت دعواه بالدليل.