الرئيسية / شخصيات أسلامية / الامام محمد الجواد عليه السلام سيرة وتاريخ

الامام محمد الجواد عليه السلام سيرة وتاريخ

القسم الثاني :نصّ الاِمام الرضا عليه السلام :
نصوص كثيرة رويت عن الاِمام الرضا عليه السلام بشأن إمامة أبي جعفر الجواد عليه السلام والنصّ عليه جمع شتاتها العلاّمة المجلسي واستوفاها في الجزء الخمسين من بحاره (1) فكانت ستة وعشرين نصّاً ، اخترنا منها النصوص التالية:
روى الكليني بسنده عن معمر بن خلاّد قوله : ذكرنا عند أبي الحسن عليه السلام شيئاً بعد ما ولد له أبو جعفر عليه السلام ، فقال : « ما حاجتكم إلى ذلك ، هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي وصيّرته في مكاني » (2) .
وعنه بسنده ، عن الخيراني ، عن أبيه قال : كنت واقفاً بين يدي أبي الحسن عليه السلام بخراسان ، فقال له قائل : يا سيدي إن كان كون فإلى من ؟ قال : « إلى أبي جعفر ابني » . فكأن القائل استصغر سنّ أبي جعفر عليه السلام ، فقال أبو الحسن عليه السلام : « إنّ الله تبارك وتعالى بعث عيسى بن مريم رسولاً نبيّاً ، صاحب شريعة مبتداة في أصغر من السن الذي فيه أبو جعفر عليه السلام » (3) .
ونقل ابن الصباغ المالكي في فصوله المهمة عن الشيخ المفيد قدس سره بإسناده عن صفوان بن يحيى قال : قلت للرضا عليه السلام : قد كنا نسألك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر فكنت تقول : « يهب الله لي غلاماً » . فقد وهبه الله لك ، وقرَّ عيوننا به ، فلا أرانا الله يومك ، فإن كان كون فإلى مَن ؟ فأشار بيده إلى أبي
____________
1) بحار الأنوار 50 : 18 ـ 36 .
2) اُصول الكافي 1 : 321 | 6 . ونحوه في 1 : 320 | 2 . والإرشاد 2 : 276 . وإعلام الورى 2 : 93 . والفصول المهمة | ابن الصباغ المالكي : 261 .
3) اُصول الكافي 1 : 322 | 13 .
(30)
جعفر وهو قائم بين يديه ، فقلت له : جُعلت فداك ، وهذا ابن ثلاث سنين ؟ قال : « وما يضرُّ من ذلك ! قد قام عيسى بالحجة وهو ابن أقل من ثلاث سنين » (1) .
كما نقل القندوزي الحنفي في ينابيعه ، عن فرائد السمطين للمحدث الجويني الخراساني الشافعي باسناده ، عن دعبل الخزاعي ، عن علي الرضا ابن موسى الكاظم عليهما السلام قال : « يا دعبل الاِمام من بعدي محمد ابني ، وبعد محمد ابنه علي ، وبعد علي ابنه الحسن ، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته ، المطاع في ظهوره » (2) .
شهادات اُخرى :
وممن شهد بإمامة الجواد عليه السلام وأذعن لها عم أبيه : علي بن الاِمام جعفر الصادق عليه السلام المعروف بالعُريضي ، فقد روى الكليني رحمه الله بسنده ، عن محمد ابن الحسن بن عمار قال : كنت عند علي بن جعفر الصادق جالساً بالمدينة ، وكنت أقمت عنده سنتين أكتب عنه ما سمع من أخيه ـ يعني أبا الحسن موسى الكاظم عليه السلام ـ إذ دخل عليه أبو جعفر محمد بن علي الرضا عليه السلام في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فوثب علي بن جعفر؛ بلا حذاء ولا رداء فقبّل يده وعظّمه ، فقال له أبو جعفر عليه السلام : « يا عم إجلس رحمك الله » ، فقال : يا سيدي ! كيف أجلس وأنت قائم ؟
____________
1) الفصول المهمة : 261 . وراجع : الإرشاد 2 : 276 . وإثبات الوصية | المسعودي : 185 . واُصول الكافي 1 : 321 | 10 باختلاف يسير جداً . وذكر نحوه الخزاز في كفاية الأثر : 279 .
2) ينابيع المودة 3 : 348 الباب 86 . وفرائد السمطين 2 : 337 | 591 . نقله عن عيون أخبار الرضا 2 : 296 | 35 من الباب 66 .
6
فلمّا رجع علي بن جعفر إلى مجلسه جعل أصحابه يوبّخونه ويقولون : أنت عم أبيه ، وأنت تفعل به هذا الفعل ؟ ! فقال : ( اسكتوا ، إذا كان الله عزَّ وجلّ ـ وقبض على لحيته ـ لم يؤهل هذه الشيبة ، وأهّل هذا الفتى ووضعه حيث وضعه ، أُنكر فضله ؟ ! نعوذ بالله مما تقولون ، بل أنا له عبد ) (1) .
وروى الكشي بسنده عن علي بن جعفر خبراً له مع واقفي حاججه في أمر الاِمامة ، فأجابه علي بن جعفر جواباً قاطعاً بأن أبا جعفر الجواد عليه السلام هو الاِمام الناطق بعد أبيه علي بن موسى الرضا (2) .
كما روى الكشي في رجاله باسناده عن أبي عبدالله الحسين بن موسى ابن جعفر ، قال : كنت عند أبي جعفر عليه السلام بالمدينة وعنده علي بن جعفر ، وأعرابي من أهل المدينة جالس ، فقال لي الاَعرابي : من هذا الفتى ؟ وأشار بيده إلى أبي جعفر عليه السلام . قلت : هذا وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . فقال : يا سبحان الله ! رسول الله قد مات منذ مئتي سنة وكذا وكذا سنة ، وهذا حدث ، كيف يكون ؟ !
قلت : هذا وصي علي بن موسى ، وعلي وصيّ موسى بن جعفر ، وموسى وصيّ جعفر بن محمد ، وجعفر وصيّ محمد بن علي . . الخبر (3) .
وهذا الخبر من جملة الاَحاديث والمرويات المستفيضة في مظانها ، الدالة على أنّه كان معروفاً آنذاك أن الاَئمة من أهل البيت عليهم السلام هم أوصياء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالنص عليهم واحداً بعد واحد .
____________
1) اُصول الكافي 1 : 322 | 12 .
2) رجال الكشي : 429 | 803 .
3) رجال الكشي : 429 | 804 .
(32)
العمر ومنصب الاِمامة :
ليس غريباً إذا قلنا : إنّه لا مدخلية للعمر في تسنّم منصب الاِمامة ، ولو أن ظاهرة الاِمام الجواد عليه السلام كانت الاُولى من نوعها في الاِسلام على ما هو معهود ومعروف ! إلاّ أنها لم تكن الاُولى في العالم على مستوى حركة الاَنبياء والرسل وأوصيائهم السابقين ، فذاك عيسى بن مريم آتاه الله الحكمة والنبوة وكان في المهد صبياً ، وقبله كان يحيى ، فقد آتاه الله الحكم والكتاب وهو صبي ( وآتَينَاهُ الحُكمَ صَبِيّاً ) (1) .
(فإنّ الظاهرة التي وجدت مع هذا الاِمام وهي ظاهرة تولّي شخص للاِمامة وهو بعد في سن الطفولة ، على أساس أن التاريخ يتّفق ويُجمع على أنّ الاِمام الجواد توفي أبوه وعمره لا يزيد عن سبع سنين . ومعنى هذا أنّه تولّى زعامة الطائفة الشيعية روحياً وفكرياً وعلمياً ودينياً وهو لا يزيد عن سبع سنين ، هذه الظاهرة التي ظهرت لاَول مرة في حياة الاَئمة في الاِمام الجواد عليه السلام ) (2) .
وقد قدّمنا في الفصل الاَول الروايات التي تنصّ على أنّ الاِمام الرضا عليه السلام وهو الاِمام المعصوم قد شهد بأن مولوده الصغير ـ وكان يشير إليه ـ سيكون الاِمام من بعده بالرغم من صغر سنِّه (3) ، وبذلك فقد حلَّ الاِمام الرضا عليه السلام إشكالية المسألة في حياته وأرجع أصحابه وشيعته وجميع
____________
1) سورة مريم : 19 | 12 .
2) من محاضرة للسيد الشهيد محمد باقر الصدر قدس سرّه في 29 ذي القعدة الحرام سنة 1388 هـ لم تنشر توجد ضمن مستندات ووثائق موسوعة الشهيد الصدر .
3) راجع النصوص المتقدمة آنفاً عن اُصول الكافي 1 : 321 | 10 و322 | 13 و383 | 2 . وإثبات الوصية : 185 .
(33)
المسلمين إلى ابنه الجواد عليه السلام .
ثم إنّ الاِمام الجواد عليه السلام نفسه قد أدرك الشك والحيرة من بعض أصحاب أبيه في هذا الاَمر؛ لاَنّهم لم يألفوا ذلك من قبل فأراد في بعض المواقف تبيان هذه الظاهرة ، وإلفات نظر المتردّدين إلى الحقيقة التي غابت عن أذهانهم ، فقد روى الكليني بالاِسناد عن علي بن اسباط ، قال : خرج عليه السلام عليَّ فنظرت إلى رأسه ورجليه؛ لاَصف قامته لاَصحابنا بمصر ، فبينا أنا كذلك حتى قعد ، فقال : « يا عليّ ، إن الله احتجّ في الاِمام بمثل مااحتجّ في النبوّة ، فقال : ( وآتينَاهُ الحُكمَ صَبيّاً ) (1) ، قال : ( ولمَّا بَلَغ أشُدَّهُ ) (2) ، ( وبَلَغَ أربعينَ سَنَةً) (3) فقد يجوز أن يؤتى الحكمة صبيّاً (4) ، ويجوز أن يُعطاها وهو ابن أربعين سنة » (5) .
وعندما يُسأل عن هذا الموضوع وهو ابن سبع سنين أو نحوها ، يجيب سائله إجابة قاطعة ليس فيها ترديد ولا تورية . . جواب واثق مطمئن من إمامته على الناس ، وهو ما رواه الكليني بالاِسناد عن محمد بن اسماعيل بن بزيع ، قال : سألته ـ يعني أبا جعفر عليه السلام ـ عن شيء من أمر الاِمام ، فقلت : يكون الاِمام ابن أقل من سبع سنين ؟ فقال : « نعم ، وأقلّ من خمس سنين » .
فقال سهل : فحدثني علي بن مهزيار بهذا في سنة إحدى وعشرين
____________
1) سورة مريم : 19 | 12 .
2) سورة يوسف : 12 | 22 . وسورة القصص . 28 | 14 .
3) سورة الأحقاف : 46 | 15 .
4) في الرواية الاُخرى : الحكمة وهو صبي .
5) اُصول الكافي 1 : 494 | 3 ، ومثله أيضاً 1 : 384 | 7 باب حالات الأئمة في السن .
(34)
ومائتين (1) .
كما أنّه عليه السلام يردّ على المنكرين عليه صغر سنه بشواهد قرآنية لها مصاديق من سيرة الرسول الاَعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو ما نقرأه في رواية الكليني الاُخرى عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، قال : قال علي بن حسان لاَبي جعفر عليه السلام : يا سيدي ، إنّ الناس ينكرون عليك حداثة سنّك ، فقال : « وما ينكرون من ذلك ، قول الله عزَّ وجلَّ ؟ لقد قال الله عزَّ وجلَّ لنبيّه صلى الله عليه وآله وسلم : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلي أدعُو إلى اللهِ على بَصيرَةٍ أنا وَمَن اتَّبعَني ) (2) فوالله ما تبعه إلاّ علي عليه السلام وله تسع سنين وأنا ابن تسع سنين » (3) .
من خلال التأمل في الروايات التي مرَّ ذكرها يتبيّن لنا تركيز الاَئمة عليهم السلام على دور الاِمامة في حياة الاُمّة ، ومقارنتها بالنبوّة . وطبيعي أن تُقرن الاِمامة بالنبوة لما بينهما من سنخية واحدة ، فالاِمام عليه السلام إنّما يلفت نظر الناس إلى أن العمر لا مدخلية له في منصبي النبوّة والاِمامة؛ لاَنّهما منصبان يتعينان من قبل الله سبحانه وتعالى ، والله تعالى لا يختار لرسالاته إلاّ المعصوم المتحصل لجميع الكمالات ، وعليه فهو تبارك وتعالى لايتعامل مع سن المبعوث بقدر ما يتعامل مع ظروف المرحلة التي تمر بها الرسالة والاُمّة ، ومدى الحاجة إلى الشخص المختار لتدارك حالة المجتمع في مقطع زمني معين تكون الحاجة إليه هناك ماسة وضرورية .
نعم ، فالاِمام يريد أن يقول للناس : عليكم أن تنظروا للاِمام . . أن تتعاملوا
____________
1) اُصول الكافي 1 : 384 | 5 .
2) سورة يوسف : 12 | 108 .
3) اُصول الكافي 1 : 384 | 8 .
(35)
مع منصب الاِمامة ، كما تنظرون إلى مقام النبوّة وتتعاملوا معها . فالاِمامة امتداد طبيعي للنبوّة ، لذلك تكتسب نفس قداستها؛ لاَنّهما ـ كما قلنا ـ من مختصات السماء ، وما ترسله السماء يجب أن يكون له قدسية خاصة ، وأنها ـ أي الاِمامة ـ « . . أجلّ قدراً ، وأعظم شأناً ، وأعلى مكاناً ، وأمنع جانباً ، وأبعد غوراً من أن يبلغها الناس بعقولهم ، أو ينالونها بآرائهم ، أو يقيموا إماماً باختيارهم . . » (1) .
ولما كان هذا حال الاِمامة والاِمام ، يجريان مجرى النبوة والاَنبياء ، فإنّه يجوز على الاِمام أن يتولى الاِمامة وهو ابن سنتين ـ مثلاً ـ أو أقل من ذلك أو أكثر ، كما جاز ذلك في النبوّة وهو ما عرفناه من قبل في مثال يحيى بن زكريا ، وعيسى بن مريم عليهما السلام .
والشهيد آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر قدس سره في محاضرته التي أشرنا إليها قبل قليل يلفت النظر إلى أنّه لو تم دراسة ظاهرة إمامة الجواد عليه السلام بقانون حساب الاحتمالات لتبيّن : ( أنّها وحدها كافية للاقتناع بحقانية هذا الخط الذي كان يمثله الاِمام الجواد عليه السلام ) . وهو طريق عقلي آخر يضاف إلى طرق إثبات الاِمامة وحصرها بأهل البيت عليهم السلام ، ثم يفترض السيد الشهيد قدس سره عدة افتراضات يمكن أن تُثار حول إمامة الاِمام الجواد عليه السلام ويجيب عنها منطقياً وتاريخياً ، لكنه قدس سره يجيب قبل طرح الافتراضات فيقول : ( إذ كيف يمكن أن نفترض فرضاً آخر غير فرض الاِمامة الواقعية في شخص لا يزيد عمره عن سبع سنين ويتولّى زعامة هذه الطائفة في كلِّ المجالات الروحية والفكرية والفقهية والدينية ) .
____________
1) اُصول الكافي 1 : 199 | 1 .
(36)

شاهد أيضاً

منهج في الإنتماء المذهبي – صائب عبد الحميد

ما الذي يحملني على الإعتقاد – إلى حد التسليم – بأن مذهبي الذي ورثته عن ...