الإنفاق في سبيل الله \عز الدين بحر العلوم
3 ساعات مضت
زاد الاخرة
7 زيارة
( ٩٠ )
الإمام ليدخل بيتاً من بيوت المسلمين ليعول من به ، وبذلك يخفف عنهم أزمات الفقر .
وطبيعي أن يكون هذا العمل أحب إلى الإمام ( عليه السلام ) من سبعين حجة ، والسبب في
ذلك أن الحج ينتفع به الشخص نفسه لما يحصل عليه من ثواب ، وأما إعالة البيوت الفقيرة فإن
النفع فيها يعود إلى الشخص نفسه بالثواب ، وإلى الآخرين بانتشالهم من براثن الشبح المرعب
وهو الفقر ، وبذلك يأمن المجتمع من شرور هؤلاء المحرومين ، ولذلك كان هذا العمل أحب إلى
الإمام ( عليه السلام ) من الحج المتكرر .
على أن الإمام وهو العالم بكل الخصوصيات لو لم يعلم أن في الإعالة المذكروة الثواب الذي
يزيد على الثواب الذي يحصل من سبعين حجة لما كان ذاك أحب إليه من هذا .
ومن هذا المنطق نعلم أن الثواب الذي يحصل عليه المنفق لا يحد بحد طالما كان مصدره من
وصف نفسه بالرحمن الرحيم .
الفقير هدية االله إلى الغني :
بهذا النص جاء الخبر عن الإمام محمد الباقر ( عليه السلام ) حيث قال :
« الفقير هدية االله إلى الغني فإن قضى حاجته فقد قبل هدية االله وان لم يقض حاجته فقد رد
. (١) هدية االله »
الفقير هدية :
____________
(١) ثواب الأعمال ـ ١٢٧ .
===============
( ٩١ )
ولكن ممن ولمن ؟ .
ممن : من االله .
ولمن : إلى الغني .
وليحاسب الغني نفسه ، وهو يقف وجهاً لوجه أمام هدية االله ـ وهو هذا الفقير ـ يأتي ليطلب
منه ما يسد حاجته فهل يقبل هذه الهدية أم يردها ؟ .
ولكن رد مثل هذه الهدية بعيد عن المؤمنين الذين يقدمون كل غال ونفيس في سبيل التقرب
إليه جلت عظمته .
===============
( ٩٢ )
تشويق غير المنفقين على التوسط بهذاالعمل
أ ـ الإنساني :
ولم يقتصر التشويق والحث على الإنفاق على الاغنياء ليقوموا بهذا العمل الإنساني بل تعداه
إلى غير هؤلاء من الناس فقد جاء عن النبي ( صلى االله عليه وآله ) :
(١) « من مشى بصدقة إلى محتاج كان له كأجر صاحبها من غير أن ينقص من أجره شيئاً »
.
إن النبي الأكرم يريد من وراء هذا الحديث أن يطمئن الغني بأن دخول الشخص الثالث بينه
وبين الفقير لا يوجب تقليلاً للثواب والأجر .
ولماذا ينقص من أجره ، والمعطي هو االله ؟ .
ولو كان الإنسان هو المجازي لكان لمثل هذا الحساب احتمال أما وان االله هو الذي يرسل
الهدية وهو الذي يتقبل العطاء ويأخذ الصدقات قبل الفقير فلا مجال لمثل هذا الحساب .
____________
(١) أمالي الصدوق ـ ٢٥٩ .
===============
( ٩٣ )
وبعد كل هذا فإن االله هو الذي يستقرض من الغني ما ينفقه فلا بعد اذاً لو كان الأجر محفوظاً
لكليهما المنفق ، ومن توسط في اخراج المال الى الفقير .
اما الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، فقد وسع دائرة الثواب لتمشمل أكثر من واحد لو تعدد
الوسطاء بين الغني ، والفقير حيث جاء ذلك في حديث عنه قال فيه :
« لو جرى المعروف على ثمانين كفاً لأجروا كلهم من غير أن ينقص عن صاحبه من أجره
. (١) شيئاً »
وقد يستغرب الإنسان وهو يردد فقرات هذا الحديث في قوله :
« لو جرى المعروف على ثمانين كفاً » . . . الخ .
بهذا العدد وبهذه الكثرة ، وهل توجد هكذا عملية يحدث فيها أن يصل رقم الوسطاء إلى هذا
الحد .
وللجواب عن ذلك نقول :
ان الاستغراب المذكور يزول لو لا حطنا ما جاء عن النبي ( صلى االله عليه وآله ) في مثل
هذا الموضوع حيث قال :
« من تصدق بصدقة عن رجل الى مسكين كان له مثل أجره ، ولو تداولها أربعون ألف انسان
ثم وصلت إلى المسكين كان لهم أجر كامل . وما عند االله خير وأبقى للذين اتقوا وأحسنوا لو كنتم
تعملون » .
____________
(١) ثواب الأعمال ـ ١٤١ .
===============
( ٩٤ )
وقد يوجه البعض هذا التصعيد في الرقم فيعتبره للمبالغة ليفهم بأن المنفق أجره محفوظ ، ولو
تعدد الزطاء ، وكانوا من الكثرة بمكان .
ولكن الذي نراه أن الحديث لا مبالغة فيه من حيث الموضوع وهو حصول الأجر للوسطاء ،
وان تعددوا .
نعم قد يكون هذا الرقم جاء للمبالغة من حيث العد والعدد إذ حصول مثل هذا العدد من
الوسطاء قد يكون نادراً في قضية إحسان من شخص لآخر ، وإلا فلو فرضنا انه حصل مثل ذلك
، أو أقل منه فإن الأجر يكون محفوظاً لهم ، كما يقول النبي ( صلى االله عليه وآله ) :
« وما عند االله خير وأبقى للذين أنفقوا وأحسنوا » ولا لوم على من يستكثر مثل هذا الجزاء
وهو ينظر إلى الأجر بمنظار كونه المعطي انسان ومخلوق ضعيف أما لو نظرنا إلى القضية
بمنظار كون المعطي هو االله الذي لا حد لعطائه وفظله وانعامه فالمسألة تهون بل تتضاءَل في
رحاب لطفه كل هذه الوساوس والشكوك
وقد جاء في فقرات من أدعية أهل البيت ( عليهم السلام ) قولهم :
« يامن الكرم من صفة أفعاله والكريم من أجل أسمائه » .
===============
( ٩٥ )
ب ـ التأنيب على عدم الإنفاق :
ومن التشويق إلى الإنفاق ينتقل القرآن الكريم إلى الطريق الثاني في سلوكه مع الذين لا
ينفقون من أموالهم في سبيل االله وبه يتوخى أن يستنهض هممهم لهذا المشروع الإجتماعي الحياتي
، وهو الإحسان بالبذل .
والآيات في هذا الخصوص تبدأ بفتح حوار مع الموسرين ومْناقشتهم في عدم استجابتهم لنداء
الضمير ، وإسعاف المعوزين وتنبيههم إلى أن ذلك لا يضر باالله وإنما تعود آثاره وخلفياته السيئة
على أنفسهم ، وعليهم أن يتبدروا حالهم ما دامت الفرصة مواتية وقبل أن يبعد الزورق عن
الساحل وبذلك يتلاشى الضوء الأخضر ، وحينئذ فلا ينفع الندم .
( ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل االله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن
. (١) نفسه واالله الغني وأنتم الفقراء )
حوار هاديء يتضمن مناقشة دقيقة يجريه االله مع من يشح على نفسه يمنعها من فعل الخير فلا
يساعد من هو في حاجة إلى المساعدة .
____________
(١) سورة محمد | آية : ٣٨ .
===============
( ٩٦ )
« ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل االله »
من خلال هذا المقطع تتجلى روعة الحوار في تعبير الآية بقوله « تدعون » ولم يقل ليفرض
عليكم ، يكلفكم ، أو يأمركم ، وما شاكل من هذا النوع من العبارات التي تدل على الاستعلاء ،
بل افتتح االله وهو العالي الحوار معهم بهذه الدعوة المفتوحة والأسلوب الهادئ الرقيق وبدلاً من أن
تكون التلبية لهذه الدعوة بالإيجاب والإسراع لكسب الخير ونيل الجزاء فإن الاستجابة منهم كانت
عكسية ، وإذا بالواقع العملي لتلك الدعوة يتضح من خلال الفقرة التالية :
« فمنكم من يبخل » :
ومن خلال بخله يتوقف عن تلبية هذه الدعوة الخيرة بجمع الشمل وبث روح التعاون بين
الجميع .
ويبدأ الحساب :
« ومن يبخل فأنما يبخل عن نفسه » .
لا على االله فأن عدم الاستجابة معناها الحرمان من الأجر والثواب في الآخرة وبذلك يخسر
الصفقة وتفوت منه الفرصة .
أما االله فلا يفوته بهذا الامتناع شيء ذلك لأنه يصرح قائلاً :
« واالله الغني » :
فلا حاجة له بالمال ، وهل يحتاج إلى المال من كان مصدر العطاء الى الناس ؟
وما يأتي على لسان الآيات الكريمة عندما تصرح بأن االله
===============
( ٩٧ )
يستقرض من الناس أو يطالبهم بالإنفاق ، فإنما هو لإيصال النفع اليهم قبل الفقراء نظراً إلى أن ما
يصل إلى المحسنن يضاعف أجره ، ويزيد على مقدار ما ينفعه ، وهذا اشارة الى أن معطي المال
أحوج إليه من الفقير الآخذ فبخله بخل على نفسه ، وذلك أشد البخل قال مقاتل : إنما يبخل بالخير
. (١) والفضل في الآخرة عن نفسه
« وأنتم الفقراء » :
الفقراء إليه سبحانه في كل صغيرة ، وكبيرة في الدارين الدنيا والآخرة .
في الحياة الدنيا : الى مقوماتها .
وفي الآخرة : إلى ثوابها وجزائها .
وإذا كان الغني هو االله ، وهو القادر ، والرازق ، والقابض ، والباسط , والناس هم الفقراء
إليه فعندما يطلب الغني الواقعي ـ االله ـ من الغني الصوري ـ المعطي ـ فإن هذا الطلب لا
يعود بالنفع إلى الأول بل إلى الثاني لاحتياج هذا إلى الجزاء والثواب دون الأول إذ من الواضح
أن فاقد الشيء لا يعطي كما تقرره القاعدة المعروفة .
وقد أكد القرآن الكريم على هذا المعنى في آية أخرى قال فيها :
. (٢) ( يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى االله واالله هو الغني الحميد )
____________
(١) مجمع البيان في تفسيره لهذه الآية ـ ٣٨ من سورة محمد .
(٢) سورة فاطر | آية : ١٥ .
===============
(٩٨ )
ومرة أخرى تؤكد هذه الآية ما افادته الآية السابقة من غنى االله وفقر العبد اليه ، ولكن في
التكرار معنىً جديد تفيده الآية وقد نبهت عليه وبه تمتاز هذه الآية عن سابتقها .
ان هذه الآية أعطت صورة مميزة لغنى االله عن غنى البشر ، وقد جاء بذلك بوصف الغني
بأنه « الحميد » .
« أن تذييل الآية بصيغة الحميد للإشارة إلى انه غني محمود الأفعال إن اعطى وإن منع لانه
اذا اعطى لم يعطه لبدلٍ لغناه عن الجزا ء والشكر ، وكل بدل مفروض .
. (١) وإن منع لم تتوجه إليه لائمة إذ لاحق لاحد عليه ولا يملك منه شيء »
وهذا بعكس ماعليه الغني من بني الإنسان فإنه ان أعطى فإنما هو لبدل ليشكر وليمدح ، وإن
منع توجه عليه اللوم اذ في أمواله حق معلوم للسائل والمحروم ، فبتقصيره وعدم الإنفاق يتوجه
عليه اللوم .
وفي تأنيب آخر ضمن آية كريمة أخرى عرضت لنا صورتين لشخصين منفق وبخيل ، وما
يجري على كل منهما :
( فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى
. (٢) * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى * وما يغنى عنه ماله إذا تردى )
من خلال هذه المقابلة الدقيقة التي يجريها القرآن الكريم بين
____________
(١) الميزان في تفسيره لهذه الآية الكريمة .
(٢) سورة الليل | آية : ٥ ـ ١١ .
===============
( ٩٩ )
شخصين :
أحدهما : أعطى واتقى .
والآخر : بخل واستغنى .
وما لكل منهما من أجر وما سيجري عليه .
نرى الأول : فقد وعده االله بقوله « فسنيسره لليسرى » ، وسيجعل له حياة هادئة رغيدة
ميسرة واليسر هنا عام لا يقتصر على شكل خاص في الحياة بل يشمل جميع مراحل حياته
الجانب المالي وغيره نتيجة لاستجابته لنداء االله وقيامه بما تفرضه عليه الوظيفة الإجتماعية .
وأما الثاني : فقد وعده االله على العكس مما وعد به الأول « فسنيسره للعسرى » حياة
معسرة ومعقدة يجد فيها أنواع العسر والضيف والكمد يتلكأ فيها :
يقول الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) :
« فأما من أعطى مما آتاه االله واتقى وصدق بالحسنى أي بأن االله يعطي بالواحد عشراً إلى
كثير من ذلك ، وفي رواية أخرى إلى مائة ألف فما زاد فنيسره لليسرى قال لا يريد شيئاً من
الخير إلا يسره االله له ، وأما من بخل بما آتاه االله واستغنى وكذب بالحسنى بأن االله يعطي بالواحد
عشراً إلى أكثر من ذلك ، وفي رواية أخرى إلى مائة الف فما زاد فنيسره للعسرى قال لا يريد
شيئاً من الشر إلا يسره االله له ، وما يغنى عنه ماله إذا تردى أما واالله ماتردى من حبل ولا تردى
. (١) من حائط ، ولا تردى في بئر ، ولكن تردى في نار جهنم »
____________
(١) مجمع البيان في تفسيره لهذه الآيات من سورة الليل .
أما ترديه في نار جهنم فإن االله سيخلي بينه وبين الأعمال الموجبة للعذاب والعقوبة وحينئدِ فلا
بد من ترديه وسقوطه بالأخير في جهنم .
وأخيراً نقف بين يدي آية ثالثة نستعرض من خلالها تأنيباً وتوبيخاً يشتمل على نوع من
التصحيح لمفاهيم البعض الخاطئة حيث ينظرون إلى المال باعتباره المقياس لكرامة الإنسان
وإهانته يقول تعالى :
( فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن * وأمّا إذا ما ابتلاه فقدر
عليه رزقه فيقول ربي أهانن * كلا بل لا تكرمون اليتيم * ولا تحاضون على طعام المسكين *
. (١) وتأكلون التراث أكلا لما * وتحبون المال حبا جما )
وعبر هذه الآيات يقف القرآن الكريم ليصحح للناس مقاييس الاكرام والتعظيم والإهانة
والتحقير .
يتصور الإنسان أن المال منعاً وعطاءً من قبل المعطي هو مقياس الاكرام والاهانة ـ وعى
سبيل المثال ـ فهو عندما يرى االله ينعم عليه من نعمة يعتبر ذلك مظهراً من مظاهر الأكرام ،
وعندما يقتر عليه الرزق تثور ثائرته ويتجهم ، ويعتبر ذلك اهانة له من االله أو من غيره .
المهم هو العطاء والمنع في نظره .
ولكن الحقيقة تأتي مشرقة تتجلى بهذا النوع من التوبيخ والتأنيب تواجه به الآيات الكريمة
الإنسان ليبقى درساً على مرور الزمن .
____________
(١) سورة الفجر | آية : ١٥ ـ ٢٠ .
===============
( ١٠١ )
2025-10-14