كتاب آداب السفر
(1) و هو الكتاب السابع من ربع العادات من المحجّة البيضاء في تهذيب الإحياء بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم الحمد للَّه الّذي فتح بصائر أوليائه بالحكم و العبر، و استخلص هممهم لمشاهدة عجائب صنعه في الحضر و السفر، فأصبحوا راضين بمجاري القدر، منزّهين قلوبهم عن التلفت إلى منتزهات البصر، إلّا على سبيل الاعتبار بما يسمح في مسارح النظر و مجاري الفكر، فاستوى عندهم البرّ و البحر، و السهل و الوعر، و البدو و الحضر و الصلاة على محمّد سيّد البشر، و على آله و أصحابه المقتفين لآثاره في الأخلاق و السير.
اما بعد فإنّ السفر وسيلة إلى الخلاص عن مهروب عنه، أو الوصول إلى مرغوب فيه، و السفر سفران: سفر بظاهر البدن عن المستقرّ و الوطن إلى الصحاري و الفلوات، و سفر بسير القلب من أسفل السافلين إلى ملكوت السماوات، و أشرف السفرين السفر الباطن، فإنّ الواقف على الحالة الّتي نشأ عليها عقيب الولادة الجامد على ما تلقّفه بالتقليد من الآباء و الأجداد لازم درجة القصور و قانع برتبة النقص و مستبدل بمتّسع فضاء «جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ» ظلمة السجن و ضيق الحبس.
و لم أر في عيوب الناس عيبا
كنقص القادرين على التمام
إلّا أنّ هذا السفر لمّا كان مقتحمه في خطب خطير لم يستغن فيه عن دليل و خفير، فاقتضى غموض السبيل و فقد الخفير [1] و الدّليل، و قناعة السالكين عن الحظّ الجزيل بالنصيب النازل القليل اندراس مسالكه، فانقطع فيه الرفاق و خلا عن
[1] الخفير الذي يكون الرفقة في ضمانه و أيضا المجير و الحامى و المحافظ.
الطائفين منتزهات الأنفس و الملكوت و الآفاق، و إليه دعا اللَّه- سبحانه- بقوله:
سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ [1] و بقوله: وَ فِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ. وَ فِي أَنْفُسِكُمْ أَ فَلا تُبْصِرُونَ [2] و على العقود عن هذا السفر وقع الإنكار بقوله تعالى:
وَ إِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ. وَ بِاللَّيْلِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ [3] و بقوله تعالى:
وَ كَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَ هُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ [4] فمن يسرّ له هذا السفر لم يزل في سفره متنزّها في جنّة عرضها السماوات و الأرض و هو ساكن بالبدن مستقرّ في الوطن، و هو السفر الّذي لا تضيق فيه المناهل و الموارد، و لا يضرّ فيه التزاحم و التوارد، بل يزيد بكثرة المسافرين غنائمه، و تتضاعف ثمراته و فوائده، فغنائمه دائمة غير ممنوعة، و ثمراته متزايدة غير مقطوعة إلّا إذا بدا للمسافر فترة في سفره و وقفة في حركته، ف إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ، فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ، و ما اللَّه بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ[1]و لكنّهم يظلمون أنفسهم و من لم يؤهّل للجولان في هذا الميدان و التطواف في منتزهات هذا البستان ربما سافر بظاهر بدنه في مدّة مديدة فراسخ معدودة مغتنما بها تجارة للدنيا أو ذخيرة للآخرة فإن كان مطلبه العلم و الدّين أو الكفاية على الاستعانة على الدّين كان من سالكي سبيل الآخرة، و كان له في سفره شروط و آداب إن أهملها كان من عمّال الدّنيا و أتباع الشيطان و إن واظب عليها لم يخل سفره عن فوائد تلحقه بعمّال الآخرة، و نحن نذكر آدابه و شروطه في ثلاثة أبواب: [5] الباب الأوّل في فوائد السفر و فضله و نيّته.
إقرأ المزيد
الولاية الاخبارية موقع اخباري وثقافي لمن يسلك الطريق الی الله




